وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام .. السوداني ؟!
نشر في حريات يوم 15 - 06 - 2016

(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)
صدق الله العظيم
عندما قام الاخوان المسلمون بإنقلابهم المشؤوم، في يونيو 1989م، كانت تركبهم موجة من الهوس الديني الفظيع، لا يشعرون من غلوائها، بما كانوا يفعلون .. ولقد ظنوا لجهلهم، وقصر نظرهم، أنهم سيقيمون الدولة الإسلامية، بمجرد وصولهم السلطة !! فأخذوا يسمون الشوارع،والمدارس، بأسماء الشخصيات الإسلامية التاريخية البارزة. كما أن المحال التجارية، والمؤسسات العامة، كانت ذات أسماء لها صبغة دينية ..فرأينا مطعم " الصحابة"، وكافتيريا " المؤمنين"، ومدرسة " ابوبكر الصديق" ، و " موبايلات" بدر الكبرى، و"حلاق المجاهدين" وغيرها..وكانوا في مطلع التسعينيات، لا يمنحون اصحاب المحال التجارية الرخصة، إلا إذا كان إسم المحل إسلامياً. والذين لديهم أسماء ليست إسلامية، كانوا يجبرون بالقوة على تغييرها.. ومن ذلك مثلاً صاحب مطعم في الثورة -شارع الوادي كان أسمه مطعم " أبو صليب"، فخرجت عليه مجموعة مهووسة، من الملتحين، وحطمت الكراسي، والترابيز،وأشعلت في المحل النار، تحت سمع وبصر الشرطة.. وحين إشتكى صاحب المحل طلب منه المسؤولون تغيير إسم المحل، فعدله في نفس اليافطة وجعله " أبو صهيب" !! في تلك الأيام كانت حكومة الاخوان المسلمين، تطلق على كل شئ كلمة "الإسلام".. فسمعنا بالمصارف الإسلامية ، والشركات الإسلامية، والصيدلية الإسلامية، والبصات الإسلامية، والرياضة الاسلامية، ولم يبق لهم شئ في السودان لم يسموه باسم الإسلام.
والآن !! بعد أن حكموا بالقهر، والظلم، والبطش، والفساد، سبعة وعشرين عاماً، إكتملت دائرة فشلهم، وتساقط مشروعهم الحضاري، أمام أعينهم، وفشلت وثبة حوارهم، ولم يعد يسعفهم أن يخادعوا الناس ويسموا الأشياء باسم الإسلام، وهم متهمون بجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، ورعاية الإرهاب، فلم يجدوا خدعة جديدة، يضللون بها المجتمع الدولي، والبسطاء من أبناء شعبهم، غير أن يسموا الإسلام نفسه " السوداني" !!
فقد جاء (تبنى حزب المؤتمر الوطني برنامجاً أطلق عليه "الاسلام السوداني" ووصفه بالتجربة السودانية الخالصة التي لا تشبه برامج ومشروعات الأنظمة الاسلامية في الدول العربية كما دعا مفكري ومثقفي الحزب الى إبرازه وتقديمه للعالم وقال حسبو محمد عبد الرحمن رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني نائب رئيس الجمهورية " ان حزبه يطرح برنامج الاسلام السوداني باعتباره تجربة سودانية محضةتقوم على الاسلام الوسطي في كل مناحي الحياة ولا تؤمن فكرته بالارهاب والغلو والتطرف والتكفير ولا تشبه تجارب الآخرين" وطالب حسبو. خلال حديثه أمس "الجمعة" في فاتحة أعمال المؤتمر العام الرابع لقطاع الفكر والثقافة وشؤون المجتمع بالمركز العام بتوثيق وتأصيل التجربة وطرحها على المجتمعات منوها الى أنهم كثيراً ما يواجهون أسئلة عن تجربة الإنقاذ في الحكم وحول رأيها في المرأة والزكاة ووصفها بالتجارب المشرقة التي حتى تحتاج لإبراز حتى يعرفها الجميع. وشدد رئيس القطاع السياسي على سودنة تجربة الاسلام السياسي واقامة أنشطة فكرية تتبنى النهضة المعنوية والمادية. وعد ذهاب الصف الأول من الإسلاميين تاكيداً على أن الحزب يقوم على الفكرة وليس الأشخاص وارجع صمود الإنقاذ كل هذه الفترة لإيمانها ببرنامجها ودعا الى إقامة بناء يقوم على قيم الشورى والشفافية وتبني وثيقة "الاصلاح الشامل". من جانبه قال فرح مصطفي رئيس قطاع الفكر إن حزبه يتبنى سياسات كلية على كل المستويات لحماية المجتمع من الإستلاب. مشيراً الى تجربة حزبه في البناء الديمقراطي والشورى)(اليوم التالي 10 اكتوبر 2014م) هذا ما انتهت إليه تجربة الاخوان المسلمين من الغش والخداع، فبدلاً من تحويل السودان الى كيان إسلامي، يريدون أن يحولوا الإسلام إلى كيان سوداني !!
والأغرب من هذا، هو أن هذه الفكرة، فكرة "الإسلام السوداني"، لم تأت من عقل جماعة الاخوان المسلمين، وإنما هم قد تعلموها من الأمريكان، فقد صاروا الآن أصدقاء لهم،وتلاميذ يتبعون أفكارهم، بعد أن كانوا، أثناء موجة الهوس،يملأون الشوارع صراخاً (أمريكا قد دنا عذابها علي إن لاقيتها ضرابها) !! فقد جاء:
(ولا ننسى ان بالسودان ثلاثين مليون نسمة يمثلون فرصة طيبة لتسويق التكنولوجيا الامريكية كما ان " الاسلام السوداني" يمكن ان يمثل جسراً بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي من الناحية الثقافية.
ماذا تقصد بعبارة الاسلام السوداني ؟
ربما هي عبارة خاصة بي، وجدت في السودان اسلاماًمختلفاً، هنا في السودان، لاحظت شخصية مسلمة مسالمة،ومن خلال لقاءاتي مع الافراد العاديين، وزعماء الطرق الصوفية، واساتذتها، لا حظت صفة المسالمة)(التيار 11 مايو 2016م- حوار مع القائم بالاعمال في السفارة الامريكية بالخرطوم)
ونحن لا نتوقع من مساعد السفير الأمريكي، أن يفهم الإسلام بعمق، وهو معذور تماماً، إذا وجد السودانيين كرماء ومسالمين،بخلاف المسلمين في بلاد كثيرة، ربما يكون قد زارها، بحكم عمله، فقام في باله أن هذا المستوى من الإسلام إسلام خاص بالسودانيين، ومتأثر بثقافتهم، وحياتهم، ولهذا سماه "الإسلام السوداني" .. ولكن ما عذر الاخوان المسلمين في مجاراته، وهم يفترض أن يكونوا على معرفة بالإسلام الذي يتاجرون به،ويضللون باسمه البسطاء الطيبين؟!
والحقيقة أنه ليس هناك إسلام سوداني، وآخر نيجيري،وثالث أفغاني، ولكن هناك مستويين من الإسلام جاء بهما القرآن الكريم: أما المستوى الأرفع، فإنه نزل في القرآن الأصل، أولاً في مكة، وهو المستوى الذي يقوم على المسالمة، والإعتدال، وعدم التطرف، وعدم العنف .. والدعوة فيه تقوم على الحسنى، قال تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). وفي هذا المستوى، الناس أحرار في قبول الإسلام أو رفضه، وهم لو إختاروا الكفر لابأس عليهم، ويذهبوا موفورين !! قال تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم، حسب هذا المستوى، محصورة في أن يبلغ الدعوة فقط، حتى ولو كذبه الناس، ليس له إلا البلاغ الواضح .. قال تعالى (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، أو يقول (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ). والسبب في حصر مهمة الرسول في البلاغ، هو أنه لا يملك هداية الناس .. قال تعالى (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) ومهمته أن ينذرهم، قال تعالى (إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) .. ومع أن القرشيين قد قابلوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بشتى أنواع الإساءة والتعذيب، إلا أنه أمر بالصبر على أذاهم، فقال تعالى من قائل (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وكان إذا إشتد عليه أذى قومه، ذكره بأن يحتمل، مثل من سبقه من الرسل، فقال (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ).. وكان صلى الله عليه وسلم يضيق صدره مما يقوله المشركون عنه وعن أصحابه، فكان ربه يواسيه،ويحثه على المزيد من العبادة، ومن ذلك قوله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) .. ولقد أضطر المسلمون الأوائل، أن يهاجروا للحبشة فراراً من بطش المشركين، وخوفاً من أن يفتنوهم عن دينهم، بعد أن مات منهم من مات، تحت التعذيب، ومع ذلك لم يأمر النبي وأصحابه بالقتال،ولو من باب الدفاع عن أنفسهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يمر بياسر، وعمار، وسمية، وهم يعذبون في بطحاء مكة، فيقول (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) !! ولقد استمر هذا المستوى الرفيع من الإسماح، والسلام، ومقابلة الشر بالخير، ثلاثة عشر عاماً، حتى إذا قامت الحجة على القرشيين، بأنهم دون هذا المستوى، ودلوا على ذلك بتآمرهم على النبي، ليقتلوه في ليلة الهجرة، لم تكن الهجرة إلى المدينة مجرد إنتقال من مكان إلى آخر، وإنما كانت في الحقيقة، إنتقال من مستوى من الإسلام إلى مستوى آخر، دونه ببعيد، ولكنه أكثر مناسبة لذلك الوقت.
الإسلام الثاني، الذي نزل في المدينة، بدأ بالإذن للمسلمين بالقتال، بعد أن لم يكن مأذوناً لهم به في مكة .. فقال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ). ولكنه حين أذن لهم بالقتال، حصره في البداية، في مجرد الدفاع عن النفس، فقال (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، ثم بعد ذلك، صار التدرج الى غايته حين أمرهم بالقتال للقضاء على فتنة الشرك، فجاء ذلك في آية، عرفت عند المفسرين، بآية السيف، قيل أنها نسخت كل آيات الإسماح، والمهادنة، والصبر على الكافرين، وهي قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وأخذاً من هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وأمرهم الى الله) وبناء على هذه الآية، ومثيلاتها، وهذا الحديث الشريف،قام الجهاد لإعلاء كلمة الله في الأرض، وقتل المشركين حيثما وجدوا ..وخرجت جيوش المسلمين من المدينة، وسارت حتى الهند والسند والصين شرقاً، وحتى الأندلس غرباً، وكانوا يقتلون الوثنيين، ولا يقبلون منهم غير الإسلام، ويقتلون أهل الكتاب من المسيحيين واليهود، ويمكن أن يقبلوا منهم الإذعان لسلطان الدولة الإسلامية، إذا دفعو الجزية .. وذلك لقوله تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) .. وحتى تتم هذه الغزوات، على أكمل وجوهها، كان لابد للمسلمين أن يتخلوا عن اللطف، والمسالمة،والتعامل بالحسنى،ويكونوا غلاظاً، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) .. كما كان عليهم أن يكونوا إرهابيين، يخيفون هؤلاء الأعداء، حتى يتغلبوا عليهم، قال تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ). وهم حين يقتلون غير المسلمين، ينتصرون للإسلام، ولكنهم في نفس الوقت، ينفسون عن كراهيتهم، وغيظهم المكبوت في صدورهم،والذي يجعلهم عنيفين بخصومهم، قال تعالى (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ* وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
وفي تلك الحروب، يجوز للمسلمين أخذ أموال الكفار، وممتلكاتهم غنائم،وهي حلال لهم، قال تعالى (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). كما يجوز لهم أخذ الأسرى، وإتخاذهم عبيداً لهم،يستخدمونهم بغير أجر، ويمكن ان يبيعونهم، أو يعتقوا منهم من شاءوا،تكفيراً عن بعض ذنوبهم .. قال تعالى ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا). أما نساء المشركين ونساء أهل الكتاب، فيجوز للمقاتلين المسلمين أن يسبوهن، ويعاشروهن دون زواج، باعتبارهن من ما ملكت أيمانهم، قال تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ). كما يجوز لهم بيعهن كجواري، ويجوز لمن أشتراهم، أن يستمتع بهن، مثل من كسبهن في الحرب. ولقد كان في الدولة الإسلامية في الماضي سوق للعبيد، وسوق للجواري. وهذا المستوى، هو ما تقوم به "داعش" اليوم، ويستنكرهغيرهم من المسلمين، بما فيهم الاخوان المسلمين، ويتهربون منه، ويدعون الإعتدال وعدم التطرف.
وما كان لهذا الإسلام، الذي يقوم على فروع القرآن، التي جاءت في سائر القرآن المدني، أن يحكم وتقوم عليه الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، لولا أن فروع القرآن قد نسخت أصوله، التي نزلت في مكة،وقامت على المسالمة، والإعتدال، والدعوة بالتي هي أحسن. قال تعالى في أمر النسخ (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قوله "نأت بخير منها"، يعني مناسبة للوقت، فإن قرآن الفروع، قد كانت خير للناس في القرن السابع الميلادي، من قرآن الأصول، الذي كان أكبر من طاقتهم، وعجزوا عن قبوله .. ولكن اليوم، في وقتنا الحاضر، فإن ما هو خير لنا، وأنسب لطاقة وحاجة مجتمعنا، هو قرآن الأصول، ولهذا يجب ان نفهم أن النسخ إرجاء، وليس إلغاء .. وأن الآيات المنسوخة، لابد ان تبعث،وتطبق، حتى يعود الإسلام الى حياة المسلمين مرة أخرى. وبعث الآيات المنسوخة، يعني بالضرورة نسخ الآيات المحكمة، فإذا أنت جعلت الحكم لقوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، فلا يمكن أن تحكم في نفس الوقت (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) .. والإنتقال من فروع القرآن إلى أصوله، هو ما أسماه الأستاذ محمود محمد طه، تطوير التشريع الإسلامي، وهو السبيل الوحيد إلى إخراج المسلمين عامة، والاخوان المسلمين بالذات، من ما هم عليه من تخبط.
فالإسلام المعتدل، ليس الإسلام السوداني، ولكنه أصول الإسلام ..والصوفية الذين أشار لهم مساعد السفير الأمريكي، عاشوا كأفراد قيم الأصول، ولكنهم كجماعة، لم يدعوا إلى الأصول، التي تحقق ما يصبون إليه، من سلام، ومحبة، لجميع الناس، بل جميع الخلائق. فلماذا لايكف الاخوان المسلمين عن الخداع، ويسموا الأشياء بأسمائها ؟!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.