رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني إسراء سليمان تبهر المتابعين بإطلالة جديدة بعد عام من الغياب والجمهور يتغزل: (ملكة جمال الإعلام وقطعة سكر)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية المتابعين.. الصحفي إبراهيم بقال يتجول رفقة بعض أفراد الدعم السريع داخل مكاتب الولاية وهو يحمل رتبة "فريق" وينصب نفسه والي لولاية الخرطوم    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    المريخ يوقِع عقداً مع شركة (Sport makers)    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    تعرف علي أين رسم دافنشي «الموناليزا»    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معهد المخطوطات العربية بالقاهرة والتجاني الماحي .. بقلم: بروفيسور أحمد الصافي
نشر في سودانيل يوم 02 - 04 - 2015

جاء في جريدة (التغيير) عدد السبت 14 مارس 2015 أن معهد المخطوطات العربية بالقاهرة يحتفل في الرابع من إبريل المقبل بيوم المخطوط العربي، وذلك بمشاركة مراكز وهيئات بحثية من عدة دول عربية، ويهدف الاحتفال السنوي للتوعية بالتراث العربي والتعريف بجهود الحضارة العربية ومنجزاتها. وأن الاحتفال يعقد تحت عنوان (يوم المخطوط العربي – أسرار من الماضي وأفكار للمستقبل). وتشارك في هذا الاحتفال مؤسسات مختلفة معنية بالتراث في مصر والسعودية وقطر وعمان والمغرب والبحرين والجزائر وسلطنة عمان. وقال البيان أن المنظمين سيخصصون لكل جهة يوماً كاملاً لتعرض فيه ما عندها ولتقيم فيه أنشطة علمية وفنية وترفيهية ذات صلة بالمخطوط العربي.
أثار ذلك الخبر في ذهني خواطر أليمة أهمها أن هذا البلد الذي يدعى السودان يضيع حقه وحق من يستأهل من أبنائه. وسوء إدارة المكتبة التي أهدتها عائلة التجاني الماحي لمكتبة جامعة الخرطوم خير مثال. فقد حوت تلك المكتبة نفائس الكتب والمصنفات والخرط والمخطوطات العربية والإسلامية والسودانية التي لم تحقق بعد، زيادة على عدد من العاديات والطوابع والخطابات واللوحات النادرة وغيرها من المواد المتفرقة التي آلت إليها في 1972. أفردت الجامعة قسماً في الطابق الأرضي من مبنى المكتبة لهذه الثروة واسمتها (مكتبة التجاني الماحي) وافتتحتها في 8 يناير 1973.
عدد الكتب التي استلمتها الجامعة من عائلة البروفيسور التجاني الماحي كانت (14502) كتاباً في تاريخ العلم والفلسفة والدين والرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الفلك والزراعة والجغرافيا وعلم النبات والحيوان والتربية والعلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنون التطبيقية والموسيقى والآداب وأدب الرحلات والموسوعات والقواميس. من بين تلك الكتب (1500) كتاب عن السودان و(1000) في الطب منها (270) كتاباً باللغة العربية. في أول جرد للمكتبة في مارس 2001 أي بعد 28 سنة من حيازة الجامعة للمكتبة كان العدد الموجود بالأرفف (13328) أي بفقد (1174) كتاباً.استلمت الجامعة أيضاً (2634) مخطوطة أصلية و(640) خريطة نادرة يقال أن بعضها يرجع إلى عهد الإدريسي. كانت كلها موجودة عند ذلك الجرد.
في أغسطس 2006، قامت جامعة الخرطوم بعملية جرد أخرى أسفرت عن كشف نقص قارب (10%). فالمفقود من الكتب كان (2556) ومن المخطوطات مخطوطة واحدة فقط، وعزت الجامعة ذلك النقص لبعض عمليات الاستبعاد عند التلف.
في مارس 2007، بادرت مجموعة من أصدقاء الراحل وعائلته واجتمعت بمدير جامعة الخرطوم آنذاك للتفاكر حول حال المكتبة، والتشاور في كيفية نسخ الوثائق والمخطوطات وإعادة طباعة مؤلفات الفقيد واستكمال ما لم يكمل من دراسات وأعمال والتحقيق في ما أشيع عن ضياع بعض محتويات المكتبة، والمساعدة في اتخاذ ما يلزم من الإجراءات للحفاظ على تلك الثروة من الضياع والتلف وإتاحتها بأسرع ما يمكن للقراء والباحثين.
كون السيد المدير لجنة من كل المسئولين والقائمين على أمر المكتبة لتجتمع مع هذه المجموعة وتتشاور في الأمر، واجتمعت اللجنة عدة مرات وتقدمت بعدة توصيات لكن لم تسفر تلك الاجتماعات عن شيء ذي بال، وكأغلب اللجان تلاشت. لكن حين جردت المكتبة للمرة الثالثة (والأخيرة) في 2007، كان المفقود من الكتب قد وصل إلى (2742) ومن الخرائط (158) خريطة، أي وصلت نسبة الفقد (19%).
نكتب هذه الرسالة القصيرة ليس بغرض تنبيه الجامعة لمهامها ومسئولياتها، ولا أن نكرر ما قلنا في أكثر من مناسبة عبر السنين بأن كتب مكتبة التجاني الماحي لم تصنف ولم تتح للباحثين والقراء بطريقة نظامية صحيحة حتى كتابة هذه السطور.وليس من أغراض هذه الرسالة أن تطلب جرداً آخراً رغم أننا نتوقعه بعد سبعة سنوات من أخىر جرد.
هذه المرة ننبه للغفلة في رعاية المخطوطات التي حوتها هذه المكتبة التي جمعها التجاني الماحي بحر ماله مخطوطة تلو أخرى واختارها بعين الخبير العالم من مكتبات إسطنبول والقاهرة ودمشق وحلب ولبنان ولندن وباريس وأصفهان ومراكش، ولا نظن أن في العالم العربي أو الإسلامي بل في العالم أجمع من الأفراد من امتلك مثل هذه الثروة ليهبها من ثم لمكتبة بلاده الوطنية.
بعض تلك المخطوطات لم تقع عليها عين بشر بعد. يذكر التجاني الماحي في سجل المراجع العربية التي استند إليها في كتابة سفره (مقدمة في تاريخ الطب العربي، 1959) أنه رجع لمراجع عديدة وأن بعض تلك المراجع كانت نسخاً خطية بحوزته منها: كتاب (تفسير جالينوس لفصول أبقراط) و(ذخيرة العطار المنسوب إلى ابن ماسويه) و(شرح كتاب الأسباب والعلامات للسمرقندي تأليف نفيس بن عوض بن حكيم الكرماني) و(فك الرباط عن فصول الأوحد أبقراط لمحمد العطار الدمشقي) و(كتاب الأسباب والعلامات للسمرقندي و(كتاب الأقربازين للسمرقندي لفيثاغورس) و(كتاب طب أبقراط وجالينوس وأفلاطون المثلث بالحكمة)، و(كتاب الفلاحة النبطية لابن وحشية) و(كتاب المعالجات الأبقراطية للطبري) و(كتاب النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة لداؤد الأنطاكي) و(المنصوري للرازي). كما أضاف قائلاً أنه اعتمد على مجموعة من المخطوطات العربية الطبية (تامة وناقصة) لم يعرف مؤلفوها بعد ولم يتم تحقيقها لكنه شارعفي ذلك. هذه المخطوطات التي ذكرها وأحصيناها في كتابه هي ضمن مخطوطات التجاني الماحي بمكتبة جامعة الخرطوم،وهي أيضاً زيادة على المخطوطات الأصلية التي نرجو أن تكون ما زالت (2634).
أشرنا في عدة مناسبات خلال العقود الأربعة السابقة إلى أن إضافة تلك الثروة لمكتبة جامعة الخرطوم جعلتها من أغنى المكتبات العربية والإسلامية بل والعالمية بالمخطوطات الإسلامية والعربية النادرة. فقد أنقضت حتى الآن ثلاثة وأربعون سنة منذ أن آلت هذه المكتبة للجامعة ومازالت كتبها تنتظر من يصفها ويصنفها ويفهرسها ويصورها ويخزنها ويحفظها من الضياع والتلف، وما زالت بعيدة عن متناول القراء والباحثين والمحققين.
أيضاً، لم تعد هذه الأمنية من أحلامنا. لكننا نظن، وبعض الظن إثم، أنه كان في مقدور جامعة الخرطوم أن تهتبل الاحتفال الذي أشرنا إليه أعلاه لتباهي العالم كله وتتفاخر بما تملك من مخطوطات لا نشك في أنها كانت ستكون محط أنظار كل العالم. ليس ذلك فحسب، بل كان في الإمكان جلب الدعم المادي والمعنوي والفني الخارجي لتصوير وحفظ وأرشفة تلك المخطوطات وباقي المكتبة إذا أحسنا الدعاية والحركة العلمية المدروسة.
مرة أخرى أقول، إن أقل ما يمكن أن تقوم به جامعة الخرطوم نحو دكتور التجاني الماحي وهو أحد أعلامها ورواد علومها وبنات صرحها أن تحسن صيانة ما أهداها وأهدى للعلم والعلماء. أرجو ذلك رغم أن هذا النداء لم يكن النداء الأول أو الثاني أو الثالث،أما أن تنام الجامعة على كنز من المخطوطات دون أن تحس بعظمة ما تنام عليه فهذه كارثة.
لا يختلف أثنان على ما جاء في الحيثيات أعلاه والمكتبة أمامنا فليتفقدها من يشاء ليعرف إن كنا نرجم بالغيب أم أن ما نقوله عين الحقيقة. لكن دعونا نحاول أن نرى النصف المليان من الزجاجة خصوصاً ونحن نتابع بدقة وحذر شديدين مسيرة هذا المنشط منذ أن كان فكرة في ذهن الراحل التجاني الماحي وفي ذهن عائلته وما صاحب كل ذلك من ظروف حتى الآن. نتحدث في هذا الجزء عن ما تقوم به الإدارة الحالية في صيانة ما أهترأ من ينيان جامعة الخرطوم وبنيان مكتبتها على وجه الخصوص. وعلى رأس هذه الإدارة شخص يرجى منه في القيام بالمطلوب فهو يملك المؤهلات اللازمة لفعل شيء إيجابي، فقد عرف في جامعة الخرطوم بأنه (رجل المهمات الصعبة). فقد استغل مكانته العلمية الرفيعة وسجل إنجازاته المهنية في مجال الجراحة والأكاديمية في أبحاث المايستوما ليجعلها جسراً لمبادراته العديدة لصالح الجامعة وكلية الطب جامعة الخرطوم على وجه الخصوص. فكل من زار مركز التعليم والتدريب ومركز المايستوما في مستشفى سوبا الجامعي أو مركز التطوير الطبي في كلية الطب جامعة الخرطوم يرى بصمات الرجل واضحة،فجهوده لا تجحد.
دعاني لمشاركته الفرحة كلما أنجز عملاً جديداً، ومن منا لا يحمل فرح الأطفال الذين يحومون في الأعياد على كل بيت ليتباهوا بثيابهم الجميلة، من منا لا يفعل شيئاً شبيهاً بطريقة أو بأخرى؟ دعاني لافتتاح مكتبة جامعة الخرطوم حين اكتملت صيانة مبانيها وكانت صيانة ممتازة بكل المقاييس فقد راعت قواعد العمارة وصانت المبنى وأرجعته لما كان عليه في العام 1902. ودعاني لافتتاح قاعات (مارتن لوثر كنج) و(ليوناردو دافنشي) وغيرها، ودعاني حين اكتملت صيانة مباني (مكتبة التجاني الماحي) و(مكتبة الشنقيطي) بعد أن صينت وجيء لها بأثاث جديد ووضعت الكتب على الأرفف. أمضيت قرابة الساعتين مع مسجل المكتبة داخل مكتبة التجاني الماحي وحدي أسال الأسئلة الصعبة التي أعرف إجاباتها. هذا ما يلينا من مشاركات لكني أعلم تماماً أن هناك نشاطات أخرى ومشاريع طموحة للرجل لا تهمني في هذه العجالة. ما يهمني هنا هو مصير مكتبة التجاني الماحي!
فجهد هذا المسئول أعرفه وأقدره وأثمنه، وهو جهد يتحدث عن نفسه ولا يحتاج مني لشكر أو ثناء فأنا لا أبخس الناس أشياءهم ولا أقلل من قيمة ما يقومون به، فالذي قام ويقوم به في صيانة مباني الجامعة الرئيسية وتنظيم أقسامها لم تقم به الجامعة في مائة عام. على العكس، فقد قام سلفه عن غير قصد بتحطيم مستمر لمعمار تلك القلعة الجميلة. فجاء وأنقذ تلك المؤسسة وأعادها لبيئتها الأولى ورونقها ومعمارها الأول لتكون في مكانها المناسب في قائمة المباني الأثرية في قوائم اليونسكو.
لم يكن همنا الأساس في هذا المقال أن نتحدث عن مباني أو جدران أو طلاء بل عن شيء واحد، عن المخطوط العربي. فلا أحد ينكر حتى الآن أن مخطوطات التجاني الماحي التي أهداها لجامعة الخرطوم ما زالت حبيسة الجدران ولا ندري حالها وإن تزرعنا بحسن الظن، لا ندري إن تقلصت أو تتربت أوتيبست عروقها؟ أسئلة عديدة تحتاج لإجابات يطلبها هذا المقال. فقد أكدنا أن آخر جرد لتلك المخطوطات كان في 2007 وأن مخطوطة واحدة فقط قد فقدت رغم أن 20% من باقي المكتبة قد ضاع. أيضاً، استدركنا قائلين أن المكتبة تعزي ذلك الكم الكبير الضائع للتلف الطبيعي ولا نوافقهم في ذلك الزعم لكننا نقول أن ما نطلبه هو التحري العلمي ومتابعة الأمور بموضوعية.
المعلومات التي أوردناها عن مكتبة التجاني الماحي لا تغير من الحال شيئاً لأن هذه المكتبة لم تصل لجامعة الخرطوم قبل ثلاثة سنوات لنحمل شخصاً بعينه مسئولية إهمالها. آلت هذه المكتبة للجامعة قبل ثلاثة وأربعين عاماً.
على صعيد شخصي، ما زلت أحاول أن أستكمل ما جمعته من أعمال التجاني الماحي التي أصدرتها في الأعوام 1981 و1984. ما زلت أتوق لأن أراجع محتويات هذه المكتبة إن كان من بينها ما لا أعلمه من أعمال. أود أن يكون السفر الثالث هو رصد لمخطوطات التجاني الماحي المتعلقة بتاريخ الطب العربي والإسلامي وتاريخ العلوم. ففي المقال الأول من هذه السلسلة رصدت المخطوطات التي أشار التجاني الماحي نفسه إلى أنها فريدة. وقد رصدت منها تسعة مخطوطات وأضفت قول التجاني الماحي نفسه بأن لديه الكثير من المخطوطات التي استفاد منها في إعداد كتابه (مقدمة في تاريخ الطب العربي) يحاول أن يحققها، لكن، بالطبع، لم يسعفه العمر ليقوم بذلك.
كان بودي أن أحصي عدد وأسماء مدراء جامعة الخرطوم الذين تناوبوا على إدارة هذه الجامعة وأن أحصي أمناء المكتبة ومسئولي الشئون العلمية منذ 1972 الذين تحدثنا إليهم أو كتبنا لهم عن هذه المسألة، لكن هذا ليس لب الموضوع. كتبنا قبل أكثر من عشرة سنوات خطابات بعضها مفتوحاً لمدراء جامعة الخرطوم وقلنا فيه نفس ما قلنا هنا. البعض رد واجتمع بنا والآخر لم يرد وكأنه يقول ما باليد حيلة.
الموضوع الأساس أن هذه المؤسسة العريقة تظلم نفسها وتظلم أهلها وتظلم منسوبيها لأنها تحمل جواهر بين جدرانها ومكتبة التجاني الماحي ومخطوطاتها مثال يكفي. هل لنا أن نتصور السمعة التي تجنيها الجامعة إذا عرضت ما تملك من مخطوطات وعرضتها في القاهرة أو في دارها في الخرطوم. كان بودي أن أكون في القاهرة لأرى كيف تعاملت باقي الدول العربية مع هذه التظاهرة العلمية وكيف عرضت نفسها وما تملك من مخطوطات وأي مهرجانات صاحبت تلك الاحتفالات بل كنت أود أن أرى وجوه مسئولي سفارة السودان وملحقيها الثقافيين في أروقة ذلك المهرجان.
في زيارتي الأخيرة لمكتبة التجاني الماحي، وبعد ساعتين من الطواف والتفاكر اتفقت وآخرين أن نساهم في إكمال ذلك الجهد الذي أسست له الإدارة الحالية وأن نقوم بنفير يتجه نحو فهرسة وتصنيف تلك المكتبة وإتاحتها للقراء.
ولا نقول هذا الكلام من فراغ ودون خبرة أو دراية، فلنا إسهاماتنا في هذا المجال الذي تم بنفس طويل وبعمل متواصل دءوب. فقد أنفقنا عشرة سنوات بالتمام والكمال من 1970 إلى 1980 نبحث في أعمال التجاني الماحي التي تفرقت داخل وخارج السودان وحققناها. تكلل ذلك الجهد بنشر كتابين (التجاني الماحي، مقالات مختارة) وهو مجموعة مقالته الإنجليزية نشر في 1981 في اليوبيل الفضي لجامعة الخرطوم (1956-1981)، ونشر الكتاب الثاني بنفس العنوان باللغة العرية في العام 1983. ذلك العمل ليس من فضل لنا فيه غير جمعه وتحقيقه وإن كان ثمة فضل فيعود للبروفيسور عبد الرحمن النصري حمزة أمين مكتبة جامعة الخرطوم الذي استلم تلك مكتبة التجاني الماحي وفهرسها حينئذ وحافظ عليها، وعلى المك، مدير دار جامعة الخرطوم للنشر اللذان وافقا على طباعة الكتابين على نفقة دار جامعة الخرطوم للنشر. ليس ذلك فحسب، بل جمع بروفيسور النصري كل مسودات مقالات التجاني الماحي المبعثرة التي تسلمها ضمن تلك المكتبة وأعطاني إياها لتساعدني في تحقيق أعمال التجاني الماحي. ومن بين ما أعطاني مسودات بدأ التجاني الماحي في كتابتها في العام 1935 وتوقف في جمعها في 1965 ومجموعة مقالاته في نفس الموضوع التي نشرها في جريدة السودان الجديد في منتصف الخمسينيات بعنوان (الرائد لا يكذب أهله) وكانت عن شيوخ وخيوط وأزياء الزار والأمراض التي تصيب المرأة جراء إصابتها بالريح الأحمر. هذه المسودات لم استطع من إكمال تحقيقها ونشرها إلا في العام 2008 باسم (الزار والطمبرة في السودان: يحتوي على عملين رائدين للدكتور التجاني الماحي).
إذن، على صعيد شخصي ما زلت آمل أن أجد في هذه المكتبة ما يعينني على إكمال أعمال التجاني الماحي. فقد كانت للراحل مسودات مبعثرة كثيرة وتسجيلات صوتية هذا بالطبع زيادة على المخطوطات العربية والإسلامية وأظن أن من بينها قد تكون مخطوطات سودانية غير (الطبقات) و(مخطوطة كاتب الشونة) ولا ندري عنها شيئاً بعد. بالتالي، عندما أقول أني مهتم ومهموم بهذه الثروة الفكرية التي في هذه المكتبة لا أتكلم من فراغ. وهذا المقال ليس عن جامعة الخرطوم ولا عن من يديرها بل عن الكيل الذي طفح وعن الانتظار الذي طال.
الكتاب الذي لا يقرأ لا فائدة منه والمكتبة التي لا تتيح الكتاب وتسهل الوصول إليه وتهيئ للطالب مكاناً للقراءة والاطلاع ليست مكتبة. لهذا سعت جامعة دارام ببريطانيا ليس فقط لإتاحة مجموعتها عن السودان بالتصوير والاطلاع بل تجتهد في ترقيمها وإتاحتها عبر الشبكة العنكبوتية، وكذلك تفعل جامعة بيرقن في النرويج التي أهداها الراحل محمود صالح محمود صالح قرابة ال 2500 كتاباً عن السودان ومبلغاً من المال لا يستهان به. الكلمة المفتاحية في كل هذه الجهود هي (الإتاحة). فإتاحة المعرفة تكون في المقام الأول في إتاحة المصادر والمراجع.
يقول التجاني الماحي أنه في منتصف واحدة من المحاضرات التي استمع إليها باللغة الإنجليزية سمع المحاضر يقول (Bibliography is half scholarship) أي (المصادر نصف البحث). قال أغمي علي، لم أسمع ولم أر ولم أع شيئاً حتى انتهت المحاضرة. صعقت من هول تركيز تلك الكلمات الثلاثة، فالمصادر هي نصف العمل الأكاديمي. هذه هي المكتبة التي تدخلها باشاً وتخرج منها غانماً، لا تلك التي تدخلها وتخرج منها غاضباً خاسراً. أهم ما في المكتبات، كل المكتبات رقمية كانت أو ورقية، أن هناك موظفاً مؤهلاً يستقبلك ويساعدك في أن تجد ما تبحث عنه بالسرعة اللازمة. تخيل أنك تدخل مكتبة وتبحث عن كتاب بعينه فلا تعرف ولا يعرف الموظف مكانه في أي رف أو في أي صف أو في أي ركن. تقرأ العناوين من أعلى لأسفل ومن أسفل لأعلى وبينك وبين ما تريد أياماً من البحث العشوائي في أربعة عشرة ألف كتاب. ليس ذلك فقط، بل قد لا يكون ما تبحث عنه موجوداً في المكتبة. تلك ليست مكتبة. وهذا ما عنيناه عندما قلنا أنه لا توجد حتى هذه اللحظة مكتبة باسم التجاني الماحي وإن وجد المكان ووجدت الكتب وحملت القاعة الاسم. هذا ما لا نقبله ولا نسكت عليه لأنه لا يرضي أحداً.
لكن ماذا بعد؟
فشلت جامعة الخرطوم في أن تتيح مكتبة التجاني الماحي للقراء طيلة ثلاثة وأربعين سنة، لكن استطاعت الإدارة الراهنة وفي العامين الأخيرين في أن تصين المباني وتنفض الغبار عن الكتب وترفعها وتضعها على الأرفف. نرجو أن تفتح الجامعة صدرها للحادبين لمساعدتها في فهرسة وتصنيف ووصف محتويات هذه المكتبة بما فيها من مخطوطات وإتاحتها للناس بأسرع ما يمكن. وليكن ذلك نداء قومياً تدعوا له الجامعة وكالات ومنظمات الأمم المتحدة المختلفة وسفارات الدول ومراكزها الثقافية، وأن تستفيد من زخم نشاطات (سنار عاصمة الثقافة الإسلامية). إذا لم تفتح جامعة الخرطوم صدرها وعقلها للتفاكر في هذا الأمر فلا تفصلنا إلا سبعة سنوات فقط لنحتفل باليوبيل الذهبي لإهمال جامعة الخرطوم لمكتبة التجاني الماحي.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.