"بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تعادل الزيتونة والنصر بود الكبير    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    شاهد بالفيديو.. "جيش واحد شعب واحد" تظاهرة ليلية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور    لأهلي في الجزيرة    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    وزير الخارجية : لا نمانع عودة مباحثات جدة وملتزمون بذلك    شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تكشف ساقيها بشكل كامل وتستعرض جمالها ونظافة جسمها خلال جلسة "باديكير"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    معظمهم نساء وأطفال 35 ألف قتيل : منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة    قرار بانهاء تكليف مفوض العون الانساني    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر يطلع على الخطة التاشيرية للموسم الزراعي بولاية القضارف    عقار يؤكد سعي الحكومة وحرصها على إيصال المساعدات الإنسانية    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول التشريعات التي تحكم المواكب السلمية في السودان .. بقلم: عبد العزيز عثمان سام/ الخرطوم
نشر في سودانيل يوم 15 - 12 - 2009

في الأيام القليلة الماضية، جري حديث كثير حول التشريع الذي يحكم تسيير المواكب السلمية في السودان، ابتداءً بالبرنامج الإذاعي الهادف الذي يقدمه زميلنا الأستاذ/الصادق مصطفي زكريا/ المحامي من هولندا علي إذاعة دبنقا المسموعة، ونشكر له أن استضافنا في برنامجه حول هذا الأمر ظهر يوم الاثنين قبل الماضي بُعيد المسيرة، ثم المناظرة التي نظمتها قناة الجزيرة عشية نفس اليوم الاثنين الموافق الثلاثين من شهر نوفمبر لسنة2009م، بعد الإفراج عن مجموعة قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان الذين تم القبض عليهم أثناء مشاركتهم وقيادتهم للمسيرة التي خرجت صوب المجلس الوطني(البرلمان) بأم درمان للضغط علي حزب المؤتمر الوطني لإصدار قوانين مهمَّة، لا تكتمل تنفيذ اتفاق السلام الشامل بدونها، وهي: قانون استفتاء جنوب السودان لتقرير المصير2011م وقانون استفتاء منطقة أبيي، وقانون المشورة الشعبية لجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة، وقد شارك في المناظرة السيد/ فتحي خليل/ نقيب المحاميين السودانيين من حزب المؤتمر الوطني، والسيد/ فاقان أموم، الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان وهو أيضاً احد المُفرج عنهم، وممثلاً للقوي السياسية التي تظاهرت صبيحة ذلك اليوم، وكذلك الدكتور/عبد الوهاب الأفندي، من لندن وهو الذي، ظلَّت تُشرِكُه قناة الجزيرة في أي موضوع مُتعلِق بالسودان كخبير في الشأن العام السوداني، قياساً علي الدكتور/عزمي بشارة المفكر العربي!!..ونافلة القول أن السؤال الأساس في المناظرة هو: هل تم أخذ الإذن من السلطات المختصة لتنظيم المسيرة والتظاهر؟؟ وبالتالي فالسؤال قانوني ومُتعلِق بالمشروعية القانونية، وبالتالي كان الأنسب لقناة الجزيرة استضافة المزيد من القانونين السودانيين لتمثيل وجهة نظر مهنية ومحايدة بدلاً من(الأفندي)الذي كلما فتحنا فضائية من فضائيات العرب في هذه الدنيا تتحدث عن الشأن السوداني، إلاّ وهو ضمن المُطلين علينا.. إذاً، سؤال الجزيرة هو حول: هل تم اخذ الإذن من السلطات المختصة لتسيير المسيرة أو الموكب السلمي؟ ونرد عليه بسؤال هو:علي أي مرتكز قانوني يقوم سؤال قناة الجزيرة؟؟ وهل تعلم قناة الجزيرة أن القانون السوداني يشترط أخذ الإذن من السلطات؟ وفي أي القوانين ورد ذلك الاشتراط والنص؟؟ وهل تعلم قناة الجزيرة ومذيعيها مستوي تضارب القوانين(Conflict of laws) السائدة(law is) في هذا الأمر، أم أن ثقافة قناة الجزيرة القانونية تقوم علي حتمية منح الحقوق بواسطة السلطان والملك والأمير كواقع عربي يتثقفون عليه ثم يعتبرونه حتمياً لكافة شعوب الدنيا؟؟ وهل تعلم قناة الجزيرة أنها بتأسيس المقابلة علي تلك الفرضية الباطلة قد نصرت الظالم المُتعدي علي حق دستوري عظيم؟؟ وخاضت بلا وعي في أمر خطير وضار بمستقبل الحقوق والحريات علي مستوي المجتمع السوداني؟؟ وشوَّهت وجداناً سليماً لشعبٍ مُحبٍ للحرية، ظل يناضل ردحاً من الزمان لتثبيت الحرية والديمقراطية وتضمينهما في دستور البلاد؟؟ فلتعلم قناة الجزيرة العربية، أن قوانين السودان السارية وعلي رأسها الدستور الانتقالي الحالي لسنة 2005م تنص صراحة، دون لبس، علي حرية التعبير والإعلام كحق لا يُقيَّد!! وينظمه القانون برسم خارطة الطريق لممارسته، ولكن لا يقيِّده، والفرق بين التنظيم والتقييد كبير.. وأكرر استناداً إلي الدستور، إن الحقوق لا تقَّييد، وتنظيمها بالقانون لا يتعدى إخطار السلطات للتنسيق والحماية والحيطة، بمعني الاحتراز وليست السيطرة والتضييق والمصادرة والمنح.. هذه التشريعات التي تُقِر وتُثبِّت هذه الحقوق وتحميها بالتنظيم في أضيق الحدود، هي التشريعات التي أتت بموجب مضامين اتفاقيات السلام التي أُبرمت في هذا العِقد الأول من الألفية الثالثة، وهي: اتفاق السلام الشامل2005م، اتفاق القاهرة، اتفاق أسمرا، اتفاق أبوجا2006م، وتم تضمين هذه الحقوق في صدر الدستور الانتقالي لجمهورية السودان 2005م فأرجو أن لا أُضطرَّ إلي شرح أن أي قانون يتضمن أحكام ونصوص تخالف أحكام دستور2005م هو قانون باطل لأن جميع قوانين السودان السابقة لدستور2005م يتوقف صلاحيتها علي مدي اتساقها وموافقتها لأحكام الدستور ومضامينه، لذلك من الضروري بمكان، غربلة كافة القوانين السودانية، بالمراجعة الدقيقة بواسطة فنيين أكفاء ومهنيين محايدين لتتسق مع إحكام دستور2005م.. لذا يكون سؤال قناة الجزيرة الذي صار محوراً للمناظرة وهو: هل حصلتم علي الإذن اللازم للمسيرة أو التظاهر السلمي، هو سؤال لا يستقيم ولا يتسق مع أحكام دستور السودان، ولا مع القوانين الصادرة بموجبه، أو تلك التي كانت سائدة قبله وروجعت علي ضوء إحكامه لتتسق معه، لأن القانون الوحيد الذي يحتوي علي نص يشترط الحصول علي إذن من السلطات لتسيير مسيرة او موكب سلمي هو المادة(127) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م!! وواضح من تاريخ صدوره انه قد صدر بعد ثلاثة سنوات فقط من وقوع انقلاب الإنقاذ في يونيو1989م ويستطيع أي إنسان أن يقدِّر باطمئنان بطلان هذه المادة بموجب أحكام مواد وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لجمهورية السودان2005م ونسأل: وكيف تم تخزين هذه المادة والإبقاء عليها داخل هذا القانون الإجرائي المهم دون أن تحذف أو تعدل بالمراجعة؟ أهو قصور من الجهاز التشريعي الذي يضيع الوقت في تشريعات لا تمت إلي الحقوق الأساسية والسياسية للشعب بصلة؟ ومن العدل القول، أن اللوم لا يقع علي حزب المؤتمر الوطني وحده الذي يستفيد من تخزين وزرع هذه المواد التي هي بمثابة الألغام الأرضية التي زرعتها في الحرب في الجنوب ودارفور والشرق.. ولكن اللوم أيضاً يقع علي الحركة الشعبية التي لم تهتم يوماً بالمصلحة العامة للشعب السوداني، وظلت تمارس الواجب التشريعي بأنانية مُفرِطة، فانظر إلي القوانين التي صدرت من البرلمان بموافقة الحركة الشعبية، ستجدها تُمثل أسوأ تشريعات صدرت عن هيئة تشريعية سودانية عبر التاريخ، أنظر: قانون الاستفتاء، قانون الانتخابات، قانون الصحافة والمطبوعات، جميعها أسوأ من سابقاتها لقصورها علي رؤية ومصلحة الحزب الحاكم، وأتت إجازتها خِلسة بواسطة شريكي الحكم بعد إتمام صفقات ومصالح(خذ وهات)علي حساب الشعب السوداني وأي مشروع وطني يمكن الحُلم به.. هكذا ظلَّت الحركة الشعبية تستغل القوي السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني السوداني في تحقيق أهدافها التي تمكنها من السير في طريق تحقيق تقرير المصير بالانفصال لا الوحدة. ويستغرب المرء من سلوك هذه القوي السياسية التي أعمي الله بصيرتها لحكمة يعلمها هو، فقد ظلت تقف بقوة لنقد أو تبخيس الاتفاقيات المبرمة وتصفها بالثنائية وتُحقِّر قادة حركات الهامش الذين وقعُّوا تلك الاتفاقيات مع المركز، واستمر ذلك الدور السالب لأحزاب المركز أربعة سنوات، هي عمر الفترة الانتقالية، وعندما قررت الحركة الشعبية لتحرير السودان مصيرها، وعزمت علي الانفصال وانجلي الأمر لتلك الأحزاب السياسية العجيبة، هرولت زرافات صوب الحركة الشعبية يفرشون لها الورود لتمتطي الحركة ظهورها إلي حيث استكمال التشريعات لتستكمِل مشروعها لفصل الجنوب وتُصيِرَه دولة جارة، شقيقة أو صديقة!! هذه القوي السياسية العجيبة الشكل والمضمون، ساهمت سلباً في جعل الوحدة جذابة بعدم الضغط علي شريك المركز لتنفيذ الاتفاقيات المبرمة التي تجعل الوحدة جذابة لأهل الجنوب، ثم ومؤخراً جداً، ساهمت نفس الأحزاب القديمة بإيجابية شديدة ومظاهرات ودماء ودموع وندوات وجبهة عريضة مساندة ومُعتصِمة دوماً للضغط علي ممثل المركز لتمرير القوانين التي تحقق للشعب السوداني في الجنوب الانفصال وتحقيق الكرامة والحرية والهوية والثقافة الحقيقية،ثم بالتالي، الراحة من وجع الرأس والتزييف الشامل لكل عناصر الحياة.. هذا ما قامت به الأحزاب القديمة، فهل هي واعية بما تفعل، أم أنها ضُربت عليها الذِّلة والمسكنة، وأعمي الله بصيرتها فظلوا في طغيانهم القديم يعمهون؟؟ وأكرر ما كتبته مؤخراً، أن إتباع هذه الأحزاب القديمة المُفتقِرة إلي الرؤية والحكمة، الضالة لطريق الخلاص الوطني للشعب، هو إتباع يفتقر إلي الفهم ولا يقود إلي نهايةٍ مُبتغاة، ولن يحقق السعادة لجماهير شعبنا الذي ما أوكلنا يوماً لإتباع هؤلاء، هي ذاتها الجماهير التي هتفت ذات يوم عندما أذاقها الأحزاب العذاب الهون: العذاب ولا الأحزاب، لأنها أحزاب لا خير فيها لنفسها أو لغيرها، وفي إتباعها ضلال كبير وانحراف يوجب المساءلة الثورية، لما في ذلك من نكوص كبير بالعهود والمواثيق التي جئنا بموجبها إلي هاهنا.. نريد لحركة تحرير السودان الموقعة علي اتفاق سلام دارفور أن تحشد جماهيرها والشعب السوداني اجمع للضغط علي الشريك لتنفيذ اتفاق سلام دارفور2006م وأن تخرج المسيرات والمواكب كل يوم لإجبار الشريك علي تضمين الاتفاق في الدستور القومي، ولتخصيص أموال صندوق إعمار دارفور السبعمائة مليون دولار، ولتنفيذ الترتيبات الأمنية كما جاءت في الاتفاقية ووفق مراحلها.. وأن تمتنع القيادة السياسية للحركة، مُمثلة في المسئول السياسي الأول عن الطعام، وتعتصم داخل مقر مسجل الأحزاب السياسية التي يرأسها ابن عمه نيابة عن المركز والحزب الحاكم، إصراراً منه علي ضرورة تسجيل الحركة تنظيماً سياسياً رغم جيشها الذي لم يتم دمجه في مؤسسات الدولة بسبب تعطيل تنفيذ الاتفاق بواسطة شريك المركز، وأن يتم التسجيل أسوةً بهذا الشريك والطرف الأول في اتفاق سلام دارفور، وأسوة به، لأنه أو حزب المؤتمر الوطني، يملك عشرات التشكيلات العسكرية وأن رئيسها هو القائد الأعلى للجيش السوداني، وله ما شاء الله من المجاهدين وجحافل الدفاع الشعبي والجنجويد، ورغم ذلك فهو الحزب المسجل الأول في السودان رغم مخالفته لنص المادة التي تم بموجبها حرمان حركة تحرير السودان من التسجيل، فالظلم في السودان في هذا الزمن الرخو يمشي مزهواً علي رجلين!! نعم هذه قضايا حيّة وحتمية ومقَّدسة وتتوجب التضحية لأجلها لدرجة أن نموت جميعناً لتحقيقها في مظاهرات أو مسيرات أو مواجهات عسكرية مباشرة. وهي بطولة تُشرفنا جميعاً السعي لها، وخطب وُدِّها كالحسناء التي تنتزع القلوب من الصدور عنوة!! أما البطولات الانصرافية والوهمية التي تسعى إليها بعض القيادات السياسية علي حساب القضايا المهمة والواجبة فلا طائل منها، والأمجاد لا تتحقق بشتم الحزب الشريك في الاتفاقية والحكومة في الليالي السياسية للأحزاب القديمة البالية من تحت أثواب السيدات الفضليات بنات السادة الأفاضل، تلك محض تجارة بور وقد جرَّبَها هذا الشعب من قبل مرَّاتٍ ومرات، ولا يُجرِّب المُجَرَّب إلاّ من به جَرَب.. ولو أن هذا النظام يسقط بهتاف في ليلة سياسية، أو من خلال مسيرة هزيلة مُرتجِفة ومُستسلِمة لقوات دَرَك النظام، بسبب عدم تعبيرها بوضوح عن هدف إستراتيجي واضح أو مصلحة لجماهير الثورة وقوي الهامش التي رزحت عهوداً عدداً تحت نير هؤلاء السادة والشرفاء وأسلافهم، وأندادهم من أصحاب العقائد المستوردة البائرة، بسبب فشلها في البلاد التي صُدَّرَتها إلينا، لو كان مثل هذا العمل الهزيل يُسقِط النظام لسقط هذا في العام1990م، ولكنه استمر وتمكَّنَ وتجبّرَ وتفرّعَن وقال أنا سيدكم للأبد.. هذا، وكان قريباً لي قد حلف متحدياً وواثقاُ كالنبي في مناسبة عامة، بإيمان غليظ، أنهم سيسلمون الحكم لعيسي، فسألته من عيسي هذا؟ قال لي عيسي المسيح(عليه السلام)!! استغربت لأمر الرجل، وكظمت غيظي، وأحزنني طول حكمهم الطاغي ولم انس لحظتها إيماني العميق بالله العظيم ولطفه، وكان ذلك في خواتيم العام 1999م ولم يمض علي تلك الواقعة التي فاجأني بها قريبي نائب الوالي شهرين حتى انفرط عقد الإنقاذ بالخلاف الشهير في رمضان ذلك العام الذي شطره نصفين، وطني ظل في الحكم يذيقنا الويل، وشعبي بقيادة المؤسس والمدّبر، خرج إثره إلي المعارضة يتربص بشقيقه قابيل!! قريبي الذي كان والياً بالإنابة وصاحب نظرية تسليم الحكم للمسيح عيسي ابن مريم البتول، هو الآن في القسم الاحتياطي من الإنقاذ، أو حزب المؤتمر الشعبي، ويساهم بقدر معلوم في مساعي الأحزاب القديمة للإطاحة بالنظام من خلال المسيرات السلمية، ويقيني أن مسيراتهم الهزيلة لن تقتل نملة، وما رَكَّع هذا النظام وأعاده صاغرا إلي رُشدِه غير الكفاح المسلح لأبناء الهامش السوداني الذي
انتح بكفاحه ونضاله هذا المناخ الذي يتحدث فيه الناس عن التظاهر كحق مضمون في صلب الدستور، وحرية التعبير كحق ضمن وثيقة الحقوق في الباب الثاني من دستور جمهورية السودان2005م، والمادة الوحيدة المُخزَّنة دسَّاً في قانون الإجراءات الجنائية لسنة1991م ولم تُحذف حتى الآن رغم بطلانها هي مادة شَرَّعها وصاغ نصها بإحكام، رئيس البرلمان السودان حينذاك، وعرّاب الإنقاذ، وهو إن شئت الدقة زعيم حزب المؤتمر الشعبي الآن، ومن يري ممثلها، زميلنا المحامي المحترم، وهو يتحدث صائحاً في الليالي السياسية للأحزاب الآن حول الحريات وضرورتها، يخيل إليك أنه هو من أوجد الحريات في الدستور الحالي، وانه لا علاقة له بالجهة التي زرعت المادة/127 في رحم قانون الإجراءات الجنائية لسنة1991م ليترعرع بعبعاً يؤرق مضجعه بعد عقدين من الزمان، ولكن حقيقة الأمر أن المؤتمرين، الوطني والشعبي، وجهان لعملة واحدة واسمان لتنظيم واحد، ورأيان في آن لتنظيم واحد، ومن غشَّنا ليس مِنَّا..
ظللت أتناول هذا الحديث مؤخراً وأُسهِبَ فيه، لتنبيه الرفاق بالمخاطر التي تحدِق بهم ولتنبيههم بسرب الصقور الذي يتربص لالتهام إنجازاتهم التي كاد فجرها أن يطلع.. أصيح في الرفاق، كل يومٍ ألف مرة اذكِّرهم، أن يا رفاق اجلسوا لتقييم ما جري في الأيام السالفة، وقلبِّوا الأمر علي وُجُوهِه، وهذا مهم جداً، المراجعة مهمة.. ويعرف أهمية مراجعة المسِير من جَرَّبَ السفر في البيدِ الفيافي، فلابُدَّ، لأجل الوصول بالركب إلي المنتهي، ولأجل إرساء سفينة الثورة علي جودي الهدف، أن نترفق الخطو، وإن في السرعة الندامة، فلتكن دعوتي الأخيرة هذه هي لمراجعة المسير لمعرفة المبتغي من كل الذي نحن فيه، وذلك مع وافر تقديري وشكري.
ولفائدة القراء، ولأنني عندما بدأت كتابة هذه المادة، قصدتها أكاديمية ومهنية، ولكن سرعان ما انحرف قلمي إلي غير ذلك، خاصة وأنني قد تلقيت مكالمات عديدة حول مسيرة اليوم، الاثنين/14/12/2009م وأن من ضمن المُعتقلين بسببها بعض قيادات حركة تحرير السودان، فانحرف مزاج الكتابة من المهنية الصِِِرفة إلي ما هو معلوم عنَّا بالضرورة، من تسمية الأشياء بأسمائها المُجرَّدة دون ألقاب تُضفي، فنتج هذا الجهد المتواضع والمباشر، بمعني انه يُرضِي البعض حتى الثمالة ويرفضه البعض الآخر جداً..
في الجزء المهني والقانوني، والتزاماً بعنوان المقال، أورد أدناه النصوص التي تعالِج المسيرات والمواكب السلمية في التشريعات السودانية، فهي ثلاثة نصوص تشريعية: أولها، وأساسها وحجر زاويتها، هي نصوص وثيقة الحقوق في الباب الثاني من الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لسنة2005م بالتركيز علي المادتين(39 و40)، وثانيها هي: المادة(25) من قانون الأحزاب السياسية لسنة 2007م وقد جاءت متسقة مع، وموائمة لوثيقة الحقوق في العهد الأعظم أو الدستور.. وثالثة الأثافي، هي المادة الباطلة لمخالفتها لوثيقة الحقوق في دستور2005م وهي مادة يجب أن تحذف من قانون الإجراءات الجنائية منذ العام 2005م لأنها وضعت في عهد الشمولية والقمع وبيوت الأشباح في زمن الإنقاذ الأول، لأنها مادة ينكرها الآن من قننها وأجازها وشرّعها واستخدمها في حرب خصومه، فهو الآن يصيح: كفي احذفوه..فهي مادة باطلة لأنها تناسب وقتها في بدايات العقد الأخير من الألفية السابقة. بينما لهذه الألفية أهدافها الخاصة مدرستها الفكرية المختلفة عن سابقتها، وكذلك منهج مختلف..كنت أكون سعيداً لو أن، السيد/ نقيب المحامين السودانيين قال هذا الكلام نيابة عنِّي في مناظرته مع فاقان أموم والأفندي علي قناة الجزيرة، ولكنه بدلاً من الانتصار للقانون وحكمه، آثر الدفاع عن حزبه صاحب هذه المادة المُخزنة في قانون ساري، بغرض استخدامه وقت الحاجة، لقمع الأحرار بالمخالفة للدستور، ولكن ذلك لا يجعل المادة صالحة، بل يزيد من بطلانها الثابت بالدستور!!.. فقد جاء الدفاع عن هذه المادة من نقيب المحاميين السودانيين خصماً علي واجبه المقدس لالتزام حكم القانون وهيبة ومهنية نقابة المحامين كمؤسسة نقابية فريدة يجب عليها دوماً التزام المهنية والحياد، وينصّب واجبها الأكبر في حماية الدستور والقانون والمؤسسات الدستورية بالحق والقسط والعدل.. ولكن النقيب قد بدَّد وقته في الدفاع عن مادة غابرة، هي صوت من الماضي السحيق، والبغيض في وجدان الشعب.. وفي ذات الوقت أظهر النقيب الهمام رفضه الواضح للظلم والتهميش، ويأبى أن تؤكل حقوقه بالباطل، وظهر ذلك في تصديه الحكيم لمذيعة قناة الجزيرة، عندما اتهمها بأدب جميل بعدم العدالة في توزيع الفرص بينه وبين فاقان أموم!! لعَّل الفائدة الوحيدة لهذه المناظرة المُضلِلة، هي أنها جعلت أستاذنا الموقر نقيب المحامين السودانيين يشعر بمرارة الظلم والتمييز والتهميش والإقصاء وسوء القسمة، ونحن معه ونناصره ضد أي ظلم بلا قيود: إن الفرص، يجب أن تُقَسَّمَ بعدالة!!
هناك ثلاثة نصوص تشريعية تحكم الخروج في المواكب والمسيرات في السودان، واحدة منها نص دستوري عام ملزم للكافة، والبقية نصوص قانونية جاءت لتفصل وتنظم وترسم خارطة الطريق لممارسة الحق المثبت في الدستور، وأيضاً يجب أن يعلم الجميع وبالأخص قناة الجزيرة التي لا فكاك لنا منها، ما دُمنا عرباً غصباً عنَّا، ودولتنا عربية فرضاً وكُرهاً، هذه القناة التي عُرِفت بانحيازها التام لجهة السودان القديم ذات الهوية العربية المزعومة، أن القوانين التي كانت سائدة قبل دستور2005م، وخاصة تلك المخالفة ل (وثيقة الحقوق) المضمنة في الفصل الثاني من الدستور، المواد من (27) وحتى(48) هي قوانين ونصوص قانونية باطلة، لمخالفتها الدستور الحالي 2005م، والباطل لا يُحكم به.. لذلك، علي قناة الجزيرة عدم مناصرة الطرف الباغي بتكريس بغيه وإظهاره حقاً أبلجا، وإضفاء المشروعية علي عدوانه الباغي وإجرامه بجعل السؤال الخطأ عنواناً لبرامجها المشهودة، ويقتضي ذلك المزيد من الإطلاع علي الواقع القانوني السوداني قبل الخوض الجامح في مصير أمَّة ظلت تُظلم وتُقمَع بمعاونة ثقافات جُبِِلت علي مناصرة الحاكم الظالم طوال تاريخها.
ولفائدة جمهور القراء أورد أدناه النصوص الثلاثة:
- دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005م:
المادة(39) حرية التعبير والإعلام: وتقرأ (39/1: لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلي الصحافة دون المساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة، وذلك وفقا لما يحدده القانون،2/ تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقا لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي )
المادة: (40) حرية التجمع والتنظيم: وتقرأ(40/1: يُكفل الحق في التجمع السلمي، ولكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين، بما في ذلك الحق في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات الاتحادات المهنية)
قانون الأحزاب السياسية لسنة 2007م:
المادة(25) تقرأ : (25/2: يكون للأحزاب السياسية الحق في عقد الاجتماعات الداخلية وإقامة الأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية والرياضية وتسيير المواكب السلمية وفقا لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي )
قانون الإجراءات الجنائية لسنة1991م:
المادة(127)تنظيم المواكب والتجمعات وتقرأ:(127 يجوز لأي وال أو معتمد في حدود دائرة اختصاصه أن يصدر أمراً يحظر أو يقيد أو ينظم بموجبه أي اجتماع أو تجمهر أو موكب في الطرق أو الأماكن العامة مما يحتمل أن يؤدى إلى الإخلال بالسلام العام.) ..أنتهي..
abdelaziz sam [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.