[email protected] انطلقت الاشاعة بوفاته، وغطت سحابة من الحزن سماء السودان حزنا على ابن السودان المحبوب ومحل احترام وتقدير كل ابناء الشعب ومحبيه، الذين طربوا ايما طرب، بعزف الألحان الطروبة، وقوسه الرنان الذي يداعب أوتار الكمان، الريان الذي يروي ظمأ كل مستمع لتلك الأنامل الرقيقة وهي تداعب الأوتار، ولكن سرعانما تم تكذيب الخبر، فالعازف الملهم لايزال على قيد الحياة، وتنفس الناس الصعداء وحمدوا الله على سلامته، لكن كل ابن انثى وان طالت سلامته يوما على ألة حدباء محمول والآجال بيد الله العزيز القدير الذي كانت مشيئته أن يرحل عنا الفنان القدير في الثلث الأوسط من الشهر الفضيل حيث المغفرة، فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم، الحنان المنان، الحي القيوم أن يتغمده بواسع رحمته التي وسعت كل شئ، ويجعل البركة في ذريته، ويلهم أله وذويه وصحبه الصبر والسلوان، فهو فقد جميع أهل السودان، الذين كانوا يكنون له كل تقدير واحترام، وأن يحسن اليه أيما احسان. تربع محمدية على قمة الابداع، وقد انطلق من سفح (الحرفية) هاويا كغيره من الهواة، العاشقين لالة الكمان التي اخلص لها فاحبته كما أحبها وفتحت له ذراعيها واحتضنته عازفا (ماهرا) محترفا، منتقلا من خانة (الهواية) الى خانة (الاحتراف)، حيث تفقه في اصواتها، وصولاتها، و (استكاتواتها)، {الاستكاتو في العزف على الكمان هو استخدام الانامل فقط دون القوس لاستخراج نغمات وترية حادة}، واطلع على جميع أسرارها وخباياه، وهو رجل عصامي في هذا المجال، اذ برزت موهبته بشكل واضح للعيان فهو عازف متمكن يعيش النغم في وجدانه ويعزف بكل جوارحه وشعوره. وهو يعزف بطريقة عفوية تنم عن تمكنه من تلك الألة الصديقة الحنونة العجيبة (وهي بالمناسبة من الالات الموسيقية الصعبة، وتصنف ضمن السهل الممتنع)، فقد يعتقد كثيرون ان العزف عليها هو مجرد تمرير القوس على الاوتار ولكن الامر غير ذلك وهو أصعب بكثير. فالعزف على ألة الكمان هو (حوار) بين ألة صماء يستنطقها العازف (الماهر) فالفرق بين عازف وأخر للكمان هو أن اللحن ينساب ويتدفق من بين أنامل العازف الماهر بعفوية وسلاسة وانسجام، يلونه وينغمه، ويهدهده (كما تهدهد الأم طفلها) فيخرج النغم مشبع باللونية التي يقصدها العازف الماهر. وقليل جدا ممن يعزفون على تلك الالة يجيدون العزف عليها، لأنهم يجهلون الكثير عنها وعن أساليب و (تكنيك) العزف عليها، بل وحتى طريقة مسكها والتعامل معها وضبط أوتارها، وهي الألة التي تبدع الأنامل فيها، حيث تلون النغم وتجعله شجيا طروبا مستساغا للأذن، مستعذبا للاسماع، والعازف الماهر، هو الذي يستنطق تلك القطعة الخشبية الصماء، ويستغل مواهبه في (اللعب) كما ينبغي بأوتار الكمان وقوسها، وأنامله الدقيقة، الرقيقة، الرشيقة، و(يموسق) كل تلك (المدخلات) ويخرجها نغما عذبا تعشقه الاسماع وتستسيقه الطباع، و (يضفي) عليه من روحه ولمساته الابداعية. لا اود الاطالة في فنبات (الشغلة)، فكاتب المقال عازف على الكمان مع وقف التنفيذ، عاشق لها، عشقها منذ نعومة الأظفار، فلو وجدها لكن قد (عام) عكس التيار، وكان تلميذا للراحل المقيم فينا، وهناك بالمناسبة عازف بارع (مغمور) هو الفنان المبدع محمد قسم الله (المليجي) صول الموسيقى سابقا بمدرسة ودمدني الثانوية. كان محمدية رغم تربعه على قمة الابداع جم التواضع، وكان في كل مرة أقابله فيها (عادة في صالات الافراح)، يقابلني بوجه باش، طلق، باسم، يحسس مستقبله كأنه يعرفه من سنين، ويحسن تحيتهم، ويرحب بكل من يقابله بتواضعه المعروف به، لم يستكبر أو يتكبر، عزف مع الصغير، والكبير، المغمور والمشهور، ألا رحم الله محمدية وأحسن اليه، (انا لله وانا اليه راجعون)