رونالدو بنشوة الانتصار: المشوار لا يزال طويلًا.. ولا أحد يحسم الدوري في منتصف الموسم    البرهان يطلق تصريحات جديدة مدويّة بشأن الحرب    الصادق الرزيقي يكتب: البرهان وحديث انقرة    انطلاقًا من الأراضي الإثيوبية..الجيش السوداني يتحسّب لهجوم    الأهلي مروي يستعين بجبل البركل وعقد الفرقة يكتمل اليوم    عبدالصمد : الفريق جاهز ونراهن على جماهيرنا    المريخ بورتسودان يكسب النيل سنجة ويرتقي للوصافة.. والقوز أبوحمد والمريخ أم روابة "حبايب"    الوطن بين احداثيات عركي (بخاف) و(اضحكي)    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    الخرطوم وأنقرة .. من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    شاهد بالفيديو.. (ما تمشي.. يشيلوا المدرسين كلهم ويخلوك انت بس) طلاب بمدرسة إبتدائية بالسودان يرفضون مغادرة معلمهم بعد أن قامت الوزارة بنقله ويتمسكون به في مشهد مؤثر    "صومالاند حضرموت الساحلية" ليست صدفة!    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    القوات المسلحة: هجوم الطينة بطائرة مسيّرة عملٌ عدائي لمليشيا آل دقلو ويهدد أمن الإقليم    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام أبوجا الأخيرة: أليكس دي وال .. ترجمة: موسى حامد
نشر في سودانيل يوم 23 - 05 - 2015

مقدمةمثّلتْ اتفاقية سلام دارفور (DPA)، التي تمّ التوقيع عليها في العاصمة النيجيرية، أبوجا، مايو 2006م، بين مجذوب الخليفة، ممثل الحكومة السودانية من جانب، ومنى أركو مناوي، رئيس حركة تحرير السودان، مثّلتْ تاريخاً مهماً، في تطور الصراع في دارفور. وكذلك في تاريخ الاتفاقات السياسية الدارفورية التي أتتْ من بعدها. كما مثّل رفض كلٌ من: عبد الواحد محمد نور، رئيس حركة تحرير السودان، ود. خليل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة. وكذلك توقيع مني أركو مناوي. مثّل كل واحدٍ منهما -فيما بعد- فصلاً من فصول الحرب، والتفاوض، والسياسة، والأسى في دارفور.
هذه المقالة المطوّلة (أيام أبوجا الأخيرة)، (the Final Days of the Abuja Peace Process)، تكتسب أهميتها من كونها التلخيص الوحيد -غير الرسمي- لما دار في كواليس اتفاقية أبوجا. كما تكتسب الأهمية، كون كاتبها أليكس دي وال، أحد قلائل الأكاديميين الأجانب، المهتمين بتاريخ نزاعات السودان، على وجه العموم، ونزاعات دارفور على وجه أخص. حيث كان أحد مستشاري د. سالم أحمد سالم، رئيس الوساطة الإفريقية، التي أشرفتْ على اتفاقية أبوجا.
أهمية المقالة التي نشرها أليكس في كتابه (WAR IN DARFUR)، أيضاً، أنّها اعتمدتْ، بشكلٍ أساسي، على ملاحظاتٍ كتبها ألكس في مفكرته الخاصة، ثم طوّرها فيها بعد، وحوّلها الى مقالةٍ، ترصد دقائق الانفعالات، والتحولات في المواقف، وردود الأفعال الساخرة، والمستهجنة، والبائسة في أحايينْ.
حالات نفسية لم تستطع المقالات الناقدة والمعلّقة، فيما بعد رصدها، واستيعابها. هذه الانفعالات النفسية، والتحولات، تأسستْ عليها قرارات فيما بعد!!
المترجم
عُقد الإجتماع الساعة 9 صباحاً تماماً. وعند الساعة 9:15 وصل السيد مني أركو مناوي، يبدو مرهقاً، وجهه بلا تعابير. رحّب به السيد أوبسانجو وبادره:
- ماذا لديك لنا؟
فأجابه مني:
- لقد قبلتُ الوثيقة، لكن مع تحفظات مهمة فيما يتعلق بالسلطة. (الإعتراضات أصبحت تحفظات). وأشار إلى أنّه من الممكن أنْ يُوقّع ثم قال أوبسانجو:
- لقد طلبنا الدعم الدولي لمساعدة إقليم دارفور للخروج من مأزقه، وقمنا ببعض الإستشارات، لكن في النهاية سيكون القرار لي بإعتباري رئيساً للحكومة.
وأوضح أوبسانجو أنّ الخطوة القادمة ستكون دعوة وفد الحكومة للرد. وفي هذه الأثناء، قام رؤساء الوفود بتهنئة مني.
وأضاف زوليك:
- الذين لا يُوقّعون يُعتبرون خارجين عن القانون بالنسبة للعملية.
أعاد مني بهدوءٍ:
- بالتأكيد، هذه لحظة تاريخية، إنّه لمن المُحزن أنّ حلفاؤنا في السلام ليسوا موجودين. وطالب مناوي بالحوار مع عبد الواحد وخليل. لكن أوبسانجو رفض قائلاً:
- لا، يجب أنْ نحافظ على ما توصلنا إليه، ومن ثم نُطالب بالمزيد.
في الساعة 10:20 قاد مجذوب الوفد المرافق له إلى طاولة المفاوضات. اعتذر أوبسانجو لهم عن تأخيرهم، وإبقائهم في الإنتظار ليلةً كاملة، ثم أوضح لهم الأمر قائلاً:
- كحكومة، على المبادرة بالضرورة أنْ تأتي من طرفكم، ولديكم الكثير للحفاظ عليه أكثر، لقد دعوناكم لنسمع ردكم على بعض التعديلات الطفيفة. وأضاف:
- أي شئ مقبول للأطراف السودانية مقبولٌ لنا.
أدلى مجذوب بمقدمةٍ طويلةٍ، وتوجّه للحاضرين بالكثير من التحايا، ثم سرد تاريخ الصراع، وكيف أنّه بدأ بين القبائل بعضها البعض، قبل أنْ يستفحل ويخرج عن اليد. وبيّن كيف السودان قبل تدخلات الوساطة الدولية. حيث شكر الاتحاد الإفريقي على ما يقوم به. وسرد تحفظاته حول الاتفاقية قائلاً:
- أولاً: نود أنْ يقوم الرئيس بترشيح رئيس لجنة تنفيذ الترتيبات الامنية لدارفور، مع ممثل الحركات. فيما تمثلت مشكلته الثانية في العنصر الأجنبي في الصراع وهم (التشاديون). وتمثّلت آخر تحفظاته في عدد الذين سيتم دمجهم في القوات المسلحة السودانية، من مقاتلي الحركات المسلحة. قائلاً بأنّ عدد خمسة آلاف كبير بعض الشيء.
واختتم مجذوب كلمته قائلاً:
- هذه ملاحظات فنية لعملية التنفيذ، والتي أردت تسجيلها وأنتم شهودي، وإذا رأيتم أن تبقى الوثيقة على ماهي عليه، فليس ثمّة ما يدعونا للاعتراض. كما أننا سنتعاون في التنفيذ، وسنقبل بما يتم، وستتم معالجة كافة التناقضات.
تقدّم أوبسانجو بالشكر لحكومة السودان، لرد فعلهم الذي اتسم بالمسؤولية والايجابية. وذكر أنّ هنالك مجموعة من المتمردين، أشاروا بأنّهم سيُوقعون، وأنهم يرغبون في التحاور. واقترح أنْ تقوم الحكومة وهذه الحركة بالتوقيع باعتبار ذلك سوف يترك انطباعاً عند الآخرين. رفض أوبسانجو طلباً لمجذوب الخليفة بتأخير التوقيع، حتى وصول الرئيس البشير إلى ابوجا. وحدّد وقت التوقيع عند الساعة الواحدة ظهراً وكان ذلك بعد عشرون دقيقة وقتها.
غير أنه، وفي فندق شيدا، كانت نصوص اتفاقية سلام دارفور غير جاهزة للتوقيع، حيث إنّ ماكينات الطباعة والتصوير قد وصلت أقصى حدودها، حيث تعطّلتْ أجهزة الحاسب الآلي، وانفجرت الفيوزات. وذلك يعني أنّ الأمر يقتضي عدة ساعات لتجهيز صور أخرى من اتفاقية دارفور للتوقيع.
وصل عبدالواحد محمد نور وفريقه لمنزل أجودا بعد فترةٍ قصيرة. واجه أوبسانجو عبد الواحد متخذاً وضعية الملاكم، وقال موجهاً قبضته لوجه عبد الواحد:
- لقد خذلتني!!
بدأ عبد الواحد بالتفسير مدافعاً عن نفسه:
- أنت الأب الروحي لنا، ليس فقط لنيجيريا، وإنّما لدارفور أيضاً. ولكنني أطالب بحقوق شعبي...."
وقبل أنْ يُكمل، أمسكه أوبسانجو من ياقة قميصه، وجرّه الى غرفةٍ جانبيةٍ قائلاً له:
- أحتاج أنْ أتحدّث إليك يا ولد!!
ولأكثر من ساعتين، مجموعةٌ مكوّنة من أوبسانجو، زوليك، وبِنْ، ظلّت تُحاول الضغط على عبد الواحد للتوقيع، لكن مفتاح موافقة عبد الواحد كان مطلبه بضمانات أكبر.
في هذه الأثناء، اختفى مناوي، أوبسانجو كان قد أعطى توجيهات بأنّه لا يجب عليه أنْ يخرج من القصر الرئاسي. وإنّه إذا أراد أنْ يتشاور مع قادته يجب عليهم الحضور إليه هنا. وصل قادته حوالي الساعة الثانية وخمسون دقيقة، وخاضوا اجتماعات مطولة، في ذات الوقت الذي وصل به خبر قتل شقيق مناوي في ذلك النهار.
انتشرتْ شائعات إنّه قد قتل من قبل الحكومة، وإنّ هذا سيجعل مناوي حزيناً. أو أنه قُتل من قبل قواته الخاصة، ليمنعوا مناوي من التوقيع. في حين أنّه كان مكتئباً وهو يتناقش مع قادته.
خرج عبدالواحد من حجرته واختار مكاناً من الحديقة، جلس فيها مع وفده يستشيرهم. قام بصد كل من أُرسل للتدخل. الضمانات التي قدمها اوبسانجو، وزوليك، وبِنْ لم تكن كافية بالنسبة إليه. رجع عبد الواحد ومجموعته إلى فندق شيدا لعقد آخر اجتماع سري.
الأغلبية كانت مع التوقيع، لكن عبد الواحد رفض، قائلاً:
- أنا، عبد الواحد محمد النور لن أوقّع أبداً!! ثم خرج بعدها من الاجتماع.
وأخيراً، بعد الساعة 5:30 دخل مناوي القاعة وبدا مدمّراً.
أبوسانجو خطب بشكلٍ رسمي، مطوّلاً، واختتم قائلاً:
- هل ستُرفق توقيعك؟
سكت برهة ثم أكمل:
- إنْ لم تكن هناك الروح اللازمة، هذا المستند لا يُساوي الورق المكتوب عليه.
جلس مناوي صامتاً، ولا يبدو على وجهه أيّةُ تعابير.
في الساعة 5 :55 دعا أبوسانجو مجذوب الخليفة ومني أركو مناوي للتوقيع. تقدّم الرجلان، وتصافحا، ثم جلسا على الطاولة المعدة خصيصا في وسط القاعة. وقع مني أولاً، وتلاه مجذوب. حتى الساعة الأخيرة أراد مجذوب أنْ يكون موقناً، أنّه أخذ توقيع منّي أولاً. ضجّت بعدها القاعة بالتصفيق، ثم بدأت الخُطب.
كان خطاب مجذوب أنيقاً، أما مني أركو مناوي لم يُجهّز خطابه، وأعاد ذكر النقاط السابقة. تحدّث الآخرون مطولاً، وكان ذلك في قمة الكآبة، ظهر 13 من مندوبي فريق عبد الواحد وقالوا إنّ من حقهم المشاركة، كل منهم احتضن من قبل أوبسانجو. وللمرة الأولى منذ بداية اليوم، ابتسم مجذوب!!
حاشية
خلال الأيام التالية للتوقيع، وفيما فرغ فندق شيدا من روّاده. جلس عبد الواحد في غُرفته مصراً على موقفه. تناقش الوسطاء في كيفية التعامل مع الظروف غير المتوقّعة لرفضه الوقيع. وهل يجب على الإتحاد الافريقي أنْ يستمر بإشراكه؟
القرار كان بأنّ معاهدة سلام دارفور ستبقى قائمة، حتى يُعقد اجتماع الاتحاد الإفريقي للسلم والأمن في أديس ابابا بتاريخ 16/ مايو. لكن الرأي العام كان أنْ يبقى ممثلو الجهات غير الموقعة، بشرط ألا يكونوا طرفاً في النقاش بشأن تنفيذ معاهدة سلام دارفور.
بقي طرفان من فريق وساطة الإصلاح وهما: سام إيبوك وأليكس دي وال في أبوجا لاستكمال النقاش مع عبدالواحد. اجتمعوا معه عدة مرات، كل يوم، وشجّعوه على أنْ يُحدّد نقاط معارضته لمعاهدة سلام دارفور كتابةً.
في تاريخ 10/ ما يو كتب عبد الواحد رسالةً لسالم أحمد سالم، الذي كان حينذاك في أديس أبابا. الرسالة تضمنت:
(أكتب اليك لأسعى من أجل دعم ومساعدة الاتحاد الافريقي، لإغلاق آخر فجوة بين حركة تحرير السودان والحكومة السودانية. في هذا الصدد أنا أطلب طلبين: الأول أنْ تُسجّل بعض التوضيحات المحددة في نص اتقاقية دارفور للسلام، بالتالي تضمن بأنْ تكون مخاوفنا بشأن تنفيذ الاتفاقية متناولة. هذه التوضيحات مفصلة في هذه الرسالة بالأسفل.
الطلب الثاني: بعد توقيعنا لهذه الاتفاقية سوف تُسهّل لنا النقاش مع حركة العدل والمساواة، وحكومة السودان، لنصل لاتفاقات سياسية بشأن بعض المشاكل الكبيرة كإقتسام السلطة. هذه المحادثات ستؤدي لتكملة الاتفاقية).
توضيحات عبد الواحد شملت ضمان ال 30 مليونا في صندوق التعويض، وهي مجرد دفعة أولى، وليست أعلى حد. وإن حركة تحرير السودان ستكون مشتركة في مراقبة نزع سلاح الجنجويد، وتوفير الأمن للنازحين واللاجئين العائدين لديارهم.
وختم عبد الواحد رسالته قائلاً: أناشد الاتحاد الافريقي بأنْ يُسهّل مثل هذه المحادثات. وبمجرد أنْ تؤكد بأنك سوف تُسجل توضيحاتنا، تبذل جهدك بتنفيذ الاتفاقية كاملة بأمانة، وتسهل المحادثات مع حكومة السودان بشأن المشكلة المدرجة أعلاه. سأكون أنا مستعداً لتوقيع اتفاقية سلام دارفور).
استشار سالم الأعضاء الكبار في الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة قبل إرسال ردّه، الذي وصل في صباح ال 13 من مايو. لم يُواجه سالم أية صعوبات مع توضيحات عبد الواحد، لكن الجملة التي طالب بها عبد الواحد بأنّ الاتحاد الإفريقي سيكون شاهداً على أية اتفاقية تصل إليها الأطراف الموقّعة، وأنْ تلحق كتكملة لاتفاقية دارفور للسلام، لم تكن متضمنة في النص.
بدلاً من ذلك، كتب سالم إنّ الاتحاد الافريقي جاهز في أيُّ وقتٍ لتسهيل المحادثات بين الاطراف، إذا كانت تدعم السلام، وتدعم تنفيذ اتفاقية دارفور للسلام. الرسالة أوردت بأنّ الاتحاد الإفريقي لا يستطيع إعادة فتح ملف اتفاقية دارفور للسلام، لكنه كان جاهزاً لدعم أيُّ خطوات متفق عليها من الاطراف لتنفيذ الاتفاقية.
منذ 6 مايو ومع الأيام صار مزاج عبد الواحد متقلباً. خلال ال 24 ساعة بعد كتابته لرسالته كان عبد الواحد متحمساً لأنْ يُوقّع. ولكن مزاجه أصبح سوداوياً بعد ذلك، خاصةً بعد أن طُرِد من فندق شيدا، بعد أنْ توقّف الاتحاد الافريقي عن دفع نفقاته.
اعتبر عبد الواحد هذا التصرف إهانة بالنسبة له. بعدها انتقل لفندق تجاري صغير يُسمى فندق الكابيتول. عقد أيبوك موعداً ليُسلّم له رسالة سالم في الفندق الذي يُقيم فيه عند الساعة الواحدة ظهراً تماماً. ولكن أيبوك وصل متأخراً في ذلك اليوم، لوجود ثلاثة فنادق بإسم كابيتول في المدينة. وأكد السائق حينها لأيبوك بأنّه يعرف أيُّهم الفندق المنشود، لكنه أوصله للفندقيين الخاطئين، حتى استقر في فندق كابيتول المطلوب.
بذل أيبوك ما بوسعه ليعرض الرسالة بأفضل شكلٍ فقال:
- لا يُمكن أنْ تُؤخذ أي اتفاقية كقرآناً أو إنجيلاً. الاتفاقية يجب أنْ تكون مفتوحةً للتفسيرات والتعديلات خلال فترة تنفيذها.
من المحتّم على الجهات الموقّعة الثلاثة أنْ يجلسوا ويستمروا في التعديلات. إنّ هناك مطالب وافقت عليها الجهات الموقّعة الثلاث. فالاتحاد الإفريقي مُجبر على احترام هذه المطالب.
علم حينها عبد الواحد بأنّ مطلبه المحوري لم يلبَ، وبأنّ الاتحاد الافريقي لن يدعم مفاوضات أخرى ليُنتج ملحقا للاتفاقية. رفض عبد الواحد الرسالة.
وفي اليوم التالي، استقلّ ايبوك طائرة لأديس أبابا وبحوزته نسخاً من اتفاقية دارفور للسلام. وساطة الاصلاح التابعة للاتحاد الإفريقي كانت قد انتهتْ. ولكن الكثير من مندوبي عبد الواحد لم يفقدوا الأمل.
في صباح اليوم التالي، نادى ألكس دي وال "إبراهيم مادبو"، مفاوض عبد الواحد لاقتسام السلطة، وهو في طابور اجراءات تسجيل الدخول في مطار ابوجا قائلاً بأنّه ما زالت هنالك فرصة للمفاوضات المباشرة مع الحكومة.
عاد دي وال أدراجه، وفي ذلك الصباح كتب مادبو وأعضاء آخرون من الفريق مذكرةً من أربع نقاط لتسلم لمجذوب الخليفة الذي كان في الخرطوم. كانت النقطة الاخيرة هي الأكثر تعقيداً، حيث تضمّنت أن الحكومة سوف تُوفّر على الأقل منصباً وزارياً في دارفور، ومنصباً آخراً في الحكومة المركزية، لمرشحٍ من حركة تحرير السودان كمبادرة حُسن نيّة، مما أجّل محادثاتٍ أخرى بهذا الخصوص. وتم إرسالها عبر السفير السوداني في أبوجا.
وفي المساء، ردّ مجذوب على النقطة الأولى، في المذكرة التي تضمنت توفير دعم مالي أكثر للتعويض، وبأنّ الحكومة بدأت بالفعل في توزيع التعويضات. كانت هذه حقيقة مضلّلة، حيث إنّهم زودوا تعويضات طرفهم ب 70 مليون دولار.
أما النقطة التانية والثالثة اللتان تضمنتا مشاركة جيش تحرير السودان في مراقبة نزع السلاح الجنجويد، وعودة اللاجئين والنازحين الآمنة.
كتب مجذوب بأنّ هذه النقاط متفقٌ عليها بقوة، وبصفةٍ مطلقةٍ. بخصوص النقطة الأخيرة، وهي مشاركة السلطة، أشار مجذوب ببساطةٍ لاتفاقية دارفور للسلام.
في تلك الليلة، كتب عبد الواحد رسالةً لمجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي. تضمّنت رسالته إشارة ايجابية عن التعاون مع مني مناوي، الذي كان جنباً الى جنب مع محاولات ضم عبد الواحد للاتفاقية، وعرض أنْ يكون طرفاً في بند إيقاف إطلاق نار شامل، ثم وقّع الرسالة، وخلد للنوم.
وفي صباح اليوم التالي، قام مساعدو عبد الواحد بكتابة الرسالة، وأيقظوه ليقوم بتوقيع النسخة الجديدة من الرسالة ثم أرسلوها. المفارقة أنّ النسخة الجديدة من الرسالة قامت بحذف ما ذُكر عن مني مناوي، بجانب أنّها كانت أقل رضاء عن وقف إطلاق النّار.
في ذلك اليوم، كان المتظاهرون في مخيمات اللاجئين يُطالبون بأنْ تكون دارفور منطقةً مستقلةً، وبأنّ يُعيّن عبد الواحد نائباً لرئيس فيها. بالرغم من ذلك ظلّت مطالب عبد الواحد أكثر تواضعاً، واقتصرت على الأربع نقاط التي ذُكرت في المذكرة. كان مصراً على وجود ملحق للاتفاقية، ولكن مرناً في ماهية مضمون هذا الملحق.
عندما جاءت الأخبار بأنّ مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي قدْ مدّد المُهلة لمدة أسبوعين له ولحركة العدل والمساواة لتوقيع اتفاقية دارفور للسلام. أصبح عبد الواحد مبتهجاً، واكد لدي وال بأنّه سيُوقّع الاتفاقية قبل انتهاء الشهر.
لكن في ظهيرة اليوم التالي، قام عبد الواحد بحزم حقائبه، والاختباء، مشيراً للسبب بأنّها أسباب أمنية، وبهذا، قام بقطع كل وسائل الاتصال مع آخر وسيط في أبوجا (أليكس دي وال- الكاتب). سافر عبد الواحد لنيروبي ليلتحق بزوجته، وابنه الذي يبلغ من العمر خمس أشهر.
قام بيكا هافيستو من الإتحاد الأوروبي وجيله دنيبو (ممثل النرويج)، بجانب دي وال، بمحاولةٍ أخيرةٍ لضم عبد الواحد لعملية مفاوضات في أواخر مايو. كان المحور هو عرض من رئيس الحركة الشعبية، ونائب الرئيس الأول سلفا كير، ليقنعاهُ بمحادثات في جنوب السودان، للمساعدة في مدْ جسر لسد الفجوات الأخيرة.
خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو تردّد عبد الواحد كثيراً بين الحضور أو عدمه. مطالباً بضمان شخصي على سلامته من سلفا كير، ومن ثمّ مُنح إيّاه، ولكن بالرغم من ذلك، وفي الثالث من يونيو، قرّر أخيراً بأنْ لا يحضر، واستقلّ طائرة الى أسمرا، بعد أنْ دعاه خليل إبراهيم للتباحث حول تأسيس جبهة الخلاص الوطني.
بعدها، انتهت مفاوضات اتفاقية دارفور للسلام.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.