السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفي البحر الأحمر أم النيل غرق فرعون؟ وإلى أيّ الاتجاهات خرج موسى بقومه؟ .. بقلم: محمود عثمان رزق
نشر في سودانيل يوم 23 - 10 - 2014

** تنبيه: هذا مقال مهمٌ جداً وفيه معلومات جديدة وتحليل عميق فأرجو الصبر عليه.
إن قوام حركة التاريخ تعتمد على الإنسان والمكان والزمان،فهذا الثالوث هو أساس أي دراسة تاريخية صحيحة. ومن الخطأ والظلم الفادح أن ينسب حدث من احداث التاريخ لمكانٍ غير مكانه أو لزمانٍ ليس بزمانه أو لشخوصٍ غير أشخاصه. وخطورة هذا العمل أن من لا تاريخ له سيبني على تاريخ غيره في الوقت الذي يفقد فيه صاحب التاريخ الأصلي تاريخه وبالتالي يفقد شيئاً ثميناً معنوياً وإقتصادياً. وتاريخ الفراعنة والنوبة عامة وصراع موسى مع فرعون خاصة هو تاريخ ستتداوله الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها طالما أنّ هذا القرآن سيظل يُتلى. فتلاوة القرآن هي التي ستحتفظ بهذا التاريخ حيّاً.
ومن المشهور بين المسلمين أنّ فرعون غرق في البحر الأحمر. وللأسف هذا كلام لا دليل عليه البتة بالرغم من وجوده في بعض كتب التفسير كما سنرى. ونتيحة هذا التفسير الخاطيء انتقلت أحداث مهمة من منطقتها الأصلية على ضفاف النيل لمنطقة سيناء لتصنع لتلك المنطقة زخماً تاريخياً لم تشهده أصلاً، وفي المقابل أُخمد ذكر المكان الأساسي الذي شهد تلك الأحداث العظام وسُرق تاريخ المنطقة التي وقعت فيها الأحداث في وضح النهار. وفي هذه المقال سنتتبع قصة فرق فرعون وسنتفحّص اللغة والمكان والزمان لنصل لنتيجة علمية صحيحة في هذ الموضوع. وسوف اقسّم البحث لثلاثة محاور هي: محور كلمة "البحر" ومحور كلمة "اليّم"، ومحور السرعة التى خرج بها موسى بقومه ولحقهم فرعون وجنوده، وأخيراً محور السامري.
المحور الأول: كلمة "البحر"
لقد ظن كثير من الناس أنّ فرعون غرق في البحر الأحمر لأنّ الله تعالى ذكر ذلك في ستة مواضع نذكر منها قوله تعالى:
1- { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ 0لْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ 0لْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِٰهَ إِلاَّ 0لَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ 0لْمُسْلِمِينَ } (يونس: آية 90)
2- { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ 0لْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } (البقرة آية 50)
3- { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ 0لْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ 0جْعَلْ لَّنَآ إِلَٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } (الأعراف: آية 138)
فلأنّ الله ذكر كلمة "البحر" في الآيات السابقة وغيرها ظن كثيرٌ من الناس أن المقصود هو البحر الأحمر وجرت التفاسير على هذا الفهم. وفي الحقيقة يطلق القرآن الكريم كلمة "البحر"على البحار والمحيطات والأنهار على السواء لأن كلمة "البحر" في اللغة العربية التي نزل بها القرآن تعني المكان الذي به ماءٌ كثير وعميق، وفيه حياة بحرية، وتستخرج من حلية للزينة وتجري فيه السفن، وهذا واضحٌ من قوله تعالى:
1- { وَهُوَ 0لَّذِي مَرَجَ 0لْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً}.
2- { وَمَا يَسْتَوِي 0لْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى 0لْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (فاطر: أية 12)
فإذن القرآن قد سمى مجاري المياه المالحة بحاراً وسمى الأنهار بحاراً أيضاً، فالبحر العذب الفرات هو النهر والذي ماؤه ملح أُجاج هو البحر أو المحيط ولا خلاف في هذا التفسير. فإذن كلمة البحر المذكورة في الآية قد تعني البحر المالح وقد تعني نهر النيل مناصفة فبأيّهما نأخذ؟.وحتى ينحو البحث نحو العلمية لابدّ له من أدلة إضافية يتم بها الترجيح بصورةٍ علميةٍ مؤسسة، وهذا ينقلنا للمحور الثاني عسى أن نجد عنده مرجحٌ نرجح به الكفة.
المحور الثاني : كلمة "اليّم "
أولاً يجب أن نقول إنّ كلمة "اليّم" كلمة غير عربية، قال عنها بعض المفسرين أنّها سريانية والسريان كانوا في منطقة العراق فعربتها العرب كما ذكر الإمام الزهري، ولكن الإمام الحدادي قال: كلمة "اليم" مأخوذة من اللسان العبراني وهي لغة اليهود من بني إسرائيل وقيل هي لغة القبط، وفي رأيي قد تكون لغة نوبية أيضاً. قال الإمام مقاتل بن سليمان (ت 150 ه) في تفسيره إنّ اليّم بلسان العبرانية يُعني به البحر، وهو نهرٌ بمصر ووافقه ابن الجوزية وكثير من المفسرين، وشذّ بعضهم وقال بل هي عربية مشتقة من التيمم لأنه يُقصد للإنتفاع به وهذا بعيدٌ جداً وفيه من التكلف ما لا يخفى على أحد.
فإذن كلمة "اليّم" هي في الراجح لغة عبرية أو نوبية،والعبرية هي لغة بني إسرائيل وبالتالي تكون كلمة "اليّم" هي اسم عبري أو نوبي قديم سُمي به نهر النيل. وبعد أن انكشفت لنا حقيقة كلمة "اليّم" نرجع للقرآن مرة ثانية لنتأكد من صحة هذا التحليل لنقف عند المرة الأولى التي استخدم فيها القرآن الكريم هذه الكلمة العبرية أو النوبية.
بالنظر في القرآن الكريم ثبت لنا أنّ كلمة "اليّم" ذكرت أول مرة في قصة أم موسى حين أمرها الله تعالى قائلاً: { أنِ 0قْذِفِيهِ فِي 0لتَّابُوتِ فَ0قْذِفِيهِ فِي 0لْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ 0لْيَمُّ بِ0لسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ....ۤ} وقد اتفق جميع المفسرين على أنّكلمة "اليّم" هنا مقصود بها نهر النيل في هذه الآية بالذات، وقد ذُكر النيل باسمه العبراني أو النوبي الأصلي لأنّ أم موسى لم تكن تتكلم السريانية أصلاً. ثم جاءت قصة غرق فرعون فأكّد الله تعالى أنّه أغرق فرعون في "اليّم" الذي هو نهر النيل في أربعة سورٍ هي:
1- سورة الأعراف فى قوله تعالى: { فَ0نْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي 0لْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } (آية رقم 136)
2- سورة طه في قوله تعالى : { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ 0لْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } (آية 78)
3- سورة القصص في قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي 0لْيَمِّ فَ0نظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ 0لظَّالِمِينَ} (آية 40)
4- سورة الذاريات في قوله تعالى: { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي 0لْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } (آية 40) (لاحظ التوافق في رقم الآيات).
فإذن وفقاً لهذه الآيات إنّ فرعون غرق في نهر النيل الذي أطلق عليه القرآن اسم "اليّم" سبعة مراتٍ في آياتٍ مختلفة. وكل هذا يجعلنا نجزم أنّ كلمة "البحر" التي وردت في الآيات التي تناولت قصة غرق فرعون مقصودٌ بها نهر النيل لأن القرائن قد توفرت لذلك وقد { ... قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} وموسى (ص) قصد بمجمع البحرين مجمع نهرين عذبين على أرض السودان عند عطبرة أو الخرطوم. وفي رأيي عطبرة أرجح لقرب المسافة بينها وبين جبل البركل حيث استقرّ موسى بقومه كما سنرى. وخلاصة هذه الفقرة أنّه قد ثبت لنا بالدليل القاطع من القرآن نفسه أن اليّم (النهر) يُسمى بحراً ولا يسمى أيٍّ من البحار المالحة يمّاً (نهراً).
المحور الثالث: قصة السامري:
إن قصة السامري أيضاً حدثت على ضفاف النيل والدليل على ذلك كلمة "اليّم" التي وردت في معرض الحديث عن العجل. قال الله تعالى على لسان موسي : { قَالَ فَ0ذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي 0لْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَ0نظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ 0لَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي 0لْيَمِّ نَسْفاً }. فإذن عجل السامري قد نُسف وقُذف به في نهر النيل وليس في البحر الأحمر كما هو شائع. وهذا يقودونا إلى استنتاج آخر هو أن القوم الذين كانوا يعبدون الأصنام في قوله تعالى: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرٰءيلَ 0لْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ } هم قوم من سكان النيل أيضاً يسكنون جنوب مدن الفرعون لأنّ البحر هنا قطعاً هو نهر النيل كما أثبتنا.ونلاحظ أنّ كلمة الأصنام جاءت بصيغة الجمع في الآية مما يدل على أن المنطقة بها مجموعات مختلفة دينياً وليس من الضروري أن تكون مختلفة عرقياً. والقرينة التاريخية التي تدل على صحة هذا القول هو أنّ منطقة شمال السودان كانت منطقةٌ تعج بالأصنام المختلفة وليس صنم واحد، ومازات آثار المنطقة تدل على كمٍ كبيرٍ متنوع من الآلهة.
المحور الرابع : السرعة في الحركة:
وفقاً لرواية التوراة قد كان "مسكن بني إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة" وقد جاء فيها أيضاً: "وظعن بنو إسرائيل من رعمسيس يطلبون ساخوت ستمائة ألف رجل سوى الحشم والعيال، وصعد معهم من الغرباء أيضاً من كل خلط ومن البقر والغنم والماشية كثيراً جداً". وعندما أمر الله تعالى موسى ان يخرج ببنى اسرائيل قامت نساء بني اسرائيل بعملية تمويه فاستعرنَّ من نساء آل فرعون حُليهنَّ وقلنّ لنساء آل فرعون أنّهن خارجات لعيدٍ من أعياد بني اسرائيل تمويهاً لعملية الخروج. فخرج موسى ببنى اسرائيل فى أول الليل بعد أن نام فرعون وقومه وكان عدد بني إسرائيل ستمائة الف فبلغ الخبر فرعون فركب ومعه جنوده مشرقين أي حين طلعت الشمس فأدركهم فضرب موسى النيل فانفلق فعبر موسى ومن معه فاقبل فرعون ومن معه فدخلوا بعدهم من حيث دخلوا فلما صاروا جميعاً فى وسط النيل امر الله النيل فالتطم عليهم بقوة فغرقوا جميعاً.
وعند تحليل هذا الحدث بمقياس السرعة سنجد أن الفارق الزمني من بداية الخروج ليلاً إلى بداية تحرك جيش فرعون في الصباح الباكر هي حوالى 8 إلى عشر ساعات. ومن المستحيل لجماعة في هذا الحجم الذي ذكره الإنجيل أن تعبر النيل من الناحية الغربية للناحية الشرقية وتصل حدود البحر الأحمر ثم تقطع البحر الأحمر في خلال 8 أو عشر ساعات. هذا من المستحيل حسابياً لجماعة ضخمة فيها نساء وأطفال وشيوخ ومرضى وبعض الممتلكات كما ذكرت التوراة. فإذن من الخطأ أن نفترض أن الهجرة كانت شرقاً كما ذكر المفسرون من غير دليل وإنّما كل المؤشرات في نظري تشير إلى أنّ هجرة موسى (ص) الأولى ببنى إسرائيل إنّما كانت جنوباً في العمق السوداني حيث دولة النوبة. وأقول ذلك لأنّ موسى كان يعلم أن الوقت لن يسعفه ليصل إلى البحر الأحمر بقومه سالمين في ليلة واحدة،فكان من المنطقي أن يخرج بهم لمنطقة قريبة لكنها خارج حدود الفرعون السياسية فكانت أقرب دولة جغرافياً تعادي الفرعون فى تلك المنطقة وفي ذلك الزمان هي دولة النوبة.والهروب جنوباً هو عمل معقول حسابياً و"لوجستياً" لأنّه سيوفر لهذا العدد الضخم الماء والغذاء والحماية السياسية أيضاً إذا وصلوا الحدود ودخلوا في حماية الدولة المعادية.وعليه، أعتقد أنّ موسى خرج بقومه جنوباً محاذياً للنيل من الناحية الغربية وعندما أدركهم فرعون وجنوده وهم على حدود دولة النوبة ضرب موسى (ص) النيل فعبر هو ومن معه للناحية الشرقية وأُغرق الفرعون وجنده في النيل، وواصل موسى (ص) رحلته مع قومه على الضفة الشرقية للنيل حتى استقر به المقام عند منحنى النيل حيث مدينة كريمة التي يقع غربها جبل البركل الذي يقع في نهاية المنحنى الغربي الذي يبدأ من المنحنى الشرق عند مدينة أبو حمد ويتجه غرباً نحو مدينة الدبة ثم ينحرف شمالاً نحو مصر. يقول الله تعالى: { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ 0لْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى 0لأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ 0لشَّاهِدِينَ }. هذا الجبل الغربي يقع أيضاً على الشاطيء الأيمن بالنسبة لحركة انسياب المياه التي تنحدر من الجنوب وتتجه شمالاً وهذا المكان هو أفضل مكان لعبور النيل في تلك المنطقة. { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ 0لْوَادِي 0لأَيْمَنِ فِي 0لْبُقْعَةِ 0لْمُبَارَكَةِ مِنَ 0لشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا 0للَّهُ رَبُّ 0لْعَالَمِينَ} وقوله: { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ 0لطُّورِ 0لأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ 0لْمَنَّ وَ0لسَّلْوَىٰ }وقوله:{ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ 0لطُّورِ 0لأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً}. وجبل البركل هو مكان مقدس لأهل الحضارة النوبية وقد أورد أحد كتاب الإنترنت معلومة مهمة قال فيها: " والاسم الحقيقي للجبل هو "نوركل" كما اورد ذلك العلامة د. عكاشة في كتابه القاموس النوبي الصغير و"نوركل" كلمة من عبارتين باللغة النوبية ف"نور" تعني الله و"كل" تعنة بقعة أو قرب الله وبالتالي يكون معني مسمى الجبل هو "بقعة الله" أو "قرب الله" وهو بالفعل ما كان يعتقده أهل تلك الحضارة وسكان بلاد المنطقة في معتقدهم فالمنطقة هي حيث كان يحج النوبيون اصحاب الآرض والحضارة وبالتالي هي جبل "نوركل" وليس بركل " وأنا أعتقد كلمة "نور" هذه عربية والعربية لم تكن لغة أهل تلك المنطقة في ذلك الزمان مما يدل على حداثة الاسم، فالإسم القديم في اعتقادي غير معروف. ونخلص من كل ذلك أن جبل البركل هو الجبل الغربي الذي قضي فيه إلى موسى الأمر. ومن باب الأمانة العلمية يجب أن أقول قد سمعت أن الشيخ أبوقرون ذكر نفس الشيء عن جبل البركل ولكني لم أقف على أدلته ولم أقرأ ما كتبفي هذا الخصوص وبالتالي لم أقتبس من آرائه شيئاً وإنّما تحققت من فرضيته العامة باجتهاد مني.
من أين جاء بنو إسرائيل لمصر؟
ذكر أحد كتاب "النت" مشيراً إلى مراجع يهودية أنّ دولة النوبة كانت تصرف على اليهود في أورشليم الأرض المقدسة وكانت تربطها بالأرض المقدسة صلة وثيقة وأشار لرسومات الرسام الهولندي اليهودي رامبرانت الذي وثّقل تلك الرابطة بين اليهود وأرض النوبة برسومات خالدة، وهذه المعلومة في نظري معلومة مهمة جداً لأنّها ستقودنا لسؤالٍ مهمٍ جداً. فمن الملفت للنظر أنّ الناس يسألون ويبحثون عن هجرة اليهود من مصر للجهات المختلفة في الوقت الذي لا يتذكر أحدٌ أن يسأل نفسه أو يسألوا علماء التاريخ، من أين وكيف جاء بنو اسرائيل لفرعون؟ فإذا كان من الواضح جداً أن بني إسرائيل ليسوا فراعنة مصريين، ولم يأتوا من فلسطين ليستقروا في مصر،فمن أين جاءوا إذن؟
الإحابة عندي هي أن أصول بني إسرائيل هي سودانية وذلك لعدة اسباب:
أولاً: لقد أثبتنا أنّهم فروا جنوباً والإنسان عادة ما يفر لموطنه الأصل إذا لاقى عنتاً في الغربة.
ثانياً: لقد ثبت أنّ لون بشرتهم هو لون أهل السودان الشمالي وأوصاف سيدنا موسى (ص) هي أنّه أجعد الشعر آدم اللون أي لونه يميل للسواد.
ثالثاً: إن لغة بعض قبائل البجة التي تشترك مع اللغة الأرترية قريبة جداً للّغة العبرية، وقد حكى لي أحد الإخوة الارتريين أنّه يفهم كثيراً من كلام اليهود بالعبرية بالرغم من أنّه لم يتعلم العبرية قط. وأعتقد أن هذا مجال بحثٍ للمختصين في مجال علم الألسن.
رابعاً: يذكر أنّ سيدنا موسى تزوج من بلاد كوش ولو لم يكن له صلات ومعارف ومعرفة بالمنطقة لرفض.
خامساً: كانت رحلة سيدنا موسى مع الخضر على النيل بالقرب من عطبرة أو توتي حيث مواقع الإقتران، ونلاحظ أن موسى قال لفتاه "{ ... لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} فمن سياق الآية أنّ موسى كان يعرف المنطقة جيدأ.
سادساً: تقف صلة النوبة القديمة بيهود أورشليم دليلاً سادساً لعلاقة اليهود بالسودان. فإذا لم يكن للنوبة صلة بأهل أورشليم فما هو الدافع للصرف عليهم ودعمهم مادياً؟الحقيقة التاريخية تقول حسب هذا التحليل إنّ يهود أورشليم تحركوا من منطقة جبل البركل نحو القدس فتاهوا 40 سنة ثم بعد ذلك حكموا القدس. هذا هو سر العلاقة بينهم وبين دولة النوبة، فهم تحركوا نحو القدس من أرضهم الأصلية أرض السودان وقد كانوا أحد مكونات دولة النوبة.
سابعاً: هناك صفات نفسية مشتركة بين أهل السودان واليهود بعضها سالب وبعضها موجب. فمن السالب الشعور بالصفوية على باقي الشعوب لدرجة إحتقارهم، وعناد القادة، والتمسك الشديد بالعادات والخصوصية الثقافية، وترويض الدين ليتماشى مع عاداتهم وتقالديهم. ومن أهم الصفات الموجبة المشتركة بينهم شدة الذكاء.
إلى أيّ أرض يشير الله تعالى في قوله {التي باركنا فيها} ؟
بعد أن أغرق الله تعالى فرعون قال:{ وَأَوْرَثْنَا 0لْقَوْمَ 0لَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ 0لأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا 0لَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ 0لْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}.وجاء في تفسير الدر المنثور للإمام السيوطي (توفى 911 ه): " أخرج أبو الشيخ عن الليث بن سعد في قوله { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } قال: هي مصر ، وهي مباركة في كتاب الله." وقال الإمام أبو السعود (توفى 951 ه) في تفسيره المسمى بإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم: "أي (أُورثوا) جانبيها الشرقيَّ والغربيَّ حيث ملَكها بنو إسرائيلَ بعد الفراعنةِ والعمالقةِ وتصرّفوا في أكنافها الشرقيةِ والغربية كيف شاؤوا، وقوله تعالى: { 0لَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا} أي بالخِصْب وسَعةِ الأرزاقِ، صفةٌ للمشارق والمغارب".
وقال الإمام الثعالبي في تفسيره المسمى بالكشف والبيان " { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي 0لأَرْضِ } ويسكنكم مصر من بعد التسخير والاستعباد وهم بنو إسرائيل { مَشَارِقَ 0لأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } يعني مصر والشام { 0لَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } بالماء والأشجار والثمار ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة، وتمكنوا من نواحيها { التي باركنا فيها } بالخصب وسعة العيش، وهي أرض الشام. وزاد ابن جزي: ومصر".
ويقول سيد قطب في تفسير الظلال:إنّ استخلاف المستضعفين من قوم موسى " لم يكن في مصر، ولم يكن في مكان فرعون وآله. وإنّما كان في أرض الشام، وبعد عشرات السنوات من حادث إغراق فرعون - بعد وفاة موسى عليه السلام وبعد التيه أربعين سنة"
وأقول: إنّ الذين قالوا إن الأرض المبارك فيها هي أرض الشام مخطئين من غير شك لأنّ سياق الآية جاء يتحدث عن عاقبة فرعون وقومه فبالتالي من المنطقي أن تفسر كلمة "الأرض"في هذا السياق بأنّها أرض الفراعنة أو أرض الهجرة.فإخراج الأرض من هذه المنطقة الجغرافية لمنطقة جغرافية أُخرى خارجة من مشهد الحدث التاريخي هو تعسف في التفسير ومنهجٌ غيرُ صحيحٍ بالمرة. والإستخلاف لا يعني بالضرورة الحكم لأن موسى وقومه لم يحكموا مصر بعد فرعون كما أشار سيّد قطب، وقد يأتي الإستخلاف بمعنى الحرية والإمتلاك والقبض بزمام المبادرة وهذا ما حدث بالفعل لبني إسرائيل في المنطقة التي هاجروا إليها على ضفاف النيل الذي كان يجري تحت عرش فرعون حيث كانوا عبيداً له يفلحون له الأرض. ولكن بعد هلاك الفرعون أصبح هؤلاء العبيد أحراراً يمتلكون الزرع والضرع والمعادن في شرق النيل وغربه، ويستفيدون من النيل لأنفسهم لا لغيرهم. فإذن الأرض المبارك فيها في هذا السياق التاريخي هي أرض الهجرة في العمق السوداني وليست مصر ولا الشام. وفي أسوأ الأحوال يمكن أن تشترك مصر في المعادلة ولكن لا مكان لأرض الشام في هذه المعادلة التاريخية ولا يمكن بأي حال من الأحوال إخراج السودان من المعادلة بسبب السياق ومجريات الأحداث التاريخية المتعلقة بقصة هجرة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام.
أرجو أن أكون قد وفقت في طرحي هذا وجئت فيه بجديدٍ نافع ولله الحمد من قبل ومن بعد، وقل ربي زدني علماً إنّك أنت السميع العليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.