تتفاوت المدارس و وجهات النظر حول مفهوم التنمة الاقتصادية في جميع الدول لكن هناك منهج واضح و ثوابت في تحديد مفهوم قومي للتنمية بملامح واضحة و برامج قابلة للتنفيذ. في السودان ما زال مفهوم التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بعيدا عن التوافق سواء علي مستوي الحكومة او منظمات المجتمع المدني او علي المستوي الاكاديمي المؤسس لمفهوم قومي واضح. منذ اعلان كوبنهاجن الصادر عن القمة الاجتماعية العالمية في العام 1995م و مرورا بمؤتمر جنيف للامم المتحدة الخاص بالتنمية الاجتماعية و الذي انعقد في يونيو 2000م و حتي قمة العشرين الاخيرة بالولايات المتحدةالامريكية ظل البحث مستمرا عن اجابات للاسئلة ألحائرة حول متطلبات التنمية الاجتماعية سواء ان تعلق الا مر بالتمويل و توفير الخدمات الاساسية او بتوفير الحزم المتكاملة من العوامل السياسية و الاقتصادية و المؤسسية و الثقافية التي يمكن ان تؤدي في النهاية الي الحد من مستويات الفقر و التفاوت الاجتماعي و تحد من التمييز حسب النوع او الجنس و تخفف حدة الاثار الناتجة عن برامج التحرير الاقتصادي و الخصخصة و اعادة الهيكلة في اطار ما يسمي ببرامج التكيف الهيكلي. اصبح من الواضح الان خاصة بعد تداعيات الازمة المالية العالمية و ارتفاع اسعار الغذاء و المشاكل البيئية ان العولمة الاقتصادية و التدفقات الحرة لرؤوس الاموال و ثورة المعلومات لم تحدث تحسنا في المستوي المعيشي للفئات الاجتماعية الفقيرة و انما ادت الي مزيد من التدهور و دفعت بالملايين الي الفقر و البطالة. من هنا تاتي الحاجة لوضع رؤية قومية متفق عليها لبرامج التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بالتزامن مع البرامج الانتخابية . بالرغم من القناعة التامة بان مثل هذه الدعوات لن تجد من يصغي اليها في مؤسسات الدولة المختلفة الرسمية و المدنية خاصة علي مستوي الاحزاب السياسية، الا ان طرقها و الاصرار عليها لا يخلو من اهمية حتي و ان كان ذلك من قبيل التذكير و حفز الوعي بها. البرامج المقصودة هي تلك التي تهتم بالعمل من اجل تحفيز الانتاج و خلق فرص عمل مناسبة في الاقتصاد ، توفير الخدمات الاجتماعية و شبكات الضمان الاجتماعي و تطوير الانفاق التنموي و تعزيز فاعلية مؤسسات الدولة بدلا عن اضعافها. هناك قوي تتجاوز الحكومات و تؤثر مباشرة علي حياة الناس يشكل سلبي او ايجابي و هو ما يجب الانتباه اليه و توجيه الجهود نحو التطور في مجال برامج التنمية الاقتصادية و الاجتماعية. في ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية الخاصة بالمفهوم القومي للتنمية يمكن تحديد عدد من العوامل يتلخص اهمها في اصلاح الهيكل الاقتصادي و معدل النمو للاقتصاد الوطني بحيث يصبح اكثر توجها نحو القطاعين الزراعي و الصناعي. تاتي مع ذلك ضرورة تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين بإصلاح هيكل الدخول من جهة و الحد من التضخم من الجانب الآخر و ذلك من اجل تلبية الحاجات الاساسية لغالبية السكان. مع تنوع المشاكل الاجتماعية و السياسية يصبح من الضروري التوافق علي برامج لحل المشاكل المستعصية في مجال الصحة و التعليم و مشاكل استنزاف الموارد الطبيعية و التلوث و التخلص من العقلية المدمرة التي لا تري في المواطن البائس الذي يعاني من الحرمان الا موضوعا للكسب حتي عبر العلاج و التعليم. و من اهم الجوانب ايجاد البدائل المناسبة للتمويل و اطفاء الديون خاصة الديون الخارجية المتراكمة مما يستدعي ايجاد بدائل وطنية بديلة للتنمية تتكامل مع العالم الخارجي. كل ذلك يساعد في السيطرة علي التفاوت و عدم المساواة بين الفئات السكانية و الاقاليم المختلفة و ايجاد رابط بين النمو و تخفيض معدلات الفقر حتي نستطيع تجنب انفجار اجتماعي مدمر في يوم ما يقضي علي جميع المعايير القيمية التي يمكن ان تنتج عن التنمية و تحول جميع المشاريع القائمة و الطموح المستقبلي الي هباء. تكمل الجوانب الاقتصادية بالعوامل السياسية و الاجتماعية و المؤسسية ليصبح المفهوم كاملا. يتطلب ذلك ارتقاء الاحزاب السياسية الي مستوي متقدم في طرح برامجها لتقديم خياراتها و عرضها للناخبين للحكم عليها او علي الأقل إدراكها و تقيمها و الاستناد عليها. Dr.Hassan. hassan bashier [[email protected]]