السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل نظام الانقاذ مسؤول عن انفصال الجنوب؟ ... بقلم: ثروت قاسم
نشر في سودانيل يوم 15 - 10 - 2009


[email protected]
مقدمة
زعمنا ، وليس كل الزعم اثم ، في مقالة سابقة ، ان الجنوب قد استقل فعليا ) de facto ) عن شمال السودان علي كافة الاصعدة ، باستثناء الصعيد الدستوري ( de jure ) . ومن المحتم ان يتم تكملة الاستقلال الدستوري بحلول الاستفتاء في يناير 2011 .
علي الصعيد السيادي ، ترى الان اعلام الحركة الشعبية مشرعة في كل مكان , في غياب كامل للعلم السوداني . ويتم عزف سلام الحركة في كل مناسبة سيادية , بدلا من السلام الجمهوري السوداني .
علي الصعيد التشريعي ، فان المجلس التشريعي لجنوب السودان يشرع ويمرر القوانين , حتي لو كانت متدابرة مع تشريعات المجلس التشريعي القومي . وقد سمعنا بعض الاصوات في المجلس التشريعي لجنوب السودان تنادي باعلان استقلال جنوب السودان من المجلس التشريعي وقبل الانتظار لاستفتاء يناير 2011 . وربما علت هذه الاصوات بعد انقضاء المهلة ( الاثنين 18 اكتوبر 2009 ) التي اعطتها الحركة لرئيس المجلس التشريعي القومي لاجازة قانون الاستفتاء ؟
علي الصعيد الاداري ، فان حكومة جنوب السودان هي الكل في الكل . الجنوبي يمكنه التنقل داخل شمال السودان دون رقيب ولا حسيب . ولكن الشمالي لا يستطيع السفر خارج جوبا الا بتصريح من الامن الجنوبي . وكأن قانون المناطق المقفولة قد تم احياؤه من رماد ما قبل استقلال السودان .
علي الصعيد الثقافي , فان المناهج والكتب المدرسية من مرحلة الاساس وحتي مرحلة ما قبل الجامعة قد تم استبدالها بمناهج وكتب مدرسية كينية ويوغندية . واختفي التوب ومعه الجلابية ومعهما الحردلو العظيم . وموسيقى واغاني شمال السودان غير معروفة ولا مهضومة في الجنوب . اختفت اللغة العربية , وحلت محلها اللغة الانجليزية , كلغة رسمية , كما دعي الي ذلك قانون المناطق المقفولة ( 1922 ) ومؤتمر الرجاف ( 1928 ) , الذي كان فصل الجنوب عن الشمال الهدف الحصري للقانون وللمؤتمر .
ثقافة الوحدة التي هي الاصل
اصر الجنوبيون علي الوحدة مع الشمال طيلة الفترة التي سبقت نظام الانقاذ , ومنذ بداية تكوين الدولة السودانية الحديثة ( 1821 – 1989 ).
تحالفت القبائل الجنوبية مع القبائل الشمالية ضد الاحتلال التركي ( 1821- 1885 ) وضد تجار الرقيق .
كما شاركت القبائل الجنوبية مشاركة فاعلة مع الثورة المهدية في محاربة الاستعمار التركي . وكان لها أثر كبير في انتصار الثورة المهدية , خصوصأ في بداياتها . واثناء فترة الدولة المهدية ( 1885- 1898 ) كان الصفا والوئام يجمع القبائل الجنوبية مع القبائل الشمالية . ولم تحدث أي تفلتات أمنية في الجنوب ضد الثورة المهدية .
وفي بداية الحكم الثنائي اصر الجنوبيون في اقليم ابيي الحدودي علي الانضمام لمديرية كردفان في الشمال بدلأ من بحر الغزال في الجنوب ( 1905 ) , رغم ضغوط المستعمر البريطاني , الذي لم يكن لاحد ان يتجرأ ويعصي له امرأ في ذلك الوقت .
وشارك ابناء الجنوب اخوانهم الشماليين في قيادة ثورة 1924 ضد المستعمر البريطاني . مما حدا بالمستعمر ان يشرع في تنفيذ قانون المناطق المقفولة ( 1922 ) , الذي كان يهدف لفصل الجنوب عن الشمال .
في مؤتمر جوبا ( 1947 ) , اصر الجنوب علي مشاركة الشمال في المجلس التشريعي لكل السودان , ضد رغبة المستعمر البريطاني , الذي كان يسعي لفصل الجنوب عن الشمال .
وعند استقلال السودان ( 1956 ) اتي حين من الدهر كان سرسريو ايرو , الجنوبي المسيحي , رئيسأ لمجلس السيادة , اي رئيسأ لجمهورية السودان , ذي الاغلبية العربية- المسلمة . وبرضاء الجميع . كانت المواطنة هي الاساس للحقوق والواجبات !
أأأأأأخ ..... كانت تلك أيام نضرات ؟
وشارك الجنوبيون اخوانهم الشماليين في تفجير ثورة اكتوبر 1964 , التي كانت مشكلة الجنوب من اهم مسبباتها . واصبح كلمنت امبورو الجنوبي وزير داخلية حكومة اكتوبر .
وشارك الجنوبيون اخوانهم في الشمال في محاربة دكتاتورية مايو ( 1969 – 1985 ) . وفي انتفاضة ابريل 1985 .
وفي عام 1989 وقبل بداية نظام الانقاذ بشهور قليلة , كان الجنوبيون والشماليون علي مرمي حجر من وأد تمرد قرنق ( اتفاقية الميرغني – قرنق ) , وعودة الصفاء بين الجنوب والشمال في ظل سودان واحد احد .
كما هو مذكور اعلاه , وطيلة الفترة التي سبقت نظام الانقاذ ( 1821 – 1989 ) , اي منذ تكوين دولة السودان الحديثة , لم يأتي ذكر لطاعون الانفصال أو لسرطان حق تقرير المصير . كانت هذه كلمات تابو ينكرها كل سوداني , جنوبيأ كان ام شماليأ ؟ كان المفهوم السائد وقتها هو صفر من المشاكل بين الجنوب والشمال !
فما الذي حدث الان وقلب الريكة ؟ هل تغير الجنوبيون ؟ ام تغير الشماليون واصبحوا انقاذيين ؟ يامرون الجنوبيين بالوحدة وينسون انفسهم وهم يتلون الكتاب ؟ انهم كانوا قوما لا يعقلون ! بل كانوا قومأ لا يستحون ؟
حركات التمرد
دعنا نستعرض حركات التمرد الجنوبية منذ عام 1821 عندما تم ضم الجنوب , لاول مرة , للشمال ( في التركية السابقة ) وتم تكوين السودان بحدوده الحالية ( ناقص دارفور , التي تم ضمها للسودان في عام 1917 , ابان الحكم الثنائي ) . من عام 1821 وحتي عام 1989 , عام بدء نظام الانقاذ ( 168 سنة ) .
في هذه الفترة ( 168 سنة ) قبل الانقاذ , قامت اربعة حركات تمرد كبيرة في جنوب السودان
لم تطالب اي حركة من هذه الحركات بفصل جنوب السودان عن شماله .
تمرد توريت ( 1955 ) , تمرد الانيانيا ون ( 1958 – 1964 ) , تمرد الانيانيا تو ( 1969 – 1972 ) . هذه الحركات طالبت بالفدريشن , اي الحكم الفدرالي لجنوب السودان , تحت السودان الواحد الموحد . (وبالمناسبة هو الحكم المعمول به حاليأ لكل ولايات السودان , في الشمال والجنوب ) . ولكن كان الشعار المرفوع وقتها في الشمال ضد الفدرشين للجنوب .
No federation for one nation
وعندما بدأ قرنق تمرده ( 1983 ) , كان يطالب بالسودان الجديد . ونسق مع اخوانه المتمردين في الشرق وفي دارفور . لم ينادي قرنق بالانفصال في الفترة ( 1983 – 1989 ) , من بدء تمرده ( 1983 ) الي بدء نظام الانقاذ ( 1989 ) .
ظهرت جرثومة تقرير المصير ( الانفصال ) في عهد الانقاذ , ايام الحملات الهلالية ( الصليبية ؟ ) الجهادية الاسلاموية ( الهلال مقابل الصليب ) , كما سوف نوضح ادناه .
مربط الفرس
ربما قال قائل ان الطريق الي الوحدة الطوعية في عام 2011 يمر عبر كسب قلوب وعقول الجنوبيين . ذلك مربط الفرس وحجر الزاوية . نعم ... رضا الجنوبيين وتوافقهم وقبولهم الطوعي للوحدة يتم من خلال ونتيجة لتجربتهم المعاشة مع الشماليين منذ عام 1821 عندما تم ضم الجنوب للشمال في عهد محمد علي باشا الكبير . ولكن العبرة دوما بالخواتيم . وتاثير واثر فترة العشرين سنة الماضية ( 1989- 2009 ) السلبي علي الجنوبيين ( فترة الانقاذ ) سوف يمسح التاثير والاثر الايجابيين لفترة ال 168 سنة التي سبقت نظام الانقاذ ( 1821- 1989 ) ؟ قرار الجنوبيين الايجابي والوحدوي في عام 1905 وعام 1947 , كما هو مذكور اعلاه , سوف ينقلب الي ضده تماما في عام 2011 ؟ كما سوف نوضح ادناه .
هل نظام الانقاذ مسئول عن انفصال الجنوب ؟
للاجابة علي السؤال : هل نظام الانقاذ مسؤول عن انفصال الجنوب
, الفعلي الان , والدستوري الذي سوف يتم في يناير 2011م ؟ يجب علينا ان نكون موضوعيين ونتوخي الصدق والتجرد . وان يكون تحليلنا وما نصل اليه من نتائج مبني علي معلومات موثقة , وليس علي افتراضات واتهامات جزافية .
دعنا نقسم فترة الانقاذ من 30 يونيو 1989م وحتي مؤتمر جوبا في 30 سبتمبر 2009م الي ثلاث مراحل . ونستعرض تصرفات نظام الانقاذ في كل مرحلة من هذه المراحل . وبعدها نجمع النتائج التي وصلنا اليها داخل كل مرحلة من المراحل الثلاث , لنقدم اجابة علمية وموضوعية للسؤال عنوان هذا المقال .
المرحلة الاولي
تبدأ هذه المرحلة من اول يوم لثورة الانقاذ في يوم الجمعة 30 يونيو 1989م وتنتهي في يوم الخميس 7 يوليو 2005م . اليوم الذي سبق وصول الرمز قرنق للخرطوم في يوم الجمعة الموافق 8 يوليو 2005م . طول هذه المرحلة بحساب الزمن بلغ 16 سنة و8 ايام .
في هذه المرحلة الاولي بدأ نظام الانقاذ حربه الاسلامية الجهادية في الجنوب . ادخل نظام الانقاذ , ولاول مرة في تاريخ الصراع السياسي بين الشمال والجنوب ، البعد الديني والهوس الاسلامي . غير نظام الانقاذ طبيعة الصراع بين الشمال والجنوب من صراع سياسي الي صراع ديني . في تلك الفترة كان نظام الانقاذ يخطط ليس لاسلمة الجنوب فقط , وانما لاسلمة كل العالم . سياسة نظام الانقاذ في هذه المرحلة كانت اقصائية وتصفوية . لا تعترف بالاخر , ولا بالحوار معه سواء كان جنوبياً ام شمالياً .
خلال هذه المرحلة وفي اسمرا في عام 1995م , اصرت الحركة الشعبية علي تبني مبدأ تقرير المصير . لانها لا تستطيع ان تعيش في سودان واحد يحكمه نظام الانقاذ الاسلاموي الدموي . ووافقتها القوي السياسية السودانية الحَية علي مطلبها . وظهرت لاول مرة فكرة واحتمالية انفصال الجنوب عن الشمال . وكان ذلك بسبب الحرب الجهادية الاسلامية التي كان يشنها نظام الانقاذ ضد الجنوبيين . واصبح مبدأ تقرير المصير ( الانفصال ) للجنوب من ثوابت وادبيات السياسة السودانية , تقر وتعترف به كل القوي السياسية الحيَة في السودان بخلاف نظام الانقاذ .
ثم دخل المجتمع الدولي في الصراع . وارغمت الادارة الامريكية نظام الانقاذ علي توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الجنوب في 9 يناير 2005م . التي احتوت علي مبدأ تقرير المصير . وتم تضمين الاتفاقية في الدستور الانتقالي 2005م لبلاد السودان . اصبح مبدأ تقرير المصير للجنوب , ولاول مرة في تاريخ السودان ، مادة اصيلة من مواد دستور السودان . كان نظام الانقاذ ضعيفاً وقتها . وقبَل بذلك , تحت الضغط الامريكي ، لكي يستمر في السلطة .
باع وحدة السودان مقابل بقائه في السلطة .
ثم انقلبت الاحوال رأساً علي عقب اثناء المرحلة الثانية .
المرحلة الثانية
تبدأ هذه المرحلة يوم الجمعة الموافق 8 يوليو 2005م . يوم وصول الرمز قرنق الي الخرطوم . وتنتهي يوم السبت 30 يوليو 2005م . يوم استشهاد الرمز قرنق . فترة قصيرة طولها 23 يوماً , ولكنها قلبت الموازين السياسية في السودان رأساً علي عقب . وحرقت كل الادبيات التي تدعو لمبدأ حق تقرير المصير وانفصال الجنوب .
في يوم الجمعة 8 يوليو 2005م رجع الرمز قرنق الي الخرطوم . واستقبلته الملايين من ابناء وبنات شعبه باهازيج الفرح ودقات الطبول .
تلك كانت جمعة مباركة التحمت فيها قبائل الفور والزغاوة والمساليت من دارفور , بقبائل الهدندوة والبني عامر والبشارين من الشرق . التحمت فيها قبائل الوطاويط والهمج والقمز من النيل الازرق , بقبائل الدناقلة والشايقية من شمال السودان . التحمت فيها قبائل الدينكا والشلك والنوير من الجنوب , بقبائل المسيرية والتعايشة والكواهلة من كردفان . كان السودان كله في استقبال الرمز قرنق . ونسي السودانيون قبائلهم واعراقهم واثنياتهم ودياناتهم ولغاتهم المختلفة وتوحدوا في المواطنة السودانية امام المواطن الاول قرنق .
كان يوم الجمعة 8 يوليو 2005م يوماً مشهودا . كان يوم الاستقلال الثاني لبلاد السودان . ألتئمت في ذلك اليوم الاغر الجراح . واصبح السودانيون امة واحدة .
اصبح الناس يتكلمون ويحلمون بالسودان الجديد . ونسوا بل قبروا مبدأ تقرير المصير .
تقرير المصير ؟؟ اتطرشني ؟؟
في يوم الجمعة 8 يوليو 2005م استعاد السودان عافيته . واستعد للانطلاق لكي يلحق بركب الأمم المتقدمة , في ظل المواطنة السودانية , التي هي الاساس الحصري والوحيد , للحقوق والواجبات في السودان الجديد .
فتحت الحركة الشعبية مكاتب لها في شمال السودان . وبدأ الشماليون يتقاطرون , زرافات ووحدانا , للتسجيل في عضوية الحركة الشعبية .
كانت الصفوف تمتد لمئات الامتار , تحت الشمس الحارقة , امام مكاتب الحركة الشعبية , في معظم مدن وبوادي السودان الشمالي . وتكون , في الحركة الشعبية , قطاع الشمال موازياً لقطاع الجنوب . واصبحت الحركة تنادي في ادبياتها بالسودان الجديد ، السودان المتحد الواحد الاحد. واصبح تقرير المصير ام بعيلو ؟
السودان الجديد الذي يعتمد المواطنة اساساً حصرياً للحقوق والواجبات.
كان الناس , في الشمال قبل الجنوب ، ينظرون للرمز قرنق كامل الامة السودانية المتوحدة .
وفجأة وبدون مقدمات انطفأت الشمعة . وخسف القمر . وتلاشي النجم . وانكسر المرق . واتشتت الرصاص . في يوم السبت 30 يوليو2005م ... يوم استشهاد الرمز قرنق ...
وردد السودانيون وهم يبكون :
كان بدري عليك
تودعني وانا مشتاق ليك ...
ثم بدأت المرحلة الثالثة .
المرحلة الثالثة
بدأت هذه المرحلة في يوم الاحد 31 يوليو 2005م ( اليوم التالي لموت قرنق ) . وهي لاتزال متواصلة . ولكن يعتبر مؤتمر جوبا يوم الاربعاء 30 سبتمبر 2009م محطة مفصلية في هذه المرحلة ( 4 سنوات وشهرين ) . سوف تنتهي هذه المرحلة الثالثة في يناير 2011م . يوم اعلان جنوب السودان الانفصال الدستوري من شمال السودان . وتكوين دولة جنوب السودان
بعد موت الرمز قرنق , رجع نظام الانقاذ لقديمه , في نكص العهود وخرق المواثيق . بدأ نظام الانقاذ في عكننة الجنوبيين في توافه الامور .
بدا نظام الانقاذ في تفتيت الحركة الشعبية التي تمثل بوتقة انصهرت فيها كل القبائل الجنوبية .
وظهرت مليشيات الجنجويد الجنوبية المدعومة , تمويلاً وسلاحاً , من نظام الانقاذ . وبدأت في زعزعة الامن في الجنوب , لاظهار ان الحركة الشعبية لا تستطيع حكم الجنوب واستتباب الامن فيه . وبدأت المليشيات القبلية الجنوبية المسلحة ( من نظام الانقاذ ) تهاجم القبائل الجنوبية الاخري . النوير ضد الدينكا . النوير ضد الشلك . الدينكا ضد المورلي . والمورلي ضد النوير ...
عايرة واداها نظام الانقاذ الف سوط .
اراد نظام الانقاذ ان يفتت الحركة الشعبية وحكومة جنوب السودان . كما فتت الاحزاب السياسية الشمالية . مثلاً : كان حزب الامة والحزب الاتحادي الديمقراطي يمثل كل منهما وعاءأ يجمع مختلف القبائل ومختلف مكونات الشعب السوداني العرقية والثقافية والدينية . ثم دخل نظام الانقاذ علي الخط , مفتتاً لهذه الاحزاب الشمالية . ظناً منه ان في هكذا تفتيت قوة له . فظهرت علي السطح الشمالي ظاهرة مسار والدقير . وعلي السطح الجنوبي ظاهرة لام اكول وقاي . وكان من نتائج هذا التفتيت أيضأ , ان ظهرت الحركات القبلية المسلحة والمليشيات الاثنية الجنجويدية في الجنوب وكذلك في الشمال . ماتيب وكوشيب كمثال !
بذر نظام الانقاذ بذور الفتنة والشقاق في الجنوب . وكانت النتيجة صراعات وحروب قبلية وتناحر وتباغض وكراهية وبغضاء بين الجنوبيين . ظن نظام الانقاذ ان في ضعف الحركة الشعبية قوة له .
وفي الخرطوم العاصمة القومية ( للجنوب والشمال) والتي حفظ لها الدستور الانتقالي والاتفاقية وضعاً خاصاً يحترم الاديان المختلفة . بدا نظام الانقاذ , باسم النظام العام ، في القبض علي اكثر من 14 الف جنوبي وجنوبية بتهمة شراب وبيع الخمر ( المسموح به في دياناتهم الافريقية والمسيحية وفي ثقافاتهم الافريقية ) وتم جلدهم وسجنهم . مما اضطرهم للفرار من جحيم عاصمتهم القومية الي اقليمهم الجنوبي . حيث بدأوا يحكون لاهلهم في الجنوب , عن تجاربهم المريرة في العاصمة القومية .
قال وحدة جاذبة .. قال ؟
استمر نظام الانقاذ في عكننة الجنوبيين بشتي الطرق ولاتفه الاسباب . مما اضطر الحركة الشعبية الي الحرد وتجميد مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية . وبدأ الجنوبي في الطنطنة . ولكن لم يعر نظام الانقاذ اي التفات لهذه الطنطنة . بل زاد في غيه .
حرب اهلية ثقافية
( وقمتها ) الجنوبي في نفسه . وقرر الانتظار علي مضض حتي يناير 2011م لكي ينفصل عن نظام الانقاذ . ولكنه بدأ يعد نفسه للانفصال ولتكوين دولته الجديدة . فبدا في تسليح جيش الحركة الشعبية تحسباً لحرب ضد الشمال اذا ( خرخر) نظام الانقاذ في قبول نتيجة استفتاء تقرير المصير في عام 2011م .
تمَ استبدال المناهج والكتب المدرسية في جميع مدارس الجنوب للسنوات ال12 الاولي قبل الجامعة لتتبع المنهج اليوغندي , بدلاً وبعيداً عن المنهج السوداني في شمال السودان . بدأ الطفل الجنوبي يعرف تاريخ يوغندا , ولا يعرف تاريخ السودان . تكرارهذه النقطة ( ومايليها ادناه ) مقصود لاهميتها , ولكي نؤكد ان اللبن قد اندلق ؟
في المحاكم الجنائية والمدنية في الجنوب تجد القانون اليوغندي والكيني . ولا يعرف , ولا يريد ان يعرف , اي قاضي في الجنوب شيئاً عن القانون الجنائي والمدني المعمول به في شمال السودان .
اختفت الجلابية واختفي الثوب من شوارع الجنوب . اصبح الناس يحجمون عن التخاطب فيما بينهم بعربي جوبا . فرضت السلطات الولائية في الجنوب ضرائب باهظة علي المساجد ودور الذكر الاسلامية . اصبح الشمالي لا يستطيع التحرك داخل الاقليم الجنوبي بحرية . بل اصبحت حياة الجنوبيين الموالين للشمال في خطر . كما حدث للمرحومة مريم برنجي في يامبيو . ومئات غيرها .
بدأت الحركة الشعبية حرب أهلية ثقافية في الجنوب ضد الشمال .
قتل الجنوبي ثقافة الشمال . وتوجه لثقافة شرق افريقيا . ورويداً رويدا ... ودخلت نمله انقاذية ... وخرجت نملة انقاذية ... حتي وصلنا الي يوم الاربعاء الموافق 30 سبتمبر 2005م.
دعنا نستعرض ماذا حدث في ذلك اليوم المشئوم في المقالة القادمة .
خاتمة
واهم من يظن ان انفصال الجنوب عن الشمال سوف يحل مشاكل الجنوب .
لن يجعل الانفصال الجنوب , بضربة سحرية , كتلة واحدة متجانسة , متناسقة , ومتصالحة بين مكوناتها ( القبائل ) المختلفة عرقيأ وأثنيأ وثقافيأ ولغويأ ودينيأ . بل العكس سوف يكون الصحيح . خصوصأ بعد زوال نشارة الخشب ( الجلابي او العدو المشترك ) بين قزاز قبائل الجنوب . لن يبني الانفصال للجنوب البني تحتية اللازمة ( خصوصأ البشرية ) . بل العكس صحيح , لان الجنوب سوف يفقد , في حالة الانفصال , ثلث عائدات السودان المادية , من غير البترول .
اللهم الا اذا سلمنا بان الجنوب ( مكجن ) الشمال كده ساكت . وعندها يخرج الموضوع من الموضوعية , والمصلحية والمعقولية . وفي هذه الحالة , لا فائدة ترجي من النقاش ؟
اذا احتجت لمثال لتقريب الصورة , فدونك تجربة انفصال اريتريا عن اثيوبيا , وفشلها الذى تؤكده امواج الفارين من ارتريا حتي تاريخه . والذين تموج بهم مدن وقري السودان , شماله وجنوبه .
انفصال الجنوب سوف يدق اول مسمار في نعش السودان الموحد . وبعدها ينفرط العقد , وينكسر المرق , ويتشتت الرصاص . سوف يتفكك السودان , وسوف تنفصل دارفور , وربما تبعها الشرق .
اتمني ان نكون قد برهنا , بما لا يدع مجالا لاي شك , ان نظام الانقاذ هو الذي أخرج جني الانفصال من محبسه . وعليه فان من اوجب واجباته ان يتكرم باعادة الجني الي محبسه . لهذا الغرض يتحتم علي
نظام الانقاذ , ضمن اجراءات اخري , ان يصر ولا يتراجع قيد انملة عن :
أولأ : اعتماد نسبة ال 90% لقبول خيار الانفصال .
ثانيأ : ان لا يتم الاستفتاء الا في ظل حكومة منتخبة . وليس الحكومة الحالية المعينة .
والا فسوف يلعن اللاعنون قادة الانقاذ , وسوف يسألهم الحق يوم الدين عن تفريطهم في وحدة بلاد السودان ! وسوف لن تعرف روح ختم عبيد الراحة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.