[email protected] لفت الأستاذ عادل الباز في كلمته بالأمس نظرنا لوجوب التعامل مع تصريح السيد سلفا كير عن الانفصال في سياقه. فتصريح السبت الماضي ليس مفاجأة. فقد سبقته تصريحات "إنفصالية" قريبة أوردها الباز. وأود هنا أن أنظر إلى متاعب سلفا في بناء الدولة الجنوبية كسياق لفهم "انفصاليته" المستفحلة. سلفا سياسي نبيل ومظلوم جداً. فلا أعرف من صارح الراحل قرنق بحقائق نفسه في مؤتمر رمبيك مثله. وقولة الحق في وجه الزعيم نبالة. ومعرفتنا بالرجل في الشمال "شَبَه" وليست فرضاً سياسياً. فلما أدلى بتصريحه الأخير عن الانفصال قال أكثرنا هذا هو سلفا في لونه الحقيقي. واذكر أن كنت بجانب صحفي نابه حين اتفق للحركة الشعبية تنصيبه في مكان الراحل قرنق. قال الصحفي: "ولكنه انفصالي". قلت:"ما دليلنا على ذلك؟ لقد قصرنا الحوارات على قرنق.واختصرنا الجنوب بذلك في الحركة الشعبية على رواية قرنق". ولذا بقيت معرفتنا بسلفا ضرباً من الرجم إلى يومنا هذا. كلما فكرت في سلفا خطر لي مماثلته للخليفة عبد الله بوجه ما. فكلاهما ورث دولة القائد الذي رحل بكريزماه الثورية قب أن يضع فيها طوبة. ومن فضول القول أن نستغرق في وصف المتاعب التي تكتنف بناء دولة سلفا في ملابسات اتفاق معقد كنيفاشا وكفى. وربما ساءه أن أداء دولته أصبح موضوع شماتة ونقد. فالمؤتمر الوطني، على مستوى إعلامه على الأقل، يفرح بوجوه اخفاقاتها من جهة الاستقرار أو الفساد ويذيعها. وأدى تفاقم الزعزعة في الجنوب بالأمم المتحدة إلى تنبيه حكومة الجنوب إلى أن تشد حيلها. بل أشارت الإستراتيجية الأمريكية من طرف خفي إلى وجوب الشفافية والاستقرار في حكم الجنوب. حاول سلفا جهده أن يتدراك الشفافية والاستقرار في الدولة. فأنشأ غير مسبوق مفوضية للتحقيق في الفساد عام 2005 وطرد وزيرين للمالية لسوء الأداء. وقرر مكتب الحركة السياسي بأنه لا يمكن تبرير الصمت عن الفساد سواء في الجنوب أو الشمال ووجه هيئته البرلمانية للكشف عن مواطنه والمبادرة بسن التشريعات للحد منه. كما سعى سلفا للملمة السلاح من أيدي "القبائل" بغير طائل. فمال إلى نزعه بالقوة حتى قال مرة إنه سيوجه جيشه الشعبي لضرب حملة السلاح بالراجمات. ونسي أنه هو ورفاقه الذين روجوا للسياسة عبرفوهة البندقية. ولم يسكت سلاحهم إلا بعد الكسب. وفهمت القبائل الدرس. فجمع السلاح يقع في باب السياسة لا العمليات. ولنا في "تجريد الجنجويد من السلاح" اسوة حسنة. ولعل أضعف حلقات سياسة دولة سلفا اعتقاده أن متاعبه مع السلاح هي من كيد المؤتمر الوطني الذي يزود الناقمين على دولته بالسلاح. قال بذلك مراراً ولكنه ربط بين الانفصال واستمرار المؤتمر الوطني في هذا التسليح الضار حين قال: "من يرغب ألا تنوم مرتاحاً هل يرغب أن تستمر معه" (أجراس الحرية 12 أكتوبر 2009). لا استبعد أن ينتهز المؤتمر كل سانحة لضرب شريكه تحت الحزام. ولكن الزعزعة في الجنوب مهما قلنا حقيقة سياسية جنوبية واجبة المواجهة بغير أبلسة آخرين. عاش الجنوب "ثقافة فوهة البندقية" طولاً وعرضاً. وكنت من بين جماعة قليلة ظلت تخطيء الحركة الشعبية في مقاطعة برلمان 1986 من فرط فرحها بالسلاح. ولن تبدأ دولة سلفا في فهم متاعبها مع التسلح في الجنوب ما لم ترجع إلى ذلك التاريخ وتراجعه. ولقد بدأ سلفا هذه المراجعة بحياء قوي حين اعتذر عن أي تجاوزات من جيشه خلال حرب التحرير. هذا هو النبل في سلفا. قل أن يجود رجل السلاح المجرب بمثل هذه النفحة.