الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع الأمريكي للسودان .. هل تم الانعتاق؟ .. بقلم: عبد الله عبد الرحمن أبو العز
نشر في سودانيل يوم 08 - 01 - 2015

يكثر الحديث في السودان هذه الايام عن ذكرى خروج المستعمر الانجليزي، وكأننا قد تحررنا من الاستعمار، ولكن في الحقيقة اننا لم نتحرر من ربقة الاستعمار بعد، ولكي يتم التحرير والانعتاق فعلا لا بد أن ننعتق من هيمنة الغرب الكافر، فكريا وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً! نعم فالغرب يحتل الأمة في كل شيء، وسياسته هذه لا يمكن إخفاؤها لا قولا ولا فعلا! فهذا فرانك كارلوتشي وهو رئيس مجموعة كارلايل الأمريكية العملاقة، وآخر وزير دفاع في إدارة رونالد ريغان، ومستشار الأمن القومي قبل ذلك ومن المقربين بشدة إلى وزير الدفاع السابق "رامسفيلد" يقول قبل الحرب الاستعمارية على العراق: "ان الذين يسألون عما إذا كانت لدينا إستراتيجية عُليا يصح لهم أن يعرفوا أن لدينا إستراتيجية عُليا، وأن هذه الحرب القادمة خطوة على طريقها". ثم يستطرد "كارلوتشي" (وفقا لتقرير صدر فيما بعد عن مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك) "لدينا إستراتيجية عُليا غاية في البساطة، نحن نريد في المنطقة نظمًا موالية لنا، لا تقاوم إرادتنا، ثم إننا نريد ثروات هذه المنطقة بغير منازع، ونريد ضمانا نهائيا لأمن "إسرائيل" لأنها الصديق الوحيد الذي يمكننا الاعتماد عليه في هذه المنطقة!".
في مقابلة أجرتها وكالة الإعلام مع الحاقد الأمريكي "برنارد لويس" في 20/5/2005م قال الآتي بالنص: "إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات؛ ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإنَّ عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان.. إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إمَّا أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية- دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة؛ ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوربا لتدمر الحضارة فيها".
كان لبريجنسكي (مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد كارتر) دور في مشروع برنارد لويس لتقسيم الدول العربية والإسلامية، والذي اعتمدته الولايات المتحدة لسياستها المستقبلية:
1- في عام 1980م والحرب العراقية الإيرانية مستعرة صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي "بريجنسكي" بقوله: "إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن (1980م) هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود "سايكس- بيكو"[1].
2- عقب إطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بدأ المستشرق المتأمرك "برنارد لويس" بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة البلاد العربية والإسلامية جميعًا كلٍّ على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي.. إلخ، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع البلاد العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت بوحي من مضمون تصريح "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس "كارتر".
3- في عام 1983م وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع الدكتور "برنارد لويس"، وبذلك تمَّ تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية لسنوات مقبلة.
لقد كان لبلدنا الحظ الاوفر في تنفيذ المشروع الامريكي من طمس الهوية وتمزيق أمتنا القوية
تابى الرماح اذا اجتمعن تكسرا واذا افترقن تكسرت آحادا
ولتنفيذ أمريكا لمشروعها في السودان قامت بالتدخل السافر في شأن البلاد تحت غطاء الانسانية والديمقراطية مستخدمة لذلك الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري، لتنفيذ مشروعها بابناء البلد من الحكومة والمعارضة والحركات، وذلك من خلال السفارة الأمريكية والمبعوثين الأمريكيين ومنظمة الايقاد ومجلس السلم والامن الافريقي وثابو ام مبيكي ودعم الحركات لوجستيا وبالسلاح وكذلك عن طريق قوات حفظ السلام والمنظمات التي تبث سموم الاستعمار وتخدم اجندته.. فأعادت أمريكا بذلك السودان الى خانة البلاد المستعمَرة بامتياز، وان ادعت الدولة انها حرة وتملك سيادة البلد.
ايها الاكارم: ان التدخل في شؤوننا جريمة لا تغتفر وقد حرمه الاسلام علينا بقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ال عمران، وقوله سبحانه: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) النساء، وقال جل من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) أل عمران، وقال جل في علاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) المائدة.
هذا وكل الامم ترفض الاستعمار وترفض الاحتلال، وتعد التعامل معه خيانة عظمى، ففرنسا بعد ان انتصر الحلفاء قام ديجول بمحاكمة قائده في الجيش الجنرال فيليب بيتان لأنه تعامل مع الالمان عند احتلالهم لفرنسا، وبعد ان حكمت المحكمة عليه بالاعدام، خفف ديجول الحكم عليه الى المؤبد لهرمه الشديد.
ندخل الآن الى أهم الاعمال التي نفذت أمريكا به مشروعها في منازعة قيم أهل السودان ومشروعهم الخالد:
أولا : الوضع الاقتصادي والظلم العام في السودان جعل الباب مفتوحا للمستعمر للتدخل:
إن الظلم في السودان وصل منحا بعيدا من جوع وفقر وانعدام أمن وقلة فرص التعليم وضعف التعليم وانهيار البنى التحتية وانعدامها، وذلك رغما من أن ثروة السودان وفق خبراء أنها كافية لإغناء 500 مليون نسمة وليس 40 مليون وهم أهل السودان قبل فصل الجنوب. فكان هذا مدعاة للتدخل الخارجي، ولكن الوزر الأكبر يقع على الحكومة التي بدلاً من أن تحل مشكلة السودان بناء على العقيدة الاسلامية فتحت الباب على مصراعيه للمستعمر حتى ينفذ أجندته الهدامة وكان من ذلك ان وقع السودان تحت وصاية الصناديق الدولية من صندوق النقد الدولي وغيره، ولان الدولة تتبع النظام الرأسمالي في الاقتصاد، ولانها تتبع لصندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه امريكا، كانت مستجيبة لروشتات صندوق النقد الدولي الذي دمّر اقتصاد السودان بسياساته الاستعمارية التي ادت للخصخصة وهي فكرة امريكية ولرفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية وزيادة الضرائب وكان آخرها ارتفاع سعر المحروقات بإيعاز من صندوق النقد الدولي، وقد كان وزير المالية الأسبق عبد الله حسن احمد يقول نحن نفذنا كل سياسات صندوق النقد الدولي لكن مع هذا لا يريدون أن يرضوا عنا.. هذا التبع للسياسات الأمريكية جعل الحكومة تستجيب للصلف الأمريكي لأنها سمحت لنفسها ان تنفذ المشروع الأمريكي بلا وعي فهي ليس لها مشروع سوى الجلوس على دست الحكم ولو خربت البلاد وتبقت لها تلة خربة لتجلس عليها.
ثانيا: وجود الحركات المسلحة ودعمها:
مما لا يخفى أن اول حركة مسلحة نشأت في جنوب السودان ابان الاستعمار الانجليزي في 1955 بقيادة اليبينو، وما نشأت هذه الحركات الا من الظلم الذي يعيشه اهل البلاد بعامة وأهل الجنوب بخاصة، وذلك لغياب الحكم بما أنزل الله، وهو نظام العدل الذي يرفع الظلم عن كاهل الامة.. في هذه الاجواء لم تخف أمريكا دعمها للحركة الشعبية التي آلت قيادتها لجون قرنق، بل صرحت جنداي فريزر مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الافريقية في عهد بوش كونداليزا رايس، أن أمريكا لا تعامل الحركة الشعبية والحكومة السودانية على حد سواء بل ان أمريكا تقف الى جانب الحركة الشعبية. ومما يدل بشكل صريح على مؤامرة أمريكا ضد السودان وأهله هو ما نقلته صحيفة (واشنطن تايمز) الأمريكية عن ايزيكيل جاتكوث، ممثل جنوب السودان في واشنطن، قوله: (إن الولايات المتحدة تدعم انفصال الجنوب، وتضخ أموالاً كبيرة لتحقيق ذلك، وأنها تقدم دعماً مالياً سنوياً يقدر بمليار دولار؛ تُصرف في إنشاء البنية التحتية، وتدريب رجال الأمن، وتشكيل جيش قادر على حماية المنطقة)، (صحيفة الرائد 26/12/2009م).
فالدعم المالي للحركة الشعبية سواء كان بالسلاح او المال لم ينقطع ابدا، وهذا قد أبرزته وسائل اعلام الانقاذ في العشرين سنة الماضية، وكان يصل ذلك الدعم اما عن طريق المنظمات واما عن طريق دول الجوار التي احتضنت الحركة الشعبية بأمر أمريكا. مما يعطي قوة غير طبيعية للحركات المسلحة عموما والذي حدث في الجنوب تم تكراره في دارفور وفي النيل الازرق وجنوب كردفان حيث أنشأت أمريكا بدعم من دويلة جنوب السودان، كياناً مسلحاً بتاريخ 11/11/2011م تحت مسمى الجبهة الثورية السودانية بقيادة الحركة الشعبية قطاع الشمال، حيث يضم الكيان الجديد حركات دارفور المسلحة الرئيسية، وينص النظام الأساس للجبهة الثورية على: (إقرار الوحدة الطوعية لجميع أقاليم السودان)، وقد جمعت الجبهة الثورية قوى المعارضة في كمبالا بتاريخ 05/01/2013م على وثيقة أسمتها (ميثاق الفجر الجديد) نصّت على: (إقرار مبدأ الوحدة الطوعية لجميع أقاليم السودان). هذه الجبهة الثورية التي من خلال قيامها بأعمال لافتة للنظر، يتم تدشينها بوصفها الطرف الثاني مع حكومة السودان في التعاقد الباطل لتمزيق ما تبقى من السودان.
في المقابل فإن الدولة تعاملت مع الحركات بأمر يخالف القيم وهو أن حملة السلاح على الدولة الاصل أنهم مجرّمون بالقانون، ورغم هذا التجريم وبعد استشهاد مئات الالوف من القوات المسلحة وغيرهم من ابناء البلد وبعد تهديد الأمن وسلم الامة، تقوم الدولة بتكريم حملة السلاح وتعطيهم مناصب وتعطيهم السيادة مع وجودة العلاقة السافرة مع المستعمر مما يعني نجاح المستعمر الامريكي في مسعاه من تنفيذ مشروعه الخبيث وكان نتاج ذلك أولا في جنوب السودان نشوء دولة ذات صبغة نصرانية تم تكريم المشروع الامريكي بها حتى احتفل الامريكان بهذا النصر.
ومن جهة اخرى كان تعامل الدولة مع الحركات عسكريا تعاملا شاذا بل استعانت بقبائل تحمل السلاح مما جعل العصبية تبرز في القضية وتم بذلك اضعاف الجيش خصوصا بعد اتفاقية نيفاشا الاجرامية.
ثالثا: ادخال أفكار تهيء البلاد للانفصال:
في العام 1965 نادى بعض السياسيين بفكرة الفدرالية لجنوب السودان فخرجت مسيرة هادرة تندد بالفكرة وتقول: (no federation for one nation ) لا للفدرالية بل أمة واحدة، واعتبرت الامة آنذاك أن الحديث عن الحكم الفدرالي مع جنوب السودان جريمة وطنية، فلم تطرق الفكرة! ولكن عندما جاءت الانقاذ جعلت الفدرالية والتي كانت خيانة وطنية من الثوابت، وما الفدرالية الا صورة من صور الحكم الذاتي من حيث التشريع وانتخاب الولاة ومالية البلد أو الولاية وهي نظام اتحاد وليس نظام وحدة كما في نظام الحكم في الاسلام، فقسم السودان على غرار ذلك الى 26 ولاية متحدة بعد ان كان البلد واحدا.. فالفدرالية فكرة امريكية وليست فكرة اسلامية وها هي الدولة وجدت ان بالفدرالية مشكلات كثيرة فدعت وعملت على ترقيعها، ولكن الشاهد في الامر أنّ الفدرالية وهي صورة للحكم الذاتي أهّلت السودان للتمزق والانفصال.
وفي العام 1995 اجتمعت المعارضة في اسمرا ونادت متفقة على اعطاء جنوب السودان لما يسمى بحق تقرير المصير، والذي اعطته الحكومة لرياك مشار وكاربينو كوانجين في اتفاقية الخرطوم للسلام في 1997م، فكانت هذه الفكرة من الافكار الامريكية التي استطاعت به امريكا ان تمزق به يوغسلافيا السابقة ومزقت به السودان، مع ان تقرير المصير عندما نادت به امريكا في 1918م كان للشعوب المستعمرة، وهذل لا ينطبق علينا، ولكن امريكا استغلته في بلدنا المسلم بدعوى تعدد القبائل، حيث انها اذا نشرت العصبيات عن طريق الحكم الفدرالي وعن طريق المنظمات والحركات يمكن ان تدخل فكرة حق تقرير المصير ليكون الانفصال والتمزيق يتم بيد أبناء البلد من الحكومة والمعارضة وحملة السلاح، مع أن التعدد القبلي واختلاف الالسن والالوان آية من آيات الله ونعمة من نعم الله، وليست نقمة انما العصبية التي زرعتها امريكا واخواتها عن طريق الساسة وعن طريق المنظمات حقق لها ما تريد، وكلنا سمعنا عبارة تاني ما دايرين كيس أسود يكون حايم في الخرطوم، وتاني ناس الجنوب ما بنديهم ولا حقنة..
وبعدما استطاعت امريكا فصل الجنوب عن السودان بفكرة الفدرالية وحق تقرير المصير في 9/7/2011م تسعى للبقية قال النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان: (إن هنالك دولاً عالمية واقليمية تقود مخططاً لتمزيق السودان)، شبكة الشروق 16/05/2013م، وصرّح كذلك وزير الثقافة والإعلام أحمد بلال لبرنامج مؤتمر إذاعي؛ الذي بثته الإذاعة السودانية يوم الجمعة 17/05/2013م قائلاً: (هنالك مخطط خارجي يستهدف تقسيم السودان إلى خمس دويلات مرتكزاً على انفصال الجنوب)، بل إن سفير فرنسا الأسبق بالخرطوم ميشيل رامبو في حواره مع تلفزيون السودان، تحدث عن مخطط أمريكي اسرائيلي لتقسيم وتفكيك السودان، الهدف منه موارده وخيراته الطبيعية، (صحيفة آخر لحظة 31/05/2013م).
لذلك أنشأت أمريكا الجبهة الثورية في 11/11/2011م ونصت الحركة على الوحدة الطوعية، وهي نفسها حق تقرير المصير الذي اتت به امريكا ولكن تحت مسمى جديد..
إن الأمة لو وقفت الموقف المبدئي لما كان هذا التهافت من الحكومة والمعارضة والحركات المسلحة ولمنعت الانفصال الذي يحرمه الشرع روى الامام مسلم عَنْ عَرْفَجَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ»:
ولكن نجد ان الحكومة نفذت المخطط بكل حذافيره حيث بتنفيذ الفدرالية كما تريد امريكا وجدت العصبية والتفرق الشديد ومن ذلك تعيين الموظفين بناء على الجهة ثم القبيلة وليس الكفاءة مما أوجد استقطابا حادا، جعل رئيس الدولة يقول ان انتخاب الولاة اوجد طغيانا وعصبية وقبلية، ولكن هذا تم بعد أن تم زرع العصبية في البلد وتأهيله للتمزق في كل مكان.
والمسئولة عن تعديل الدستور تقول أن دستور 2005 عقد اذعان وان تجربة الولاة كرست للقبلية والجهوية ويجب مراجعتها صحيفة الصيحة 24/12/2014.
ومن أكبر الادلة على فساد فكرة ان يكون الموظفون والولاة من اهل الولاية نفسها الفساد المالي الذي انتشر فاذا بالاقرباء أكثر فسادا من الغرباء الذين يدعون فالمسألة فعلا مسألة كفاءة وتقوى وليس جنس او قبيلة او جهة كما بين وفصل الاسلام في ذلك.
رابعا: اتفاقية نيفاشا لفصل جنوب السودان وجعله سابقة لتمزيق كل البلد:
كانت المشاعر الجهادية عند مجيء الانقاذ عالية وقدم اهل السودان أرتالا من الشهداء، وفي اوج هذه الانتصارات تم التنازل والتفاوض مع من كانت تسميه الدولة خائنا وعميلا كما تفاوضت من قبل مع رياك مشار وكاربينو كوانجين، وتم احتضان هذه المفاوضات بالرعاية الأمريكية الكاملة بقيادة القس دانفورث المبعوث الخاص للرئيس الامريكي جورج بوش وفي ضاحية نيفاشا في 2005 تم التوقيع على اتفاقية مكتوبة باللغة الامريكية وليس اللغة العربية، وتمت ترجمتها بعد ذلك في الخرطوم، اتفاقية لم تكتبها حكومة السودان ولا الحركة الشعبية بل أمريكا ووضعت فيها خطتها لتمزيق السودان، وكان قرنق واهما أن أمريكا تريد الوحدة، كما وهم اعضاء من الحركة الشعبية، واعضاء من الحكومة وبعد أن تم اقرار اتفاقية نيفاشا من قبل البرلمان قام على عثمان خطيبا في احتفالية بالتوقيع بأن اتفاقية نيفاشا ستعمم على كل السودان وعندما دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ أخذت الاطراف تستمع لأمريكا والصراع يحتدم يوما بعد يوم بين الحكومة والحركة الشعبية والمعارضة والحكومة من طرف آخر.
وتم في تنفيذ هذه الاتفاقية امر استعماري غريب حيث تم تقليل عدد أفراد القوات المسلحة بتسريح الكفاءات وغيره، لكي لا تكون اقوى من قوات الحركة الشعبية، وكان هذا ضربة قاصمة تتعلق بالمثل العليا للامة نفسها. فلا دولة في الدنيا توصل امتها لهذا الهوان. بل الان امتدادا للمشروع الامريكي أجاز البرلمان التعديلات الدستورية التي ترغب فيه أمريكا ومنه جعل جهاز الامن قوة موازية للقوات المسلحة مما يجعل بذلك القوات المسلحة تزداد ضعفا الى ضعفها ويصبح دورها يضطلع به قوة اخرى، فيصبح دورها كدور الفارس الذي لم يخض حربا فيؤلمه ذلك!!
لقد كانت نيفاشا بحق الاسفين الذي دُق في نعش السودان حيث به تم فصل جنوب السودان وبتوقيع رئيس الدولة بفصله، وفي المقابل احتفل البيت الاسود الاميركي بهذا الانتصار ووجه الشكر لحكومة الانقاذ. وقالت كوندليزا رايس يوم الاحتفال بفصل الجنوب وهي ترأس الوفد الامريكي: "استقلال جنوب السودان لم يأت كهدية بل أُخِذَ عَنوةً".
بتوقيع الحكومة على اتفاقية الشؤم نيفاشا كانت سابقة لتهيئة كل ولايات السودان للانفصال جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور والشرق، فقد وقعت الدولة ايضا اتفاقية الدوحة وبرعاية امريكية ايضا مع حركة التحرير والعدالة في 14/7/2011 بعد خمسة أيام من فصل جنوب السودان اعطت بموجبها للحركة التي يقودها التجاني السيسي حكما اقليميا بسلطات واسعة، وهي ايضا صورة من صور الحكم الذاتي الذي يتبعه حق تقرير المصير والتمزيق.
إن اتفاقية نيفاشا اتفاقية باطلة تم فيها اعطاء ما لا يُملك لمن لا يستحق وهي تفرط في ارض الامة ورسالة الامة وتمكين للكافر الامريكي واعوانه من رقابنا.
خامسا: المنظمات الاجنبية واعمالها الاستخباراتية ودعمها للحركات المسلحة:
بعد ان باعت منظمة آرش دوز وي أطفال من دارفور في فرنسا في اكتوبر 2007م وتم قبض افراد المنظمة متلبسين، أصدرت الحكومة قرارا بأنه مع نهاية العام لن يسمح لاي منظمة اجنبية للعمل في السودان وعليها أن تخرج من البلد قبل ذلك التأريخ، وبعد اسبوعين فقط من القرار تم إدخال منظمتين امريكيتين تحت الضغط الأميركي ولم ينفذ قرار البشير.
إن المنظمات العاملة في السودان تفوق ال 130 منظمة وهي تدخل بدعوى الخدمات الانسانية والاغاثة، فثبت تورطها في اعمال استخباراتية ونقل اسلحة وتم ضبط بعضها اكثر من مرة وتم طرد البعض منها وسمح لبعضها بالدخول بعد طردها كمنظمة الصليب الأحمر الدولي التي سمح لها مجددا بالعمل في أواخر نوفمبر 2014م، مع انها ضبطت قبل ذلك وهي تحمل الاسلحة للحركات، في جنوب السودان وغيره. ويبرز الان ما يسمي بتبادل الاسرى بين الحركة الشعبية قطاع الشمال والحكومة بمبادرة سائحون، وستقوم المنظمة كالعادة باخذ الاذن من الحكومة ونقل الاسرى ولكن خلال ذلك يمكن ان تمد قطاع الشمال بكل دعم ممكن حتى الاسلحة الخطيرة لفك الحصار لانها طائرات لا تخضع للتفتيش.. يا لها من سذاجة.. يستفيد منها الكافر المستعمر لتمزيق الامة، وفي الوقت نفسه صرح الرئيس البشير في لقائه مع الصحفيين في 30/11/2014: إن الحكومة لن تقدم على وقف عدائيات مع الحركات ولن تقبله لكي تتيح لها ترتيب صفوفها من جديد!!
إن من اعمال المنظمات بث الثقافة الغربية وثقافة العنصرية التي قد آتت اكلها في جنوب السودان منذ سياسة المناطق المقفولة في 1922، وحكومة الانقاذ تعلم علم اليقين فساد هذه المنظمات وجرائمها ولكنها تسمح لها بالعمل استجابة للضغط الامريكي، الذي يهدد بفرض العقوبات وعدم رفع اسم السودان من قائمة الارهاب مما دعا المسئولين في الحكم يقولون ان امريكا تتبع معنا سياسة العصا الجذرة، الى ان قال رئيس الدولة عمر البشير لم نر جذرة في عصاية بس...
سادسا: الحوار الوطني فكرة امريكية:
كما ان اتفاقية نيفاشا امريكية، ففكرة الحوار الوطني امريكية كذلك حيث أصدر معهد السلام الأميركي خارطة بعنوان: الطريق إلى الحوار الوطني في السودان وقد أعده المبعوث الامريكي السابق برينستون ل. ليمان وجون تيمن مدير برنامج القرن الأفريقي التابع لمعهد السلام الأميركي ، في13 أغسطس، 2013 جاء فيه:
لقد حان الوقت لأن يشرع السودان في حوار داخلي حقيقي، وعملية إصلاحية تؤدي إلى حكومة ممثلة لقاعدة واسعة، وديمقراطية وقادرة على السعي نحو عملية مصالحة مجدية بين السودانيين:
ملخص :
يحتاج السودان بصورة ملحة للشروع في إجراء حوار وطني، وعملية إصلاح يديرها الشعب السوداني بنفسه ويدعمها المجتمع الدولي.
ينبغي أن تكون العملية واسعة لأقصى حد، وأن تشمل عناصر النظام الحالي، والإسلاميين، وجماعات المعارضة المسلحة وغير المسلحة.
ستستغرق أية عملية جادة وقتًا طويلاً، وقد تتطلب أعواما لتكتمل. وإذا كانت حقيقية وشاملة، فقد تستدعي تأجيل انتخابات عام 2015 .
يلعب فريق التنفيذ رفيع المستوى التابع للاتحاد الإفريقي، دورًا مهما للغاية للترويج لهذه العملية وتوجيهها.
وجاء تحت عنوان مساعدة خارجية للتغيير الداخلي ما يلي:
من غير المرجح أن تستطيع الأحزاب السودانية بدء عملية حوار وطني بنفسها والمحافظة عليها. وينبغي أن يتم توفير الإشراف والدعم الخارجيين واللازمين.
نعم هكذا تنفذ أمريكا مشروعها في السودان لاكمال فصول الجريمة.
بعد ذلك بدأت أمريكا تنشط في إرسال الخبراء الى السودان، وتحشر أنفها في كل صغيرة وكبيرة، في ملف البترول والحدود بين الدولتين وأبيي وفي الاقتصاد والزراعة والتعليم والدستور وغيرها، وتوفد المبعوثين وكبار موجهي السياسة الأمريكية، فأرسلت في يناير 2014 الرئيس الأسبق كارتر للسودان.
حمل كارتر الخريطة الأمريكية الى الفرقاء في السودان، فاجتمع مطولاً بالرئيس البشير فى الخرطوم يوم الثلاثاء 21/01/2014م وبحثا قضايا الحوار الوطني والانتخابات والدستور... وأكد البشير حرصه على الوفاق الوطني والحوار مع كل القوى السياسية من أجل التوافق على الرؤى والثوابت الوطنية وطمأن كارتر بتنفيذ ذلك طوعاً لا كرهاً. وهذا ما أكده كارتر في تقريره قائلاً: (التقينا مع الرئيس البشير وكبار مستشاريه، ناقشنا آفاق حوار وطني شامل وديمقراطي، وانتخابات عام 2015، وصياغة دستور جديد...) وأضاف كارتر: (خلال يومنا الأخير في الخرطوم، ثمة تأكيدات من الرئيس، ورئيس البرلمان، حول التزام الحكومة بإجراء حوار وطني حقيقي وعادل، والانتخابات، وصياغة دستور جديد وهذه التاكيدات وجهت أيضا من قبل الدكتور درديرى محمد أحمد، .. ومستشار الرئيس عبد الرحمن الصادق المهدي، ابن رئيس الوزراء السابق، .. ومن جانب وعدنا بدعم كامل من مركز كارتر إذا تم الوفاء بالتزاماتهم).
عاد كارتر مطمئناً على تنفيذ مخطط بلاده في السودان، ملوحاً بعصا غليظة إذا لم يلتزم الرئيس بوعوده، حيث قال كارتر في تقرير: بعد معرفتنا عمر البشير لمدة 25 عاما، وبما لدينا من مشاريع زراعة وصحة متعددة وكاملة في السودان وجنوب السودان، أصبحنا مفتنون بإصرار، لم يسبق له مثيل، من البشير وكبار المسئولين، بالبحث عن حل سلمي للخلافات داخل السودان ومع الدول المجاورة..... ونحن سوف ننتظر لإثبات بأن هذه التوقعات ستتحقق).
وبالفعل بادر البشير باطلاق المبادرة الأمريكية بشأن الاصلاحات، بعد زيارة كارتر بخمسة أيام فقط، ففي 27/01/2014 كشف البشير عن هذه الخريطة الأمريكية الجديدة للفرقاء كلهم أجمعين (الذي توافدوا للاستماع اليه)، والتي سماها البشير بخطاب (الوثبة)، دعا من خلاله حتى حملة السلاح للجلوس طوعاً.
وظل الساسة الأمريكان يتابعون الوضع في السودان عن كثب، ويرفعون العصا الغليظة ليسير السودان وفق ما خطط له، قال دونالد بوث في جلسة استماع امام مجلس النواب مساء الاربعاء 26/02/2014م: (ان العالم سيظل يراقب عن كثب ما تتمخض عنه دعوة الرئيس السودانى عمر البشير التى أطلقها الشهر الماضي). وقال (إن واشنطن تعمل مع الأطراف الأخرى مثل الصين والمملكة المتحدة والنرويج والاتحاد الأفريقي واثيوبيا ومصر وقطر للضغط على السودان لتبني إصلاحات حقيقية).
هذا وكانت أمريكا تلاحق الحكومة والمفاوضين في أديس أبابا للتأكيد على الامساك بملف الحل، وبحسب وسائط الاعلام فقد تلاحظ وجوداً متصلاً للمبعوث الأمريكي إلى السودان وجنوب السودان دونالد بوث في مقر المفاوضات، والتقى بغندور، الذى نقل له رؤية ومواقف الحكومة حول المفاوضات، فيما أكد المبعوث متابعة واشنطن للتفاوض لحث الجانبين على التوصل لسلام، وان المبعوث الامريكي طلب من الحكومة تقديم تنازلات حقيقية لوقف الحرب.
والجدير بالذكر أن كارتر في سبيل تحريك المعنيين بالعملية السياسية، وفق الخريطة الأمريكية، عقد اجتماعا مع الترابى بفندق السلام روتانا وناقشا القضايا الداخلية، كما وناقش الاجتماع قضايا الدستور، والحكم الانتقالي، وأن المؤتمر الشعبي أبلغ كارتر بضرورة تشكيل حكومة انتقالية، وأن مشاركتهم مشروطة بإجراء الانتخابات في 2017م، فضلاً عن إمكانية تشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.. وقال كارتر في تقريره: (شجعناهم على تعزيز الإصلاحات الانتخابية التي أوصى بها مركز كارتر بعد انتخابات 2010 ودعم حوار وطني حقيقي ومشاركة واسعة في كتابة الدستور الجديد).
وفي سبيل المتابعة الامريكية لمشروعها في تعديل الدستور جلس القائم بالاعمال الامريكي جيري لانير مع أعضاء بالبرلمان ليتابع ما طلبته أمريكا من تعديلات في الدستور، وتهافت أعضاء بالبرلمان ببحث التطبيع مع أمريكا... بحثا عن الجزرة ورضا الامريكان...
ختاما العقوبات الأمريكية:
لكي تضمن أمريكا سير الحكومة في تنفيذ هذا المخطط، عمدت على أمرين في سياستها لاخضاعها، وهما سياسة مد الجزرة، وسياسة التلويح بالعصا الغليظة، فبدأت بالضغط على السودان للخضوع والخنوع، فقامت بما يلي:
1/ ابقاء السودان على القائمة الأميركية ل«الدول الراعية للإرهاب» منذ أغسطس 1993 وغير المتعاونة في محاربته.
2/ أصدرت وزارة الخارجية الأميركية الخميس 27 فبراير 2014م تقريرها السنوي، شككت فيه مشروعية الحكومة السودانية، موجهة في الوقت ذاته سيلاً من الإتهامات في مجال انتهاكات حقوق الانسان والحريات والإتجار بالبشر، والتلويح بملاحقة أعضاء في الحكومة وفق مذكرة أوكامبو المقدمة من المحكمة الجنائية الدولية، وشكك التقرير في نتائج الانتخابات العامة التي أجريت في العام 2010 بالسودان.
3/ الاصرار على ابقاء العقوبات الاقتصادية، ومراقبة الشركات والبنوك التي تتعامل مع السودان ... وغيرها من العصي التي تلوّح بها أمريكا كلما أرادت أخذ طعمة لتبتلعها في سبيل سياستها للهيمنة على الشعوب والأمم.
ومن سياسة الجزرة التي تعدهم بها أمريكا وتمنيهم:
1/ ضمان استمرار حكومة الانقاذ. قال ليمان في لقاء مطول بصحيفة الشرق الأوسط: (ليست في مصلحتنا اسقاط النظام في السودان .... مصلحتنا هي تطوير النظام ديمقراطياً. نعم، ساعدناهم في الماضي بما فيه مصلحتنا. ومصلحتنا الآن هي استقرار في السودان وفي جنوب السودان). وفي نفس اللقاء وفي سؤال عن احتمال انتقال الربيع العربي الى السودان قال ليمان: (ليس هذا جزءا من أجندتنا في السودان. بصراحة، لا نريد اسقاط النظام، ولا تغيير النظام. نريد اصلاح النظام باجراءات دستورية ديمقراطية).
2/ تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، فقد وعد كارتر في لقائه مع رئيس البرلمان عن استعداده للوساطة بين الحكومتين وإدارة حوار مع الإدارة الامريكية ومراكز القرار الأمريكي لإعادة العلاقات بين الخرطوم وواشنطون.
3/ إلغاء الديون ورفع العقوبات الاقتصادية عن السودان وتقديم المنح والقروض. قال المبعوث الأمريكي السابق ليمان: «... نريد أن يتم إطفاء ديونهم، ونريدهم أن يحصلوا على التمويل الدولي، ولكن كي يتحقق ذلك يجب أن يتحقق اتفاق السلام الشامل ،يجب معالجة قضية دارفور، ونأمل أن يعوا بأننا لا نحاول إضعافهم، بل تطبيع العلاقات معهم لصالحهم». وغيرها الكثير من الفطائر والتورتات والساندوتشات تعدهم بها أمريكا وتمنيهم، فيسيل اللعاب، وتنفتح الشهية، فينخرط السياسيون في تنفيذ المطلوب خطوة بخطوة.
هكذا تسير أمريكا، في مخططها لتفتيت ما تبقى من السودان، وقد تحرك القطار من أديس أبابا، وتعمل أمريكا على تزويد هذا القطار بالوقود اللازم حتى يصل محطته الأخيرة، مستعينة بالحكومة والقوى السياسية المعارضة والحركات المسلحة والاتحاد الافريقي، وستجلب خيلها ورجلها للحفاظ على مصالحها. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمات تحركات مكثفة وضغوطاً حادة وتهديدات ستمارسها أمريكا لكل الأطراف، وغالباً ما تلجأ الى القرارات الدولية والاقليمية للاستمرار في مخططها. فالولايات المتحدة تواجه تحدياً حقيقياً لنفوذها في المنطقة الإسلامية بعامة يهدف لإخراجها من المنطقة الإسلامية إلى غير رجعة، لذلك فقد تستنفر كل ما تملك من قوة متاحة الاستخدام. وسيكون هذا المخطط اللعين يراد له أن يكون وبالاً جديداً على السودان، وستظهر عليه أمراض جديدة كما أصيب بأمراض الشلل الاقتصادي والأمني وغيرها عقب إنفصال الجنوب.
الصحفي: عبد الله عبد الرحمن أبو العز..
Em: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.