قال ابن رشيق القيرواني صاحب العمدة كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر تَذْبَح الذبائح وتُقِيمْ الولائم وتدعوْ القبائل» .. والشاعر بهذا الوصف يكون مرآة لمجتمعه ولساناً لقبيلته يذكر أمجادها ويسجل مآثرها. وكنا نرد على دعوات مشبوهة بنبذ القبلية جملة فالقبلية المنبوذة هي الاستعلاء العرقي، أما صلة الأرحام والتعارف فذلك مما أمر به الإسلام وفي شرعنا الحنيف تدخل القبيلة في موضوع الميراث والديات، والقبيلة باختصار هي الأسرة الممتدة .. في هذه الأيام المباركة الخضراء تقوم قبيلة الكبابيش بتكريم ابنهم وشاعرهم العبقري عبد الله ود إدريس وهو رجل جدير بالتكريم خليق بالاحترام.. وعبد الله ود إدريس هذا يعد من طبقة فحول شعراء الدوبيت في السودان ويمكن وضعه وبلا تردد في طبقة جرارق الدوبيت من أمثال ود شوراني والصادق وأحمد عوض الكريم أبو سن والباباي الحوارابي وود صقري العطوي وعبد الوهاب الربيقي ومحمد أحمد ود سعيد وود قدال وغيرهم من الفحول ممن أجادوا في هذا الفن الراقي من الشعر الشعبي.. والكبابيش أنا اسميهم «عروق الذهب» لكرمهم وحسن أخلاقهم فهي قبيلة نصفها من الغرباء ممن أسرهم الكرم وقيدهم الاحسان «ومن وجد الإحسان قيداً تقيدا» .. ولقد سألت شاعرنا الكبير مولاي أحمد عباس بنواكشوط عن سبب شدة تعلقه بالكبابيش وقلت له: لقد جبت إفريقيا يا أبوي أحمد وأنت تركب النياق وطوراً تمتطي الطائرات النفاثة على حد قولك: وطوراً على عيرانةٍ ترسم الفلا ٭ وطوراً على نفاثة تمخر الجوا قلت له لماذا تذكر الكبابيش دون غيرهم؟ فقال لي لم أجد مثلهم كرماً وحسن معشر وهو القائل: يذكرني أرض الكبابيش أن أرى ٭ غريب ديار مستضاماً يُروّعُ ويقول: لعمرك ما ينسي الكبابيش ماجد ٭ يقدر في الناس الحجا والمحامدا.. رائع أن يكرم الكبابيش شاعرهم المجيد عبد الله ود إدريس فهو شاعر الكبابيش بحق وهو من شعراء السودان الافذاذ الذين كتبوا قصائد من الذهب الخالص تمجد السودان ورجال السودان يقول ممجداً بلاده عازة: قاعدين فيها فرساناً بقلبوا الخيل هسع فيها كفاي النحاس مو قبيل عجبي الفي القواده صعاب وطيّاع شيل اخوان الوضيبهن عمعمو الكُربيل.. قلت إن تكريم ود إدريس عمل رائع وليكن فاتحة طيبة وسنة حسنة لتكريم بقية الفحول من شعراء القبيلة خاصة شيخ شعراء القبيلة على ود قدال السراجابي ومحمد أحمد ود سعيد الربيقي وصديقي الشاعر الفحل علي الشيخ الذي يتستر بالتواضع والنبل الملوكي الذي ورثه من السير علي التوم وأولاد البيه ود سالم زبدة العروبة والمجد بالسودان.. فقبيلة الكبابيش قبيلة واسعة الثراء متعددة الموارد وذات موقع استراتيجي فهي التي تحرس حدود السودان الشمالية وتحرس ظهر الدولة السودانية حتى قوز أبو ضلوع في غرب أمدرمان.. وهي تحت قيادة واعية بالتاريخ والجغرافيا فأميرها الهمام التوم حسن التوم من غُرر القيادات والإدارات الأهلية بالسودان. والشكر موصول لأهلنا وجيراننا الكرام الهواوير الذين اقاموا احتفالاً بهياً تكريماً لشاعر الكبابيش نُحرت فيه الإبل وتبارى فيه الشعراء وتبرعوا بعشرة رؤوس من الإبل للشاعر عبد الله ود إدريس. وإني لادعو المدن والقبائل إلى تكريم مبدعيها في زمن تنصلت فيه الدولة عن كثير من واجباتها تجاه المبدعين وصارت وزارة الثقافة عبارة عن هياكل ميتة لا تبديء ولا تعيد.. ووجدت في أوراقي القديمة مربوعتين كنت قد خاطبت بهما صديقي البدوي المهذب ود إدريس قلت: يا بو دريس ظبيات اللخالي الشاتِن زي الكوره لي قلب المحبين شاتِن بعد قفا العمر عقبان كَتَبْ قافاتِن بين الصيد وبين الإنس بشوف قافاتِن قافاتِن أعني القوافي والقافات الثانية تعني الشبه فالقافة هي الشبه وهي من عاميتنا الفصحى وفي القافية جناس تام.. والأخرى: درعات القنوب البي العسايِن باتِن طريت ليمن طريت تلك الليالي الفاتِن فريد العصرِ فارطات المحاسن فاتِن غضيض الطرفِ من تحت البراقع فاتِن والكتابة عن ود إدريس تحتاج لمجلدات ولكن أتمثل بقول الشاعر. ويكفيك من ذاك الجمال إشارة ٭ ودعه مصوناً بالجلال محجبا //////////