أكدت ليلة المتاريس 9،10 نوفمبر 1964 استعداد الجماهير لحماية ثورة الشعب حتى من غير قيادات، وكما القرار الجماعي بالاضراب السياسي العام، كان القرار الجماعي بالاستيلاء على شوارع المدن الثلاثة واغلاق الرئيسية منها بهياكل العربات والحجارة والبلوكات الخرسانية وغيرها لإعاقة سير المدرعات المتوقع من بعد إذاعة خبر خطر الانقلاب المضاد للثورة، مثلما كشفت الليلة الثقة العميقة والتأييد الشعبي المهول للجبهة الوطنية للهيئات. ورغم الدلالات الكبرى لما حدث لكنه لم يجد الاهتمام اللائق من الثوريين (!) ولا البحث عن حقيقته. ونقدر للأستاذ المحترم كمال الجزولي دراسته التوثيقية عن تلك الليلة (اطلعت عليها في ديسمبر 2013) واستصحبها في هذا العرض بشكل أساسي مضيفاً إليها: بيان تنظيم الضباط الأحرار 8 نوفمبر وبيان الحزب الشيوعي السوداني 9 نوفمبر وما كتبه محمد أحمد سليمان(رئيس مكتب الرقابة المركزي) في جزء من مذكراته المنشور في فبراير 2005 بجريدة الصحافة. بيان الضباط الأحرار في 8 نوفمبر 1964 جاء بعنوان: مؤامرة استعمارية ضد ثورة 21 أكتوبر اعتقال الضباط الأحرار الذين اشتركوا في ثورة الشعب ومؤجزه: 1- اعتقلت الدوائر الرجعية والاستعمارية الضباط الذين اشتركوا عملياً في ثورة الشعب وتقدموا مع غيرهم بعريضة تطالب بتطهير الجيش من العناصر الفاسدة والخائنة والمجرمة وغير الوطنية. 2- ان اعتقال الضباط الأحرار جزء من خطة آثمة هدفها تطهير الجيش من العناصر الوطنية واحداث انقلاب رجعي جديد. 3- وفي محاولة رخيصة لاخفاء الحقيقة تردد الدوائر الرجعية الاتهام للضباط الاحرار بالعمل لصالح مصر. 4- وطالب البيان المواطنين باليقظة والحزم وتلاحم الصفوف والاستعداد لمواصلة الثورة تحت قيادة الجبهة الوطنية للهيئات. والتمسك بتطهير الجيش واطلاق سراح الضباط المسجونين فوراً (وقضى الاتفاق بين المتفاوضين عند نقل السلطة على اطلاق سراحهم بعد نهاية الفترة الانتقالية!!) صدر البيان قبل يوم من ليلة المتاريس لكن الحزب الشيوعي السوداني أصدر بياناً جماهيرياً في ذات يوم ليلة المتاريس أي 9 نوفمبر 1964 بعنوان: (فلتملأ القوى الديموقراطية الشوارع من جديد وتقفل الطريق أمام المؤامرات الاستعمارية والرجعية.) وجاء في البيان: - ان اعتقالات الضباط الأحرار في 8 نوفمبر والذين حاصروا القصر حتى اعلان حل المجلس الأعلى هي خطوة أولى نحو تصفية الجيش وإحداث انقلاب رجعي. - واعتقال الضباط الأحرار من وراء ظهر الحكومة وبدون علم رئيس الوزراء الذين هو أيضاً وزير الدفاع لهو خيانة عظمى ودلالة على النوايا السوداء. - والمظاهرات التي اندلعت مباشرة عقب اعتقال الضباط (8 نوفمبر) برهان على عمق الاحساس الثوري لدى الجماهير وتأهب لحماية الثورة كما يجب الارتقاء بالمعركة إلى مستوى عال من النضال الثوري وتجنب التخريب والمطالبة. * اطلاق سراح الضباط الأحرار المعتقلين فوراً. * اعتقال اعضاء المجلس الأعلى المنحل وتطهير الجيش. * تطهير جهاز البوليس واعتقال شركاء المؤامرة الاستعمارية: أبارو، حسب علي عبد الله، عبد القادر الأمين، حسن محمد صالح وأذنابهم.. * تطهير القضاء واعتقال الخائن المتآمر، أبو رنات. ولذلك فإن إذاعة بيان في التاسعة من مساء 9 نوفمبر بعد قطع الإرسال بأن هناك انقلاباً عسكرياً ومناشدة الجماهير لتخرج لحماية الثورة لم يكن غريباً بالنسبة للشيوعيين وأقسام من القوى الديموقراطية. وسواء كان البيان بصوت أبو عيسى أو مذيع مصاب في قدمه وسواء كتبه أبو عيسى أو بعشر، فإن ذلك لا ينفي الأخطاء في التعامل مع المعلومات بإذاعتها أو بعدم اشراك الحكومة القائمة أو حتى قيادة جبهة الهيئات وبسبب ذلك أذاع وزير اعلام حكومة أكتوبر (والذي قدر أبو عيسى والذين في صحبته أنه لن يوافق على إذاعة البيان فلم يتم إبلاغه) بياناً أعلن فيه عن عدم وجود أي انقلاب وأن المعلومات خاطئة وناشد المواطنين بالهدوء والتفرق (!) فالأستاذ خلف الله بابكر وزير الاعلام هو من وزراء جبهة الهيئات فلماذا يكون التقدير بعدم موافقته على اذاعته؟ وسواء كانت المعلومات المسربة تفيد بأن الانقلاب المضاء بقيادة بشير حسن بشير أو عثمان نصر عثمان وسواء كانت بداية التحرك من سلاح الخدمة أو سلاح الاشارة تبقى الحقيقة أنها معلومات لم يتم التدقيق فيها ولم يُتخذ فيها قرار جماعي ومن جهة مسؤولة. وحاول فاروق أبو عيسى اقحام عبد الخالق في الأمر بلا مبرر حيث أكد محمد نور السيد أنه في أول مساء 9 نوفمبر أبلغه مكاوي خوجلي سكرتير اتحاد المعلمين السودانيين بافادة طلاب له بأن آباؤهم دخلوا في ذلك اليوم في حالة استعداد ونقل ما سمعه لعبد الخالق الذي طلب منه الاسراع بابلاغ قيادة جبهة الهيئات. أما محمد أحمد سليمان فقد كتب: (بداية أقول بأن خروج الجماهير في ليلة المتاريس لم يتم بقرار من الحزب أو حتى من المديرية "التنظيم بالعاصمة القومية" إذ كان الحزب يراقب النشاط المحموم الذي يقوم به حزبا الأمة والأخوان المسلمون.. في هذه الأجواء جاءت ليلة المتاريس فلم تكن في الحسبان وحتى سبب الدعوة لها لم يكن مبرراً..!! فقد طاف فاروق أبو عيسى تقريباً بمدن العاصمة الثلاث ينادي الجماهير بحماية الثورة لأن الجيش يُعد انقلاباً مضاداً عليها. حقيقة كان تجاوب الجماهير رائعاً مع ذلك النداء بحماية الثورة.. لكن في النهاية أصبحت وبالاً على الثورة ذاتها، لأنها اعطت سر الختم الخليفة "كارت" للخروج عن ثوريته..!! خاصة بعد أن اتضح عدم صحة تحرك الجيش لضرب الثورة! باختصار ليلة المتاريس لا معنى لها في القاموس السياسي اليساري، فأنا اسميها -هرجلة وفوضى تنظيمية قادها فاروق أبو عيسى..) ونلاحظ أيضاً ان كل قيادات الجبهة الوطنية للهيئات استبعدت عملياً، احاطة سر الختم الخليفة علماً بما يجري وهو رئيس الوزراء ووزير الدفاع. رغم كل ذلك فإنه كان ايجابياً قرارات مجلس الوزراء في اجتماعه الاستثنائي والغاء قرار اعتقال الضباط الأحرار الذي تم أيضاً دون موافقة مجلس الوزراء ودون علم وزير الدفاع والسير خطوات كبيرة في المطالب الأخرى (اعتقال قيادات المجلس الأعلى وقيادات من الشرطة).. الى اخر