التقرير الذي أصدرته الولاياتالمتحدة عن أوضاع حقوق الإنسان والحريات الدينية والإتجار بالبشر في العالم وشمل السودان نهاية الأسبوع الماضي شكك في مشروعية الحكومة السودانية، ووجه لها في الوقت ذاته سيلاً من الاتهامات في مجال انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة والإتجار بالبشر، وفي نتائج الانتخابات العامة التي أجريت في العام 2010 بالسودان، وتحدث عن تردي أوضاع السجون السودانية ومراكز الاعتقال، وانتهاك لحقوق المرأة، إلا أن وزارة الخارجية تصدت للتقرير وفندته حيث انتقد بيان اصدرته وزارة الخارجية السودانية التقرير الأميركي وقال بانه يفتقر للمهنية وبعيد عن الموضوعية ومجافٍ للحقيقة، وقال المتحدث باسم الخارجية ابوبكر الصديق في تصريح صحفي إن التقرير اعتمد على مصادر مجهولة ويلوي عنق الحقائق لتتسق مع موقف سياسي ثابت ضد السودان مستمر منذ ما يزيد عن العقدين من الزمان، واعربت الحكومة عن اسفها لمنهج التقرير، ووصفته بالمعيب، التقرير الامريكي لم يكتف بالحريات العامة والاتجار بالبشر بل شكك في نتيجة الانتخابات العامة التي أجريت في عام 2010م، وتقول وزارة الخارجية في ذلك، أن هذه الانتخابات التي يشكك في التقرير الأمريكي اعترفت بها حكومة الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، ورغم تصنيفها ضمن الانتخابات الأكثر تعقيداً إلا أنها حُظيت بدرجة عالية من الاعتراف، وهي ذات الانتخابات التي وصل عبرها الرئيس الحالي لجنوب السودان وحكومته للحكم، وتساءلت فما الذي جعل مشروعية الحكومة السودانية منقوصة ومشكك بها ولا يسري ذلك على الطرف الآخر، ورأت أن الموقف الامريكي ما هو إلا سياسة الكيل بمكيالين التي جعلت الولاياتالمتحدة تفقد كل صباحٍ صديقاً وتخسر الكثير من الاحترام الذي كانت تتمتع به. التقرير الامريكي تحدث عن وجود تجاوزات في مناطق النزاعات، ولكن الحكومة ترى أن هذا الحديث مجرد تكرار زعمه التقرير، وقالت هذه اتهامات أثبتت عدم مصداقيتها تقارير بعثة الأممالمتحدة العاملة في السودان (يوناميد) والعديد من المنظمات الدولية والوطنية العاملة في السودان، كما أن تشكيل محكمة جنائية برئاسة مدعي عام خاص بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم حقوق الإنسان في دارفور وصدور أحكامها المعروفة والمنشورة ومحاكماتها المفتوحة ورفعها لحصانة عدد من الأشخاص ومحاكمتهم بأحكام وصل بعضها للإعدام نفذت بحق من أدينوا، ذلك فضلاً عن إتاحة الحصول على المعلومات للجميع ومنها وزارة الخارجية الأمريكية التي كان يمكنها الحصول على المعلومات من الصحف السودانية أن كانت متكاسلة عن الوصول إلى المحاكم والاطلاع على صحيفة الأحكام القضائية الدورية المتاحة للراغبين. تناول التقرير السجون السودانية ومراكز الاعتقال والاحتجاز، وأورد أصناف من الإساءات تمارس ضد المعتقلين، ولكن الحكومة دافعت عن ذلك بقولها "تكفينا للإجابة على ذلك شهادة الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان الذي زار البلاد مؤخراً وأشاد بأوضاع السجون السودانية، كما أن الأنتربول والمؤسسات الشرطية التابعة للجامعة العربية والاتحاد الأفريقي قد اقرت بأداء ومهنية الشرطة في السودان، ورأت الحكومة بأن الحديث عن انتهاك لحقوق المرأة مجافٍ للحقيقة بدليل أن المرأة تمثل (41%) من جملة العاملين بسلك المحاماة في السودان، وتوجد (80) قاضية، (36%) من وكلاء النيابة العامة في السودان نساء، واردف بيان الخارجية بأن المرأة في السودان حصلت منذ الخمسينيات على الأجر المتساوي والمعاش المتساوي في العمل، وتمثل (25%) من نواب البرلمان. ورأت الحكومة في مرافعتها أمام التقرير الأمريكي بأنها تفتخر رغم ظروف الحرب والحصار الاقتصادي والعقوبات الأحادية التي تمارسها ضدها حكومة الولاياتالمتحدة بأنها الافضل في الإقليم في محاربة الاتجار بالبشر، واردفت بأن الدولة أصدرت قانوناً يحرم الاتجار بالبشر وصلت العقوبة فيه للإعدام، وقطعت بانه ليس من التجار أو الضحايا سودانيين وهو أمر معلوم حتى لسفارة الولاياتالمتحدة بالخرطوم . انتهاك الحكومة للحريات العامة بالسودان لا جدال فيه، هذا ما قاله الخبير القانوني في مجال حقوق الانسان نبيل اديب، حيث قال هنالك تدهور في حرية الصحافة، وتصادر الصحف كل يوم دون اسباب معلومة مما يعد اهدارا للحريات، واردف ان الحكومة تمنع التجمعات والمواكب تفضها بالقوة كما حدث في احداث سبتمبر، وزاد اديب ان عدم الانتهاكات العامة لحق المواطن ظلت تتطالب بها حتى مفوضية حقوق الانسان دون استجابة، ومما يدلل على وجود الانتهاكات الانسانية هو تأكيد الرئيس البشير على الحريات، لذلك فالمغالطة غير مجدية. ويقول اديب لا يمكن ان نؤكد أو ننفي ما جاء في التقرير الامريكي بشأن الاتجار بالبشر فهنالك قضايا ولكن ليس لدينا احصاءات حولها، واردف "الحكومة ملامة في هذا الجانب لأننا طالبناها بقانون حرية المعلومات وهي تخفي المعلومات، لذلك لا نعرف الحقيقة في هذا الجانب"، وطالب اديب الحكومة بتفعيل الحريات المنصوص عليها بالدستور، وجعل اجهزة الدولة "محايدة" بين الحكومة والشعب حتى يتم سيادة حكم القانون وتحقيق الحريات، وتعديل القوانين المقيدة للحريات. أبدت الولاياتالمتحدة تخوفها من انحرافات استبدادية وقمعية في عدد من البلدان، وذلك بعد مرور سنتين على الربيع العربي وما أثاره من آمال في نشر الديمقراطية. وكرست وزارة الخارجية الامريكية للعام الثاني على التوالي حيزا كبيرا من تقريرها العالمي حول حقوق الإنسان لهذه الحركة التاريخية غير المسبوقة التي هزت العالم العربي اعتبارا من ديسمبر2010 في تونس، إلا أن واشنطن التي باتت اليوم أكثر تشاؤما مما كانت عليه قبل عام، لفتت إلى أنه في2012 اصطدم الأمل الذي ولد في الأيام الاولى للصحوة العربية بالواقع المر المتعلق بعمليات الانتقال المثيرة للجدل والمنقوصة. وشدد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي خلال عرضه للتقرير على هذه النقطة، وانتقد دولا عربية في مرحلة انتقالية تعمد حكوماتها الجديدة إلى التلكؤ في ضمان حقوق الأكثر ضعفا وبناء مؤسسات ديمقراطية.