"تابت" قرية صغيرة جداً تقع شمال دارفور جنوب مدينة الفاشر حوالي 45 كلم اثارت ضجة اعلامية كبري محلياً ودولياً، اهتزت لها الحكومة حينما اتهمت البعثة المشتركة "يوناميد" الشهر الماضي، بعض منسوبي الجيش بارتكابهم حالات اغتصاب جماعي ل(200) امرأة، وروجت ذلك الاتهام بعض وسائل الإعلام، هكذا كانت بداية القصة التي ظلت تتداول الى أن وصلت الى اروقة مجلس الامن الدولى . الحكومة سمحت "لليوناميد" بادئ الامر بالتقصي لكشف الحقائق، وثم كلفت مدعي جرائم دارفور بتولي المهمة بعد ذلك، ورفضت بعده السماح للبعثة المشتركة بالدخول للقرية باعتبار انها صاحبة الاثارة، والادعاءات، بل أن الجيش تضرر بسبب هذه الاتهامات حسبما قال المتحدث باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد في مؤتمر صحفي، حيث سرد المتحدث الرسمي لوسائل الإعلام تفاصيل الواقعة، وقال "أنها تعود إلى أن احد أفراد القوات المسلحة برتبة العريف كانت له علاقة بأسرة (خطيب ابنتهم) تسكن في هذه القرية، وانه ذات مساء قبل ثلاثة أيام، ذهب إلى هذه الأسرة ولم يعد. واختفى العريف حتى هذه اللحظة، وافتقده قائده وزملاؤه وذهبوا يبحثون عنه إلى أن وصلوا إلى هذه الأسرة والتي أكدت عدم معرفتها بمكانه، فيما طلب قائد الحامية من الأسرة عدم مغادرة القرية خاصة وان القوات المسلحة فقدت احد منسوبيها ولم يتم العثور عليه". كانت هذه بداية احداث "تابت" التي قادتها لمجلس الامن، حيث خصص المجلس الدولي يوم الخميس الماضي جلسة حول قضية "تابت"، وقدم مندوب السودان الدائم بالامم المتحدة السفير رحمة الله محمد عثمان، تقريرا أعده المدعي العام لجرائم دارفور ياسر أحمد محمد، لمجلس الامن حول ما راج من مزاعم بشأن قرية "تابت"، التقرير اكد أن فريق التقصي بحث عن أي دليل مادي مثل ملابس ضحايا ملوثة بالدماء وأبواب محطمة في منازل بالمنطقة وإصابات بعض النساء أو الرجال، لكنه لم يعثر على أي دليل. بيد أن قائد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ايرفيه لادسو، طلب من مجلس الامن السماح لهم بالعودة مرة اخرى- لقوة حفظ السلام المشتركة ، المكونة من المنظمة الدولية والاتحاد الأفريقي في دارفور -إلى تابت بسبب ما أسماه الوجود المكثف للجيش والشرطة خلال الزيارة الأولى للفريق، قبل بضعة أسابيع، واردف قائلا "التحقيق المستقل من قبل الفريق المشترك هو وحده الذي سيعالج المخاوف المتعلقة بهذه المزاعم الخطيرة". وقالت الأممالمتحدة في تقريرها إن التحقيق الذي أجرته في مزاعم بوقوع حالات اغتصاب جماعي في قرية "تابت" بشمال دارفور لم يسفر عن نتائج قاطعة ويحتاج إلى مزيد من التحريات. لكن سفير السودان بنيويورك شكك في الاتهامات، وقال "كيف من الممكن تصور اغتصاب (200) امرأة وفتاة في قرية دون أن يقوم أحد بالانتقام لشرف ابنته أو زوجته أو دون أن يبلغ أحد عن الواقعة"؟، واعتبر الاتهامات أكاذيب، وزاد بالقول أن القوات الدولية كان لديها الوقت الذي تريده للتحقيق "من دون تدخل". الحكومة رفضت عودة "يوناميد" للتحقيق مرة اخري، حيث اتهم مكتب سلام دارفور بعض الجهات بممارستها ضغوطا على "اليوناميد" لذلك طالبت بالعودة للتقصي لاسيما وانها اخذت فرصتها في ذلك، الخارجية السودانية امنت على ذلك، ورات بان السماح لها مرة اخرى يؤكد انعدام هذه البعثة للاحترافية، ويقول في ذلك السفير رحمة الله " كان يتعين على اليوناميد الانسحاب على الفور من القرية إذا كانت ترى أن وجود الجيش أو وجود قوات أخرى يعرقل عملها". "اليوناميد" اصبحت عبئاً أمنياً على الجيش السوداني أكثر من أنها داعم له في حماية المدنيين، وغير قادرة على حماية نفسها" هذا ما قاله الرئيس عمر البشير خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الاسبوع الماضي، وزاد الرئيس بان "يوناميد فشلت في حماية المدنيين، وبدلاً من ذلك باتت تحمي المتمردين، لذلك نريد الآن برنامجاً واضحاً لخروجها من البلاد"، لم يكتف الرئيس بذلك بل دمغ قوات اليوناميد بأنها كانت وراء مزاعم اغتصاب 200 امرأة في دارفور للتشويش على استقرار الأوضاع في الإقليم بعد أن استطاعت القوات المسلحة دحر حركات التمرد الموجودة الآن في بعض الجيوب. وسبق حدث الرئيس البشير طلب من الحكومة للبعثة المشتركة بمغادرة دارفور، وفق استراتيجية تدريجية. وزارة الخارجية بدورها قادت، حملة قوية ضد " اليوناميد" بسبب هذه الادعاءات، وشن وزير الخارجية علي كرتي هجوما شديدا على البعثة المشتركة، واتهمها بعدم الالتزام بمهامها كما أنها لا تخدم عملية السلام بالصورة المطلوبة منها، وطالب وزير الخارجية الأممالمتحدة بضرورة الالتزام بمساعدة السودان أو الانصراف عنه وتركه لتدبير أموره، ولتحقيق الأمن والاستقرار في إقليم دارفور، لكن لم يكتف كرتي بذلك بل وجه انذارا للامم المتحدة " اما الالتزام بما جاءت من أجله في دارفور بمساعدة السودان على استتباب الأمن، وتقدم عملية السلام وإما الانصراف، لاسيما وان السودان قادر على حماية مواطنية"، وتأسف كرتي على سلوك الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي بالاهتمام بالأخبار الملفقة وعدم الاهتمام بالواقع، واردف قائلا "قامت الحركات المسلحة بانتهاكات كبيرة تمثلت في عمليات القتل والدمار وسفك الدماء ونهب المدنيين في دارفور، ولم تتحرك الأممالمتحدة وقوات اليوناميد الموجودة في دارفور لإدانة ذلك". اهالي " تابت" ثارت ثورتهم لهذه الادعاءات ورفضوا الادعاءات، وخرجت النساء في وقفات احتجاجية، وفي الخرطوم سلمت نساء القرية ممثل الأممالمتحدة بالسودان، علي الزعتري، مذكرة احتجاجية على مزاعم الاغتصاب بالمنطقة خلال الوقفة التي شارك فيها عدد من المؤسسات النسوية، والجهات المهتمة بحقوق المرأة أمام مقر الأممالمتحدة، المذكرة اكدت رفضها لإدعاءات إذاعة راديو دبنقا التي كررتها بعثة اليوناميد المكونة من الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي بدارفور، بوقوع اغتصاب جماعي في تابت بواسطة منسوبي الجيش السوداني، النساء اكدن ثقتهن في الجيش وقدرته على حماية الأرض والعرض، واكدن رفضهن للمتاجرة بقضاياهن الخاصة وإقحامها في الشؤون السياسية. يبدو أن "يوناميد" بدارفور تخوفت على موقفها المادي وفقا قالت بعض المصادر، وترى ذات المصادر أن فرصة التحقيق الاولي جاءت ايجابية لصالح الحكومة وبالتالي فان ذلك لم يكن في صالحها لذلك طالبت بالتحقيق الثاني لتثبت التهمة بأي طريقة. وقال السفير عثمان ضرار إن التمويل السنوي لليوناميد بدارفور يفوق المليار و600 مليون دولار، وزاد في تصريح صحفي أن حجم بعثة اليوناميد والصرف لا يقارن بإمكانياتها لحفظ السلام بدارفور، واردف قائلا "اليوناميد شكت إلينا كثيراً من هجمات تتعرض لها قواتها، وتطلب من القوات المسلحة السودانية التدخل لحمايتها، وهذا أكبر دليل على عدم استطاعتها حماية نفسها، كما أن الأداء الذى تؤديه ليس في مستوى إمكانياتها".