السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    إبراهيم عثمان يكتب: عن الفراق الحميم أو كيف تخون بتحضر!    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبعة أيام وستة ليالي قضيتها في الحرم النبوي الشريف .. بقلم: جبريل محمد الحسن جبريل
نشر في سودانيل يوم 24 - 08 - 2014

عندما زار الدكتور سعد القاضي ،أستاذ الرياضيات بإحدى الجامعات السعودية، المدينة المنورة لأول مرة، وكان ذلك قبل أربعة عشرة عاما، كان منبهرا، بالإضافة الى روحانياتها العالية، بجمالها وحداثة تصاميم مبانيها ونظافتها.. الحرم النبوي بساحته الواسعة ، الناصعة البياض، النظيفة الأنيقة.. والعمارات الشامخة العملاقة التي تحيط بالحرم الشريف..وسعة الحرم بالداخل بأجنحته الشرقية والغربية والشمالية..وتوفير كل سبل الراحة للمصلين من تكييف مركزي ومياه باردة في كل مكان .. ونظافة مستمرة على مدار الساعة.. مع توزيع الميكرفونات والكمرات على كل أجنحة المسجد.. والحمامات الكبيرة النظيفة الموزعة على كل جوانب الحرم والقابعة تحت الأرض، ومداخلها المطلة على ساحة الحرم صممت كأنها محطات مترو الأنفاق.. كان يقول لي أن المدينة المنورة تضارع في جمالها وأناقتها ونظافتها وجمال عمرانها أجمل المدن الأوبية اليوم ..
كان هذا الإنطباع قبل أربعة عشرة عاما، ولم يشاهد الدكتور وقتها المظلات الجديدة المحيطة بالمسجد من جميع الإتجاهات، تطوى وتفرد حسب طبيعة الجو وحرارة الشمس..وقد أصبحت هذه الساحة الكبيرة ظلا كبيرا وارفا يصاحبك من السور الخارجي حتى دخولك أبواب المسجد دون أن تتعرض الى لهيب الشمس ولفحات الهجير .. ولم يشاهد مراوح البخار الموزعة مع هذه المظلات التي أخفت السموم وخفضت درجات الحرارة في الساحة بنسيمها العليل ..وكذلك الحمامات الجديدة الموزعة بجانب الحمامات القديمة لتغطي كل الساحة في الحرم.. والمواضيء الخارجية للطالبين التجديد فقط والمستعجلين ..ولم يشاهد جميع المباني القديمة التى تمت إزالتها بالكامل وكانت بالقرب من الحرم الشريف، تشوه جماله، وتضيق الخناق على داخليه ،لتشيد مكانها الفنادق الجميلة الحديثة،وتتسع بذلك ساحة الحرم، ويسهل الدخول إليه من جميع الإتجاهات.. ولاتزال توسعة الحرم مستمرة ،وتوفير كل الخدمات التى يحتاج إليها الزائر، لتكون ميسرة له وعلى أرقى المستويات.. والحرم كل يوم يزداد جمالا وإتساعا وراحة..
كل هذه التسهيلات تعمل على أن تعين الزائر على الإستفادة القصوى من وقت زيارته ،في السلام على النبي الكريم والصلاة في المسجد الشريف ،الذي يعتبر من المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال.. والصلاة فيه بألف صلاة ،أكثر من المساجد الأخرى، إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة .. زيارة المدينة تعني الوقوف على الأماكن التاريخية الخالدة التي صاحبت الدعوة الإسلامية في مهدها..وأخذ العبر من الدماء الطاهرة التي إرتوت بها هذه الأماكن، فسجلت أروع البطولات في نكران الذات، وتقديم النفس والنفيس ،في سبيل نصرة الحق ،وتثبيت دين الله في الأرض ..وجئنا نحن اليوم لنكون ثمرة من ثمرات تلك التضحيات، وحسنة من حسنات أولئك الأخيار الأبرار..
يقصد المسجد النبوي المسلمون من جميع بقاع الأرض ..من أمريكا ، وروسيا، وأوربا، وآسيا ،وإفريقيا للمقاصد الروحية والتاريخية .. وقد تم تشييد هذا المسجد على أحدث طراز ، وصرفت في ذلك أموال طائلة أبرزته كقلعة شامخة تليق بعظمة هذا الدين الحنيف وعظمة سيد ولد آدم وسيد الأنبياء.. وزاد المدينة المنورة شرفا أن قبض بها النبي الكريم ودفن في أرضها الطاهرة.. وقد كان النبي الكريم يقول وهو خارج من مكة المكرمة الحبيبة الى نفسه ( اللهم أخرجتني من أحب الديار إلي فأسكني في أحب الديار إليك ) .. فكانت تلك الديار هي المدينة المنورة ..
كانت هذه المقدمة ضرورية، وقد أوجزتها بصورة،اعتبرها، إخلالاً وتنقيصاً لعظمة هذا المسجد الشريف، فإنني لا أملك في هذا المقام أفضل منها.. ويحزنني أن أصف لكم ما شاهدته في المسجد النبوي الشريف في الأيام الأخيرة من رمضان وأيام عيد الفطر المبارك من هذا العام..
خرجت من الفندق لأصلي الضحى بالمسجد النبوي.. وعند وصولي الى ساحة المسجد أنكرت بصري ..فقد غابت عني تلك الصورة الجمالية التي أعرفها وأتوقعها ..جموع بإعداد كبيرة تغطي أرضية هذه الساحة الجميلة .. كلهم في نوم عميق وعلى البلاط مباشرة ..حيث يمتد بصرك لا يشاهد غير هذه الأجساد مستلقية على أرضية الساحة ..لا تستطيع السير في طريق مستقيم.. تحتاج الى تعرجات كثيرة لتواصل سيرك الى المسجد ،وقد تضطر في بعض الأحيان أن تكفف عن ثوبك استعدادا للقفز فوق بعضهم حتى لا تزعجهم وهم في هذا السبات المجيد..
أرفع بصرى الى الحمامات التي كنت أشبهها بمحطات مترو الأنفاق، فأرى أكياس النايلون بألوان مختلفة مكدسة بالملابس ومعلقة على كل السياج الحديدي المركب على جانبي حائط الحمامات، من أعلى منطقة فيه وحتى أرضية الساحة.. وعلى أرضية الساحة أكوام كبيرة منها أيضا..هل يا ترى أنني أتجول في مخيم من مخيمات اللاجئين؟؟أم أنها قرية من قرى النازحين الفارين من الفيضانات والسيول؟؟.. وأتساءل في نفسي هل كان الهدف من تركيب هذه المظلات أن تكون بديلا للفنادق لمن لا يستطيعون تحمل تكاليف الفنادق ؟؟.. أم أنها خصصت ليستظل بها القادمون للمسجد من حرارة الشمس ..وهل هذه الساحة اتسعت وإزينت لتكون مكانا صالحا للنوم والتبطل؟؟.. وهل أتى هؤلاء أساسا لتشويه جمال هذا الصرح العظيم أم أتوا للصلاة في المسجد والسلام على النبي الكريم ؟؟..وهل يقبل النبي الكريم أن يشوه مسجده بهذا التصرف الغير حضاري والذي لا يجد له ما يبرره؟؟ .. ووقتها كنت سأقول لدكتور سعد هل هذه هي المدينة التي قلت عنها أن جمالها يضاهي أرقى المدن الأوربية ؟؟..إين تجد مثل هذه المشاهد في أوربا؟؟؟..
ثم دخلت المسجد لأصلي.. لم أجد مكانا أصلي فيه.. فالمسجد مليء بقوم نيام ..حتى الممرات التي لا يوجد بها سجاد أيضا كانت مليئة بالنائمين ..قلت أصعد الى السطوح عسى أن أجد مكانا هناك .. ولكنني وجدت الدرج أيضا ينام عليه القوم ولا مجال للصعود من فوقهم ..فوقفت أردد بصوت مسموع قوله تعالى ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها).. وأتساءل في نفسي ، أن كل المساجد في المملكة لا يسمح فيها بالنوم بعد الصلوات ، فكيف تم السماح لهؤلاء بالنوم في المسجد الذي تعدل الصلاة فيه بألف صلاة ؟؟..وأنا في حيرتي تلك شاهدت واحدا يصحو من نومه فأسرعت نحو مكانه، ووجدت فرصة للصلاة في ذلك المكان الضيق ..مكثت فيه حتى آذان صلاة الظهر ..وبدأ يدخل المصلون ويوقظون النائمين.. فاستيقظوا وجلسوا ينتظرون إقامة الصلاة، فنبهناهم الى ضرورة الوضوء لأن النوم يبطل الوضوء..قام بعضهم وخرج للوضوء..وبعضهم بدأ يتوضأ بالماء المخصص للشرب وداخل المسجد، ونبهت الى خطورة هذا العمل وأثره السالب على الفرش فلم يسمع لي أحد..وبقي البعض الأخير في مكانه ولم يحرك ساكنا، ودخل معنا الصلاة حين إقامتها وكأن شيء لم يكن..هؤلاء هم الذين يملئون المسجد زرافات ووحدانا، ويشوهون الصورة الجمالية الراقية له، ويفسدون رسالة المسجد المقدسة ويثيرون الزحام في كل مكان.. عرفت أن الكثير منهم لا يعرف اللغة العربية، ولا يعرف حتى الضروري من أحكام الإسلام ..ولذلك تنعدم الوسيلة في توصيل أي معلومة لهم..
في صلاة العيد كانت هناك أكثر من مئة صف تتراص أمام الإمام.. وما أن بدأ الإمام في الخطبة حتى وقفت هذه الجموع وبدأت في التحرك والخروج .. وتعالت الأصوات وانفرط العقد .. فلم ندر متى انتهى الإمام من خطبتيه لأننا لم نسمع ولا كلمة منه ..وسرنا مع الموجة حتى أوصلتنا الى الفندق ..
إذا أردت السلام على النبي الكريم فلا بد لك من تخير الوقت المناسب ولو استدعى ذلك الانتظار لأيام وأيام.. فالزيارة في هذه الأيام ،وبخاصة التي تكون بعد الصلوات مباشرة، ضرب من الانتحار..فالقوم هنا لا يرحمون، ولا يعرفون صغيرا ،أو كبيرا ،أو مريضا.. فهناك تسمع الصياح والأنين والشتائم والإتهامات ..وللمرء أن يتساءل الى من يتزاحم هؤلاء القوم بهذه الطريقة ؟؟ الىزيارة النبي الكريم القائل: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه..من لا يرحم لا يرحم .. المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .. ألخ ..هل يظنون أن النبي سيرد عليهم السلام وهم على هذه الهمجية والفوضى العارمة؟؟..وهل هذا التصرف يشرف الإسلام في شيء؟؟..أم أنه يسيء الى الإسلام أبلغ إساءة ، بل ينفر عنه.. هل هؤلاء هم قبلة العالم و( كنتم خير أمة أخرجت للناس) ؟؟ وأصحاب دعوة السلام وملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ؟؟.. ألم ير هؤلاء كيف كانت تدخل الجموع الغفيرة من المسيحيين، لتلقي نظرة الوداع الأخيرة على جثمان البابا جون بول وهو مسجي في كنيسة الفاتيكان؟؟ ..كان على الجميع الهدوء والسكينة والوقار.. وكانت الصفوف تمتد الى مسافات بعيدة دون أن يتخطى أحد منهم الآخرين أو يرى أن له مزيه ليست لغيره.. ولا أحد يعتدي على حق الآخرين أو يؤذيهم أو يسخر منهم ..فالأصوات خاشعة، والقلوب حاضرة، والأجساد تتحرك في رزانة ورشاقة ولطف ..
جئت الى صلاة الفجر ونحن في الأيام الأخيرة من رمضان ..وكعادتي أبقى بالمسجد بعد الصلاة حتى طلوع الشمس وأصلي ركعتين التى تعدل عمرة كما يقول النبي الكريم..فإذا بي أفاجأ بالمخدات تتساقط تحت قدمي ويقول لي أحد الشباب هذا مكان إعتكافنا فإرجو أن تبحث لك عن مكان آخر تجلس فيه إذا أردت البقاء في المسجد ..هل - وأنا غير معتكف - أكون أكثر حرصا على العبادة من هؤلاء المعتكفين وهم يطردون الناس من المسجد ثم يجهزون أماكنهم للنوم في وقت منهي فيه النوم ؟؟.. وهل الإعتكاف هو هذا النوم الوثير على المخدات والبطاطين ؟؟ وهل يجوز أن تكون تلك الجموع التى تنام بعد الفجر، ولا يوقظها إلا آذان صلاة الظهر، وهي تملأ المسجد وتمنع المصلين من الصلاة فيه،هي أيضا من الفئات المعتكفة ،التى تركت الأهل والأقارب ،وجاءت الى المسجد لتتفرغ لعبادة الله ؟؟..كان من الممكن تخصيص أماكن محددة من المسجد للمعتكفين ،كما هو الحال في المسجد الحرام بمكة.. وتحدد أسماؤهم، وتراقب تصرفاتهم حتى لا تسيء الى شرف الإعتكاف وتدنس حرمة المسجد الشريف..
الخروج من المسجد بعد الصلوات صعب وخانق عند الأبواب ..ففي الوقت الذي يخرج فيه جموع المصلين يتزاحم المصلون بالخارج للدخول في المسجد.. ويحدث الزحام العنيف المصطنع بغير موجب.. من يمنع هؤلاء من هذا التصرف المشين؟؟..لماذا لا يقفون حتى تخرج الجموع فيدخلون؟؟ ..تشعر أن هناك هلعا على وجوه الداخلين، وتسابقا كأنما هناك جوائز مادية تنتظرهم بالداخل.. وعندما توفق في الخروج ،بسلام، تجد أن جموعا أخرى في إنتظارك، تتراص على الطريق السالك الى الأبواب الخارجية من السور، فتزيد من شدة الخناق والزحام ..منهم من يصلي، ومنهم من يتأمل ويسبح، ومنهم من يضحك ويسامر( هذا ينطبق على الخارجين بالباب الشمالي للحرم)..
وشاءت الأقدار أن يكون رجوعي من المدينة على النقل الجماعي ..فوجدته مكتظا بتلك الفئة التى كانت تسبب الزحام في المسجد..ولم يكن بالباص سوى عائلتين .. وتحرك الباص في التاسعة مساء ..وعندما ألين الليل وطفيت الأنوار ليخلد المسافرون للراحة، سمعنا وسط الظلام إمرأة تصيح بأن أحد الركاب خلفها وضع يده على رأسها بعد أن أدخل يده عدة مرات بين الكراسي ليتحسس جسدها ولم يفلح ..وتوقف الباص وزجره السائق.. والركاب بين مدين له ومعتذر بحجة التعب والظلام .. وإنتهى الموضوع وإكتفى الجميع بالإعتذار مخافة أن يتأخر الباص عن مواعيده .. وعندما توقف الباص لصلاة الفجر نزل كل الركاب للصلاة إلا هذا الشخص وزميله فلم ينزلا للصلاة وبقيا بالباص حتى مواعيد تحركه مرة أخرى ..هل هذا الرجل آت من زيارة النبي الكريم حقا؟؟..وأنه كان يصلي صلاة كل واحدة منها تعدل ألف صلاة؟؟..وأنه صام رمضان وكان من المغفور لهم ؟؟أم أنه رغم أنفه ولم يغفرله؟؟..صنف هؤلاء كان يملأ ساحة المسجد النبوي ،ولم تختصر ممارساتهم الشاذة هذه على الباصات وحدها، وإنما كان يسبب كثيرا من المضايقات للأسر والحرائر من بنات المسلمين الزائرين وهم في طريقهم من الفنادق الى ساحة المسجد.. فهل كانت زيارة هؤلاء الى المسجد الشريف مقصدها الله والدين ؟؟ إنني أشك في ذلك !! ومع إنني ما شققت قلوبهم، وما علمت ما بداخلها، إلا أنني وقفت على أعمالهم وأخلاقهم ، وبثمارهم تعرفونهم..( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً)..
أنا لا أطالب بأن تمنع هذه الفئة من زيارة المسجد النبوي الشريف ، لأنني أؤمن بأن رسالة المساجد، وبخاصة المسجدين الشريفين ،هي أن تعلم الزائرين إليها تعاليم، وأخلاق ،ومثل، وثقافة الإسلام..فلا يرجع الزائر إليها إلا وقلبه قد إمتلأ بحب الإسلام، وحب نبي الإسلام ،وحب الصحابة الكرام ،وتنور عقله بفهم واضح للإسلام، وأحكامه ،وأخلاقه ..ولكن أن تترك هذه الفئة تتحرك على سجيتها، وبأريحية كاملة تفرض على الحرم الشريف أخلاقها، وتربيتها ،وقصورها لتكون هي السمة الغالبة على الحرم الشريف، فهذا ما لانقبله ولا نرتضيه لهذا الصرح العظيم ..فقد بذل القائمون على أمر المسجدين الشريفين جهدا جبارا، يستحيل نكرانه، ليكونا منارة هدي، ومثابة رشد للزائرين من كل بقاع الأرض من المسلمين ..فالقوانين والأعراف والمثل في بلدان هؤلاء القوم ، لا تقر ولا تسمح، بتدنيس الأماكن التي تمثل رموز التقديس،والإعتقاد عندهم .. فلا نجد مثل هذه الفوضى في التاج محل، ولا في معابد البوذيين، ومعابد الهندوس ..فلماذا يعملون هنا على تشويه هذا الصرح العظيم الذي هو شرف وقبلة المسلمين ومصدر فخرهم وإعزازهم ؟؟..وعلى العموم ، ومهما يقال عن تصرفاتهم وأخلاقهم، فهم إخواننا في الدين بمجرد قولهم( لا إله إلا الله محمد رسول الله) ولو ظاهريا وبدون أخلاق الإسلام ..وعلينا إعانتهم حتى يكونوا على الطريق الصحيح والهدي المستقيم فقد ورد في الحديث الشريف ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)..وأكبر ما يعينهم في هذا المجال أن يكون المسجد مؤسسة تضبط صور السلوك الشائن، وتعين على الأخلاق الفاضلة، وترشد الى التعامل الحضاري الراقي..لا يدخله داخل ،إلا ويخرج منه وقد طبع بطابعه ،وتشرب بأخلاقه، وقيمه..
ومن هذا المنطلق أطالب بأن يمنع النوم، داخل وخارج المسجد، في جميع أطرافه ، وفي كل ساحاته وفي جميع الأوقات والأزمنة والمواسم ..هذا المنع سيكون له الأثر الإيجابي الكبير في ضبط السلوكيات الشاذة التى لا تليق بالحرم الشريف.. ستقل أعداد هذه الفئات التي تتخذ من المسجد مأوى لها، والتى يرجع إليها السبب في الزحام المصطنع والممارسات المنفرة.. فهي غير قادرة على تحمل تكاليف هذه الزيارة من فنادق وترحيل ومعيشة..ولكنها وجدت في الحرم ضالتها حيث توفر لها المأكل والمشرب والمأوي.. فطاب لها المقام فاستمرأت البقاء فيه لأيام وليالي.. فثقافة الزيارة لابد لها من تجديد في الفهم يتناسب مع الواقع الإقتصادي الحاضر..فإذا كان الحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام واجب لمن إستطاع إليه سبيلا.. ومن الإستطاعة التكلفة المادية.. ومن لا يملك الإستطاعة المادية فلا حج عليه ..فما بالك بالزيارة الى المسجد النبوي وهي ليست فرضا..فالواقع يعلم الناس بأكثر مما تعلمه الدروس والمواعظ ..وسيتعلم هؤلاء ،غصباً عنهم، أن الزيارة يمكن أن تكون مرة واحدة في العام ،أو ليوم واحد في كل زيارة.. وبذلك تتحقق كل المقاصد..وسيعود للمسجد جماله ونظافته وهيبته وقدسيته.. وسيؤدي رسالته على أكمل وجه لأنه أختصر على المصلين الجادين الذين جاءوا أساساً للإنتفاع الروحي من هذه الزيارة ،وقد دفعوا في سبيل ذلك خيرة أموالهم وضحوا بطيب أوقاتهم لأن مايجدونه يفوق هذا الدفع وهذه التضحية بكثير..أما الفئات آنفة الذكر فلا أظن أنها على إستعداد لدفع ريال واحد –إن وجد- على هذه الزيارة،لأنها لا تعرف قيمة هذا المكان، ولا تعرف كيفيةالإستفادة الروحية منه ، وأخشى أن ترجع وهي محملة بالذنوب والمعاصي بدلا من التوبة والغفران وجمع الحسنات..فالحديث النبوي يقول (رب مصل لم تزده صلاته من الله إلا بعداً)..
أنا شديد التعلق بالمسجد النبوي الشريف، وأقضي كل إجازاتي برفقة أسرتي فيه ، ومن فضل الله علي،فإني أداوم على ذلك منذ 17 عاما..ففي الوقت الذي يتسابق فيه الناس للحجز لقضاء إجازاتهم بالشانزليزيه، وأكسفورد إستريت،وبحيرة زيورخ ، وجبال إفرست ومنتجعات بالي وغيرها، فقد كنت أنا أتنقل بين فنادق المدينة المنورة أبحث عن أقرب الفنادق قربا من الحرم الشريف ..وقد تلطفت بي العناية الإلهية ، في إحدى السنوات ،فمنحتني وأسرتي، قضاء شهر رمضان بأكمله والعيد بالمسجد النبوي الشريف .. فكانت أجمل وأروع الأيام في حياتي ،لا أزال ولن أنفك،أشكر الله عليها..
فإني ومن منطلق مسئوليتي كمسلم مطلوب منه النصيحة وقولة الحق ،فيما يرضي الله ورسوله، وبخاصة في أمر له قدسيته وحرمته في نفس كل مسلم، فقد سجلت ما رأيت بعد أن تمعر وجهي وانفطر قلبي حزنا وأسى.. وأرى أن سكوتي على ما رأيت خيانة لهذه المؤسسة الشريفة التى أدمنت حبها .. وواجب الحب والوفاء يفرضان علي أن أنبه الى خطورة المشهد الذي طالعني في زيارتي الأخيرة.. إلا أفعل أكن من الجاحدين،ومن الناكرين لهذا العرفان الجميل،والذي به قد أتعرض الى العقوبة الروحية بالحرمان من الزيارة الشريفة كلية في الأيام المقبلة إن مد الله في أجلي..إني قد بلغت، اللهم فأشهد..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.