لم يكن السودانُ ضمن الدول الأفريقية المتأثرة بفيروس إيبولا الفتّاك، ولكن فجأةً دخل هذا المرض الخطير في خارطة مجادلات السودانيين داخل السودان وخارجه، بعد وفاةِ موظفٍ سوداني يعمل في الأممالمتحدة، متأثراً بإصابته بفيروس إيبولا. وكان هذا السوداني يتلقى العلاج منذ يوم الخميس الماضي في أحد المستشفيات الألمانية بعد نقله من ليبيريا، حيث تُوفي بهذا المرض الفتّاك أول من أمس (الثلاثاء). ولم يدُر بخلدِ أحدٍ من السودانيين أنّ إيبولا على مقربةٍ منهم، إلاّ بعد وفاةِ هذا الموظف السوداني، وما تردد في الوسائط الصحافية والإعلامية أمس (الأربعاء) من أنّ اتحاد كرة القدم السوداني يسعى لاستضافةِ البطولة الأفريقية، بعد ما رفضتْ المغرب استضافتها بسبب وباء إيبولا الذي انتشر في بعضِ دولِ أفريقيا. وأحسبُ أن أسامةَ عطا المنان أمين مال الاتحاد السوداني لكرة القدم ليس من المهتمين بصحة إنسانِ السودان، مثل اهتمامِ نظرائه في اتحاد كرة القدم المغربي بصحة إنسانِ المغرب. ولكن مثل هذا الأمر لا ينبغي أنْ يُتركَ القرار فيه لاتحاد كرة القدم السوداني، لأنّ تداعيات هذا القرار ليستْ قاصرةً على رياضةِ كرةِ القدم. ولو أحسنا الظنّ في التصريحات الصحافية لمسؤول اتحاد كرة القدم السوداني حول استضافة السودان للبطولة الأفريقية، رغم انتشار الإيبولا الفتّاك لدى عددِ من دولِ أفريقيا، يمكن القول إنه يُريد أنْ يستغل هذا الظرف في إحداث قدرٍ من الانفراج في علاقات السودان الرياضية الخارجية. وكم كان ساذجاً عندما أراد أنْ يُبرر استضافةَ السودان للبطولة الأفريقية في تصريحات صحافية، حيث قال – هدانا الله وإياه -: "وضع السودان كبديل عن المغرب لاستضافة البطولة يعني أنّ الكرةَ في أفريقيا تعود بقوةٍ إلى الأصل والمنبت، وهو السودان الذي شهد ميلاد وتأسيس الاتحاد الأفريقي، وتنظيم النسخة الأولى من بطولةِ كأسِ الأمم الأفريقية. كما أنّ السودان بات الآن في مقدمةِ الدول لاستضافة الحدث". أليس هذا يُؤكد ما ذهبتُ إليه من سذاجةِ هذا المسؤول الرياضي؟! يُضحي بآلافٍ مؤلفةٍ من أبناءِ الوطن في سبيل أنْ يُقال إنّ السودان استعاد مركزه الرياضي باستضافة كأس الأمم الأفريقية، أيِّ منطقٍ أعوج هذا الذي يطرحه هذا المسؤول الرياضي في الوسائط الصحافية والإعلامية! أخلصُ إلى أنّ في مقابل هذه السذاجة الرياضية، كان هناك من يحرص على صحةِ إنسان السودان، ويلتزم بالدور المنوط به كوزير للصحة في ولاية الخرطوم، لا يُقتصر اهتمامه بصحة مواطني الولاية فحسب، ليمتد إلى صحة مواطني السودان، ذاكم هو الأخ البروفسور مأمون محمد علي حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم، الذي أكد ل"التغيير" اليوم (الخميس) أنّ وزارة الصحة بولاية الخرطوم، ما أنْ علمتْ بانتشار مرض الإيبولا في بعض الدول الأفريقية، إلاّ وسارعتْ مطالبةً الجهات المختصة بإيقاف استقبال الطلاب الأفارقة القادمين من الدول الأفريقية المتأثرة بوباءِ الإيبولا لهذا العام، إلى حين أنْ ينجلي هذا الوباء الخطير في غرب أفريقيا. ولم يكتفِ بذلك، إلاّ أنه أوضح أنّ وزارته ترى من الضروري ألاَ يفد إلى السودان أعدادٌ من مواطني الدول الأفريقية المتأثرة بفيروس الإيبولا في منافساتٍ رياضيةٍ. ولعمري أنه قصد بهذا التحذير أنْ يقدِّم نصيحةً طبيةً غير مباشرةٍ إلى اتحاد كرة القدم السوداني من عدم السعي إلى استضافة البطولة الأفريقية التي رفضتْ استضافتها المغرب، بسبب وباء إيبولا. وجميل أن وجهت مؤسسة الرئاسة وزارة الشباب والرياضة بعدم استضافة بطولة الأمم الأفريقية، وسلم الأخ المهندس صلاح ونسي وزير رئاسة الجمهورية الأخ عبد الحفيظ الصادق عبد الرحيم وزير الشباب والرياضة أمس (الأربعاء) توجيهاً مكتوباً بهذا الشأن، لأنّ صحةَ إنسانِ السودان لا تقل أهميةً لدى مؤسسة الرئاسة من صحةِ إنسان المغرب. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: ".. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ". وقول الشاعر العربي زهير بن أبي سلمى: وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ وَمَنْ يُوْفِ لا يُذْمَمْ وَمَنْ يُهْدَ قَلْبُهُ إِلى مُطْمَئِنِّ الْبِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ يَكُنْ حَمْدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ