لو لم أر، من كان يتحدث بعينى هاتين، لكنتُ قد قلتُ، أن حسين خوجلي، لا يمكن إطلاقا أن يقول بمثل ذلك، وعلى الهواء مباشرة، في برنامجه الشهير( مع حسين خوجلي) لكنه قد قال! ثم من قال إن المغتربين- في أي وجهة شئتها- ( مؤدب رغم أنفه.. مذلول رغم انفه.. يجيك تفل.. بقايا إنسان)؟ وكل مابين القوسين لإبن خوجلي، وهو يتحدث عن ( هذه الهجرة) التي يشهدها السودان! مشكلة بعض الإعلاميين، أنهم لا يحسنون الكلام، وإن أحسنوا الكتابة. قليل منهم من يُحسن الإثنتين، وحسين خوجلي لئن كان يحسن تقديم برامج تلفزيونية على الهواء، ويبدع فيها، إلا أنه لا يحسن الحديث في كل شئ.. ومن.. من ذا الذي يملك ناصية الكلام، في كل شئ غير العارفين، من أصحاب الفتوحات والمعارف والأفضال والفضائل، يا.. ياصحاب؟ رحم الله شيخي العارف بالدين والدنيا، متواضع الكلم، طاعم الكتابة: الطيب الصالح. لا إستيكة للكلام. هو متى ماتحركت به هذه العضلة الملساء في الفم، لامست الأذن- أي أذن- ولا إستيكة في الأذن.. وهو لا يضيع في الهواء سدى؟ كلام حسين خوجلي لم يضع.. والدليل كل هذا الغضب الذي يعتمل الآن في صدور المغتربين، وفي صدور كل أولئك الذين قال عنهم إنهم يقلون الأدب في السودان ( وفي قلة الأدب جزء من الكرامة) ، وهو يظن أنه بهذه الشتيمة المؤذية المبطنة، يرفع من مقامهم بوصة.. ويرجح لهم كفة في ميزان الأخلاق الفضيلة! أخلاق الرجال لا تضيق. كذب ياصحاب من قال ذلك مستدركا، بعد أن قال شعرا" لعمرك ماضاقت بلاد بأهلها". البلاد تضيقُ، وحين تضيقُ يفر الإنسانُ من المكان الضيق، إلى ماهو فسيح وفسيح.. والمكان- وكذا الزمان- تموت في أي منهما- أو معا- الروح.. وحين تموت الروح في الزمان والمكان، يهرب الإنسان.. من ذا الذي يمكن أن يعيش في المقابر؟ من قال إنه لا كرامة للمرء، في أوطان الهجرة أو إعادة التوطين؟ حسين خوجلي قال بذلك، وهو يتحدث عن المهاجر.. هو المهاجر( مؤدب رغم أنفه.. مذلول رغم انفه) وهو لا يدري، أنه مؤدب -غير ذليل- لأنه في الأساس مؤدبا، ولأنه في وطن، مؤدب بالقانون الذي يتساوي فيه هو، و( ودالبلد) لا خيار ولا فقوس.. ولأنه مؤدب- في غير ما ذلة- لأنه ماهاجر في الأساس إلا لأنه أحس بالإذلال في وطنه: الإذلال المادي والإذلال المعنوي، وأي من هذين طامة كبرى! أساء حسين خوجلي لشرائح عريضة، فيها العالم، والطبيب والمهندس، والصحفي، والعامل الذي هو( على باب الله).. وأساء- وهذا هو الاخطر- لمعنى الهجرة في الأساس، وهو بإساءته تلك لكأنما هو- من حيث لا يدري- يلغي فكرة الله عن هجرة المستضعفين إلى بلاد الله الواسعة، وفي الهجرة( تعارف) بين شعوب وقبائل.. وفي الهجرة بحسب الرب( مراغما كثيرة وسعة)! ماهو غريب حقا، أن حسين خوجلي يقول مايقول- على الهواء مباشرة- في عصر الإنسان الكوكبي، متعدد الثقافات.. في العصر الذي أصبحت فيه الجغرافيا- بثورة الإتصالات الجبارة- نسيا منسيا.. في الوقت الذي تفتح فيه دول كثيرة أبوابها، تستقبل المهاجرين من كل جنس ولون ودين، لإستعادة شبابها وحيوتها وحضورها الفاعل من أجل الإنسان.. وفي الوقت الذي بلغ فيه الحلم الامريكي غاياته، بتداخل الجينات والخرائط الوراثية للبشر كافة، في الدنيا الجديدة، ودخول اوباما الأسود البيت الأبيض من أوسع أبوابه، هو وميشيل وإبنتيه، وأوبرا وينفري لا تكاد تكف عن التصفيق، والبيض في ذهول، والعالم كله غير مُصدّق! العالم كله، مشغول الآن بالهجرة.. يبحث في أسبابها، ولو كان حسين خوجلي، لا يبيع الوهم، والصدمة المصنوعة، ليكسب السياسة، لكان قد تكلم بشفافية عن هذه الأسباب في السودان، والأسباب كثيرة ضيّقت المكان- ياصحاب- بل من الأسباب ما( سلّت) روح الزمان والمكان، معا! بيع الوهم، والصدمة المصنوعة، من أردأ أنواع البيع.. ومن أردأ أنواع القفز على الحقائق.. ومن أردأ أنواع التسويق للأفكار الضحلة، التي تستثر الأعصاب، لا العقول والقلوب والخيال. كما في الصحافة، هنالك شاشات صفراء. إنها الشاشات، التي تلقي بألسنة المتحدثين فيها، في الدرك الأسفل من نيران السخط العام! ليت حسين خوجلي، أمسك لسانه، ولم يسوّق مثل هذه الأفكار الرديئة! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ///////////