تمر هذه الايام الذكرى الاولى لانتفاضة سبتمبر، التي قادها شباب بني وطننا ضد سلطة الظلم والاستبداد والفساد. النظام المجرم واستمرارا لنهجه في إهدار دم كل من يقف في طريق استبداده وإجرامه، استخدم القوة المفرطة لقمع تلك الانتفاضة، والنتيجة كانت استشهاد مئات الشباب الذين قتلتهم بدم بارد ميليشياته التي أصبحت بديلا للجيش المؤسسة القومية التي قام النظام بتدميرها. القوة التي تحتكرها الدولة لتحقق بها العدالة يستخدمها زبانية النظام الجبان سلاحا ضد مواطنيه العزل الذين يفترض به حمايتهم. تمر الذكرى الاولى والنظام لا يزال سادرا في غيه، كلما يقوم به هو محاولة كسب الوقت، وخداع كل الناس. نظام أدمن الكذب حتى أصبح له دينا وديدنا. كل الناس أعداء له الا من يواليه ويلغ في مستنقع فساده. وضع غريب ربما لم يتحقق أبدا على مر التاريخ، فحتى الأنظمة القمعية، كانت تسعى دائما لتحقيق الحد الأدنى من طلبات المواطن وحقوقه حتى تبرر وجودها في السلطة، ان نظاما فاسدا مثل نظام حسني مبارك في مصر لم يفرط ابدا في شبر من أراضي مصر وكانت مراكز تخطيطه الاستراتيجية تضع خطط التطوير والتنمية لمستقبل مصر حتى والنظام في أوج استبداده وفساده. نظام الانقلابي عمر البشير لا يعنيه في شيء بقاء الوطن موحدا أو تفككه، لا يعنيه في شيء أن يضع خطة واحدة تضمن ترقية خدمة ما للمواطن أو تضع اعتبارا للمستقبل والأجيال القادمة التي سترث أمانة الوطن. نظام يبكي على سقوط مرسي الذي أسقطته تجاوزاته قبل أن يسقطه شعبه، وعلى ضحايا الحرب في غزة. البكاء على المظاليم سيكون شيئا نبيلا حين يتسق أخلاقيا مع الأفعال، لكنه يصبح مجرد نفاق حين نكتشف أن من يذرف دموع التماسيح، يرسل الانتينوف تقتل الأطفال والنساء في داخل وطنه، وكأن هؤلاء الضحايا يجب أن يعلنوا بيعتهم للنظام وتنظيمه العالمي ليستحقوا الحياة. الشباب الذين انتفضوا ضد سلطة القمع والفساد، نشأوا وولد معظمهم في العهد الانقاذي، ورغم تعرضهم لمحاولات شحن وغسيل لأدمغتهم بواسطة إعلام كاذب مضلل، ونظام تعليمي فاشل، لكنهم بنقاء سريرتهم وضمائرهم الحية، وطموحهم الوثاب لحياة كريمة لهم ولأهلهم، اكتشفوا الاكذوبة الكبرى التي عاش فيها وطننا منذ فجر الانقلاب المشئوم، اكتشفوا أن الثورة المزعومة التي جاءت بالخديعة والانقلاب لم تكن سوى عملية نصب واحتيال قام بها مجموعة من مرضى السلطة ونهب المال العام لم يكن همهم يوما انقاذ الوطن أو الحفاظ على وحدته أو تقديم خدمة لمواطن سحب منه النظام كل شيء وتركه لمصيره المحتوم . ولأن النظام الانقلابي لم تتوفر لديه يوما الارادة أو الرغبة في الارتقاء بوطننا، ولم يحمل أية برنامج جاد للتنمية ومحاربة الفقر والافادة من ثروة العقول بنظام تعليمي يحفظ حق المواطن في التعليم المجاني، ويرعى المواهب ويطورها، فقد تسارعت وتيرة الانهيار في كل شيء، وطالت منظومته حتى الاخلاق والقيم التي حفظت مجتمعنا من التشرذم والتفكك طوال قرون. وفي حين يعيش أباطرة النظام حياة القياصرة ويرسلون أبنائهم للتعليم في جامعات الغرب والشرق، يرزح غالب بني شعبنا في فقر مدقع تصبح معه الحدود الدنيا لكرامة العيش حلما لا يستطيع الاغلبية الوصول اليه. في حين يموت الناس من الفقر وسوء التغذية، ولاتزال بعض النساء يلدن بطرق عفا عليها الزمن، والكثيرات يفقدن حياتهن حتى في العاصمة أثناء الولادة، وتنعدم محاليل الغسيل لمرضى الكلى، وتنعدم ادوية السرطان، ولا تكون حتى أدوية الملاريا في متناول عامة الناس، ويبقى الأطفال في فسحة الإفطار في المدارس لأنه لا يوجد ما يصلح للأكل في البيت،ويطرد المكفوفون من داخلية الجامعة الى الشارع، يمضي النظام وأقطابه في نفس أساليبهم القديمة وكأنهم يعيشون في وطن آخر وليس الوطن الغارق في مصائب من صنع أيديهم. كل هذه المصائب ليست سوى انعكاس لموات جماعي لضمائر من نصّبوا أنفسهم بالقوة حكاما لهذا البلد المنكوب. مسئولية تردي الحال والحروب المشتعلة في أرجاء الوطن والتي يدفع ثمنها الابرياء العزل من بني وطننا ممن تصب طائرات الانتينوف الحمم فوق رؤوسهم، المسئولية تقع على عاتق هذا النظام الذي فشل في كل شيء، فشل في الحفاظ على وحدة وطننا، فشل في تأمين الحياة الكريمة للمواطن والتي هي من صميم مسئولية أية حكومة في العالم. فشل في تحقيق العدالة والسلم ، فشل في الحفاظ على المال العام وإنشاء مؤسسات لها القدرة على رصد كل التجاوزات ومحاسبة المعتدين، وفق نظام قضائي مستقل ومستقيم يساوي بين الناس جميعا. كل مؤسسات النظام التي يفترض أن تكون الى جانب المواطن تسعى لخدمته وتأمين متطلبات حياته هي في الواقع خصم للمواطن تتفنن في اذلاله وإرهابه وترويعه. دماء شهداء انتفاضة سبتمبر لن تذهب هدرا، ستطارد لعنة هذه الدماء البريئة التي أزهقت عمدا، وغيرها من دماء الضحايا على امتداد الوطن، نظام الجريمة المنظمة والفساد حتى تلقى به الى مزبلة التاريخ، و يقف كل أعمدته وكل من شغل فيه مركزا أمام عدالة الثورة، ثورة أهل السودان القادمة لا ريب فيها. www.ahmadalmalik.com