كانت المتلازمة التي يحرص على ترديدها كثيرٌ من أهل المعارضة السلمية، أي غير المسلحة لنظام الإنقاذ طوال السنوات الماضيات، هي إسقاط النظام عبر انتفاضة شعبية أو قيام الحكومة الانتقالية كبديل للتبادل السلمي للسلطة، ولكن حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، كان وما زال يرفض خيار الحكومة الانتقالية، ويُقدم حيثيات رفضه، بأنه يعلم علم اليقين أن المقصد الأسمى، والهدف الأعلى من دعوة المعارضة المدنية، أنها عاجزة عن مواجهته من خلال تنظيم انتفاضة شعبية جربتها مراراً، آخرها في سبتمبر 2013، ولكنها في كل مرة تُجهض في مهدها، لأن الإنقاذ تمرست على كيفية إجهاض مشاريع الانتفاضات الشعبية في مهدها، بدءاً من إضراب الأطباء في سنيها الأولى، وانتهاءً بأحداث سبتمبر 2013، والإنقاذ قد هرمت وبلغت من العمر في السلطة عِتياً. أما الحركات المسلحة في إقليم دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فوهن عضدها بفعل حروب الكر والفر، فهي تبحث عن المعالجات لقضاياها بعد سنواتٍ من الحروب والمطاردات، وفشل البندقية في تحقيق مآرب الحركات المسلحة لمواطنيهم، بل أفقروهم وأجاعوهم وشردوهم. فلجأوا إلى القبول بمعالجة قضاياهم بعد إبداء الممانعات تلو الممانعات عبر التفاوض، فجاءوا زُمراً وفُرادى إلى أديس أبابا للتفاوض مع الحكومة السودانية، واختبار حقيقة موقفها، فوجدوها أكثر ممانعةً منهم في تقديم التنازلات التي كان يحلم بها قادةُ الحركات المسلحة. وأحسبُ أن بارقة الأمل في الوصول إلى معالجات حقيقية دون أن يكون هناك خاسر بيِّن أو منتصر أكيد، ستكون من خلال تلبية الجميع لدعوة الرئيس عمر البشير لكافة الأحزاب والقوى السياسية - حكومةً ومعارضةً، بما فيها الحركات المسلحة - إلى الحوار الوطني الذي جاء في ثنايا الخطاب الرئاسي، المعروف بخطاب الوثبة الذي أطلقه يوم الاثنين 27 يناير 2014، المتضمن للمرتكزات الأربعة (السلام والحريّة والاقتصاد والهوية)، باعتبار أن انعقاد مؤتمر الحوار الوطني سيُشكل مدخلاً مهماً من مداخل المعالجات المأمولة لكل مشكلات السودان، وفقاً لأجندات وطنية يتوافق عليها المؤتمرون، لإحداث معالجات توافقية للوضع الراهن السياسي والاقتصادي المأزوم. وفي رأيي الخاص، أن على المعارضة ضرورة مراجعة مواقفها المتشددة من الحلول الممرحلة للأزمة السودانية، لأن الوطن في خطر. فليبدأوا هذه المراجعة بالموافقة على مُقترح الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، بهدف تقريب شُقة الخلاف بين الحكومة والأحزاب والقوى السياسية المعارضة، من أجل الوصول إلى منطقة وسطى بين الحوار والانتخابات، وذلك عبر التوافق على البرلمان الانتقالي، على غِرار برلمان اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية (اتفاقية نيفاشا) في عام 2005، بنِسَب معلومة، على أن يتم تشكيل ذلك البرلمان قبل الانتخابات المعلن عن قيامها في أبريل المقبل. وَ مِمَّا لا ريب فيه، أن هذا المقترح يُحقق للمعارضة العاجزة عن إسقاط النظام، مشاركةً في السلطة، وفي الوقت نفسه، يُحقق للحكومة هدفاً مهماً في إحداث مقاربة وطنية، يُحدِث سلاماً دائماً واستقراراً مستمراً وتنميةً مستدامةً. وأحسبُ أن المقترح سيكون خير تعويض للمعارضة عن مطالبتها المستمرة للحكومة الانتقالية، فلن تكون الحكومة خاسرةً، ولن تكون المعارضة كاسبةً، فالوطن هو الكاسب والمواطن هو المنتصر. أخلصُ إلى أن البرلمان الانتقالي ينبغي أن يكون محل توافق وطني، من أجل إحداث خلاص وطني. فمن الضروري أن تتوافق الحكومة والمعارضة على مقترح البرلمان الانتقالي، لإنجاح الحوار الوطني، وتأجيل الانتخابات كأحد مخرجات ومآلات الحوار الوطني الذي تُبذل الجهود المخلصة لانعقاده في مطلع العام المقبل. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وقول الشاعر العربي، زهير بن أبي سلمى: وَمَنْ لَمْ يُصَانِعْ في أُمُورٍ كَثِيرةٍ يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوْطَأْ بِمَنْسِمِ وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ