بلينكن عن التدقيق في مزاعم انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان: سترون النتائج قريبا    عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    الخطوة التالية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرض لكتاب تاريخ سلطنة دارفور .. بقلم: عبد المنعم خليفة خوجلي
نشر في سودانيل يوم 17 - 10 - 2009


-------------
نهاية استقلال سلطنة دارفور (1)
- تنامي قوة الزبير باشا وسيطرته على بحر الغزال
- دعم الخديوي إسماعيل للزبير
- محاولة كسب مساندة الرزيقات لضمان المرور الآمن لدارفور
مقدمة
أواصل في هذه الحلقة العرض الذي سبق أن قمت به لبعض فصول كتاب " تاريخ سلطنة دارفور" الذي صدر في صيف العام الماضي 2008م - باللغة الإنجليزية - لمؤلفه بروفسور ر. س. أوفاهي – أستاذ التاريخ بكلية دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة بيرقن بالنرويج ، والذي يغطي الفترة 1650 – 1916م .
وسبق أن ذكرت أن الطبيعة التاريخية والأكاديمية للكتاب تنأى به عن محور وأبعاد الأزمة الإنسانية المعاصرة في دارفور ، والتي أبرزت الإقليم إلى دائرة الضوء عالمياً . ويعتبر هذا الكتاب واحداً من أفضل المراجع في موضوع تاريخ دارفور ، إذ أنه إضافة توثيقية ثرية لذلك التاريخ . أما لمن أراد استيعاب الخلفيات التاريخية التي تعين على فهم الصراع القائم حالياًً ، فالكتاب أيضاً يمثل مرجعاً لا غنى عنه ؛ إذ أنه يعكس معرفة لا تجارى وفهماً متعمقاً لتاريخ دارفور ؛ وهو ثمرة أربعين سنة من الأبحاث ، ظل المؤلف خلالها ينقب في ذلك التاريخ (منذ العام 1968م).
-------------
في الجزء الثالث من الكتاب وتحت عنوان (نهاية الاستقلال) يلقي الكاتب الضوء على بعض الجوانب الهامة والتفاصيل المرتبطة بغزو دارفور (1873 – 1874م)؛ معلقاً أن غزو دارفور في عام 1874م من قبل الزبير باشا لم يكن فقط بداية النهاية لوجود سلطنة دارفور كدولة مستقلة ذات تاريخ متصل منذ القرن السادس عشر، بل كان أيضاً نقطة تحول في تاريخ السودان الحديث.
فعلى الرغم من المقاومة البطولية لحكام (كيرا) خلال سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر، ورغم أن آخر سلاطينها- علي دينار بن زكريا قد تمكن رسمياً من استعادة السلطنة في الفترة ما بين أعوام 1898-1916م، إلا أن دارفور بعد عام 1874م ظلت في نظر من حكموها من مصريين ومهدوين وبريطانيين وحتى اليوم جزءاً من السودان بكل ما يعنيه ذلك. إن فكرة دارفور ككيان منفصل- دعك عن استقلالها- لم تدخل الساحة الدولية حتى مفاوضات أبوجا التي جرت تحت رعاية الاتحاد الإفريقي في عام 2004م.
يتناول المؤلف خلفية المناخ التاريخي والإقليمي الذي نشأ تحت ظله الزبير باشا، واصفاً الزبير على أنه نتاج التوسع الاستعماري السائد في حينها، والمستفيد من التكنولوجيا الحديثة آنذاك المتمثلة في السفن والبنادق. فلقد بدأت في منتصف خمسينات القرن التاسع عشر موجة من المغامرين الأوربيين والمصريين والشرقيين والسودانيين الذين استخدموا السفن للتحرك عبر روافد الأنهار إلى غرب بحر الغزال ليكونوا شبكات من (الزرائب) أو (الكبانيات)، وجيوش من الأرقاء بهدف استغلال أهم موردين في الإقليم، ألا وهما البشر والأفيال. وكان وراء كل هذا النظام رجل واحد هو الزبير رحمة المنصور.
يذكر الكاتب أن الزبير رجل ذو تصميم عظيم ومقدرة؛ فمنذ مجيئه إلى بحر الغزال سرعانما أسس امبراطورية تجارية قائمة تنظيميا على (الكبانيات)- أي الشركات التجارية-، وجغرافياً على شبكة من المعسكرات المسلحة (الزرائب)، قوامها فرق من (الأرقاء) المسلحين بالسلاح الناري. كانت التجارة الرئيسية هي العاج، وكذلك (الرقيق) للاستعمال الداخلي كجنود، وكعمال يقومون بزراعة الغذاء للمعسكرات؛ كذلك كان يتم تصديرهم للشمال.
بحلول عام 1865م كان الزبير مسيطراً على كامل بحر الغزال، وذلك بعد قتله لجميع منافسيه أو استيعابهم. لكن مع نمو امبراطوريته دخل في نزاع مع الخديوي اسماعيل؛ فلقد أغلقت إجراءات مكافحة الرق المنافذ عبر النيل الأبيض، مما جعل المنافذ البرية إلى الشمال ضرورية. كانت هذه المنافذ تمر عبر مناطق قبائل البقارة، وهي الأراضي الواقعة بين سلطنة دارفور والمناطق التي هي تحت سيطرة الزبير. وقد عقد الزبير اتفاقية مع الرزيقات في مارس 1866م أساسها هو قيامه بدفع رسوم للقبيلة مقابل توفير الحماية والمرور الآمن عبر أراضيهم (وهذه الاتفاقية هي التي أدت بشكل غير مباشر إلى سقوط سلطنة دارفور).
هذا التقنين للشبكات التجارية في المنطقة سدد ضربة كبيرة للقواعد التجارية لسلطنة دارفور. فلقد أصبح الزبير الآن مسيطراً على الخلفية الاقتصادية للسلطنة، وكذلك على منافذ الدخول إليها والخروج منها. وفي عام 1873م انهارت اتفاقية الزبير مع الرزيقات، إذ تمت مهاجمة إحدى قوافله وقتل عدد من أقاربه. وقبل الثأر لتلك الهزيمة، كتب الزبير خمس رسائل للسلطان ما بين يونيو 1873م واغسطس 1874م ؛ وكان هدفه من وراء تلك الرسائل هو تبرير أعماله. في البداية خاطب الزبير السلطان باحترام باسم "خادم الخديوي" (نحن عبيد أفندينا)، الذي كان مستغرقاً في غزو بلاد الفرتيت. ذكر الزبير للسلطان أن مقاصد الدولة المصرية شريفة، وأنه يخاطبه درءاً للفتن بين الدولتين. كذلك ذكّر الزبير السلطان إبراهيم قرض بالعلاقات الطيبة التي كانت قائمة بين والده والخديوي. ركز الزبير في تلك الرسائل على التأكيد على أنه خادم مخلص لحاكم مصر؛ لكنه في نفس الوقت كان يقر بأن دارفور دولة (الدولة الدارفورية).
كانت لهجة رسالة الزبير الثالثة للسلطان أكثر حدة، احتج فيها على عدم قيام السلطان بالرد على رسالتيه السابقتين. كما ذكر في تلك الرسالة أنه عباسي وهاشمي، ولا يقبل التهديد والإساءة؛ وختمها بنصح السلطان بالتسليم للخديوي. بعد شهر من ذلك قام الخديوي بتعيين الزبير مديراً للشاكة وبحر الغزال، ومنحه لقب بك. ربما كان الهدف من وراء ذلك هو تقديم السند له في محاولته هزيمة السلطان، وأيضاً تزويده بالشرعية اللازمة.
غزو السلطنة
استغرق غزو السلطنة فترة عام تقريباً؛ فالمسافة بين الشاكة والفاشر أكثر من 400 كيلومتر؛ كما أن صعوبات الإمداد كانت تحول دون أي حملة سريعة. ولقد عكست الغزوة إجادة الزبير لهذا النوع من الحروب، وكذلك كشفت عن عدم كفاية التنظيم العسكري لسلطنة دارفور.
كانت القوى المتحاربة تفتقر إلى الندية. فمن ناحية كان الزبير قد تمكن خلال ما يقارب العشرين سنة (1856-1873م) من المعارك الصعبة، من تاسيس جيش غير نظامي لا يجارى قوامه قوات الرقيق ، المعروفين ب (البازنقر) ومؤخراً باسم الجهدية، والذين تم تجنيد معظمهم من قبائل بحر الغزال وما وراءها، وبشكل خاص من قبيلة الزاندي. وكان للعديد من الضباط، مثل النور محمد عنقرة، من الذين خدموا ضمن القوات المصرية، تجارب قتالية. وكان من بين ضباط جيش الزبير عدد من الذين أصبحوا لاحقاً من جنرالات المهدية المشهورين، منهم حمدان أبو عنجة- النور عنقرة- الزاكي طمل- عبد الرحمن النجومي؛ وضابط آخر كان له سجل زاخر في الحروب أكثر من قائده نفسه، ألا وهو رابح فضل الله.
من الناحية الأخرى لم يكن لسلطنة دارفور ما يمكنها من التجاوب مع هذا المستوى من التجربة والممارسة؛ فلقد توقفت السلطنة منذ زمن من السعي لأن تكون قوة توسعية. وجاءت محاولات أحمد شطة والآخرين لتأسيس وحدات عسكرية جديدة مماثلة لقوت (البازنقر) متأخرة جداً. رغم ذلك فقد كانت السلطنة هي من تحرك أولاً، حيث تقدم أحمد شطة بصحبة (صاحب النحاس) سعد النور إبراهيم رماد في دار الرزيقات، وتمكن في ديسمبر 1873م من هزيمة فصيل من قوات الزبير تحت قيادة النور عنقرة. غير أن أحمد شطة- رغم هذا النجاح- رأى أن يكتب خطاباً هادئاً للزبير فيما يبدو أنه محاولة لبدأ مفاوضات معه. لكن أخيراً بتوجيه من السلطان، وضغط من رجاله، هاجم (المقدوم) أحمد شطة الزبير في منطقة ما بين الشاكة ودارة في يناير أو فبراير 1874م؛ غير أنه قتل في المعركة التالية هو وسعد النور، و(المقدوم) عبد الله رنجة، و (الأمين) عبد الباري.
*************
عرض لكتاب"تاريخ سلطنة دارفور"
لمؤلفه بروفسور ر. س. أوفاهي (6)
عبد المنعم خليفة خوجلي
-------------
نهاية استقلال سلطنة دارفور (2)
- المقاومة الدارفورية
- طلب السلطان إبراهيم قرض السند من الدولة العثمانية
- رسائل الزبير باشا لل (علماء) في دارفور
- معركة منواشي ومقتل السلطان
-------------
مقدمة
في هذا الجزء الثاني من هذه الحلقة أواصل تقديم ما ورد في كتاب بروفيسور أوفاهي تحت عنوان (نهاية الاستقلال) ، والذي ألقى فيه الكاتب الضوء على بعض الجوانب الهامة والتفاصيل المرتبطة بغزو دارفور (1873 – 1874م)؛ معلقاً بأن غزو دارفور في عام 1874م من قبل الزبير باشا لم يكن فقط بداية النهاية لوجود سلطنة دارفور كدولة مستقلة ذات تاريخ متصل منذ القرن السادس عشر، بل كان أيضاً نقطة تحول في تاريخ السودان الحديث.
احتل الزبير (دارة) في 23 ذي الحجة 1290 ه، الموافق 11 قبراير 1874م. كانت مع أحمد شطة قوات قليلة نسبياً، هم من فرق (الأرقاء) التي كانت لدي السلطنة، والتي كانت مسلحة ببنادق الرمنقتون؛ بينما بدأ الزبير في جلب تعزيزات معتبرة من (زرائبه) في بحر الغزال حتى بلغ عدد جنوده 7.000 من الرجال المزودين بالسلاح الناري، كما بدأت السلطات التركية المصرية في التحرك.
كانت كل من الخرطوم والقاهرة متابعة لتقدم الزبير بقدر من الانزعاج، وشرعا في اتخاذ إجراءات بهدف إيقاف تقدمه، أو على الأقل سلبه من مكاسبه. في فبراير 1874م أعلن الخديوي إسماعيل الحرب على سلطنة دارفور، وكان الغطاء المبرر لذلك هو "عدوان السلطان، وتصميم الخديوي على إنهاء تجارة الرقيق" ؛ وهي أسباب لا بد أنها بدت للسلطان غريبة. صدرت الأوامر للحاكم العام إسماعيل أيوب باشا بأن يركز قواته في غرب كردفان استعداداً لغزو دارفور.
رغم انتصار الزبير واحتلاله ل (دارة)، إلا أنه كان يجابه ضغطاً من قوات السلطنة. فقد تمكن (الشرتاي) أحمد نمر تيراب حاكم البرقد من تجميع بقايا جيش أحمد شطة، ومناوشة قوات الزبير في (دارة) مما يتيح بعض الوقت للسلطان بما يمكنه من تجميع جيش آخر.
الحرب الدبلوماسية والدعائية
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فقد أرسل الزبير عدداً من الرسائل للسلطان إبراهيم قرض بينما كانت المعارك تدور. وخدمت هذه الرسائل أغراضاً عدة، منها المساس بشرعية سلطة السلطان، وخلخلة دولته بكسب الزبير لشخصيات رئيسية في مؤسسته. وموضوع آخر هام وحساس وهو إيجاد المسوق الشرعي لما أقدم عليه من مهاجمة دولة مسلمة. تم نشر رسائل الزبير للسلطان تحت عنوان " الأجوبة السديدة في إنذار وتهديد أهل المكيدة". في إحدى رسائل الزبير الموجهة لل (علماء) قدم نفسه على أنه المتجرد، حامل رسالة الإسلام للوثنيين في الجنوب.. وتحدث فيها عن محاربته للطغاة والكفرة والمشركين وتحويلهم من عبادة الأوثان، وإدخاله للكثيرين منهم في ملة الإسلام. وظل الزبير يركز في رسائله لل (علماء) على الادعاء بان السلطان قد خالف الدين بحربه لهم دون أن يكونوا قد حاربوه أو خالفوا الشريعة.
بتاريخ الثالث من رجب 1291ه ، الموافق 16 أغسطس 1874م، الموافق 16 أغسطس 1874 ، أرسل الزبير خطاباً أخيراً للسلطان لائمه فيه على إيوائه للرزيقات الذين كانوا يهددون الطرق ما بين دارفور والسودان المصري التي قام هو بفتحها لجميع المسلمين . وأعلن في ذلك الخطاب عزمه على ضم السلطنة باسم الخديوي. جاء في الخطاب "إذا ما كنت عبد الله ومؤمناً بأن الأرض لله يعطي ملكها من يشاء من عباده.." طالب الزبير السلطان أن يتنازل عن الملك ويستسلم لسيده (الخديوي)؛ مؤكداً له أنه يؤمن له ممتلكاته وثرواته ومكانته الرفيعة؛ أما إذا أبى، فسوف يكون مسئولاً أمام الله عن دماء المسلمين. هكذا كانت حجج الزبير مزيجاً من الدين والسياسة. غير أنه للحقيقة والأمانة لم يتطرق لمسألة حق المسلم في محاربة مسلم آخر.
تجاهل السلطان إبراهيم قرض رسائل الزبير؛ وتجاوب معها بتوجيهه رسالة لقبيلة أولاد جابر (بالقرب من مليط)، المعروفين بالصلاح، بأن يعقدوا ألف (ختمة) كاملة للقرآن على نية النصر على الأعداء. والتجاوب الثاني كان دبلوماسيا، حيث بعث برسالة للوزير العثماني الأعلى مذكرا إياه ب (فرمان) سابق أصدره السلطان عبد الماجد (1839-1861م)، وآخر أصدره السلطان عبد العزيز (1861-1876م) يضمنان لسلطان دارفور حدود سلطنته واستقلالها. إن هذين ال (فرمانين) اللذين أشار إليهما السلطان يثيران أمراً محيراً لن يكون له تفسير إلا في وثائق اسطنبول. وذلك حيث أن السلطان عبد الماجد كان قد أصدر (فرمانين) لمحمد علي باشا، كان أحدهما حول السودان ونص بالتحديد على تبعية دارفور لمصر. وتم التأكيد على هذين (الفرمانين) وتمديدهما من قبل السلطان عبد العزيز في (فرمان) بتاريخ 8 يونيو 1867م. فإذا ما كان هذان هما (الفرمانين) اللذين أشار إليهما السلطان إبراهيم قرض- ويبدو أن لديه نسخاً منهما- فمن الصعب أن نفهم كيف فسرهما السلطان إبراهيم قرض على أنهما يضمنان له استقلال سلطنته.
كان لدارفور صلات دبلوماسية مع الدولة العثمانية. غير أن السلطان إبراهيم لم يعتمد كلياً على الضمانات العثمانية المزعومة. فقد سعى لإرضاء الخديوي، إذ بعث له بتاريخ 4 رجب 1291ه الموافق 17 أغسطس 1874م برسالة يعبر فيها عن الخضوع والطاعة، حملها إلى القاهرة التاجر الحاج حمزة، غير أنها لم تكن مجدية.
إن ادعاء السلطان إبراهيم قرض بكون دارفور دولة إسلامية مستقلة ذات سيادة- وهو ادعاء أكد عليه السلطان محمد الفضل لمحمد علي باشا قبل خمسين سنة سبقت- فلم يكن له أي اعتبار في نظر الزبير ولا في نظر الخرطوم والقاهرة.
الحملة مستمرة
في هذا الأثناء ظلت الحملة مستمرة .. فقد أبحرت قوة صغيرة من (دارة) تحت قيادة رابح فضل الله وقتلت (شرتاي) البرقد. وفي حوالي يوليو/أغسطس أرسل السلطان إبراهيم قرض جيشاً آخر جنوباً تحت قيادة عمه الأمير حسب الله بن محمد الفضل. حاول جيش حسب الله محاصرة الزبير في (دارة). غير أن تكتيكات الزبير الدفاعية، المؤسسة على ميزة قوة السلاح الناري، أجبرت الأمير حسب الله على التقهقر شمالاً.
زحف السلطان إبراهيم قرض أخيراً نحو (دارة) ووصلها في 5 رمضان 1291ه الموافق 16 أكتوبر 1874م؛ وكانت المعركة الحاسمة التي انتصرت فيها قوات الزبير بفضل السلاح الناري الذي لم يكن الدارفوريون يعرفونه. بدأ السلطان وبقايا جيشه في الانسحاب نحو جبل مرة، موطن أجداد الأسرة الحاكمة. وبعد تسعة أيام وصل إلى منواشي حيث التحم معه الزبير في 14 رمضان 1291ه الموافق 25 أكتوبر 1874م، في آخر مواجهة بينهما. وكان مع السلطان حراسه الشخصيون فقط. هزم السلطان إبراهيم قرض وتم الاستيلاء على النقارة المقدسة (المنصورة). بأوامر من الزبير تم دفن جثمان السلطان بكامل طقوس التكريم والشرف في مسجد شيخ طاهر أبو جاموس في منواشي. وقوبل سقوط السلطنة باحتفالات في كل من الخرطوم وبربر.
*************


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.