حزب المؤتمر الوطني الحاكم بحسب ما تناقلته الصُحف قبل أيام، إنتهَي للقول، بأنَّ عدم قيام الانتخابات في موعدها العام القادم (وفقاً للدستور) أو دون اتفاق يقرَّه الحوار الوطني بتأجيلها سيَقُود للفوضَي التي سَتَنْجُم مِن فقدان الشرعيَّة للحكومة ومؤسساتها(!). وذلك قبل أنَّ يَحَسِمَ رئيس الجمهورية الأمر، مؤكداً عدم تأجيل الانتخابات. لأنَّ التفويض جاء من الشَّعب ولن يقبلوا بأيّ تفويض من أية جهة أُخري(!). (صحيفة اليوم التالي عدد الجمعة 27/6). لا أخالني أتعدَي علي الحقيقة ولا أظنني أجانب الصواب، إن زعمت أنَّ جميع مستويات الحُكم في السُّودان، القومي والولائي منها، ستفقد الشرعيّة (الدستوريّة) بعد التاسع من يوليو العام الحالي. فباستقراء نصوص الدستور الانتقالي الحالي، نجد المادة 216 والتي حددت مواعيد الانتخابات، نصت علي الآتي (تُجرَي انتخابات عامة علي كُل مستويات الحُكم في موعد لا يتجاوز نهايّة العام الرابع من الفترة الانتقاليّة). ونصت المادة 226/4 من الدستور علي أنّ الفترة الانتقالية تبدأ في التاسع من يوليو2005م. وبهذا، ووفقاً للدستور، كان يجب أن تُجري الانتخابات العامة قبل التاسع من يوليو العام 2009م. لتُجري بعدها دورياً إنطلاقاً من هذا الموعد. ولكن، نسبةً لِتَماطُل الحزب الحاكم وتلكؤه في إيداع القوانين المُقيدة للحريات منضدة البرلمان –رغم أنَّ ما عُدِلَ منها لَمْ تَحُل قيدا- تأجلت الانتخابات إلي فبراير 2010. ثم تأجلت مرة أُخري إلي أبريل 2010م. ورغم أنَّ ذلك التصرف تَطَّلَب حينها تعديل الدستور، إلاّ أنَّ شيئاً من ذلك لَم يَحدُث. وهكذا، ركّل شُركاء الحُكم آنذاك قانون البلاد الأعلي. ومضوا في الطريق غير آبهين بِفعلتهِم. ثم صدر قانون الانتخابات القومية في يوليو العام 2008م. ورغم أنَّ، القانون نَصَّ في مادته الرابعة علي إنشاء المفوضية القومية للانتخابات خلال شهر واحد فقط من تاريخ إجازة القانون، إلاّ أنَّ، المفوضية شُكِلَت في نوفمبر من العام 2008م. ورغم أنَّ الدستور نَصَّ في مادته 220/1 علي أنَّ يصدر قانون استفتاء جنوب السودان في بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية، أي في يوليو العام 2008م ، إلاّ أنَّ البرلمان أجاز القانون في 29ديسمبر من العام 2009م. لِيُعد ذلك خرقاً دستورياً آخر. من وجهة نظري المتواضعة، فطالما ظل الدستور الانتقالي سارياً بِشكله الحالي، فإجراء الانتخابات الدورية يجب أن تُؤسس مواعيدها وفقاً لأحكام المادة 216 من الدستور الانتقالي. فهذه المادة تُعتبر الأساس لأية انتخابات دورية. وتأجيل استحقاق دستوري كان مُقرراً إجراؤه قبل التاسع من يوليو2009 إلي أبريل2010 في رأيي، يُقلِّص مُدة الدورة ولايُغَيّر مَوعد الدورة التي تليها. بالتالي، التأجيل الذي تم آنذاك لايعطي الحزب الحاكم أو مفوضية الانتخابات، الحق في إجراء الانتخابات في أبريل من العام القادم. لأنَّ ذلك التأجيل لَم يسندهُ نص من الدستور. وعلي نصوص الدستور تُقاس سلامة التصرفات من عدمها. لذا، فالانتخابات المزمع إجراؤه في أبريل من العام القادم، يجب أن تُجري قبل التاسع من يوليو من العام الحالي. وأعتقد أنَّ مَن يدعِي أنَّ الديمقراطيّة هي التي حملتهُ إلي سُدة السُلطة، أهون عليه تقليص فترته في الحُكم للالتزام بأحكام الدستور، بدلاً من مُعاودة خرق الدستور. هذا غير أنَّ، الحزب الحاكم كان في إمكانه تعديل الدستور أولاً. خاصةً وأنَّ المادة 216 -وهي ليست من المواد التي تسقط تلقائياً- تشير إلي وضع لَم يَعُد سارياً الآن –أقصد الفترة الانتقالية وليس موعد الانتخابات- والتي إنتهت في التاسع من يوليو العام2011م. فرغم أنَّ الدستور لَم يتضمّن نصاً يُحدد موعداً لإنتهاء الفترة الانتقالية، إلاّ أنَّ، قانون استفتاء جنوب السُّودان صدر حينها مُتضمّناً نَصاً في مادته الثانية تنُص علي أنَّ الفترة الانتقالية يُقصد بها فترة الست سنوات التي تبدأ من التاسع من شهر يوليو 2005م. وبما أنَّ الدستور نَصَّ في مادته 222/1 وكذلك قانون استفتاء الجنوب في مادته الثالثة علي إجراء الاستفتاء قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية، فهكذا، انتهت الفترة الانتقالية بإعلان انفصال جنوب السودان في 9يوليو2011م. وهذا هو ما دفع بِقوَي الاجماع الوطني للمطالبة وقتها بتشكيل حكومة قومية انتقالية، وإجراء انتخابات جديدة. إلاّ أنَّ، الإسلاميين، الفئة الحاكمة، وكعهدها دائماً، لَمْ تَعِرْ اهتماما لذلك، ومضت مُتمَسِكَة بالسُلطة التي تَدعِي أنَّ الإرادة الشعبيّة هي التي أوصلتها إلي ذلك. لا خلاف في أنَّ الدستور الانتقالي الحالي هو دستور فوقي، ولا يُعَبِّر عن الإرادة الشعبيّة لِجموع الشعب السُّوداني. إلاّ أنَّ ذلك، لايعني عدم مُطالبتنا باحترام نصوص الدستور. باعتباره أمر واقع. لذا، كان مِن المُتَعين علي الحزب الحاكم تعديل الدستور أولاً، قبل الشروع في الحديث عن أي أمرٍ آخر. وتعديل الدستور أمرٌ كان يسهل تحقيقه في ظل هيمنة الحزب الحاكم علي معظم مقاعد الهيئة التشريعيّة القوميّة. فبِموافقة ثلاثة أرباع جميع الأعضاء لكل مجلس من مجلسيّ الهيئة التشريعيّة في اجتماع مُنفصل لكلٍ منهما (المجلس الوطني ومجلس الولايات) يجوز له تعديل الدستور وفقاً لِنَّص المادة 224 من الدستور الانتقالي. وعليه، وبما أنَّ الدستور الانتقالي لَم يتم تعديله، وظل بِشكله الحالي سارياً، والانتخابات العامة من المستحيل إجراؤها قبل التاسع من يوليو العام الحالي، فيبقي المخرج والسبيل الوحيد، هو حل الحكومة. علي أن تُشَكَّل حكومة قومية انتقالية، تصدر إعلاناً دستورياً يُعَطَّل فيه العمل بالدستور الانتقالي، لِتُجرَي بعدها انتخابات حُرة ونزيهة. ولكن، بما أنَّ هذا المخرج مُستَبعَد لطبيعة النظام الطبقيّة، فبالتالي، سَتَكمِل الفئة الحاكمة السَّير في طريقها، وتطرح الدستور جانباً، لِتمضِي في انتخاباتها (وفقاً للدستور). وعندها ستكون أية حكومة (مُنتخبة) قادمة فاقدة للشرعيَّة الدستوريّة. لأنَّ ما بُنِيَّ علي باطلٍ فهو باطل. وعموماً، يظل الشعب السُّوداني مُواصلاً طريقه، ولِسان حاله يُردد أبيات الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم : أنا الشعب ماشي وعارف طريقي كفاحي سلاحي وعزمي صديقي أخوض الليالي، وبعيون أمالي أحدد مكان الصباح الحقيقي