انحنى (ودَّ الزينبيَّة ) ليفكَّ وثاقَ مركبهِ من الوتد الضَّخم المغروس على ضفَّةِ النهر .. وعلى ظهرِه العارى تبدو ندوب السِّياط المتقاطعة إثْر مبارزاتِ (البُطان) الكثيرة التى اقترفها فى المحافلِ المحليَّة والإقليميَّة ! بينما تتسلَّل نسوةٌ – بحذرٍ شديد وهُنَّ يهمْهِمنَّ بما يُمكن أنْ نُطلق عليه مجازاً دعاءَ ركوب البحر عبر جسرٍ متهالكٍ – إلى داخل المركب .. انتصب (ودَّ الزينبيَّة) .. أخرج (حُقَّة التُمباك) من ثنيةِ سرواله عند الخاصرة (الحِزَّه) .. (دَنْكل سفَّةً ) معتبرةً .. حشرها فى شفته السُفلى .. ضغط عليها بلسانه الأرقط ..ثم بَصَق ثم سخط ثم لعن ثم شتَم الشيوخ الثلاثة الذين يهدرون وقتَه بانتظارهم .. أعاد (الحُقَّة) إلى مكانها حيث انحسر سرواله الطويل عن ساقه اليُسرى إلى ما فوق الرُكبة .. طَنْطَنْ : (شيوخ الجِن ديل يتْمَحْركوا كدى مالُنْ ؟! ، مركبنا ماااااشَّه العايز يركب ، والما عايز ....) لفظ هذا الهُراء ثم طوى حبل القارب ؛ وقبل أنْ يزُجَّه نحو الغريق ؛ ظهر الشيوخ الثلاثة يتهادون غير عابئين – فيما يبدو – بضجَر (ودَّ الزينبيَّة ) .. احتلَّ الشيوخ الثلاثة أماكنهم بهدوء ؛ (شيخ أحمد) ، (شيخ الواصل) و(شيخ ابْ قيروانه) . سرَّح (ودَّ الزينبيَّة ) قاربَه وأخذ يجدِّف بلا مُبالاة ولا أدنى مسئوليَّة تجاه مرافقيه ..وفى عرض البحر هبَّتْ العاصفة ورمحتْ المركب .. شهقتْ إحدى النساء : (يا شيخ احمد) ..تنحنح الواصل .. فاردفت أُخرى : (بالسلامة يا الواصل ) .. هزَّ ابْ قيروانه سبحتَه ..حتى أصدرت طقطقة (أنا أطقطِق إذاً أنا موجود )! .. هتفت أُخرى : (فى عرضك يابْ قيروانه ) ..هنا اشتاط (ودَّ الزينبيَّه ) غيظاً فرفع يديه عن المجاديف ثم صرخ فيهم : (عَلَىْ الطلاااااااق .. ما تقولنْ يا ودَّ الزينبيَّة ، لا انتنْ ولا شيوخكنْ زول يصل بى غادى مافى )!!! مناسبة قصَّة ودَّ الزينبيَّة هذه وابتزازه العجيب لركَّابه هى أنَّنى رأيتُ فيما يرى النائم إنِّى داخل ستار صندوق الانتخابات الحُرَّة النزيهة القائمة فى مواعيدها كمواطن حُر وإيجابى يُريد أنْ يُدلى بدلوه فيمن سيصبح قائداً لسفينةٍ نحن جميعاً رُكَّابها ، فإذا ما وصلت إلى شطِّ الأمان بسلام وحب ؛ اغتبطنا جميعاً وغنَّيْنا ورقصنا ونقزنا على جروف الخير والنماء والازدهار ، أمَّا إذا ما تنازعنا على دفَّة قيادتها لأجلِ القيادة نفسها ؛ غرقت سفينتنا ولحقنا جميعاً (أُمَّات طه وبى شيوخنا التلاته أأأقصد الأربعة )!! كل الشعارات المرفوعة – بلا استثناء – تدعو لخير البلاد والعباد ، أمَّا إنزالها من سماء التنظير وتطبيقها على أرض الواقع فذلك أمرٌ نتركه للزمن ، فما أكثر الأشياء التى نتركها للزمن ثم لا يأتى بأمرٍ فيه تجديدُ ..! . رموز المرشَّحين القديمة عفا عليها الزمن واندثرت ؛ ذهبتْ القطاطى أدراج الرياح والرواكيب واللمبات و ابْ كَبَّاس وغيرها ، بينما بقى أصحابها قابضين على جمر الكراسى لا يتزحْزحون قيد أنْمُلة ، غير أنَّهم استبدلوا تلك الرموز القديمة – لا أعاد اللهُ عهدها – برموز جديدة (لنْجْ) على شاكلة : البونْيَا – الشلَّوتْ – الهُوكْ – الدى دى تى – اسلاب – كروكِّى ، وهلمَّ جرَّا !!!! بينما ساير أصحاب الأصالة هذه الرموز بمثل : (أُمْ كَفْ – أُمْ دَلْدوم - أُمْ كُلُعْلُعْ )! هذا التغيير الجذرى فى برامج أحزابنا – متمثِّلاً فى حداثة رموز مرشَّحيهم – مردُّه أيَّها الناخبون إلى حالة (صراع الدّيَكة) التى تعيشها هذه الأحزاب ، فيما بينها ، وداخل أروقة دورها .. وبين شريكى السُّلطة والثروة والمحن والإحن .. بل داخل مؤسَّسات وأجهزة الدولة الرسمية نفسها ! نطاحٌ وعراك ،هرج ومرج، إقصاءات وإقالات ..الأمر الذى يجعل من الممارسة السياسية حلبةَ مصارعة حُرَّة بين فريقين عملاقين موتورين !! الآن أمامى كلَّ هذه الخيارات ولا خيار لدىَّ .. فمن يشترى منى صوتى يا هؤلاء ؟؟! .. لا بالمال قطعاً ، ولا بالجاه والسلطة طبعاً ، وإنَّما بمنطق التاريخ وعِبراته ، وإقناع الحاضر وبيَّناته ؛ واستشراف الغد بمخطَّطاته وخطواته .. فأنا – يا سادتى – لا أخشى على الانتخابات ألاَّ تقوم أو تقعد ! وإنَّما أخشى أن تخرج علينا لجنة الانتخابات مُسبقاً – حسب دستور (أولاد ماما ) بقولها : (لم ينجح أحد ) كشأنِ الكثير من مدارسنا ومؤسَّساتنا التعليمية المناط بها تخريج أجيال يتولَّون – فى مُقبل أيامهم - أمرَ هذه البلاد !!!