شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    الدعم السريع تحتجز (7) أسر قرب بابنوسة بتهمة انتماء ذويهم إلى الجيش    الهلال يفتتح الجولة الأولى لابطال افريقيا بروندا ويختتم الثانيه بالكونغو    التقى وزير الخارجية المصري.. رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    نزار العقيلي: (كلام عجيب يا دبيب)    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    ميسي: لا أريد أن أكون عبئا على الأرجنتين.. وأشتاق للعودة إلى برشلونة    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    شاهد.. إبراهيم الميرغني ينشر صورة لزوجته تسابيح خاطر من زيارتها للفاشر ويتغزل فيها:(إمرأة قوية وصادقة ومصادمة ولوحدها هزمت كل جيوشهم)    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(داعش) .. و (الاخوان) !! (4-4) .. بقلم: د. عمر القراي
نشر في سودانيل يوم 15 - 03 - 2015

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
،،وبسبب حكم الوقت، فإن قتل" داعش"لا يعد جهاداً، وإنما إعتداء على الآمنين، وإزهاق للأنفس بغير حق، وأخذ "داعش" للنساء، لا يعد "ما ملكت أيمانكم" وإنما يعد اختطاف، واغتصاب، وسعي في الأرض بالفساد.،،
(وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ *
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) صدق الله العظيم
عندما عم النور الإلهي بطاح مكة، في القرن السابع الميلادي، بشروق شمس الإسلام، نزل القرآن أول ما نزل، في مستوى
مدنية، جديدة، تصاقب قامة الإنسانية في أعلى مستوياتها. فقامت الدعوة الجديدة، في جوهرها، على أصل الدين، الذي يدعو الى السلام .. قال تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وقال أيضاً (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). وفي إشارة الى أن السلام هو جوهر الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن لكل شئ قلب وقلب القرآن يس، ويس لها قلب)، ولقد عرف العارفون، أن قلب يس هو قوله تعالى (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) .. والسلام هو ما يسبغه الله على المصطفين من عباده، قال تعالى (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى)، وهو تحيتهم يوم يلقون ربهم (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا). والمسلم من يعيش السلام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال (الإسلام قيد الفتك)،
وقال (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، والمسلمون، هنا، تعني جميع الخلائق في السموات والأرض، قال تعالى (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) !!
فإذا وضح هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، وفاء لهذه القيمة، التي تمثل أصل الدين، لم يشهر سيفاً في مكة، بل دعا الى سبيل ربه بالحسنى، متبعاً الأمر الإلهي: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). وكما أعطاه الله تبارك وتعالى الحق في الدعوة، أعطى القرشيين الحق في أن يكفروا بها، فقال جل من قائل (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) !! ورغم أنهم كانوا يعبدون الحجر الاصم، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يعترف لهم بأن ما هم عليه دين !! قال تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). بل أمر أن يذكرهم فقط، ولا يسيطر عليهم، قال تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ). وكانت
كل مهمته، عليه السلام، أن يبلغهم دينه، دون ان يكون عليهم حفيظأً، أو وكيلاً، فيحد من حريتهم .. قال تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ )، وقال أيضاً (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )، وقال (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ). فهو ليس موكل بالناس، وليس عليه هدايتهم الى الحق، قال تعالى (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)!! وإنما مهمته أن يبلغهم الدعوة، وينذرهم إذا أبوا ، ويبشرهم إذا قبلوا، قال تعالى (إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) وقال (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
ولكن القرشيين قابلوا هذا المستوى من الاسماح والسماحة، بالجحود، والتكذيب، والنكران، والطغيان، وأغروا بالنبي الكريم واصحابه سفاءهم، وغلمانهم، فأوسعوهم شتماً، واعتداء، ومهانة. ولكن الدعوة استمرت في تقدم، أزعج جبابرة قريش، لأنها جاءت بقيم العدالة، والمساواة بين جميع البشر، من حيث أن أصلهم واحد، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فالناس جميعاً لا يتفاوتون، فليس فيهم سادة وعبيد، ولا أشراف ووضيعين.. والكرامة لا تأتي بكثرة بالمال، ولا برفاعة بالحسب والنسب، وإنما بالعمل في تقوى الله، وثمرة هذه التقوى، من حسن معاملة الخلق. لقد رأى القرشيون نظامهم الإجتماعي يهتز، ومكانتهم تتزعزع، ومصالحهم المادية تتهدد، فأشتطوا في معاداة ، وإيذاء المجموعة التي آمنت، من العبيد، والضعفاء، والفقراء. ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليهم وسلم بالصبر، على هذا البلاء، قال تعالى (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). وحين هم أصحابه بأن يدافعوا عن أنفسهم، امروا بأن يكفوا عن ذلك، ويركزوا على العبادة، وإليهم الإشارة في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ). لقد نهوا عن العنف، حتى ولو كان دفاعاً عن النفس، ورداً للعدوان. وكان النبي يمر بآل ياسر، وهم يعذبون حتى الموت، فلا يدفع عنهم، بل يقول: ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة). ولقد تآمر القرشيون على النبي واصحابه بمكة، وحصروهم في شعب أبي طالب، ومنعوا عنهم الأكل والشرب، ولكن بالرغم من ذلك استمر التوجيه الإلهي (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ). ولقد وصف القرشيون النبي الكريم، بأنه ساحر، وبأنه مجنون، وبأنه كذاب، وكان صدره يضيق من اقوالهم هذه، ويتألم منها أشد الألم، فينزل عليه التوجيه الإلهي (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ). وحين اشتد الأذى وشكا منه أصحابه، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة، وتآمر القرشيون عليه ليقتلوه في بيته، فدلوا بذلك، أنهم كانوا دون المستوى الذي مكث يدعوهم اليه ثلاثة عشر عاماً. ولقد كان سبحانه وتعالى، يعلم ذلك، ولكن قدم إليهم أرفع مستوى من الإسلام، وصبر عليهم، حتى يقطع حجتهم. قال تعالى (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا). فالبدء يكون بالبشارة والنذارة، حتى تقوم الحجة، وبعد ذلك، يفرض على الناس ما يستحقوا مما هو دون البشارة والنذارة، ببعيد.
ولم تكن الهجرة مجرد انتقال من مكان الى مكان، وإنما كانت تحول تام في مستوى الخطاب القرآني، من مستوى الرشد والمسؤولية، الى مستوى الوصاية. ولقد تدرج هذه الأمر بالخطاب، فنزل عدة منازل، قبل ان يصل الى الإذن بممارسة العنف، وفرض الإسلام على الناس بحد السيف. ولعل أول ما بدأ به التشريع، في هذا الصدد، عدم موالاة الكافرين، إذ قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ). ولم يقصد المشرع بهذه المعاملة، كل الذين كفروا، وإنما قصد الذين اخرجوا الرسول والمؤمنين من ديارهم، ولذلك قال في نفس السورة (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). ويلاحظ ان هذه الآية لم تأمر بقتال الكافرين، رغم اخراجهم للمؤمنين من ديارهم، وإنما تأخر الإذن بالقتال، حتى جاء قوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، وكأنه إذن فقط برد العدوان، وليس المبادرة بالقتال. بل نهى عن قتال من لم يقاتلهم، قال تعالى في ذلك (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). ولكنه بعد فترة أمرهم بقتال كل المشركين فقال تعالى من قائل (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، وبلغ الامر قمته، حين نزلت آية السيف، وهي قوله تبارك وتعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فحددت ان يقاتل المشركين، وحددت مكان قتالهم بأنه حيث وجدوا، وحددت زمان قتالهم بأنه مجرد ألا يكون في الأشهر الحرم، وحددت سبب القتال بأنه شركهم بالله، واشترطت للسلام معهم، أن يدخلوا في الإسلام، ويقيموا شعائره . فالخيار إذن هو الإسلام أو القتل. ومن هنا، قلنا أنه فرض للإسلام بحد السيف، وأنه وصاية وإجبار لغير المسلمين، ليدخلوا في الإسلام، ولو دون رضاهم. وعندما تمت ممارسة الجهاد، خرجت جيوش المسلمين، من الجزيرة العربية، ووصلت الهند والصين شرقاً، وأوروبا غرباً. وقادت تلك الحروب والغزوات الخلافة الإسلامية. وكان من يأسر من الرجال، يعتبر عبداً للمسلمين، ومن تأسر من النساء، تعتبر مما ملكت أيمانهم، فتنكح، أو تباع، أو تسترق، أو تعتق.
هذا هو المستوى الذي قامت عليه الدولة الإسلامية، في القرن السابع الميلادي، واستمرت في القرون التي تلته مما هي مثله.
وهو مستوى يعتمد على آخر القرآن نزولاً، من القرآن المدني، والذي نسخ في سائره القرآن المكي، الذي شرحنا كيف أنه قام على السلام، والحرية، وإعطاء الناس حتى حق الكفر.
إن ما جاء به القرآن المكي من حرية الإعتقاد، والمساواة بين الناس، ومنع العنف تماماً، والدعوة الى سبيل الله بالتي هي أحسن، هو أصل الإسلام، وأرفع الإسلام، وهو أحسن ما أنزل الينا من ربنا، ومن هنا نحن مطالبون باتباعه .. قال تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ). ولكن اتباع القرآن المكي يقتضي بعث القرآن الذي كان منسوخاً، في الماضي، لعجز المجتمع عن ان يطيقه وهذا البعث يقتضي، أيضاً ، وفي نفس الوقت، نسخ القرآن المدني، الذي كان ناسخاً، وقامت عليه الخلافة الإسلامية، وممارساتها في الجهاد، وما يترتب عليه من تبعات. وهذا الأمر – أمر نسخ القرآن الناسخ وإحكام القرآن المنسوخ- هو ما اسماه الأستاذ محمود محمد طه تطوير التشريع الإسلامي، وهو ما دعا اليه المسلمين، باعتباره المخرج الاساسي، من الوقوع في براثن الهوس الديني، الذي يمثله كل من يدعو الى إعادة دولة الخلافة الإسلامية، التي تقوم على الحرب لفرض الإسلام على الناس اليوم. و " داعش" اليوم، لا يمكن تواجه من حيث الفكر، إلا بما طرحه الأستاذ محمومحمد طه، في دعوته لتطوير التشريعة الإسلامية، بالإنتقال من فروع القرآن الى أصوله. ولقد فصل الأستاذ محمود والجمهوريون، كثيراً، في التفريق بين أصول القرآن وفروع القرآن، وبين السنة والشريعة، فليراجع ذلك في مظانه.
إن ما تقوم به " داعش" اليوم، يعتمد على المستوى الناسخ من القرآن- وهو فروع القرآن- والذي عبرت عنه حكومة الخلافة الإسلامية في الماضي، وهو مستوى الشريعة، في امر الدعوة والحكم والسياسة. ولا يمكن ان يقاوم، أو يدحض، إلا إذا وضح أن في الإسلام مستوى أرفع منه، وقع في القرآن المنسوخ- أصول القرآن-وعبرت عنه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وهو مستوى السنة. وأن هذا المستوى، نحن مطالبون به، وهو الذي يمكن ان يمثل عصرنا، لأنه يقوم على الحرية، والمساواة، وكافة حقوق الإنسان بخلاف مستوى الشريعة، الذي يقوم على قتل غير المسلمين، فإنه لم يشرع لعصرنا، وممارسته اليوم، في غير وقته، خطيئة لا تقل عن الخروج عن الدين. وبسبب حكم الوقت، فإن قتل " داعش" لا يعد جهاداً ، وإنما إعتداء على الآمنين، وإزهاق للأنفس بغير حق، وأخذ "داعش" للنساء، لا يعد "ما ملكت أيمانكم" وإنما يعد اختطاف، واغتصاب، وسعي في الأرض بالفساد. ولأن الإلتزام التام بالشريعة لا يمكن اليوم، يخالط الباطل دعاتها، حتى يستحيل كل أمرهم، باطلاً ظاهراً . ف" داعش" تدعي أنها تتبع نهج النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها تتلقى مساعداتها من دول، لا تتطبق في شعوبها شرع الله، وهي بحسب منهج " داعش" دولاً كافرة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال (إننا لا نستعين على أمرنا هذا بكافر) !! وهكذا تبدأ مفارقة " داعش" لأتباعها صغيرة، ولكنها ستزيد، حتى ينكشف أن أمرها كله باطل، كما إنكشف أمر الاخوان المسلمين، لكل الناس بما فيهم " داعش" نفسها.
هذا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.