• ما لا شك فيه ، هو أنه حتى الخصوم التقليديين للشيخ حسن الترابي ، والذين ينظرون بكثير من الشماتة والتشفي إلى ملحمة إقصائه عن قطار الإنقاذ ثم تخبُّطه السياسي المُدهش في ما بعد ، حتى هؤلاء ، ما تزالُ الحيرة تفترس عقولهم ، بينما يتظاهرون بفهم مايجري ويعللونه باتهاماتهم القديمة للشيخ حسن ولناس"الجبهة" بأنهم أُناس بلا مباديء وليس مستغرباً انقلاباتهم الدراماتيكية وركلهم شعاراتهم القديمة ، كما يفعل اليوم شيخهم .. وهذا التبرير الذي يسوقونه لتبرير ما ظل الشيخ يفعله ويقوله منذ مغادرته موقعه السني في الإنقاذ ، هو تبرير يعلمون في قرارة أنفسهم أنه ليس صحيحاً ، ولكنهم – مثلهم مثل الآخرين – لا يعرفون ما هو التبرير الصحيح لتصرفات الشيخ !! • وعلى كثرة ما راح المحللون السياسيون ، والمحللون النفسانيون ، يقترحونه تبريراً لمواقف الشيخ الترابي ، فإن أحداً منهم لم يوفق حتّى الآن لتقديم تبرير يقبله العقل الموضوعي لما حدث ويحدث !! • فالجنون نفسه ، برغم أنهُ تبرير مريح ، مع العلم بأن الله تعالى يُمسك بقلوب عباده بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء ، الجنون أو الضلال ، لا يبدو بدوره تبريراً معقولاً لتصرفات شيخ حشد المجاهدين لمقاتلة المتمردين ، ثم راح فجأة يُخبر هؤلاء المجاهدين الذين بعثهم بنفسه لقتال المتمردين ، راح يخبرهم دون أن يطرف لهُ جفن ، بأن شهداءهم "فطائس"!! ثُم راح يُنادي بأن يحكم السودان المسلم رجلٌ نصرانيٌّ جنوبي ( والدعوة في حد ذاتها ليست بغريبة ، ولكن الغريب أنها تصدر عن الشيخ حسن الذي قام مشروعه كله وخطابه كله وتاريخه كله على ألا يسمح بحكم السودان لأي مسلم ، بل لرجُلٍ مسلم ذي مواصفات خاصة ، ناهيك عن أن يكون غير مسلم !! ) فالضلال أو الجنون كان يمكن قبولهما تبريراً لتصرفات الشيخ لو أنه كان وحده .. ولكن من غير المعقول أن نصف جميع هؤلاء المشائخ من أركان حرب الشيخ ، بالجنون دفعةً واحدة .. هذا يُشبه أن يأتي طفلك الصغير من المدرسة منزعجاً ، ليخبرك بأن الناظر والمدرسين جميعهم (جنُّوا) فجأةً .. سوف تبتسم ساخراً ، وتُعلِّل المسألة بسوءٍ فهمٍ ما ، وقع فيه الصغير.. فكيف تستطيع أن تصف مشائخ المؤتمر الشعبي جميعهم بالجنون ؟؟ المسألة فيها نظر.. • ولما كانت جميع التبريرات السياسية والنفسية والأخلاقية والدينية المتاحة لما يجري غير مقنعة ، ولما كان قول القائلين أن الشيخ موتورٌ ومغتاظٌ وغاضبٌ لنفسه وباحث عن الإنتقام بأية طريقة من تلامذته الذين لفظوه بلا رحمة ، ولو جاء انتقامه بطريقة (عليَّ وعلى أعدائي) لما كان هذا القولُ نفسه غير مقنع في حق رجُلٍ – بل نُخبةٍ من قادة الإسلام السياسي – يشهدُ لهم تاريخهم كله بتجاوزهم ذوات أنفسهم في مواقف كثيرة ، فإنه لا يبقى في الأُفق سوى تبرير وحيد ، يمكن قبوله ببعض التحفظات .. • الشيخ حسن ، وقيادة مؤتمره الشعبي ، فدائيون .. • فدائيون بكل معنى الكلمة ، يريدون أن يبقى مشروعهم ، ولكن على جثثهم ، وأعني بمشروعهم مشروع الإنقاذ نفسه ، فالشيخ حسن ربما توصل أخيراً إلى أن المشروع الإسلامي في السودان يحتاج إلى ضحايا كبار ، ضحايا لا يهمهم أن يتهمهم الناس بالكذب الصراح أو بالفجور في الخصومة أو حتّى بالجنون !! المؤتمر الشعبي ليس حزباً للعمل السياسي المباشر ، ولا هو بالحزب الذي يريد قاعدةً جماهيرية من أي نوع ، ولا هو بالحزب الذي يبحث عن ناصرين لبرنامجه السياسي ، المؤتمر الشعبي حزبٌ يُريدُ – مع سبق الإصرار – أن يحترق ، فداءً للإنقاذ .. فالشيخ حسن والشيخ السنوسي والشيخ ياسين والشيخ عبدالله حسن وبقية المشائخ ، ليسوا بالغفلة التي تجعلهم لا يعرفون أن المستفيد الوحيد من تخبطهم هذا هو نظام الإنقاذ الذي أقصاهم !! وهؤلاء المشائخ جميعهم يسمعون – لا شك – ويعرفون ، مايقوله الناس ، لا أعني بالناس جماعة "الإجماع الوطني" ، التي هي خليطٌ بديعٌ من خصوم الشيخ الترابي الذين لا يتوقع عاقل – مهما جرى – أن تتحول قلوبهم يوماً إلى محبته ، بل أعني غمار الناس وعامَّتهم ، الذين لا يكفون عن إبداءِ دهشتهم العظيمة مما يفعله الشيخ وأصحابه ، ولا يملكون تفسيراً لما يرون إلا بقولهم اليائس : (الجماعة ديل جَنُّوا!!).. • شخصياً ، لا أشك في أن في هذا العالم قُوىً يُسعدها أن تتوصل إلى تركيبةٍ أو حيلةٍ تمكنهم من "تجنين" الشيخ حسن وأصحابه المقربين دفعةً واحدة ، ولكنني أشك كثيراً في أن الأمريكان أو الصهاينة قد توصلوا إلى تقنية تبلغهم هذا الهدف الخبيث .. ولهذا، لا يبقى أمامي تبريرٌ أكثر وجاهة من نظرية (الفداء) هذه .. هل ترون غيرها؟؟ ali yasien [[email protected]]