لم يكن يدر بخلدي، أن مقطع فيديو يتم تداوله في مواقع التّواصل الاجتماعي للأخ الصديق جمال محمد عبد الله الوالي رجل الأعمال المعروف، ورئيس نادي المريخ، يثير جدلاً واسعاً, ولغطا ًكبيراً, وهو يتحدث في لقاءٍ تلفزيوني عن بعض قضايا المريخ، فيُستثار غضباً وغيظاً من إحدى المُداخلات، فيرد وهو غضبان على تلكم المداخلة التي أثارت بعض الاتهامات له، وانتقادات لإدارته لنادي المريخ، ففي غمرة هذا الغضب السّاطع, حيث استشهد بمقولة دارجة بين الناس، قائلاً يقول الله تعالى: "العارف عزو مستريح". فاستغل كثيرٌ من منتقدي زلة اللسان هذه، ووجهوا إليه قدراً من السُّخرية والتهكم، وادعاء قلة معرفته بكتاب الله. ولكن نقولُ لهؤلاء وغيرهم، إن زلات اللسان عُرفت لدى كثيرٍ من القادة السياسيين والعلماء، وتفاوتت آثارها وتداعياتها، حسب قائلها، والذين قيلت فيهم. وفي رأيي الخاص، أن زلات اللسان كما جاء التّعريف بها، أنّها كلمات يقولها المرءُ دون قصدٍ، فأحياناً تهزم المرءُ أفكاره في ساعة غضبٍ وغيظٍ، فتختلج عليه العبارات، وتتداخل عنده الاستشهادات، فتحدث ردود فعل متباينة، على الرغم من بيان أنها زلة لسان. وفي حال الأخ جمال، نسي أو تناسى منتقدوه التماس العُذر له، وهو يُتهم من قبل أحد معارضيه بأنّه يتلقى أموالاً من الخارج لدعم المريخ، فجاء استشهاده الذي وصفناه بزلةِ لسانٍ، ولم يلتمس له أولئك عُذراً. فقد غاب عنهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ". ولما كنتُ أرغبُ في إيجاد تخريج موضوعي، لزلة لسان الأخ الصديق جمال الوالي، عرجتُ إلى بعض المراجع للوقوف على بعض زلات اللسان لكثيرٍ من المشاهير، ساسةً وغير ساسة، فبدءاً وجدتُ في بعض كتب الأمثال، أنّ المثل الدارج بين بعض السودانيين "العارف عزو مستريح"، هو من الأمثال السائدة في غرب السودان وتشاد، وأن زلات اللسان فيها ما هو عالمي وإقليمي ومحلي. ففي عام 2006 ارتكب عددٌ من قادة العالم زلات لسان، أثارت ردود فعل متباينة، وكان أشهر تلك الزلات على المستوى الدولي بابا الفاتيكان، وأطرفهم الرئيس الأميركي جورج بوش، وايهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، وعلى المستوى العربي الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. وكان نجم زلات اللسان بلا أدنى ريب مهدي عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين. أحسبُ أن الكثيرين يتذكرون قصة ذاك الإعرابي الذي سافر لوحده في صحراءَ جرداء، فشردت منه راحلته وفيها طعامه وشرابه، فلما أضناه التعب، بحثاً عنها، خلد إلى النوم تحت ظل شجرة بعد أن أيقن أن الموت مدركه. فلما أفاق وجد راحلته فوق رأسه، فلم يصدق حتى أخذ بلجامها، وتحسسه مراتٍ ومراتٍ، فلما تيقن أنه نجا من الموت عطشاً وجوعاً، وعادت إليه راحلته، وأخذه الفرح كل مأخذٍ، قال من شدة فرحه يشكر الله سبحانه وتعالى: "اللّهم أنت عبدي وأنا ربك"، فإنه بلا شكٍّ أخطأ من شدة الفرح، إذ أنه أراد أن يقول "اللهم أنت ربي وأنا عبدك". ولكن زلة اللسان هذه أدركها هذا الإعرابي بالتوبة والأوبة إلى الله تعالى، تصديقاً لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الله تعالى يفرح بعودة المسيء إلى رحاب عفوه وتوبته عن المعاصي كثيراً، ومثّل له بفرح الرجل الذي أضاع راحلته في الصحراء، وعليها ماؤه وزاده، فلما أيس من الحياة أعاد الله إليه راحلته، فأخطأ الرجل حين أراد شكر الله تعالى. أخلصُ إلى أن الأخ جمال الوالي من الضّروري أن يؤوب إلى الله تعالى بالاعتذار عن زلة اللسان هذه، مؤكداً أن حاله في ذلك إن لم يكن كحال الإعرابي شاكراً إلى الله تعالى، بإعادة راحلته إليه، ولكنه في حال من استشاط غضباً، ولم يستطع معه كظم غيظه، على الرغم من أني أعلم أنه من العافين عن الناس. فليستغفر الله كثيراً، وحسبي أنه أراد بذلك المثل قول الله تعالى: "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ". ولنستذكر في هذا الخصوص، قولَ الله تعالى: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". وقولَ الشّاعر العربي زُهير بن أبي سُلمى: وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍ يُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ //////////