يبدو ان روسيا حاولت إبداء حسن النية وإرسال تطمينات قوية للحكومة السودانية، تؤكد بموجبها مقدرتها على لعب دور أكبر في ملف إعفاء ديون السودان الخارجية، وفقاً لما طلبته منها الحكومة السودانية خلال المنتدى العربي الروسي الذي انعقد بداية الشهر الجاري بالخرطوم ،وذلك بعد ان كشف وزير المعادن أحمد محمد صادق الكاروري، رئيس وفد السودان في اجتماعات اللجنة الوزارية السودانية الروسية المشتركة بموسكو عن توصل السودان وروسيا لاتفاق تشطب بموجبه روسيا 17 مليون دولار من إجمالي ديونها المستحقة على السودان .. الامر جعل مراقبين يتساءلون عما اذا كان ذلك يعني بداية رضاء سياسي عن السودان ،واذا ما ذلك يمكن ان يتم اعتماده كبداية لاعفاء ديون السودان؟! غير ان البعض يُذكّر ان هناك دولا أخرى كانت على استعداد لتقديم إعفاء لديون السودان، ولكن تمت مواجهتها بجدل كبير، وهو ما واجهه السودان عند إعلان هولندا العام الماضي قرارها بإعفاء ديونها على السودان ،والبالغة مائتي مليون دولار، فقد رأى معارضو هذا القرار أنه يشجع نظام الخرطوم على انتظار إعفاءات مماثلة من دول ومؤسسات أخرى. والشاهد ان نائب رئيس إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لصندوق النقد الدولي إدوار الجميل الذي كان قد قال إن اعفاء ديون السودان الخارجية "أمر صعب" ونوه إلى أنه السبب الوحيد الذي منع صندوق النقد الدولي من تقديم أي قروض للسودان منذ الثمانينات.وقال ان السودان لن يستطيع الحصول على اعفاء ديونه والاستفادة من مبادرة الهيبك على الرغم من استيفاء كافة الشروط الفنية اذا لم يتمكن من اقناع جميع دول نادي باريس البالغ عددها (55) دولة دون استثناء والتي يمكن ان تعفي 67% من الدين التقليدي وهذا لن يتم بدون موافقة ودعم الإدارة الامريكية ،نظرا لاستمرار النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق. يري بعض المراقبين ان مسالة اعفاء ديون السودان الخارجية ارتبطت بتجاذبات سياسية ما بين واشنطن و الخرطوم، حيث أن واشنطن تربط منح الدعم و إعفاء الديون بشروط قاسية وغير موضوعية و حسب وجهة نظر بعض المراقبين ان عدم استجابة الدائنين لإعفاء الدين هو أن السودان لم يستوف شروط الإعفاء، حسب رأي الدائنين. في وقت يرى فيه آخرون أن السودان هو الدولة الوحيدة التي أكملت كل الاشتراطات الفنية لإعفاء الديون، مشيرين إلى ان الأسباب السياسية هي التي تحول دون الوصول لعملية الإعفاء. في وقت يرى فيه الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير ان خطوة اعفاء روسيا لمبلغ (17) مليون دولار من ديونها المستحقة على السودان خطوة جيّدة تؤكد رغبتها في زيادة المصالح الاقتصادية مع السودان بيد أن الناير قطع بأن الامر لا يعتبر خطوة لبداية اعفاء الديون لأن معظمها في دول غربية كدول نادي باريس والتي لم تتجاوب الى الآن مع طلب السودان لاعفاء ديونه الخارجية بسبب انصياعها لما تذهب اليه الادارة الامريكية وانتقد الناير انصياع الدول الغربية وبعض الدول الاسيوية ومؤسسات دولية وعربية للمقاطعة لافتا الى ان العقوبات الاقتصادية الصحيح انها بين دولتين ، ويجب الا تتمدد لدول اخرى ويستدرك الناير بان خطوة روسيا تؤكد ان العلاقات الاقتصادية بين البلدين تسير في اتجاه انها تشهد انتعاشاً لجهة ان روسيا نفسها تتعرض الى مكايدة سياسية واقتصادية من خلال خفض اسعار النفط وعدم تجاوب مجموعة الاوبك في خفض انتاجها الامر الذي جعل الاسعار تتراجع الامر الذي يؤثر بدوره على الموازنة الروسية غير ان الناير رأى ان انتاج روسيا من البترول يمكنها من التقدم اقتصادياً وزيادة التبادل مع السودان لافتاً الى أن روسيا تنظر الى السودان كبوابة لافريقيا ما يعزز من امكانية زيادة استثماراتها في السودان . وفيما اعتبر خبير العلاقات الدولية السفير الرشيد ابو شامة ان اعفاء روسيا لجزء من ديونها على السودان امر مُرحب به رغم قوله انها نسبة بسيطة مقارنة مع ديون السودان البالغة اكثر من (42) مليار دولار الا انه اعتبرها ايماءة من روسيا وبادرة طيبة وحسن نية واعتبرها تفتح بابا لمساعدات أكبر من روسيا وتوقع مجازاً ان يفتح اعفاء روسيا لجزء من ديونها على السودان مزيدا من ابواب اعفاءات ديون السودان بحيث ان تأتي روسيا لتعفي باقي ديونها جملة على السودان مشيرا الى ان ديون السودان على الاتحاد السوفيتي في الاصل غير كبيرة حيث كان السودان اشترى اسلحة في زمن حكم نميري للسودان، وتوقع ان تحذو دول اخرى ومؤسسات وصناديق حذو روسيا وتعفي جزءا من ديونها غير ان ابوشامة قال ان اعفاء ديون السودان يكون وفقاً لاتفاقية (الهيبك) مؤكدا استيفاء السودان لكل الشروط اللازمة، الا انه اشار الى ان الامر لم يتم بسبب وجود معاكسات من امريكا والدول الاوروبية لجهة رغبتها في فرض سلطتهم على السودان وانصياعه لكل سياسات امريكا ورهن اعفاء ديون السودان برضاء امريكا عن السودان . ويرى الخبير الاقتصادي استاذ الاقتصاد بجامعة النيلين بروفيسور عصام عبدالوهاب بوب ان مسألة ديون السودان لا تحل الا عن طريق مؤسسات مالية معروفة، و هي نادي باريس و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي. و كما هو معروف فان مبادرة الدول الأكثر مديونية ( الهبيك ) و التي تتعلق بتخفيض ثقل الديون علي الاداء الاقتصادي في الدول النامية، لها شروط اساسية يمكن تلخيصها في ان على هذه الدول النامية ان تحسن من ادائها الاقتصادي و تقلل من انفاقها العسكري كشروط ضرورية من أجل أعفاء الديون ، و هذا لا يتوفر في سودان اليوم ، اذ ان هناك مشاكل امنية كثيرة تزيد من الاعباء و الانفاق علي الامن و الجهد العسكري فأتفاقية (الهيبك) وضعت شروطا من أجل استيفاء حق الإعفاء و الذي يتمثل في تحسن سجل حقوق الإنسان، وتحقيق استقرار السياسي، وتنفيذ برنامج اقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، و تنفيذ بنود مبادرة (الهيبك) التي وضعت من أجل خفض أعداد الفقراء حسب أهداف الألفية والتي أعلنتها الأممالمتحدة في سبتمبر 2000م، ووضعت العام 2015م كسقف لتحقيق ما عرف بأهداف الألفية و التي تتلخص في خفض أعداد الفقراء إلى النصف وتعميم التعليم الابتدائي للبالغين، و المساواة بين الجنسين وتعليم المرأة وخفض وفيات الأمهات وتحقيق شراكات عالمية من أجل التنمية ركز الخبراء الاقتصاديون، على أن مبدأ الإعفاء من الديون له تطبيقات واضحة على الديون العامة، وهي حالة واحدة يصبح بفعلها الدائن والمدين في حالة أفضل، وهي الإلغاء الشامل للدين، ليس للفئتين فقط وإنما بالنسبة للمواطنين الذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب الفقر والمرض وانتظار المحاولات اليائسة التي تبذلها الحكومات لتقليص الديون. وهذا التركيز لا يخرج من الناحية الفلسفية التي يستند فيها مبدأ الإعفاء من الديون إلى اعتقاد مفاده تحمل الدائن والمدين مسؤولية الدين بشكل مشترك باعتبارهما مشتركين بالأساس في المسؤولية والعجز عن سداد الديون، نظرا لتقديمهما أو تقبلهما القروض الرديئة في المقام الأول، والتي قد تحمل في طياتها الكثير من استغلال الوضع. [email protected]