الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ميليشيا الدعم السريع ترتكب جريمة جديدة    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصادق المهدي وبيان التدليس من داخل سجن كوبر .. بقلم: عشاري أحمد محمود خليل
نشر في سودانيل يوم 20 - 05 - 2014

فأطالب النظام الحاكم في الخرطوم بأن يطلق سراح السيد الصادق المهدي، فورا.
أما وقد سجلت الآن للتاريخ موقفي، ألتفت إلى موضوعات أثارتها عندي رواية السيد الصادق المهدي التي قدمها لنا من داخل سجن كوبر في بيانه المنشور في سودانايل في يوم 18/5/2007. وأرى أن بيان الصادق المهدي لا يعتد به. وهو بيان مسكون بالغرض وبتصنع فقدان الذاكرة وبالتدليس على ماضيه في قمع المعارضين بالرأي والتنكيل بهم.
فالصادق المهدي قال في ذلك بيانه: إنه تم فتح بلاغ ضده بموجب المادة 50 من القانون الجنائي لسنة 1991 ["من يرتكب أي فعل بقصد تقويض النظام الدستوري للبلاد أو بقصد تعريض استقلالها أو وحدتها للخطر، يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله"].
وقال السيد الصادق المهدي إن البلاغ الكيدي من جهاز الأمن تمثل "عدوانا" ضده. وإن مآلات ذلك العدوان توجب "تكوين تجمع عريض ... للمطالبة بالحريات العامة ... وللقيام بكافة وسائل التعبير المدني" لدعم موقفه.
ثم قال الصادق المهدي إن ذلك البلاغ الكيدي العدواني ضده، وما أثاره من إجماع شعبي لصالحهيمثلان دليل العناية [الإلهية] لتبرئة مواقفه السياسية من شبهة بيعه القضية، تغيير النظام. وهو تحدث عن موقفه الداعم للتحول الديموقراطي بصورة "لا تعزل أحدا". وغير ذلك من أقوال على ذات المنوال.
وأخيرا ختم السيد الصادق المهدي أقواله بآيات من سورة هودعن قصة شعيب وأهل مدين وعن موسى وفرعون. وقال إن الآيات تبشره بتقدير إلهي لوضعيته في دخوله سجن كوبر للمرة الخامسة، واحتمالاتها المستقبلية.
لكني أرى أن أقوال السيد الصادق المهدي غير قابلة لأخذها على محمل الجد، وأن روايته غير قابلة للتصديق، بل هي رواية كاذبة. لانها تلغي التاريخ، بما فيه ماضي الصادق المهدي. وهي رواية تستخدم الكتابة تستبعد بها الوقائع الجوهرية ذات العلاقة المباشرة بوضعية الصادق المهدي الراهنة في مساحة سجن كوبر، وفي مساحات أخرى في الماضي وفي مستقبل الأيام.
أولا، في شهر ديسمبر1997. استخدم الصادق المهدي، حين كان رئيسا للوزراء، ذات هذه المادة 50 عن تقويض الدستور وعقوبتها الإعدام أو السجن حتى المؤبد وجواز المصادرة للأملاك، استخدمها ضدي.في بلاغ "كيدي" تمثل كذلك "عدوانا" من نوع ذات العدوان الذي هو يتحدث عنه اليوم. وبأمره، تم حبسي تسعة عشر يوما في مكاتب المباحث المركزية الجنائية. وتم التحقيق معي. وسعى الضابط المحقق واسمه آدم دليل إلى تلفيق تهمة سخيفة ضدي بأني كنت خليفة ياسر عرمان في رئاسة تنظيم حشود المساند للحركة الشعبية لتحرير السودان.
بينما كان السبب الحقيقي وراء توجيه المادة 50 ضدي هو تعبيري عن رأيي قولا وكتابة بشأن الرق في السودان، ومذبحة الضعين.
عليه، كان الأحرى بالسيد الصادق المهدي أن يتفكر أولا في التقديرات الإلهية التي قذفت به في ذات الوضعية التي كان يعذب بها معارضيه في الرأي إبان حكمه الدكتاتوري الفاسد.
ثانيا، تسببت حكومة السيد الصادق المهدي في وقوع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تمثلت في وقوع المجاعة في شمال بحر العزال، ومذبحة الضعين، وممارسة الرق. فهو ووزير دفاعه عندئذ نفذا سياسة تسليح الميليشيات العرقية التي كان أفراد منها يعتدون بصورة دورية على قرى المواطنين من قبيلة الدينكا، ويخطفون الأطفال والنساء، ويقتادونهم إلى قرى ومدن في جنوب دارفور وفي مناطق أخرى لاستغلالهم كأرقاء للرعي بالأبقار والأغنام، ولحفر الآبار والمراحيض، وللزراعة، وللخدمة المنزلية، ولتقديم الخدمات الجنسية.
وهو السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء، كان أمر أعضاء حزبه في البرلمان أن يسقطوا مقترحا للتحقيق في تلك مذبحة الضعين. وهي المذبحة التي قتل فيها موالون لحزب الصادق المهدي في مدينة الضعين أكثر من ألف وخمسمائة مدنيا من السودانيين من قبيلة الدينكا، ومن قبائل أخرى من جنوب السودان. في يوم واحد. وفعلا أسقط نواب الأغلبية أكثرهم من حزب الصادق المهدي مقترح تشكيل لجنة للتحقيق.
وهو أنكر وجود الرق. ثم عاد بعد المغالطات الماكرة إلى الاعتراف بوجوده. وقرر أن لا يفعل أي شيء لإنقاذ ضحاياه. على عكس الإنقاذ التي بالرغم من نفاق بعض الدكاترة من "المثقفين" المنسوبين إليها الذين انكروا وجود الرق وقالوا "اختطاف"، بادر أحد قادتها اللواء أبو القاسم والي دارفور بقرار شجاع سهل به تحرير مئات من الأرقاء الأطفال والشباب والنساء ولم شملهم مع أسرهم.
وهو السيد الصادق المهدي رفض أن يعتذر، عندئذ، لأسر ضحايا مذبحة الضعين. ولم يقم هو أو أي من مسؤولي حكومته بزيارة مئات الناجين من المذبحة في معسكرهم في مدينة كاس. حيث كانت تقدم لهم منظمة أوكسفام العون الغذائي.
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية في يوم 31 مايو 1987 مقابلة مع السيد الصادق المهدي كان يكثر فيها كلامه يبرر قتل أنصاره لأولئك الألف وخمسمائة مدنيا، وهو قال إن جون قرنق كان هو السبب!
إن الجرائم ضد المدنيين من جنوب السودان التي اقترفتها حكومة الصادق المهدي في تلك فترة الثمانينات هي ذاتها الجرائم ضد المدنيين في مناطق العمليات التي يتهم بها حكومة الإنقاذ اليوم. ربما باستثناء وقائع الرق. وعليه، فإن أقواله عن دارفور التي تتعلل بها نيابة الأمن لتوجيه الاتهام ضده أقوال جوفاء لا معنى لها. مما كذلك يجعل نيابة الأمن يثبت عليها أنها ليست لها من قضية ضده. وينبغي لها أن تسحب بلاغها الكيدي الماكر وأن تخلي سبيله. فهو السيد الصادق المهدي بل كان ينفخ وينطق بعبارات لا يعتقد في أية دلالات أخلاقية لها. بل هي كانت أقوالا انتهازية. حين ننظر إليها من خلال عدسة تاريخه في تشجيع مثل ذات العلميات التي يستنكرها اليوم، وهو كان يحميها ويبرر لها ويتستر جنائيا على مقترفيها حين كان رئيسا للوزراء.
فالصادق المهدي يجب إطلاق سراحه فورا. لأسباب غير تلك التي تعلل بها المطالبون بإطلاق سراحه. وغير تلك التي تعلل بها هو.وأن يكون سبب إطلاق سراحه أنه لا يمكن له أن يكون كان يتحدث بصدق عند تناوله لأحداث دارفور. وبسبب أنه لا يمكن له أن يدعي بأية مصداقية أنه حقا كان يستفظع مثل هذه الجرائم ضد المدنيين.
ثالثا، حَشَر السيد الصادق المهدي في بيانه عبارة ذكر فيها دخوله كوبر للمرة الخامسة. وكأنه يحتفي بمعيته مع المناضلين من الذين زجت بهم الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة في الجناح السياسي من سجن كوبر المقيت، دائما بقرارات إدارية. واذكرالراحل التيجاني الطيب، الشيوعي البطل الذي لا يشق له غبار، قضى أغلب سني حبسه الظالم من قبل قضاة السوء في نظام النميري في زنزانة صغيرة. واعتقله وزير دفاع الإنقاذ في ذات سجن كوبر.
إن الذي يقصيه الصادق المهدي من بيانه هو أن القسم السياسي في سجن كوبر، حيث هو يقيم اليوم، كان كذلك دخله مرات عديدة لصوص المال العام. ودخله المتصنع أنه من المعتقلين السياسيين، حسن الترابي. بينما هو كان يرسل التوجيهات منها لإدارة بيوت الأشباح خارج السجن من داخل زنزانته في كوبر.وهو المسؤول مع آخرين عن القتل غيلة للشاب مجدي محجوب. حين رفض التدخل لمنع تلك الجريمة تقترفها حكومته في حضوره.والجناح السياسي في سجن كوبر دخله كذلك شذاذ الآفاق من كل نوع. فلا معنى لقول الصادق المهدي إنه دخل كوبر للمرة الخامسة، وهي عبارة للمقاومة والتحدي للسجانين ليست في محلها.
إن سجن كوبر هو المعمار الذي تم تأهيله وتطبيعه كمبنى ذي سور عال يراه المارة يوميا. لكن المارة قد لا يكونوا مدركين أنه هذا السجن رعته وعشقته واحتفت به واستخدمته جميع قيادات الأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة على السودان، ومنها نظام الصادق المهدي في فترة حكمه "الديمقراطي" الفاسد. وهو كغيره من قادة الدكتاتوريات المتعاقبة استخدم سجن كوبر مساحة للتعذيب والحبس والتأديب والقمع لمعارضيه في الرأي. وأنا كنت أحد ضحاياه في سجن كوبر. لم أحمل سلاحا أتيت به غازيا من ليبيا لترويع المدن بسكانها. ولم أتآمر. ولم أجند أحدا للاعتداء على الآخرين.
وهو الصادق المهدي شخصيا الذي كان أصدر توجيهاته الإدارية لجهازه للأمن لاقتحام بيتي واقتيادي إلى سجن كوبر والرمي بي على بلاط زنزانة قضيت ليلة فيها قبل أن يتم إطلاق سراحي في اليوم التالي. مما كان القصد منه ترويعي وإرهابي وتأديبي لألتزم الصمت إزاء طغيان الحاكم. وقد كان جنود جهازه للأمن الذين جاءوا لإطلاق سراحي قالوا لي إن سبب اعتقالي هو أني كنت قلت في ندوة عامة في السجانة إن الصادق المهدي كذاب. فعليك أن تأخذ حذرك. وهو كذبه كنت توصلت إليه بتفكيك أقواله ومقارنتها بالوقائع المادية المعروفة. ولا يغير من ذلك حتى إذا ثبت أني كنت مثله أنطق عن الهوى لا أصدق ما أقول. لكنها تلك هي مفهمة الديمقراطية عند الصادق المهدي. ويجب أن لا ننخدع بأقواله الراهنة عن حرية التعبير والديمقراطيةأو بدعوته لتجمع عريض لحماية الحقوق يكون هو طرفا فيه.
إن احتفاء الصادق المهدي بمرته الخامسة لدخول سجن كوبر بل يتفه ألف مرة ذكرى الشهيد محمود محمد طه. الذي أعدمته السلطة القضائية الفاسدة، ذاتها القائمة اليوم تتصنع المسكنة. لا يلغي إجرامها المؤسسي أنها عادت ولحست قرارها بعد أن ظهرت مستجدات. فهي قضائية كل نظام يأتي، لكنها هي هي ذاتها فاسدة. وهو إعدام الشهيد محمود في ذات سجن كوبر كان بذات هذه المادة 50 الموجهة اليوم ضد الصادق المهدي. وهي المفارقة لا يدركها الصادق المهدي.
وهو سجن كوبر المحتفى بمرات الدخول فيه يجب تدميره تدميرا وتحويله إلى مساحة آمنة للأطفال والشباب أو مساكن للنساء الفقيرات.
ولابد أن أذكر كذلك الملاحقة التي تعرضت لها من جهاز الأمن في حكومة الصادق المهدي. خاصة من ابن عمه مبارك الفاضل، وزير الداخلية، يده اليمنى للبطش بالمعارضين بالرأي في ذلك الوقت ولتنفيذ أكثر الأفعال انحطاطية ضدهم. وأذكر مصادرة الصادق المهدي وابن عمه لجواز سفري. ومنعهما لي من السفر خارج السودان. ورفض الصادق المهدي تظلمي عنده من تعسف ابن عمه وامتهانه لحقوق المواطن. وأذكر مراقبة أجهزة أمنه لمكان عملي وسكني. ومضايقتي بشتى الطرق. ومما هي ذاتها المعاملة أظل أتعرض لها اليوم من نظام عمر البشير ومن السلطة القضائية الفاسدة في حكومة الإنقاذ. وأنا لم أفعل شيئا غير الكتابة أعبر بها عن رأيي. هذه المرة عن السلطة القضائية الفاسدة.
فاحتفاء الصادق المهدي بالمرة الخامسة في سجن كوبر مردود عليه لا قيمة له.
رابعا، إن قراءة السيد الصادق المهدي للآيات القرآنية المجتزأة بالغرض من سورة هود ليست قراءة صحيحة. ونقله لها بهذه الطريقة في هذا السياق ليس فيه عقل. وهو نقل احتيالي أراد به أن يصور نفسه كشعيب وكموسى وأن يصور عصائب الإنقاذ كأهل مدين ورئيسهم عمر البشير كفرعون، بالتتابع.
لكن الصادق المهدي ليس شعيبا ولا هو موسى. فهذان كانا جاءا إلى أهل مدين وأهل مصر بالحق، لا غيره. وهما لم يأتيا باستحقاقات أسرية أو طائفية أو حزبية ولا بالميليشيات المسلحة. وشعيب رفض أن يكون لرهطه أي اعتبار. بينما الصادق المهدي بل يستقوي على نظام الإنقاذ بقوة رهطه في حزب الأمة. وهي قوة لا يستهان بها وتفهمها قيادات الإنقاذ. ومن ثم، فهي مؤسسات الإنقاذ الأمنية الواعية ستكتفي بمضايقته هنا وهناك. ثم هي ستخلي سبيله وتتركه لحاله. وهي لن تقتله كما قتلت الدكتورعلي فضل وآخرين. وهي لن تسلط عليه قضاة فاسدين كما هي فعلت معي ومع آخرين مثلي. ولن تسحب جواز سفره، ولن تمنعه من السفر. من نوع التدابير التي تعملها اليوم ضدي. ومما هي تفعله مع كل كاتب ليس له رهط مناصرين من نوعية أنصار السيد الصادق المهدي.
وكذا يخطئ الصادق المهدي حين يذهب بالآيات القرآنية إلى تصوراته الغريبة عن تبشيرها له بنهاية لصالحه ضد جلاديه.
لكني أقول له إن أهل الإنقاذ ليسوا من سلالة أهل مدين إلا بخصيصة فسادهم. مما الخصيصة جاء ذكرها في الآية التي حذفها الصادق المهدي من أقوال شعيب حين أمر أهل مدين: "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ". وهم أهل الإنقاذ ليسوا من نوع تلك ملة القبط المسيحيين التاريخية. لم يكنالقبط التاريخيون في أيام فرعون التاريخي كالإنقاذي ينفي زمان ما بعد الحداثة مهووسين بالملابس الداخلية للنساء كيف هي تلتصق بجسد المرأة وكيف هي تكون "ظاهرة تحت البنطلون"، مما يستدعي عنهم القبض عليها وجلدها في المحكمة الفاسدة. ولم يكن الأقباط المسيحيون في التاريخ القديم من الملاحقين للمرأة الشابة الجميلة المتزوجة الحامل من مدينة الحاج يوسف، مدينة جون قرنق، يسائلونها في المحكمة الفاسدة عن الزنا وعن الردة. لم يكن التشابه موجودا، بحيث يكون سائغا للصادق المهدي أن يطابق بين أولئك المسيحيين التاريخيين وجلاديه الإسلاميين أهل الحداثة.
فالمقابلات الموضوعية بين القصص التاريخية في الآيات وبين الوضعيات الراهنة لجلادي الصادق المهدي غير موجودة. ويخطئ الصادق المهدي في تصوراته الإقحامية يفرضها بتفسير تعسفي للآيات القرآنية ليطبقها على وضعه في سجن كوبر.
وهو الصادق المهدي يتمادى في بؤس تصوراته بالنقل من الآيات الكريمة حين هو يغمز لنا بأن الرئيس عمر البشير هو ذلك فرعون مصر التاريخي كانوا أرسلوا إليه موسى هو الصادق المهدي.
إذ لم تكن هنالك من مدعاة أن يذهب السيد الصادق المهدي بعيدا في التاريخ القديم بحثا عن فرعون قديم ليشبه به رئيس معذبيه من الإنقاذيين. فقد كانت متاحة للصادق المهدي صورة قريبة في المكان وفي الزمان كانت ستكون أكثر مفعولا في شاعريتها وأكثر إفضاء للوجعة في قلوب معذبيه. هي صورة ذلك فرعون مصر الذي عذب الإسلاميين أبطال المقاومة شهداء الدفاع عن الديمقراطية في ميدان رابعة العدوية وفي ميدان النهضة وفي الجامع، ونكل بهم وذبحهم وحرق أجسادهم، وقتلهم تقتيلا. مما هي ذاتها كانت مذبحة الضعين المصرية من إتيان الفرعون الجديد في القاهرة. عرفها الصادق المهدي مباشرة، فقرر استبعادها من روايته في بيانه من السجن. مفضلا تصوراته عن الفرعون التاريخي قبل آلاف السنين ليشبه به رئيس الإنقاذيين. بينما صورة الفرعون الحديث كانتهي الأقرب. وهي المستدعاة بواقع قتل الإنقاذ للمتظاهرين في الخرطوم. وتقتيلها المواطنين في دارفور موضوع البلاغ ضد الصادق المهدي بالمادة 50 وبالمواد الملحقة به. وقضاة فرعون مصر الذين بين أيديهم الدموية ألف حكم بالإعدام ضد الإسلاميين الشرفاء هم ذاتهم قضاة السودان المتربصين يحملون في جيوبهم حكم إعدام مريم.وهم سيضعون في جيوبهم حكم إعدام الصادق المهدي، إذا وصلتهم الإشارة الإفهامية من عل. ولكن، وكما قلت، هم لن يتجرأوا.
فأخلص إلى أن بيان السيد الصادق المهدي من سجن كوبر يترنح تحت ثقل التدليس الذي عبأه فيه. باستبعاد الوقائع الجوهرية التي تستدعيها وضعيته الراهنة يتجرع الكأس التي كان يسقى بها معارضيه ملاحقة وحبسا وتعذيبا في سجن كوبر وترويعا بأجهزته الأمنية وبالمادة 50.
وأنا أتمنى أن لا يصيب السيد الصادق المهدي أي مكروه. وأن يتركوه ليعود إلى أسرته.وأنا لا أحمل غلا ولا غليلا ضده.لكنها الكتابة الصادقة غير المشغولة بالمجاملات لا يسمح منطقها إلا بنوع هذه كتابتي عنه. وهي كتابة مقصودة. فأنا أعرفه وأعرف حركاته. بالتجربة الشخصية المباشرة. لا أزال أعاني من الضرر الفظيع الذي سببه لي قبل أكثر من عشرين عاما.
وقد غفرت للصادق المهدي أفعاله الإجرامية الفاسدة ضدي. ويكفيني أن الإنقاذ انتقمت لي منه وطردته من عرشه وطاردته حين هرب واختفى ولم يجد من نصير. وهي الإنقاذ خلصتني وخلصت السودان من حكمه الدكتاتوري الفاسد. وكما هو حال السودان المنكوب، أجدنياليوم كذلك أطلب من رب العالمين أن يخسف الأرض بحكومة الإنقاذ ومؤسساتها وبملتها وبذلك الذي يسميه الصادق المهدي فرعونها. فنحن متفقان، أنا والصادق المهدي بشأن هذه النقطة المهمة.ولا ضير أن نكون مختلفين في الرأي بشأن ما أثرته عنه وعن فترة نظامه الدموي.
وأطلب من رب العلمين أن يمد فضله فيخسف الأرض أيضا بسلفا كير وبرييك مشار. وأن يخلص أهلي في جمهورية جنوب السودان من فسادهما وطغيانهما وقبليتهما وعنصريتهما ومن مذابحهما ومن تجنيدهما للأطفال في حروبهما التي لا تنتهي. ألا فاستجب يارب العالمين.
عشاري أحمد محمود خليل
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.