لم يكن غريباً أو مُستغرباً، أن يأتي الأخ البروفسور مأمون محمد علي حميدة وزير الصحة في ولاية الخرطوم بأسلوب مُستحدثٍ، وتفكيرٍ غير تقليديٍّ، في عرض انجازات وزارته أمام حضور المؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، لدى جلسته الافتتاحية غداً (الخميس)، وذلك من خلال إصدار صحيفة "الصِّحة"، التي تعد كتاب انجازاته في وزارة الصحة بولاية الخرطوم، وكأنه يريد أن يُنزل في نفسه بها قولَ الله تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ"، لأن كثيراً من عارفي فضله وعلمه، يُدركون أنه ذو رؤيةٍ سباقة في استشراف آفاق المستقبل وارتياده. وأحسبُ أنّ هذا الأسلوب غير التقليدي، ينمُّ عن رؤيةٍ ثاقبة، وفكرة واضحةٍ، في كيفية تعاطي الأخ البروفسور مأمون حميدة مع الوسائط الصّحافية والإعلامية. وجميلٌ أن يسوح القارئ عبر اثني عشر صفحةٍ في أقسام وزارة الصحة بولاية الخرطوم، قسماً قسماً، حيثُ يقف القارئ بنفسه وبصره وبصيرته على انجازات هذه الأقسام، التي شكلت مُجتمعةً انجازات وزارة الصحة بولاية الخرطوم، ومن ثم أُعدت كإحدى أهم انجازات حكومة ولاية الخرطوم بأسرها. وفي رأيي الخاص، أنّ النظرة غير التقليدية، والرؤية الثاقبة، في التعاطي مع الوسائط الصحافية والإعلامية، ظهرت جلياً في هذه الصّحيفة، حيث إنه لم تغب فيها حتى الوقفات الاحتجاجية ضد سياسة وزارته، بل ضمنها في صفحةٍ خُصصت لمستشفى جعفر بن عوف المرجعي للأطفال، التي شهدت أهم الوقفات الاحتجاجية ضد تحويله إلى مستشفى مرجعي، ولكنه أبان الفروقات الجلية بين مستشفى جعفر بن عوف للأطفال سابقاً، أي قبل التطوير والإصلاح، من حيث التدهور في المباني والمعاني، إلى جانب ذلكم ظهر بجلاءٍ مستشفى جعفر بن عوف المرجعي للأطفال، في ثوبه القشيب، ومعناه العظيم، طِبابةً وعلاجاً لفلذات أكبادنا من الأطفال – زُغبُ الحواصل – من خلال إبانة مدى تحديث المستشفى، ورفع السعة السريرية لحديثي الولادة إلى 27 حضانة، وتوفير 3 أجهزة تنفس صناعي، و6 أسرة للعناية المكثفة. وجاء في تلكم الصفحة، في غير منٍّ وأذى، أنّ أكثر من 60% من المستفيدين من خدمة هذا المستشفى المرجعي، أطفالُ ولايات السودان كافة. وأكبرُ الظنِّ عندي، لم تكن هذه الصّحيفة خبرية تقريرية فحسب، إذ لم تغب عنها أهمية الرأي، باعتباره من العوامل المُهمة في تشكيل الرأي العام المُؤيد لحركة إصلاح النظام الصحي في ولاية الخرطوم، وإجلاء حقيقة أنّ مستشفى الخرطوم - ظلماً وبهتاناً - وُصفت حركة تنقلات بعض أقسامه إلى مستشفيات ومراكز صحية في الأطراف، بالقرب من مساكن المواطنين، أنها قصد بها تجفيف مستشفيات المركز، بينما كان ذلك في إطار تطوير الخدمة الصحية والطبية للرعاية الأولية، وجعل المستشفيات الكبرى، بما فيها مستشفى الخرطوم التعليمي، مستشفىً صار ضمن الخارطة الصحية لولاية الخرطوم، مستشفىً مرجعياً تعليمياً. أخلصُ إلى أنّ الرعاية الصحية الأولية وطب الأسرة، أصبحت الآن أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، ميسرة وسهلة الوصول، نتيجة لسياسات وزارة الصحة بولاية الخرطوم، باعتبار أن هذا هو المفهوم الحديث لتقديم خدمات صحية وطبابة، بتكلفة قليلة للمواطن بالقرب من مسكنه، فما عليه إلا أن يخطو خطوات قليلة، حتى يجد هذه الخدمة متوفرة ومتيسرة. ولم تقتصر نجاحات وزارة الصحة بولاية الخرطوم على المستوى المحلي ولائياً، أكان في الخرطوم أم في ولايات السودان الأخرى. إذ اتسعت هذه النجاحات لتشمل نجاحات أُخر على المستوى العالمي، فها هو مستشفى ابن سينا بالخرطوم يُعتمد مركزاً عالمياً للتدريب في مناظير الجهاز الهضمي. وحرصت الوزارة على أن الإصلاح الصحي يُلبي حاجة وتطورات جيل المستقبل، مع التغيرات الاجتماعية والتربوية، والتطور في مُعينات التّشخيص وأسس العلاج. وجميلٌ أن تُورِد هذه الصحيفة مقالاً رِثائياً من الأخ البروفسور مأمون حميدة للأخ الراحل الدكتور محمد مندور المهدي، في لمسةِ وفاءٍ، وتذكر حزائني لبعض مواقفه في الصحة وغيرها، وكذلك الترحم على روح البروفسور عواطف أحمد عثمان، التي اعتبرها الأخ البروفسور مأمون حميدة في مقالٍ آخر، وكأنها البروفسور داؤود مصطفى (أب الطب السوداني) ولكن في التّمريض، أي (أم التمريض السوداني)، لما أولته من اهتمامٍ مقدرٍ لمهنةِ التمريض في السودان. ولنستذكر في هذا الصّدد، قولَ الله تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ". وقول الشاعر العربي أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الوائلي: سَيَذْكُرُني قومي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ فإنْ عِشْتُ فالطِّعْنُ الذي يَعْرِفونَهُ وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّرُ الشُّقْرُ وإنْ مُتُّ فالإنْسانُ لا بُدَّ مَيِّتٌ وإنْ طالَتِ الأيامُ وانْفَسَحَ العُمْرُ ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْتُ اكْتَفوا بهِ وما كان يَغْلو التِّبْرُ لو نَفَقَ الصُّفْرُ ونَحْنُ أُناسٌ لا تَوَسُّطَ بيننا لنا الصَّدْرُ دونَ العالمينَ أو القَبْرُ تَهونُ علينا في المعالي نُفوسُنا ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها المَهْرُ أعَزُّ بَني الدُّنيا وأعْلى ذَوي العُلا وأكْرَمُ مَنْ فَوقَ التُّرابِ ولا فَخْرُ