Alhadi Habbani [[email protected]] الحلقة الثانية 2- تاريخ الأزمات المالية: لم تكن الأزمة المالية العالمية الراهنة ونتائجها المدمرة على الاقتصاديات الصناعية الكبرى والتي تتعرض للكساد وما ترتب عليه من آثار سلبية على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي و الدول النامية، هي الأزمة الوحيدة التي يتعرض لها العالم. فقد شهد العالم العديد من الأزمات منذ نهايات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين و حتي بدايات القرن الواحد و العشرين و من أهمها: · أزمات النصف الثاني من القرن التاسع عشر: - و أشهرها أزمة عام 1866م و التي تعرضت فيها العديد من البنوك الإنجليزية للإفلاس، مما أدى إلى أزمة مالية عصفت باستقرار النظام المالي البريطاني. وتعد هذه الأزمة من أقدم الأزمات المالية الحادة التي شهدها العالم. - و كذلك أزمة بنك بيرينجز عام 1890م والتى تضمنت أوجه شبه واضحة بأزمة المكسيك التى وقعت فى الفترة ما بين 1994م و 1995م. - أزمة أسعار الصرف فى الولاياتالمتحدة الأميركية فى الفترة ما بين 1894م و 1896م. · أزمة "الكساد الكبير Great Depression " فى 1929: - وتعتبر من أشد الأزمات المالية العالمية حدة وأقواها تأثيرا علي العالم و التي بدأت فى 3 سبتمبر 1929م عندما أقفل مؤشر (داو جونز) لمتوسط الصناعة عند 381 نقطة. - وفى الثانى من أكتوبر من نفس العام انخفض المؤشر بما يعادل 49 نقطة، وصاحب هذا الانخفاض انخفاضا آخرا فى اليوم التالى قدره 43 نقطة معلنا بداية حدوث الكساد الكبير Great Recession. - وفى 23 أكتوبر أقفل المؤشر علي 306 نقطة أي بنسبة إنخفاض بلغت 20% بالمقارنة بما كان عليه الحال فى سبتمبر، أى فى أقل من شهرين. - و في يوم 24 أكتوبر 1929م تم طرح 19مليون سهم للبيع كدفعة واحدة و بالتالي زاد العرض عن الطلب بمستويات لم تكن مسبوقة فانهارت علي أثر ذلك قيمة الأسهم، فعجز التجار عن سداد ديونهم فأفلست البنوك وأغلقت عدة مؤسسات صناعية أبوابها، كما عجز الفلاحون عن سداد قروضهم فاضطروا للهجرة نحو المدن. - وقد استمر انخفاض أسعار الأوراق المالية بعد ذلك لمدة ثلاث سنوات، حيث أغلق المؤشر فى 8 يوليو من عام 1932 عند 41 نقطة فقط و وصل المؤشر إلى حوالى 11% مما كان عليه فى 3 سبتمبر 1929م. - هبطت أسعار الأسهم فى سوق المال الأمريكية بنسبة 13%، ثم توالت الانهيارات في أسواق المال على نحو ما لبث أن امتدت آثاره بشراسة على الجانب الحقيقي للاقتصاد الأمريكى وما تبعه من انهيار في حركة المعاملات الاقتصادية في الإقتصاد الأمريكي تمثلت مظاهره في: ü نخفاض شديد فى الاستهلاك الكلى ü انخفاض الاستثمارات من جانب القطاع الانتاجى ü ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى حوالى ثلث قوة العمل الأمريكية فى عام 1932. ü امتدت آثار هذه الأزمة إلى خارج الولاياتالمتحده لتضرب دول أوروبا الغربية على نحو هدد أركان النظام الرأسمالي حيث اضطرت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى سحب رساميلها المستثمرة بالخارج وأوقفت إعاناتها لبعض الدول، فامتدت الأزمة إلى البلدان الصناعية الأوربية و بفعل ارتباطها بالاقتصاد الأوربي فقد امتدت الأزمة لبلدان المستعمرات كما مست باقي دول العالم بفعل نهج سياسة حماية الاقتصاد الوطني. ü فقدان شرعية الفروض الأساسية للنظام الاقتصادي الكلاسيكي الحر المعروف ب "دعه يعمل، دعه يمر". ü قيام الاقتصاديون في الغرب بالبحث عن حلول لمشكلات الاقتصاد الحر. ü ظهرت النظرية الكينزية لتؤكد على ضرورية تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية. - هذا و يعتبر إنعدام الشفافية و الإفصاح و الرقابة الداخلية علي أسواق الأوراق المالية الأمريكية و نظامها المصرفي من أهم العوامل المباشرة التي أدت للأزمة و التي يمكن تلخيصها فيما يلي: ü إنعدام الجهات الرقابية علي البورصات الأمريكية و قصور المعايير التي تحكم عملية التداول. ü القصور في المعايير الحاكمة للشفافية و الإفصاح المالي بالنسبة للشركات و البنوك الأمريكية و عدم وجود معايير دولية موحدة في ذلك الوقت حيث تم تأسيس مجلس المعايير المحاسبية الدولية في عام 1973م. ü إنعدام الأسس الرقابية الداخلية للبنوك الحاكمة لتقييم و تحليل المخاطر الإئتمانية. ü تفشي الفساد و الغش و التلاعب و ترويج الإشاعات و تضخيم المراكز المالية للكثير من الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية و التي إنهارت جميعها و إنهارت معها آلاف البنوك. · أزمة الجنيه الإسترلينى والفرنك الفرنسى فى ستينيات القرن الماضي: - أصبح الدولار علي إثر إتفاقية بريتون وودز عام 1944م (نتيجة لخروج الولاياتالمتحدةالأمريكية من الحرب العالمية الثانية قوية مدفوعة بقوة إقتصادها العسكري) الغطاء الذي يتم بموجبه تبديل كل العملات بالذهب وبسعر (35) دولاراً للأوقية الواحدة من الذهب حيث كان الدولار حينها مغطى بالذهب بنسبة 100% وبقي كذلك حتى سنة 1960م. وهذا يعني أن أصحاب الأرصدة من الدولارات إذا أرادوا تبديله بالذهب بالسعر الرسمي، استناداً إلى بنود الاتفاقية المذكورة، فإن الولاياتالمتحدة تستطيع تأمين ذلك بسهولة. - وهكذا سار نظام النقد الدولي، طوال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الخمسينيات سيراً حسناً. - إلا أن الوضع قد إنقلب رأساً على عقب بنهاية الخمسينيات حيث خسرت الولاياتالمتحدة من أرصدتها الذهبية في الفترة الممتدة من 1958م إلى 1960م حوالي خمسة مليار دولار و ذلك من 22.8 مليار دولار عام 1958م إلي 18.8 مليار دولار عام 1960م و ذلك أن كمية الدولارات المتواجدة خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال تلك الفترة (رسمية كانت أم خاصة) قد تزايدت بشكل ملحوظ عندما بدأت السلطات النقدية للدول الكبري الأخري في العالم تلمس تراكم العجز في ميزان المدفوعات الأميركي و بالتالي بدأت ثقتها في الدولار تتضعضع مما أدى إلى زيادة الطلب على الذهب. فأصبح الأفراد يتسارعون علي تحويل الدولارات إلي ذهب. - كما أخذت المصارف المركزية تطلب من الولاياتالمتحدة الأميركية تبديل قسم من أرصدتها بالذهب وعمدت إلي سداد العجز في ميزان مدفوعاتها بالدولار فقط دون استعمال الذهب. (راجع: نظام النقد الدولي (4): تاريخ تقويم العملات المؤثرة في العالممجلة الوعي (النسخة الألكترونية) - العدد 200- السنة الثامنة عشرة ، رمضان 1424ه ، تشرين الثاني 2003م) - و نتيجة لهذا التسارع و التسابق لإغتناء الذهب فقد بلغت أزمة الذهب أشدّها سنة 1960م عندما ضاعفت المصارف المركزية طلبها على الذهب من الولاياتالمتحدة الأميركية و من سوق لندن أيضاً في الوقت الذي عجزت فيه الكميات الجديدة المستخرجة منه عالميا عن تلبية حجم الطلب المتنامي عليه. - و بالتالي انخفض رصيد الدولار خلال فترة الستينات من الذهب من 100% إلى أقل من 20% كما أصاب الاقتصاد الأمريكي عجز كبير وانخفاض في ميزان المدفوعات وفي الميزان التجاري مع كثير من الدول. - و بالتالي قامت أمريكا بمحاولات لإنقاذ الدولار وطلبت من فروع البنوك الأمريكية خارج أمريكا أن تنقل ما بحوزتها من دولارات إلى داخل أمريكا وذلك للتخفيف من عمليات استبدال الدولار بالذهب في الوقت الذي كانت تقوم فيه كل من فرنسا وبريطانيا بعمليات استبدال مليارات الدولارات بالذهب بقصد تفريغ الخزائن الأمريكية من الرصيد الذهبي حتى سنة 1968م، مما أوقع الدولار في أزمة مستعصية أضطر معها الرئيس الأمريكي نيكسون إلى إصدار قرار في 15 أغسطس 1971م يقضي بإلغاء تبديل الدولار بالذهب ووضع القيود على كل الصادرات الخارجية التي تدخل الولاياتالمتحدة بنسبة 10% مما أدى ذلك الإجراء إلى موجة من الاحتجاجات عالميًّا، وأقفلت البنوك أبوابها، كما توقفت المؤسسات المالية والبورصات العالمية عن العمل. (راجع: المصدر السابق ذكره) · أزمة إنهيار إتفاقية بريتون وودز: - لقد استمر نظام بريتون وودز في العمل منذ سنة 1944 إذ سمح بقدر من المرونة من خلال السماح للدول بتغيير أسعار صرف عملاتها في حدود +1% أو-1% إلا أن الدول الكبرى لم تكن على استعداد لتغيير أسعار صرف عملاتها حيث استمرت الدول التي تعاني من العجز في الاحتفاظ بعملتها دون تخفيض,والدول التي حققت فائضا مستمرا لم تقوم بزيادة قيمة عملتها إذ استمرت في تركم الأرصدة الدولية. - و بصفة عامة يمكن القول بأن نظام بريتون وودز شهد استقرار خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية عقد الستينيات إذ احتل خلالها الدولار الأمريكي مركز الصدارة بين كافة العملات الدولية الأخري و يضاف إلى ذلك أن الدولار أصبح عملة الاحتياطات الدولية الأولى وهو العملة الأولى في مجال قابلية التحويل إلى الذهب كما سبق و قد بينا. - غير أنه في مطلع السبعينات اعترى الضعف قاعدة الصرف بالذهب أي الصرف بالدولار لعدة أسباب انتهت بخروج الولاياتالمتحدةالأمريكية رسميا عن هذه القاعدة في 15 أغسطس 1971م منها: ü العجز المستمر في ميزان المدفوعات الأمريكي بما يفوق رصيدها من الذهب. ü توقعات انخفاض قيمة الدولار التي أدت إلى هروب رؤوس الأموال قصيرة الأجل إلى خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية. ü عدم كفاية السيولة الدولية. ü وجود سوقين للذهب في ظل نظام بريتون وودز) سوق رسمي و سوق حرة). ü فشل نظام السعرين للذهب بعد إيجاد السوق الحرة (السعر الرسمي وهو (35) دولارا والسعر الحر وهو (44) دولار للأونصة). ü قيام كل من ألمانيا وهولندا بتعويم العملة ورفع سويسرا والنمسا من قيمة عملتيهما. ü فرض الرسوم الجمركية الإضافية على الواردات بنسبة 10% من قيمتها و كذلك خفض المساعدات الاقتصادية الخارجية بمقدار 10%.