تصاعدت الخلافات بين الحكومة السودانية، ممثلة في وزارة الخارجية وبعثة "اليوناميد"، المشكلة من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي، بهدف حماية المدنيين من المتفلتين وبعض الحركات المسلحة في إقليم دارفور، وظهرت حدة هذه الخلافات مُؤخراً عندما تراجعت "اليوناميد" من نتائج تحقيق أجرته بشأن مزاعم اغتصاب 200 امرأة من قبل جنود في القوات المسلحة السودانية في قرية تابت بشمال دارفور، بحُجة أن تحقيقها الأول شابه بعض القصور، إضافةً إلى وجود قوات سودانية أثناء إجراء ذاكم التحقيق، فلذلك طلبت "اليوناميد" السماح لها بإجراء تحقيقٍ ثانٍ حول هذا الحادث، عقب ادعاءات من "راديو دبنقا" بأن اغتصاب نساء جماعي من جنود سودانيين، حدث بالفعل، وشككت في صدقية التقرير الأول الذي أصدرته "اليوناميد"، وبرأت القوات المسلحة السودانية من هذه الاتهامات الخطيرة. وما زالت الحملة الإعلامية مستمرة سجالاً بين وزارة الخارجية السودانية و"اليوناميد" والأممالمتحدة وبعض المنظمات الغربية التي تُعنى بقضايا المرأة، مستغلةً في ذلك فعاليات اليوم العالمي لحماية المرأة من العنف. وأحسبُ أن وزارة الخارجية بدأت تتحسب لشيءٍ ما يُدبر ضد السودان، عليه بنت رفضها خشية أن يصدر بيان كيدي يُجرِّم القوات المسلحة في درافور، نتيجة هذه المزاعم، ثم يتطور الأمر إلى قرارات أممية، تكون تداعياتها خطراً على السودان بأسره، لذلك تشددت في الرفض ل"يوناميد" بإعادة التحقيق في قرية تابت، بشأن مزاعم اغتصاب نساء جماعي من قبل جنود سودانيين. بعد مشاوراتٍ مطولةٍ داخل أروقة وزارة الخارجية، وعطفاً على التنوير الذي قدمه الأخ الصديق عبد الله حمد الأزرق لرؤساء البعثات الأوروبية والقائم بالأعمال الأميركي وبعض المنظمات الغربية العاملة في السودان يوم الجمعة الماضي، رأت الخارجية دعوة رؤساء الصحف وبعض كتاب الأعمدة ومديري الأجهزة الإعلامية ومراسلي بعض الفضائيات العربية إلى تنويرٍ حول خلافها مع "اليوناميد"، وعرض المكاتبات والمذكرات التي صدرت من الخارجية بشأن تنظيم وتنسيق إستراتيجية تدريجية مع "اليوناميد" بخصوص مغادرتها لإقليم دارفور، ليس بسبب حادثة قرية تابت، ولكن لأن هنالك قراراً أممياً صدر في أغسطس الماضي، يطالب الطرفين بوضع إستراتيجية تدريجية لمغادرة قوات "اليوناميد" لإقليم دارفور. واستهل الأخ الأزرق تنويره أمس (الثلاثاء) بأن طلب الحكومة لقوات "اليوناميد" بالجلوس لوضع إستراتيجية تدريجية للمغادرة لم يكن شفاهةً، كما تحدث أحد مسؤولي "اليوناميد" في تصريحات صحافية مؤخراً، وصفه الأزرق بأنه كان مقتصداً في الحقيقة بحديثه عن أن الطلب كان شفاهةً، إذ أنهم قدموا مذكرة رسمية بهذا الشأن منذ سبتمبر الماضي، أي أن طلبهم لم يكن رد فعل للخلاف الدائر مع "اليوناميد" حالياً، لأن قواتهم لم تعد قادرة على حماية نفسها من المتفلتين والعصابات المسلحة، ناهيك عن حماية المدنيين في إقليم دارفور. وعدَّد الأزرق مخالفات قوات "اليوناميد"، ورصدهم لتجاوزاتها في العديد من المسائل. وحرصتُ على أن تكون مداخلتي في ذلكم التنوير أكثر صراحةً مع المنصة، من أن هذه الخطوات جاءت متأخرة، ولكن هذا لا يمنع من مناقشة كيفية التصدي إعلامياً للحملات المضادة. وذكرتُ أن غياب المواءمة الإعلامية شكل مضاغطةً للحكومة السودانية من خلال الإعلام الخارجي، كانت في غنىً عنها، لو اتبعت بعض الأساليب مع الوسائط الصحافية والإعلامية داخل السودان وخارجه من خلال التسريبات، تفادياً لأي إشكالات دبلوماسية. وأن على الخارجية أن تتحسب للمخطط الكيدي ضد السودان عبر اتصالات مكثفة مع دول صديقة في مجلس الأمن كالصين وروسيا. وأمن الأخ الأزرق على أهمية مثل هذه الاتصالات والتنسيق مع هاتين الدولتين وغيرهما. وأخطر الاجتماع التنويري أنه تلقى اتصالاً من الأخ رحمة الله عثمان مندوب السودان الدائم لدى الأممالمتحدة مساء أول من أمس (الاثنين)، بأن روسيا أعلنت في مجلس الأمن أنه ليس هناك ضرورة لإعادة التحقيق بشأن مزاعم اغتصاب نساء جماعي من قبل جنود سودانيين، والاكتفاء بتقرير تحقيق "اليوناميد" الأول. أخلصُ إلى أن هذا اللقاء التنويري من وزارة الخارجية كشف الكثير من تجاوزات قوات "اليوناميد" في دارفور، ولكن سيُنظر إليه أنه جاء كرد فعل، لذلك على الإعلام الخارجي ضرورة الإسهام الفاعل في التعاطي مع هذا الشأن عبر الوسائط الصحافية والإعلامية المحلية والخارجية، والتركيز على بذل جُهدٍ مقدرٍ لإيصال الرسالة من خلال الإعلام الخارجي، ومن الضروري تفعيل الإعلام الخارجي للتصدي لمثل هذه الحملات ومواجهتها منذ وقتٍ مبكرٍ، والعمل على إعداد إستراتيجية إعلامية تنظم الإعلام الخارجي في السودان. ولسنتذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ". وقول الشاعر العربي، زهير بن أبي سلمى: وَمَنْ لَمْ يُصَانِعْ في أُمُورٍ كَثِيرةٍ يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوْطَأْ بِمَنْسِمِ وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ