كان من المفترض أن تكمل آلية (7+7) للحوار الوطني اختيار خمسين شخصية قومية للمشاركة في أعمال الحوار الوطني، بالإضافة إلى مشاركة الأحزاب والقوى السياسية والحركات المسلحة، ولكن الآلية بعد مدارسةٍ عميقةٍ ومناقشاتٍ مستفيضةٍ، توصلت إلى ضرورة إرجاء اختيار الخمسين شخصية القومية، إلى حين الوصول إلى اتفاق مع الحركات المسلحة والأحزاب الرافضة للحوار الوطني، ومن ثم يُمكن البدء مع هذه القوى الإضافية المشاركة في الحوار في عملية اختيار الشخصيات القومية. وأحسبُ أن هذا الإرجاء، يؤكد حرص آلية (7+7) على أن الحوار الوطني، لا ينبغي أن يُعزل عنه أحدٌ أو يُقصى منه حزب. كما أن المطالبة بتسريع خُطى الحوار الوطني، لا تعني ضرورة الاقتصار على من حضر، بل يسعى هؤلاء جميعاً جاهدين في التحرك المخلص لإقناع غير المشاركين بأهمية مشاركتهم لإحداث التوافق الوطني حول مُعالجات الوضع السياسي والاقتصادي الراهن المأزوم. وكم كان جميلاً، أن يسعى الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي إلى تقريب شُقة الخلاف بين السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي والأخ الرئيس عمر البشير رئيس حزب المؤتمر الوطني، وذلك في إطار الجُهود المُضنية والمُخلصة في أن تتسع مواعين المشاركة في الحوار الوطني لكافة الأحزاب والقوى السياسية والحركات المسلحة، في إطار المُرتكزات الأربعة التي جاءت في دعوة الأخ الرئيس عمر البشير في طيات خطاب "الوثبة" الرئاسي يوم الاثنين 27 يناير 2014 بقاعة الصداقة في الخرطوم، والتي كان سنامها مرتكز السلام الذي يُؤكد - بما لا يدع مجالاً للشك - أن السلام المستهدف هو الوصول إلى سلامٍ دائمٍ مع الحركات المسلحة. والمعلوم أن الحرب قد يُثيرها شخص واحد، ولكن السلام يجب أن يكون بين أكثر من طرفٍ. فمن هنا الأطراف المعنية هي حاملو السلاح، والمطلوب هو إلقاء السلاح جانباً والجلوس في مائدة الحوار الوطني للوصول إلى إجماعٍ وطني حول قضايا الوطن والمواطنين. وفي رأيي الخاص، أن ضمان مشاركة الحركات المسلحة، يتطلب بعض القرارات الإجرائية الرئاسية التي تزرع الثقة في قلوب قيادات هذه الحركات المسلحة، وتطمئنهم على سلامة المشاركة أو المغادرة. وأحسبُ أن قرار آلية الحوار الوطني بإيفاد ثمانية من عضويتها (4+4) للقاء قيادات حملة السلاح في أديس أبابا للتفاوض معهم حول الطرائق الإجرائية لبدء الحوار الوطني داخل السودان، والتأكيد على ضمان سلامتهم في دخول السودان ومغادرته، حالفه التوفيق بحسبان أن الآلية حريصة كل الحرص على مشاركة الجميع. وأخلصُ إلى أنه كان من القرارات الحكيمة، أن تبعث آلية الحوار الوطني وفداً إلى أديس أبابا للقاء الحركات المسلحة، والتباحث معها حول كيفية المشاركة بعد مناقشة إكمال مُتطلبات وتهيئة المناخ للبدء الفعلي والإجرائي للحوار الوطني، بعد أن يطمئن قيادات الحركات المسلحة على الإجراءات المتبعة، ويستعيدون الثقة في أن السودانيين يريدون التوصل إلى توافقٍ وطني عبر أجنداتٍ وطنيةٍ، وأنهم مجمعون على بحث أنجع السبل إلى تحقيق مُعالجات حقيقيةٍ للمشكل السوداني. وحرصت الآلية وهي تبعث وفد الثمانية إلى أديس أبابا للقاء الحركات المسلحة، على أن هذا الانتقال لا يعني بالضرورة نقل الحوار إلى الخارج. فقد أوضح هذه المسألة جلياً، الأخ كمال عمر عبد السلام الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي وعضو آلية (7+7)، أن انتقال الآلية إلى أديس أبابا لا يعني نقل الحوار إلى الخارج، مؤكداً أن الحوار سيظل "سوداني- سوداني"، مشيراً إلى أن المرحلة ليست مرحلة مُزايدات، وإنما مرحلة مشاركة أساسية لحل قضايا البلاد. وبالفعل ينبغي أن تحرص لجنة الثمانية على تأكيد أهمية مشاركة هؤلاء في الحوار الوطني وصولاً إلى وفاقٍ وطني يُحقق السلام والاستقرار والتنمية المستدامة للسودان. وينبغي أن يُنظر إلى الحوار الوطني بأنه مدخلٌ مهمٌ من مداخل الاعتصام بحبل الله المتين، وعدم التفرق والشتات في سبيل إنقاذ الوطن. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وقول الشاعر العربي عمرو بن الأهتم السعدي: وَكُلُّ كَرِيْمٍ يَتَّقِي الذَّمَّ بِالْقِرَى وَلِلْخَيْرِ بَيْنَ الصَّالِحِيْنَ طَرِيْقُ لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بِلاَدٌ بِأهْلِهَا وَلَكِنَّ أَخْلاَقَ الرِّجَالِ تَضِيْقُ