انقطعت (شعرة معاوية) التي تربطه بالوطني حتى عندما استعرض "الكتاب الأسود" بلغة الأرقام إحصاءات وبيانات تؤكد إختلال موازين قسمة السلطة والثروة في السودان التي اتسعت رقعتها بعد انقلاب الاسلاميين في العام 1989م، عندما نشر هذا الكتاب فضائح الأنظمة والنخب الشمالية الحاكمة، وكشف حجم التهميش والإقصاء الممارس ضد أبناء ولايات الهامش، كان ضابط سلاح المظلات المدلل وقتها اللواء قلواك دينق ضمن القلة المستأثرة بالسلطة، واللواء قلواك دينق صديق حميم ورفيق وفي وجندي مطيع للبشير، عمل مع الرئيس عندما كان الإثنان ضابطين في الجيش السوداني يتلقيان أوامرهما من القيادة العامة وليس النادي الكاثوليكي (مقر حزب المؤتمر الوطني)، اذاً البشير وقلواك كل واحد منهما يعرف خصال وصفات وقدرات الآخر التي تغيرت بعد وصولهما للسلطة على ظهر دبابة، بتخطيط وعبقرية الاسلاميين التي تميزت، بالعنف ونقض العهود وعدم الوفاء. وركب قلواك دينق وفق هذه المعطيات مركب السلطة منذ العام 1992م، وظل متنقلاً من وزارة مهمشة الى أخرى أكثر تهميشاً بغرض تزيين وجه النظام المشوه باعتباره أحد أبناء جنوب السودان (الأقليم الذي يقاتل أنظمة الشمال وقتها)، قلواك دينق نفسه عندما سمع نبأ إقالته من منصبه ك حاكم لولاية أعالي في الرابع من نوفمبر الماضي عبر أثير راديو أمدرمان، لم يكن متوقعاً على الاطلاق أن يقذف به ربان سفينة الانقاذ الشمولية خارج بحر السلطة، ولكن على ما يبدو فإن قلواك أصبح ثقيل الوزن على مركب البشير الذي تلاطمه بقوة أمواج القوى السياسية المتصاعدة لاخراجه من سباق السلطة، بيد أن مركب البشير نفسه غير مؤهل للعبور والوصول الى شواطيء الديمقراطية الآمنة، وفضلاً أن المركب لم يمتلك شيئاً من أدوات السباق، لذلك يظل قلواك هو الأكثر حظاً من رفيقه البشير، ويرى محللون أن في الغالب ستغرق مركب البشير، ويطوي الشعب السوداني صفحة الانقاذ، كما طوى من قبل مايو. وفي أعقاب إقالة قلواك الذي ينتمي لقبيلة النوير وتعيين الدكتور وليم أوطون من أبناء الشلك، رفض الأول تسليم الثاني مقاعد السلطة بالولاية، ونشر عدد من القوات الموالية له بمقر حزب المؤتمر الوطني وأمانة الحكومة، وتخندق بمنزله في انتظار خلفه أوطون، الا أن الحاكم الجديد، ذهب الى الخرطوم محتجاً بعد أدائه القسم أمام رئيس حكومة جنوب السودان الفريق أول سلفاكير ميارديت، وأبلغ البشير بالاجراءات التي اتخذها رفيقه السابق قلواك دينق ورفضه تسليم الولاية، الشئ الذي دفع الرئيس بالاتصال ب قلواك وابلاغه بتقديرات الحزب باستغناء عن خدماته، وتعيين قيادي من أبناء الشلك خلفاً له، ولكن قلواك رفض حجج البشير، وقرر مغادرة المؤتمر الوطني، رافضاً لأول مرة في تاريخه السياسي الانصياع لتوجيهات قائده البشير بعد عشرين سنة من الطاعة والولاء. ويقول محلل سياسي فضل حجب اسمه أن المؤتمر الوطني في حاجة لتعيين أحد أبناء قبيلة الشلك، لتسهيل عملية التنسيق بينه، وحليفه التاريخي الدكتور لام أكول رئيس حزب التغيير الديمقراطي المنشق عن الحركة الشعبية لتحرير السودان باعتبار أن الحاكم الجديد واكول تجمعهما قبيلة واحدة، فضلاً عن أن اكول يريد أرضية صلبة داخل الجنوب لانطلاقة عمله السياسي، ولم يكن قلواك مناسباً لعملية التنسيق هذه. وتباينت وجهات النظر داخل المؤتمر الوطني بشأن قرار إعفاء اللواء قلواك دينق بين مؤيد ومعارض، فيما عبر عدد من التجار في مدينة ملكال عن قلقهم من انفجار الوضع في أي وقت. وأعلن اللواء قلواك دينق، في مؤتمر صحفي عقده أمس الاول، انسلاخه عن حزب المؤتمر الوطني، وترك خياراته السياسية مفتوحة، وعلى الرغم من قدرة قلواك على احداث الكثير وامتلاكه معلومات خطيرة ومهمة، الا أن حديثه اتسم بالموضوعية والحكمة وهو يغادر حزب المؤتمر الوطني، ليدعو أبناء الجنوب إلى التمسك بالوحدة والعمل على مجابهة ما أسماه بالتحديات والصعاب التي تواجه الأقليم في اشارة منه الى قرب موعد الاستفتاء على حق تقرير المصير. وبالرغم من زهد قلواك الا أن نبرة الغضب والاستياء كانت واضحة في بيانه الذي وزعه أثناء المؤتمر الصحفي، حيث أن الرجل عبر وبشدة عن إقالته من منصبه، معتبراً ان اقالة شخص في قامته ورتبته العسكرية دون إخطار مسبق أو كلمة شكر كما قال، "إهانة ومذلة" واستنكر الطريقة التي تمت بها إقالته ووصفها بالقبيحة، وقال: طُردت من حزب المؤتمر الوطني بعد خدمة أكثر من (20) عاماً، ولاول مرة يتأكد قلواك أن حزبه السابق غير راغب في الوحدة، وغير عادل حتى بين أعضائه، وقال ان إقالته أكبر دليل على عدم المساواة، مشيراً الى تلاشي رغبة حزب المؤتمر الوطني في العمل من أجل الوحدة الجاذبة، ولم يستبعد أن إقالته سببها هو جديته واصراره في تنفيذ اتفاقيّة السلام الشامل بالولاية، وزاد" تلك الإنجازات رفضها أعداء السلام. في وقت نفى فيه حاكم ولاية أعالي النيل الجديد وليم أوطون وجود أية مشكلات شخصية بينه وقلواك. فيما اعتبر أمين أمانة بحر أعالي النيل الكبرى في حزب المؤتمر الوطني داك دوب بيشوب إعفاء اللواء قلواك دينق وتعيين وليم أوطون حاكماً لأعالي النيل تغييراً اقتضته متطلبات المرحلة، وقال بيشوب وهو صاحب سيناريو رحيل قلواك بصفته المسئول التنظيمي الأول، أنه يريد افساح المجال لقيادات جديدة لادارة المرحلة المقبلة، وقبل أسبوع من الأن وصف بيشوب موقف اللواء قلواك دينق الرافض لإعفائه بأنه خروج عن المؤسسية في الحزب وتمرد على النظام. وكانت قيادات من حزب المؤتمر الوطني قد طلبت من نائب الحاكم ورئيس الحركة الشعبية بالولاية دوك جوك الشهر الماضي، طرد قلواك من مدينة ملكال بالقوة، الا أن جوك رفض الفكرة ورد بالقول أن إقالة قلواك أمر يخص حزب المؤتمر الوطني. وتشير متابعات الصحيفة الى أن اللواء قلواك دينق تم تعيينه حاكماً لولاية أعالي النيل في الثامن عشر من فبراير 2008م، خلفاً لداك دوب بيشوب بقرار رئاسي أصدره رئيس حكومة الجنوب الفريق أول سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب. في كل الأحوال غادر اللواء قلواك دينق حزب المؤتمر الوطني برفقة أكثر من (900) من أبناء النوير فقط من مدينة ملكال، و(30) من قيادات الحزب البارزة في مقاطعة الرنك، وحوالي (180) من قيادات مقاطعة مايوت، و(280) من مقاطعة لونق شود. لم تقف حملة مناصرة قلواك وتأييده عند ولاية اعالي النيل، اذ غادر أكثر من (660) حزب المؤتمر الوطني تضامناً مع قلواك في كل من الناصر وبانتيو، ويرى الكثيرون أن قلواك الذي يتمتع بشعبية كبيرة وسط أهله وعشيرته من قبيلة النوير نجح في توجيه ضربة قوية لحزبه السابق، خطوة قلواك الجرئية جعلت مسئولة قطاع الجنوب في حزب المؤتمر الوطني أقنيس لوكودو تختار الصمت الخجول وترفض الحديث لأجهزة الاعلام. ولم تغب التلميحات الذكية عن بيان قلواك، حيث افتتح بيانه ببيت الشعر المشهور: الوحش يقتل ثائراً والارض تنبت ألف ثائر يا كبرياء الجرح لو متنا لحاربت المقابر واختتم قلواك بيانه بالاشادة بوالده الذي قال أنه رباه وأحسن تربيته، وبهذا يكون قلواك دينق ثاني حاكم يغادر المنزل الحكومي الأنيق بمدينة ملكال (حاضرة ولاية أعالى النيل) بعد التوقيع على اتفاقية السلام في يناير2005م، وملكال تعني بلغة "الشلك" "الدنيا الفانية" وتبقى دلالة الأسم وحدها أشارة الى أن المناصب فانية، وهذا ما عبر عنه قلواك في بيانه حيث قال ليس بالخبز وحده يحيا السودان. Gamer Dlman [[email protected]]