معلوم أن سبب سفر الحسين بن علي،رضي الله عنهما،من الحجاز إلى العراق هو أن أهل الكوفة، وعلى رأسهم أعيانها وساداتها وأشرافها،قد بعثوا له الرسل والرسائل يدعونه لتولى الخلافة بدلاً عن يزيد بن معاوية، وتعهدوا بنصرته عليه. وبعد أن اطمئن لكثرة أنصاره، قصد ذاك المصر يرافقه أصحابه وأهل البيت، وضمنهم شقيقته السيدة زينب عليها السلام. بعد أن وقعت الواقعة في كربلاء، أرسل عمر بن سعد،قائد الجيش الذي نفذ تلك المذبحة،أرسل موكب أسري وسبايا أهل البيت إلى الكوفة، حيث عبيدالله بن زياد بن أبيه، والي بني أمية على العراق. أثناء مسير الموكب في شوارع الكوفة صوب قصر الإمارة، كانت السبايا- كباقي الأسري - يركبن علي جمال بلا غطاء أو هودج.فصار قاطني الكوفة يبكونحسرة علىتقاعسهم عن الحسين، وما حاق بأهل البيت من حطّ لقدر النساء وتصفية للرجال، فخطبت فيهم السيدة زينب قائلة: "الحمد لله والصلاة علي أبي محمد وآهله الطيبين الأخيار؛ أما بعد، يا أهل الكوفة يا أهل الختل* والغدر، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرّنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم. ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف4 والصدر الشنَف5 وملق الإماء وغمز الأعداء وكمرعي على دمنة6 أو كفِضّة على ملحودة7. ألا سآء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون وتنتحبون! أي والله فابكوا كثيراً وأضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها8 ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا. وأنيّ ترحضون قتل سلسل النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم؟ ألا سآء ما تزرون وبعداً لكم وسحقا، فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة،وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة. ويلكم أهل الكوفة! أتدرون أي كبدٍ لرسول الله فريتم، وأي دمٍ له سفكتم، وأي كريمةٍ له أبرزتم، وأي حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئاً ادّا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض، وتخرّ الجبال هدّا. لقد جئتم بها صلعاء عنقاء فمقاء خرقاء شوهاء كطلاع الأرض وملء السماء. أفعجبتم أن مطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزي وأنتم لا تُنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البِدار ولا يخاف فوت الثأر وإن ربكم لبالمرصاد." ------------------------------- * الختل: الخداع 4 النطف: الملطّخ بالعيب 5 الشنف: المتكبر 6مرعي علي دمنة: مثل يُضرب لمن يروق منظره ويسوء مخبره 7فضة علي ملحودة: فِضّة تزيّن قبرا، مثل يُضرب لمن كان ظاهره حسناً وباطنه قبيح 8 الشنار: العيب