تناولنا بالأمس جوانبَ مهمةً في فهم بعض المفاهيم المتعلقة بفقه السترة، وفصلنا بعضاً من أنواع الستر، وقلنا إنه يندب للمسلم إذا وقعت منه هفوة أو زلة تتعلق بسلوك خاص، أن يستر على نفسه ويتوب بينه وبين الله - عزّ وجلّ -، وألا يرفع أمره إلى السلطان، ولا يكشفه لأحد كائناً من كان، لأن هذا من إشاعة الفاحشة التي توعد الله قائلها، بقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". ولأنه هتك لستر الله - سبحانه وتعالى - ومجاهرة للمعصية، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ، الَّتِي نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا يَعْنِي الزِّنَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلا يَعُودُ". وأحسب أن فضل الستر على المسلمين عظيم، وهو سبب لستر الله في الدنيا والآخرة. فضلاً عن النهي عن تتبع عورات المسلمين والتجسس عليهم. فقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوبة من يفعل ذلك أن الله يفضحه ويُظهر للناس ما يستره عنهم. فالستر عن المخطئ أحياناً يكون من سبل الحفاظ على المجتمع، وحمايةً من الرذيلة. ولكن من الضروري أن نلم إلماماً تاماً بمفاهيم الستر، وبجوانب مهمة في فقه السترة، لأن أمر الستر ليس بالإطلاق، وقد قيد ببعض الاشتراطات المتعلقة بكراهة السترة في الشأن العام. فالأمر بالستر لا يشمل الدعوة للفجور، ومن يُظن تأثر العامة به. وأحسب أن مرتكب الجرائم في الحق العام أولى بأن يُفضح وأن يُظهر للناس ما يستره عنهم. والأدعى أن تهتم العامة، وبعض الجهات المشتغلة بالشأن العام بفضحه، وتقديمه إلى ولاة الأمر، ومن ثم إلى السلطات العدلية والقضائية ليلقى جزاءه. وذهب بعض الفقهاء إلى أن من يُتهم في دينه أو في ذمته، يُستحب من ولاة الأمر إقالته إلى حين براءته أو إدانته. ومن الضروري أن نفرق بين مفاهيم فضل الستر على الناس، ومفاهيم عدم الستر على الناس. فالأول يغلب على إثمه الخاص، فلذلك ستره يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة"، ولكن من الضروري أن نفهم أن عدم الستر في الحق العام لا يعني كيل الاتهامات جُزافاً، بل يعني النهوض بواجب شرعي لإنكار منكر بالإبلاغ عنه، ومواجهته بالوسائل القانونية، في إطار المبدأ الشرعي العام "من أين لك هذا؟"، فإن أجاب وأوفى بالإجابة، ورأت الجهات العدلية والقضائية أنه بريء، كففنا عنه ألسنتنا، وشرعنا في الاعتذار له. ونخلص إلى أن قضية فقه السترة أثارت لغطاً كثيراً، وجدلاً واسعاً في المجتمع السوداني، وأظهرت هذه المساجلات والمجادلات غياب مفاهيم مهمة في فقه السترة، فبين السترة والتستر خيط رفيع ينبغي مراعاته والعمل على الفصل بينهما، شرعاً وقانوناً.