نشرت صحيفة الجمعة خبر إعتقال الأستاذ/ النور أحمد النور الصحفي المعروف. سبب إعتقال الأستاذ/ النور أحمد النور حسبما أدلى به مصدر أمني مأذون للصحف، هو أن الأستاذ/ النور نشر خبراً مغلوطاً يزعم فيه أن الرئاسة قد أصدرت قراراً حول دمج شركات الكهرباء. إعتبر المصدر الأمني أن نشر قرار منسوب لرأس الدولة دون التحقق من صحته، هو خطأ مهني شنيع. من الواضح أن جهاز الأمن هو جهاز حساس ومهم أُنشئ للقيام بمهام جليلة محددة لحفظ أمن السودان القومي. ومن الواضح أيضاً أن هذه المهام الجليلة لا صلة لها بمنع وقوع الأخطاء المهنية، ولا التحقيق فيها. الأخطاء المهنية عموماً تباشر التحقيق فيها وإصدار الجزاءات بشأنها، مجالس مهنية مشكلة وفقاً لقانون المهنة المعنية، ولكنها بالقطع لا تستدعي الإعتقال. بالنسبة للصحفيين فإن قانون الصحافة والمطبوعات منح تلك السلطة لمجلس الصحافة. أما إذا بلغ النشر الصحفي درجة المواخذة الجنائية وفقاً للمادة (28) من قانون الصحافة والمطبوعات، أو المواد العقابية في القوانين الأخرى، فإن الجهة المختصة بالتحري في ذلك هي نيابة الصحافة والمطبوعات، والتي لا تلجأ للقبض على الصحفيين وتكتفي بإستدعائهم لأغراض التحري، لأن القبض في تلك المرحلة يتطلبه أحد أمرين: إما للخشية من أن يعبث المشتبه فيه بالأدلة، أو لأن المشتبه فيه ليس له عنوان معروف، والسببان ينتفيان في جرائم النشر الصحفي. أضف لذلك كله أن ما ذكره المصدر الأمني في واقع الأمر لا يكشف عن خطأ مهني على الإطلاق، فوظيفة الصحافة هي نشر الأخبار، ونشر الأخبار يتطلب التحقق من صحتها بالضرورة، ولكن أهمية التحقق تزداد بالنسبة للأخبار التي تمس الأفراد، عن تلك التي تمس السلطات العامة، لأن الأخبار التي تمس الأفراد تنطوي على مساس بحقهم في الخصوصية، بعكس الأفعال أو القرارات التي تتعلق بممارسة السلطة، التي يعتبر نشرها جزء من واجب الصحافة في إطلاع القراء على شؤون دولتهم. قرارات رئيس الجمهورية ليست كتلة صماء، فبعضها قرارات روتينية كتعيين أو ترقية كبار أعضاء الجهاز التنفيذي، أو قبول السفراء الأجانب، وهذه لا تتطلب أكثر من التحقق العادي عن صحة الأخبار. وبعضها شديد الخطورة، كالقرارات المتعلقة بعلاقة الدولة بغيرها من الدول، أوتلك التي تفرض إجراءات إستثنائية. وهذه القرارات الأخيرة يجب أن يتخذ الصحفي بشأنها قدراً أعلى من الحيطة والحذر، لأن نشر نبأ غير صحيح عنها يمكن أن يؤدي لنتائج وخيمة . القرار الذي تم نشره حسب المصدر، هو قرار لايمس الأمن القومي بطريق مباشر أو غير مباشر، لأنه لا يؤدي في حد ذاته إلى ردود فعل شعبية قوية، سواء بالتأييد، أو المعارضة، وبالتالي فلا خطورة من نشره على الأمن الوطني، حتى ولو لم يكن صحيحاً. إلا أنه خبر يهم الناس لأنه يؤثر على خدمة مهمة وبالتالي فإنه من قبيل الأخبار العاجلة التي لا تمنح الصحفي الوقت الكافي للتحقق من صحتها بالدرجة التي يرجوها، خاصة بالنسبة للصحفيين العاملين في النقل الفوري للأنباء، لأن الزمن الذي يأخذه التدقيق في صحة النبأ قد يفقد الصحفي السبق الصحفي الذي يمكنه تحقيقه، فالصحفيون يتعاملون في سلعة سريعة العطب، كما ذكرت محكمة حقوق الإنسان الأوربية، وبالتالي فلا يجوز أن نطلب منهم دقة كاملة في التحقق تجعلهم يتخلفون عن تقديم الأنباء عند وقوعها لا أرى في النبأ الذي يتهم الجهاز الأسناذ النور بإشاعته أي خطورة أمنية، وإذا كان الخبر غير صحيح فإن تكذيب عادي له يعالج المسألة. إذا كان ثمة ضرر قد وقع على شركات الكهرباء من جرائه، ففي المقاضاة المدنية متسع لإسترداد الحقوق. . إن إعتقال الأستاذ النور أكثر ضرراً من الفعل الذي إتهم بارتكابه