الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرض لكتاب تاريخ سلطنة دارفور .. بقلم: عبد المنعم خليفة خوجلي
نشر في سودانيل يوم 17 - 10 - 2009


-------------
نهاية استقلال سلطنة دارفور (1)
- تنامي قوة الزبير باشا وسيطرته على بحر الغزال
- دعم الخديوي إسماعيل للزبير
- محاولة كسب مساندة الرزيقات لضمان المرور الآمن لدارفور
مقدمة
أواصل في هذه الحلقة العرض الذي سبق أن قمت به لبعض فصول كتاب " تاريخ سلطنة دارفور" الذي صدر في صيف العام الماضي 2008م - باللغة الإنجليزية - لمؤلفه بروفسور ر. س. أوفاهي – أستاذ التاريخ بكلية دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة بيرقن بالنرويج ، والذي يغطي الفترة 1650 – 1916م .
وسبق أن ذكرت أن الطبيعة التاريخية والأكاديمية للكتاب تنأى به عن محور وأبعاد الأزمة الإنسانية المعاصرة في دارفور ، والتي أبرزت الإقليم إلى دائرة الضوء عالمياً . ويعتبر هذا الكتاب واحداً من أفضل المراجع في موضوع تاريخ دارفور ، إذ أنه إضافة توثيقية ثرية لذلك التاريخ . أما لمن أراد استيعاب الخلفيات التاريخية التي تعين على فهم الصراع القائم حالياًً ، فالكتاب أيضاً يمثل مرجعاً لا غنى عنه ؛ إذ أنه يعكس معرفة لا تجارى وفهماً متعمقاً لتاريخ دارفور ؛ وهو ثمرة أربعين سنة من الأبحاث ، ظل المؤلف خلالها ينقب في ذلك التاريخ (منذ العام 1968م).
-------------
في الجزء الثالث من الكتاب وتحت عنوان (نهاية الاستقلال) يلقي الكاتب الضوء على بعض الجوانب الهامة والتفاصيل المرتبطة بغزو دارفور (1873 – 1874م)؛ معلقاً أن غزو دارفور في عام 1874م من قبل الزبير باشا لم يكن فقط بداية النهاية لوجود سلطنة دارفور كدولة مستقلة ذات تاريخ متصل منذ القرن السادس عشر، بل كان أيضاً نقطة تحول في تاريخ السودان الحديث.
فعلى الرغم من المقاومة البطولية لحكام (كيرا) خلال سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر، ورغم أن آخر سلاطينها- علي دينار بن زكريا قد تمكن رسمياً من استعادة السلطنة في الفترة ما بين أعوام 1898-1916م، إلا أن دارفور بعد عام 1874م ظلت في نظر من حكموها من مصريين ومهدوين وبريطانيين وحتى اليوم جزءاً من السودان بكل ما يعنيه ذلك. إن فكرة دارفور ككيان منفصل- دعك عن استقلالها- لم تدخل الساحة الدولية حتى مفاوضات أبوجا التي جرت تحت رعاية الاتحاد الإفريقي في عام 2004م.
يتناول المؤلف خلفية المناخ التاريخي والإقليمي الذي نشأ تحت ظله الزبير باشا، واصفاً الزبير على أنه نتاج التوسع الاستعماري السائد في حينها، والمستفيد من التكنولوجيا الحديثة آنذاك المتمثلة في السفن والبنادق. فلقد بدأت في منتصف خمسينات القرن التاسع عشر موجة من المغامرين الأوربيين والمصريين والشرقيين والسودانيين الذين استخدموا السفن للتحرك عبر روافد الأنهار إلى غرب بحر الغزال ليكونوا شبكات من (الزرائب) أو (الكبانيات)، وجيوش من الأرقاء بهدف استغلال أهم موردين في الإقليم، ألا وهما البشر والأفيال. وكان وراء كل هذا النظام رجل واحد هو الزبير رحمة المنصور.
يذكر الكاتب أن الزبير رجل ذو تصميم عظيم ومقدرة؛ فمنذ مجيئه إلى بحر الغزال سرعانما أسس امبراطورية تجارية قائمة تنظيميا على (الكبانيات)- أي الشركات التجارية-، وجغرافياً على شبكة من المعسكرات المسلحة (الزرائب)، قوامها فرق من (الأرقاء) المسلحين بالسلاح الناري. كانت التجارة الرئيسية هي العاج، وكذلك (الرقيق) للاستعمال الداخلي كجنود، وكعمال يقومون بزراعة الغذاء للمعسكرات؛ كذلك كان يتم تصديرهم للشمال.
بحلول عام 1865م كان الزبير مسيطراً على كامل بحر الغزال، وذلك بعد قتله لجميع منافسيه أو استيعابهم. لكن مع نمو امبراطوريته دخل في نزاع مع الخديوي اسماعيل؛ فلقد أغلقت إجراءات مكافحة الرق المنافذ عبر النيل الأبيض، مما جعل المنافذ البرية إلى الشمال ضرورية. كانت هذه المنافذ تمر عبر مناطق قبائل البقارة، وهي الأراضي الواقعة بين سلطنة دارفور والمناطق التي هي تحت سيطرة الزبير. وقد عقد الزبير اتفاقية مع الرزيقات في مارس 1866م أساسها هو قيامه بدفع رسوم للقبيلة مقابل توفير الحماية والمرور الآمن عبر أراضيهم (وهذه الاتفاقية هي التي أدت بشكل غير مباشر إلى سقوط سلطنة دارفور).
هذا التقنين للشبكات التجارية في المنطقة سدد ضربة كبيرة للقواعد التجارية لسلطنة دارفور. فلقد أصبح الزبير الآن مسيطراً على الخلفية الاقتصادية للسلطنة، وكذلك على منافذ الدخول إليها والخروج منها. وفي عام 1873م انهارت اتفاقية الزبير مع الرزيقات، إذ تمت مهاجمة إحدى قوافله وقتل عدد من أقاربه. وقبل الثأر لتلك الهزيمة، كتب الزبير خمس رسائل للسلطان ما بين يونيو 1873م واغسطس 1874م ؛ وكان هدفه من وراء تلك الرسائل هو تبرير أعماله. في البداية خاطب الزبير السلطان باحترام باسم "خادم الخديوي" (نحن عبيد أفندينا)، الذي كان مستغرقاً في غزو بلاد الفرتيت. ذكر الزبير للسلطان أن مقاصد الدولة المصرية شريفة، وأنه يخاطبه درءاً للفتن بين الدولتين. كذلك ذكّر الزبير السلطان إبراهيم قرض بالعلاقات الطيبة التي كانت قائمة بين والده والخديوي. ركز الزبير في تلك الرسائل على التأكيد على أنه خادم مخلص لحاكم مصر؛ لكنه في نفس الوقت كان يقر بأن دارفور دولة (الدولة الدارفورية).
كانت لهجة رسالة الزبير الثالثة للسلطان أكثر حدة، احتج فيها على عدم قيام السلطان بالرد على رسالتيه السابقتين. كما ذكر في تلك الرسالة أنه عباسي وهاشمي، ولا يقبل التهديد والإساءة؛ وختمها بنصح السلطان بالتسليم للخديوي. بعد شهر من ذلك قام الخديوي بتعيين الزبير مديراً للشاكة وبحر الغزال، ومنحه لقب بك. ربما كان الهدف من وراء ذلك هو تقديم السند له في محاولته هزيمة السلطان، وأيضاً تزويده بالشرعية اللازمة.
غزو السلطنة
استغرق غزو السلطنة فترة عام تقريباً؛ فالمسافة بين الشاكة والفاشر أكثر من 400 كيلومتر؛ كما أن صعوبات الإمداد كانت تحول دون أي حملة سريعة. ولقد عكست الغزوة إجادة الزبير لهذا النوع من الحروب، وكذلك كشفت عن عدم كفاية التنظيم العسكري لسلطنة دارفور.
كانت القوى المتحاربة تفتقر إلى الندية. فمن ناحية كان الزبير قد تمكن خلال ما يقارب العشرين سنة (1856-1873م) من المعارك الصعبة، من تاسيس جيش غير نظامي لا يجارى قوامه قوات الرقيق ، المعروفين ب (البازنقر) ومؤخراً باسم الجهدية، والذين تم تجنيد معظمهم من قبائل بحر الغزال وما وراءها، وبشكل خاص من قبيلة الزاندي. وكان للعديد من الضباط، مثل النور محمد عنقرة، من الذين خدموا ضمن القوات المصرية، تجارب قتالية. وكان من بين ضباط جيش الزبير عدد من الذين أصبحوا لاحقاً من جنرالات المهدية المشهورين، منهم حمدان أبو عنجة- النور عنقرة- الزاكي طمل- عبد الرحمن النجومي؛ وضابط آخر كان له سجل زاخر في الحروب أكثر من قائده نفسه، ألا وهو رابح فضل الله.
من الناحية الأخرى لم يكن لسلطنة دارفور ما يمكنها من التجاوب مع هذا المستوى من التجربة والممارسة؛ فلقد توقفت السلطنة منذ زمن من السعي لأن تكون قوة توسعية. وجاءت محاولات أحمد شطة والآخرين لتأسيس وحدات عسكرية جديدة مماثلة لقوت (البازنقر) متأخرة جداً. رغم ذلك فقد كانت السلطنة هي من تحرك أولاً، حيث تقدم أحمد شطة بصحبة (صاحب النحاس) سعد النور إبراهيم رماد في دار الرزيقات، وتمكن في ديسمبر 1873م من هزيمة فصيل من قوات الزبير تحت قيادة النور عنقرة. غير أن أحمد شطة- رغم هذا النجاح- رأى أن يكتب خطاباً هادئاً للزبير فيما يبدو أنه محاولة لبدأ مفاوضات معه. لكن أخيراً بتوجيه من السلطان، وضغط من رجاله، هاجم (المقدوم) أحمد شطة الزبير في منطقة ما بين الشاكة ودارة في يناير أو فبراير 1874م؛ غير أنه قتل في المعركة التالية هو وسعد النور، و(المقدوم) عبد الله رنجة، و (الأمين) عبد الباري.
*************
عرض لكتاب"تاريخ سلطنة دارفور"
لمؤلفه بروفسور ر. س. أوفاهي (6)
عبد المنعم خليفة خوجلي
-------------
نهاية استقلال سلطنة دارفور (2)
- المقاومة الدارفورية
- طلب السلطان إبراهيم قرض السند من الدولة العثمانية
- رسائل الزبير باشا لل (علماء) في دارفور
- معركة منواشي ومقتل السلطان
-------------
مقدمة
في هذا الجزء الثاني من هذه الحلقة أواصل تقديم ما ورد في كتاب بروفيسور أوفاهي تحت عنوان (نهاية الاستقلال) ، والذي ألقى فيه الكاتب الضوء على بعض الجوانب الهامة والتفاصيل المرتبطة بغزو دارفور (1873 – 1874م)؛ معلقاً بأن غزو دارفور في عام 1874م من قبل الزبير باشا لم يكن فقط بداية النهاية لوجود سلطنة دارفور كدولة مستقلة ذات تاريخ متصل منذ القرن السادس عشر، بل كان أيضاً نقطة تحول في تاريخ السودان الحديث.
احتل الزبير (دارة) في 23 ذي الحجة 1290 ه، الموافق 11 قبراير 1874م. كانت مع أحمد شطة قوات قليلة نسبياً، هم من فرق (الأرقاء) التي كانت لدي السلطنة، والتي كانت مسلحة ببنادق الرمنقتون؛ بينما بدأ الزبير في جلب تعزيزات معتبرة من (زرائبه) في بحر الغزال حتى بلغ عدد جنوده 7.000 من الرجال المزودين بالسلاح الناري، كما بدأت السلطات التركية المصرية في التحرك.
كانت كل من الخرطوم والقاهرة متابعة لتقدم الزبير بقدر من الانزعاج، وشرعا في اتخاذ إجراءات بهدف إيقاف تقدمه، أو على الأقل سلبه من مكاسبه. في فبراير 1874م أعلن الخديوي إسماعيل الحرب على سلطنة دارفور، وكان الغطاء المبرر لذلك هو "عدوان السلطان، وتصميم الخديوي على إنهاء تجارة الرقيق" ؛ وهي أسباب لا بد أنها بدت للسلطان غريبة. صدرت الأوامر للحاكم العام إسماعيل أيوب باشا بأن يركز قواته في غرب كردفان استعداداً لغزو دارفور.
رغم انتصار الزبير واحتلاله ل (دارة)، إلا أنه كان يجابه ضغطاً من قوات السلطنة. فقد تمكن (الشرتاي) أحمد نمر تيراب حاكم البرقد من تجميع بقايا جيش أحمد شطة، ومناوشة قوات الزبير في (دارة) مما يتيح بعض الوقت للسلطان بما يمكنه من تجميع جيش آخر.
الحرب الدبلوماسية والدعائية
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فقد أرسل الزبير عدداً من الرسائل للسلطان إبراهيم قرض بينما كانت المعارك تدور. وخدمت هذه الرسائل أغراضاً عدة، منها المساس بشرعية سلطة السلطان، وخلخلة دولته بكسب الزبير لشخصيات رئيسية في مؤسسته. وموضوع آخر هام وحساس وهو إيجاد المسوق الشرعي لما أقدم عليه من مهاجمة دولة مسلمة. تم نشر رسائل الزبير للسلطان تحت عنوان " الأجوبة السديدة في إنذار وتهديد أهل المكيدة". في إحدى رسائل الزبير الموجهة لل (علماء) قدم نفسه على أنه المتجرد، حامل رسالة الإسلام للوثنيين في الجنوب.. وتحدث فيها عن محاربته للطغاة والكفرة والمشركين وتحويلهم من عبادة الأوثان، وإدخاله للكثيرين منهم في ملة الإسلام. وظل الزبير يركز في رسائله لل (علماء) على الادعاء بان السلطان قد خالف الدين بحربه لهم دون أن يكونوا قد حاربوه أو خالفوا الشريعة.
بتاريخ الثالث من رجب 1291ه ، الموافق 16 أغسطس 1874م، الموافق 16 أغسطس 1874 ، أرسل الزبير خطاباً أخيراً للسلطان لائمه فيه على إيوائه للرزيقات الذين كانوا يهددون الطرق ما بين دارفور والسودان المصري التي قام هو بفتحها لجميع المسلمين . وأعلن في ذلك الخطاب عزمه على ضم السلطنة باسم الخديوي. جاء في الخطاب "إذا ما كنت عبد الله ومؤمناً بأن الأرض لله يعطي ملكها من يشاء من عباده.." طالب الزبير السلطان أن يتنازل عن الملك ويستسلم لسيده (الخديوي)؛ مؤكداً له أنه يؤمن له ممتلكاته وثرواته ومكانته الرفيعة؛ أما إذا أبى، فسوف يكون مسئولاً أمام الله عن دماء المسلمين. هكذا كانت حجج الزبير مزيجاً من الدين والسياسة. غير أنه للحقيقة والأمانة لم يتطرق لمسألة حق المسلم في محاربة مسلم آخر.
تجاهل السلطان إبراهيم قرض رسائل الزبير؛ وتجاوب معها بتوجيهه رسالة لقبيلة أولاد جابر (بالقرب من مليط)، المعروفين بالصلاح، بأن يعقدوا ألف (ختمة) كاملة للقرآن على نية النصر على الأعداء. والتجاوب الثاني كان دبلوماسيا، حيث بعث برسالة للوزير العثماني الأعلى مذكرا إياه ب (فرمان) سابق أصدره السلطان عبد الماجد (1839-1861م)، وآخر أصدره السلطان عبد العزيز (1861-1876م) يضمنان لسلطان دارفور حدود سلطنته واستقلالها. إن هذين ال (فرمانين) اللذين أشار إليهما السلطان يثيران أمراً محيراً لن يكون له تفسير إلا في وثائق اسطنبول. وذلك حيث أن السلطان عبد الماجد كان قد أصدر (فرمانين) لمحمد علي باشا، كان أحدهما حول السودان ونص بالتحديد على تبعية دارفور لمصر. وتم التأكيد على هذين (الفرمانين) وتمديدهما من قبل السلطان عبد العزيز في (فرمان) بتاريخ 8 يونيو 1867م. فإذا ما كان هذان هما (الفرمانين) اللذين أشار إليهما السلطان إبراهيم قرض- ويبدو أن لديه نسخاً منهما- فمن الصعب أن نفهم كيف فسرهما السلطان إبراهيم قرض على أنهما يضمنان له استقلال سلطنته.
كان لدارفور صلات دبلوماسية مع الدولة العثمانية. غير أن السلطان إبراهيم لم يعتمد كلياً على الضمانات العثمانية المزعومة. فقد سعى لإرضاء الخديوي، إذ بعث له بتاريخ 4 رجب 1291ه الموافق 17 أغسطس 1874م برسالة يعبر فيها عن الخضوع والطاعة، حملها إلى القاهرة التاجر الحاج حمزة، غير أنها لم تكن مجدية.
إن ادعاء السلطان إبراهيم قرض بكون دارفور دولة إسلامية مستقلة ذات سيادة- وهو ادعاء أكد عليه السلطان محمد الفضل لمحمد علي باشا قبل خمسين سنة سبقت- فلم يكن له أي اعتبار في نظر الزبير ولا في نظر الخرطوم والقاهرة.
الحملة مستمرة
في هذا الأثناء ظلت الحملة مستمرة .. فقد أبحرت قوة صغيرة من (دارة) تحت قيادة رابح فضل الله وقتلت (شرتاي) البرقد. وفي حوالي يوليو/أغسطس أرسل السلطان إبراهيم قرض جيشاً آخر جنوباً تحت قيادة عمه الأمير حسب الله بن محمد الفضل. حاول جيش حسب الله محاصرة الزبير في (دارة). غير أن تكتيكات الزبير الدفاعية، المؤسسة على ميزة قوة السلاح الناري، أجبرت الأمير حسب الله على التقهقر شمالاً.
زحف السلطان إبراهيم قرض أخيراً نحو (دارة) ووصلها في 5 رمضان 1291ه الموافق 16 أكتوبر 1874م؛ وكانت المعركة الحاسمة التي انتصرت فيها قوات الزبير بفضل السلاح الناري الذي لم يكن الدارفوريون يعرفونه. بدأ السلطان وبقايا جيشه في الانسحاب نحو جبل مرة، موطن أجداد الأسرة الحاكمة. وبعد تسعة أيام وصل إلى منواشي حيث التحم معه الزبير في 14 رمضان 1291ه الموافق 25 أكتوبر 1874م، في آخر مواجهة بينهما. وكان مع السلطان حراسه الشخصيون فقط. هزم السلطان إبراهيم قرض وتم الاستيلاء على النقارة المقدسة (المنصورة). بأوامر من الزبير تم دفن جثمان السلطان بكامل طقوس التكريم والشرف في مسجد شيخ طاهر أبو جاموس في منواشي. وقوبل سقوط السلطنة باحتفالات في كل من الخرطوم وبربر.
*************


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.