لعل "محتار" الذي لم يبلغ الأربعين قد دُهش دهشة العمر حينما سألته تلك الخواجية التي تعمل معه في ذات الشركة: هل لديك خطة للمعاش؟! ما هي خطة حياتك بعد أن تُحال للتقاعد الإجباري بعد بلوغ الستين حسبما تنص عليه قوانين المعاشات أو حين تجبرك ظروف خاصة على التقاعد الإختياري؟! عندها رد عليها "محتار" بصراحته المعهودة: والله لا أنا ولا كل الناس الذين أعرفهم قد فكرنا في ذلك ناهيك عن أن تكون لدينا خطة للمعاش ثم همس "محتار" لنفسه: (يا أخوانا الخواجية دي مجنونة والله شنو معاش شنو ده البخططو ليهو قبال عشرين سنة؟!) ولعل الخواجية نفسها قد دُهشت بشدة حينما علمت أن "محتار" ليس لديه خطة للمعاش! استرسلت الخواجية في حديث التقاعد وأخبرت "محتار" أنها وقومها يهتمون بشدة بخطة المعاش ، فأخوها مثلاً يخطط للتقاعد في سن الخمسين والانضمام لإحدى المنظمات المتخصصة في تقديم المساعدات الإنسانية أما هي فتخطط للتقاعد عن العمل في سن الستين وإنشاء مكتبة صغيرة تشرف عليها من وقت لآخر بينما تكرس جل وقتها للسياحة العالمية وكتابة الروايات! تساءل "محتار" في دهشة: لماذا ليس لدينا خطط مستقبلية للمعاش؟! هل نحن عشوائيون إلى درجة أننا لا نخطط تخطيطاً استراتيجياً لحياتنا عندما يتغير مسارها تغيراً جذرياً بسبب ترك العمل بصورة إجبارية أو إختيارية؟! هل نحن أنانيون إلى درجة أننا نفضل أن نشعر بأننا خالدين فيها أبدا ولذلك لا نود أن نزعج أنفسنا بفكرة ترك العمل؟! أليس من الطبيعي أن يترك الإنسان العمل حينما يصبح غير قادر على انجازه بالمستوى المطلوب؟ أليس من النبل أن يضحي الكهول حينما ينقلون عُصارة خبرتهم العملية إلى جيل الشباب برحابة صدر بغرض تحقيق النفع الإنساني العام؟ ألا يقول منطق الحياة إنها لو دامت لغيرك ما أتت إليك ؟ أليس من العدل أن يستمتع الإنسان بحياة المعاش بعد أن يتحرر من ضغوط العمل اليومي المسبب لأقسى أنواع التوتر؟ لماذا لا نفكر بأن خطة المعاش هي مكافأة شخصية قيمة نقدمها لأنفسنا بعد طول عناء مع متاعب العمل؟ تأمل "محتار" حال عدد من أقربائه المتقاعدين وراح يتساءل قائلاً: هل الأفضل للمتقاعد أن يقضي كل وقته في البيت مزعجاً الجميع بتكرار قصة حياته ومحاولاً فرض تجاربه وآرائه الخاصة على الجيل الجديد من أفراد الأسرة ؟! أليس من الأفضل أن نقتنع بأن الإنسان لا يُمكن أن يعيش حياته وحياة الآخرين؟! ألا تقتضي الحكمة أن يضع كل إنسان خطة لحياة التقاعد يستمتع بها ويمتع بها الآخرين؟! ألا تقوم أنجح خطط التقاعد في جوهرها على مبدأ بسيط هو أن يشغل المتقاعد نفسه بأعمال يسيرة مفيدة تجنباً للملل والاكتئاب وأن يقوم في ذات الوقت بنقل خبرته العملية إلى الآخرين بأسلوب حساس وذكي لا يجنح لفرض الآراء أو الانتقاص من حق الجيل الجديد في ممارسة حرية الاختيار؟! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر