من لا يستدعى مرحلتين من اهم مراحل الحكم الوطنى فى السودان والوقوف تحديدا عند حدثين فى غاية الاهمية سيصعب عليه ان يتفهم انقلاب مايو وما شهده من تعقيدات ولعلنى اقول هنا انه من سوء حظ هذا الانقلاب توقيته فسوف ترون من هذه الحلقات لو ان الانقلاب تاخر عن موعده هذا شهرين فقط لبقى حاكما للسودان حتى اليوم ولكن استيلاء الانقلاب على السلطة صبيحة الخامس والعشرين من مايو 69هو اللذى لعب دورا كبيرا فى تقلبات وتعقيدات لم يتحسب لها بل كانت مفاجئة وكتبت نهايته بالرغم من انه حظى بقبول شعبى فى موكب الثانى من يونيو 69 الذى لم يشهد السودان مثيلا له حتى اليوم مع انه كان موكبا لم تصرف عليه اى جهة لتوفر له البصات والاغراءات المادية انما كان تجمعا تلقائيا افرزه زهد الشعب فى الحكم الديمقراطى لفشله بسبب هيمنة الطائفة عليه لهذا كان قوامه يومها النقابات والمنظمات الجماهيرية من الشباب والاتحاد النسائى واتحاد المزارعين ولقد كنت يومها عضوا عاملا بالحزب الشيوعى اللذى انضممت اليه مع نهاية الربع الاول للستينات وكنت عضوا فى الفراكشن المركزى لاتحاد الشباب السودانى ونائبا لسكرتير الاتحاد(المحامى جلال السيد) وسكرتير للعلاقات الخارجية و عضو فى تنظيم الفراكشن المركزى للشباب وهوتنظيم سياسى من مؤسسات الحزب يكونه الحزب من القيادات الشيوعية العاملة فى المنظمات الجماهيرية كحلقة وصل بين الحزب وهذه المنظمات حتى لا يتتدخل فيها مباشرة لهذا للحزب تنظيم خاص بكل المنظمات الجماهيرية من حركة نسوية وشبابىة ونقابية وطلابية وهو حلقة الوصل بين الحزب وهذه المنظمات. لهذا فلقد كان موكب اتنين يونيو من اشراف هذه المنظمات الجماهيرية بحكم ان هذه المنظمات ليست قاصرة فى عضويتها على عضوية الحزب الشيوعى وانماهى تنظيمات مفتوحة لكل جماهير الشعب التى تتوافق فى المضمون مع مواقف الحزب لهذا جاء لقاء ميدان عبدالمنعم الجماهيرى اللذى انطلق موكبه من شارع القصر جامعا لكل فئات الشعب لهذا استحق الانقلاب بعد هذا الحشد ان اطلق على الانقلاب بانه ثورة وليس انقلاب بامر شعب يونيو 69. اما الحدثان اللذان اشرت لهما فى مقدمة هذا المقال والتى كان لها التاثير المباشر فى ان يكون وان تكون نهايته الحدث الاول والاكثر اهمية تمثل فى الخلافات التى طوقت الحزب الشيوعى بعد ثورة اكتوبر مباشرة و التى اطاحت بانقلاب نوفمبر كانت تحت قيادة المنظمات الجماهيرية من نقابات واتحادات و التى تخضع فى اكثريتها لاعضاء فى الحزب وعناصر ديمقراطية متحالفة معها باعتبارها عمل جماهيرى وليس عملا قاصرا على الحزب لهذا وعند انتصار ثورة اكتوبر الديمقراطية الثانية تكونت حكومة الثورة الاولى من جبهة الهيئات وهى التنظيم اللذى يجمع كل النقابات العمالية والمزارعين وكافة المنظمات الجماهيرية والتى تقف على راس قيادتها عناصر شيوعية من اعضاء الحزب وكات هذه اول فترة فى تاريخ الحزب الشيوعى ان يكون قطاع من عضويته وزراء قابضين على السلطة ليواجه الحزب لاول مرة فى تاريخه تناقضات افرزها وجود عناصر شيوعية فى السلطة عندما رفضت هذه العناصر ان تكون مرجعيتها الحزب الشيوعى وان ترجع له فى قراراتها بينما يتتطلع الحزب لان يكون هو المرجعية لان الامر فى نهايته يحسب على الحزب لهذا تفجر اول واخطر خلاف ادى لانقسام الحزب لما عرف لاحقا بجناحى الشهيد عبدالخالق وجناح احمد سليمان وفاروق ابوعيسى من قيادات جبهة الهيئات فى اكتوبر وتصاعد الخلاف حتى اصبح من المستحيل التوافق بينهما ويومها واجه الحزب تناقضا كبيرا بين الجناحين جناح جبهة الهيئات يضم غالبية فى اللجنة المركزية للحزب بينما كانت اغلبية قاعدة الحزب والمكونة لمؤتمره العام مع جناح عبدالخالق ولم يعد من الممكن الجمع بين الجناحين فكان موعد انعقاد مؤتمر عام الحزب اللذى تحدد له النصف الثانى من عام 69 لحسم الخلاف بفصل مجموعة جناح احمد سليمان وفاروق من الحزب ولكن جاء اتقلاب مايو قبل موعد انعقاد المؤتمر بشهرين فحال بذلك دون فصل الجناح المنشق عن الحزب لتصبح هناك كتلتين متصارعتين باسم الحزب وتحت هذا الواقع للحزب جاء انقلاب مايو اليسارى وقياداته تراهن على دعم الحزب الشيوعى للانقلاب ولم تكن تعلم حجم الصراع و الانقسام بين الجناحين لهذا دفع الانقلاب الثمن غاليا كما سنرى ولا ننسى هنا ان السيد بابكر عوض الله كان اقرب للجناح المناوئ للشهيد عبدالخالق محجوب بل جزء منه فكان اكثر تعاطفا معه وسوف ترون ما ترتب على هذا الواقع. اما الحدث الثانى فلقد كان قرار البرلمان حل الحزب الشيوعى السودانى وطرد نوابه من البرلمان واللذى شارك فى تبنيه زعيم الحزب الاتحادى الشهيد الازهرى فكان لهذا الحدث تثير على مجموعة من شباب ضباط القوات المسلحة اللذين اثارهم وأد الديمقراطية و دفع بهم للتفكير فى تنظيم حركة انقلابية بالرغم من انهم لا ينتمون للحزب وليس بينهم من هو عضو فيه وهى النواة التى افرزت الانقلاب اللذى لم يكن من صنع او موافقة تنظيم الضباط الاحرار بل كان التنظيم معترضا عليه بمافيهم عضوية الحزب الشيوعى المؤثرة داخل التنظيم لهذا ففى الوقت اللذى راهن منظموا الانقلاب على دعم الحزب الشيوعى له كانت المفاجاة ان تتفجر المشكلات فيه من اول يوم للانقلاب وهو ما كان مقاجئا لهم ولم يتحسبوه حتى تكون لديهم الحلول لتجنب سلبياته التى اصبح مردودها خصما على النظام وعلى الحزب فى نهاية المطاف وسوف ترون كيف كان الخلاف وما ترتب عليه سببا فى دخولى القيادة العامة فى السادس والعشرين من مايو 69 اليوم التالى للاتقلاب وكونوا معى للوقوف مع التفاصيل عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.