[email protected] ما توالت الأيام بعد خطاب السيد رئيس الجمهورية، عشية السابع والعشرين من يناير 2014 حتى امتلأت علينا الفضاءات السودانية بحناجر ومنابر وأصوات. كلها تلهج بضرورة الحوار الوطني، وأنّه قد دَنتْ ساعته، وحانت ولادته طبيعياً أو تعسُّرا. تبارت في هذا المضمار الأحزاب السياسية بمختلَف اتجاهاتها، المعارض منها والمتحالف مع الحكومة. المُتمادي منها في خصامٍ مع الحكومة، والمُتلاشي وجداً بين عصاة الحكومة ولِحاها، من أحزاب زينة حكومية. ذات مسؤولية شخصية وعائلية ووقائية محدودة. لا لون لها ولا َطعم. إلّا في "ذوق" الحكومة، إن كانت قواميس الأخيرة ما تزال تحفل بال"ذوق"، ناهيك عن الحِسّ التاريخي والمصداقية والعدالة. استأنتْ بعض الأحزاب المعارِضة عن الزحام الحواري الهادر في أوّلِه، واختارت التمكّث علّ وعسى أن تستقيم مأدبة الحوار في هدوء وعقلانية. كأنما لا تُريد أن تُجبَر على وضع "بيض الحوار" الوطني جميعه، تحت ذات السَّلَّة الراكدة وراكضة في آن..! حيث لا يُؤمَن ساعتها، ماذا ستفرخ تلك ال"حضنة" الجارية. في أجواءٍ تفتقد لأبسط قواعد الحوار الخلّاق. من جانبٍ آخر، فقد هبّتْ كثير من القِطاعات الاجتماعية، الهيئات، الجامعات، الاتحادات إلخ,,, من رُقادٍ طويل. واندفعتْ مهرولة لمباركة الحوار الوطني، كيفما اتّفق ومتى ما أهلّ على الناس. كذلك فقد حرِصت بعض الشخصيات القومية، على إبداء ترحيبها بضرورة الحوار، واستعدادها لدعمه حتى النهاية. انسرب أكثرُ السّاسة الذين يُشارُ إليهم بالبنان؛ في الإشادة الحارة بالخطاب الرئاسي. في ذات الليلة الليلاء التي خرج فيها مولود الخطاب، لا يُدرى أيّ فِطْرةٍ سينشّأ عليها؛ مُقلِّلين من خلوّ الخطاب من المفاجأة التي كانت مُنتَظَرة، بل ومُقلِّلين أيضاً ممّا اعتوَر الخطاب من أسلوب صياغة مُعقّد، ولا يخلو من حذلقة. الأمر الذي فتح الشّهيّات التي كانت مُنتظرِة لمفاجأةٍ مُعلَنة، أنّ تستنتج بسهولة أنّ أسلوب صياغة الخطاب له ما وراؤه من خبايا، وأنّ سهوَ وتعمية الصياغة، ربما فرضته دواهٍ تتخفّى في جُلباب الحزب الحاكم. ترفض أن تتفرّق قماشة الحوار الوطني بالسوية بين الفُرقاء السياسيين؛ وتلك دواهٍ تستوثق في كون قامة حزبها الكبير، ما تزال لها مآربٌ شتّى! في احتكار تلك القماشة الحوارية لأجلٍ غير مُسمَى. أو هو مُسَمّى في أحسن الفروض، بنزول السيد المسيح عليه السلام؛ فتعُمّ الأرض السودانية المَسرّة، ويكون على ناسِها وأحزابها السلامُ خير خِتام. إلى ذلك فقد اندلقت التساؤلات لتحديد مَنْ ذا الذي صاغ خطاب الرئيس، وماذا يُريد أن يقول..؟ وعمّن يُعبِّر هذا الخطاب، وهل صحيح أن هناك نُسخة من الخطاب أُخفيَتْ، ولأيٍّ شيءٍ بُدِّلتْ ..؟ بل أين هيَ وثيقة الإصلاح الموعود..! هل هناك مراكز قوى في الحزب الحاكم؟ وإن كانتْ، أما تزال هيَ متمكِّنة من مفاصل القرار بالحكومة المُجهَدة بالتمكين..؟ والمُثقلة بالتحلل والتحكيم والترمّل والتقفيل. هل تستجرئ أيّ مراكز قوى أن تعمل على إفشال خُطّة السيد الرئيس، وهكذا عينك عينك وعلى الملأ الذين يشتجرون ..؟ بل أيِّ مطامحٍ تلك التي تُحرِّك تلك القوى. أفلا تخشى انكشاف ظهرها، أم أنها لاتخاف أن تؤثم بأنها ما تزال مستمسكة بضلالها القديم. أقلّه الضلال الذي تقف شواهده ماثلة أمام الناس جميعاً، في راهن اليوم. ممثّلاً في الخراب السياسي العميم، والضيق الاقتصادي الوخيم، وحالة اللّاسِلم واللّاحرب. تلك التي تتردّى فيها عديدٌ من المناطق السودانية؛ بل وباب الفضح الفسادي الذي انفتح على مصراعَيه، وانكشف المستور عن بوائقٍ شنيعة، حتى إنّها عَصيّة على التصديق، لولا البراهين المنشورة على الحيطان. ما إن جاء يوم السادس من أبريل2014، وبعد مُضيِّ سبعين يوماً حسوما، حتى انعقد اللقاء التشاوري بين السيد الرئيس وقادة الأحزاب المُرحِّبة بالحوار، ومُنتظرة ومؤمِّلة فيه. ثم خرجتْ مُخرجات التشاوري بمُقترح (7+7) كمجلس قيادي للحوار، لكنّ المُقتَرح ما يزال قيد النظر والحوار ..! بين شَدِّ وجذب يقطع شَعَرة معاوية. لقد مَرّ الآن على اللقاء التشاوري ما يقترب من السّبعين يوم، ولسان حال بعض القوم: هانتْ، بينما لسان آخرين: بُعداً للقوم المحاوِرين. تململتْ التنظيمات التي رحّبتْ بالحوار مبدءاً. ثم نفض بعضها يده ظاهراً وباطناً عن حوارٍ لا تحين جلساته إلّا مَرّة واحدة بعد سبعين يوم..! كأنّه "حوار أب سبعين!"، فكم من سبعينات الأيام – يا تُرى – يمتلك السودانيون حتى لا ينكسر مِرق الحوار الوطني، فيتشتَّتْ الرّصاص ..؟ اشتدت الأزمة السياسية راهن اليوم؛ وبأكثر ممّا كانت عليه قبل ال (مئة وأربعين يوماً) المنصرِمة..! تلك التي أضطرّت أو حبَّبتْ في الحوار الوطني. مرّت كثيرٌ من المياه تحت الجسور، وما تغيّر شيءٌ على سطح السياسة، إلّا للأسوأ..! فإلى أينَ نُساق ..؟ ///////////