الخرطوم:حسين سعد رحل عنا يوم الجمعة الموافق 21 أغسطس 2015م المناضل الجسور يوسف أحمد المصطفي بعد مسيرة حياة حافلة بالبذل والعطاء والتضحيات،(عمي يوسف) والذي سبق وان أجريت معه حوار صحفي لصالح صحيفة الايام قبل سنوات قليلة مضت بمنزله بقرية صراصر بالجزيرة كان يحمل هم مشروع الجزيرة،وكانت عبارات الاسي تخرج متقطعة عند حديثه لواقع الحال بالمشروع ويردد(أين كنا والي اين وصلنا اليوم) من المحرر هذا الحديث وقتها دفعني لاستعادة زكريات غناء مصطفي سيد احمد برائعة الشاعر الراحل المقيم محمد الحسن سالم حميد :عم عبد الرحيم التي يقول فيها(وأرضك راقدي بور لاتيراب وصل ..ولا بابور يدور) (عمي يوسف) ورفيقه دربه ونضالنا قائدنا شيخ الامين كانوا اول من (وضعوا ساس) حركة المزارعين (طوبة طوبة) وطافوا علي القري والتفاتيش (ترعة ترعة وحواشة حواشة) تعرض (عمي يوسف) للسجن والاعتقال والتشريد والمحاكمات حيث كان السجين رقم (161) في حادثة عنبر جودة، وبالرغم من تلك الاهوال والمحاكمات الكيدية والاعتقالات التي لم تتوقف الا ان (عمي يوسف) كان كالجبل صامداً في وجه الطغاة، مدافعاً عن أوجاع المزارعين حتي أصبح عنواناً للصمود والجسارةولم يتوقف عن النضال حتي رحيله.وفي قريتنا بالجزيرة وعندما كانت حركة المزارعيين (تهز وترز) كان اعمامي وكبار رجال قريتنا يتحدثون عن جسارة (شيخ الامين ويوسف احمد المصطفي) الذين يستحقوا ان نغني لهم كما تغني (عود الصندل) مصطفي سيد سميت المدن النايمة المدن التصحى فى حين تترجى خطى العمال اصوات الفلاحين دخل(عمي يوسف) مسيرة النضال والعمل الثوري وطوي مراحله المختلفة،وكان وفياً وشجاعاً تذوق مرارة الحياة أشكالا، لكنه لم يهدء من نضاله ثانية واحدة ومر بالسجون مرات وعانى مضايقات الاعداء بكافة ألوانها لكنه صمد مقدماً نموزجاً باهراً ورمزا في النضال والصمود. اليوم نحن لانبكي(عمي يوسف)بل نقول له كما قال شاعر الشعب محجوب شريف تبكيك الحروف كيف والبيوت مفجوعه كم ناحن قماري تئن عليك موجوعهقوقاين كتم اصواتو مو مسموعهكان دخري الغلابه ولقمتن في الجوعهكان حواشه بالخير لي الضعاف مزروعهكان جزلان عديمه ولي ضلامه شموعهيدي الفي ايدو منها يلقي لحسة كوعهماشفت البشيعوا والبتبكي جموعهبي وسع البلد ضاق بينا ياخي ربوعهمن يات فج وفج الناس دي جات مدفوعهمافضل نفر الا الكسرت ضلوعه(عمي يوسف) لن يموت فهو حاضر في كل بيان لتحالف المزارعين وهو حاضر في حواشات الجزيرة وقراها وكنابيها ومدارسها وأسواقها وميادين كرة القدم وحاضر في فيافي دارفور وجبال النوبة الشامخة وشرقنا الغالي وخيران النيل الازرق. (عمي يوسف) نقول له كما قال قاسم أبوزيد: سائلين عنك يوماتي طوريتك في الطين مرميةوكوريتك يابسة ومجدوعة اللهب الضوى الليل قناديل التعب المد ضراع النيل سجادة فقراء مزاورية أطفال عمال ومزارعيةكيف حال يا أبوي كيف حال يا خالويقول الصحفي المختص بقضايا الجزيرة حسن وراق انه عقب الاضراب الشهير عن زراعة القطن عام 1946 وضد الشركة الزراعية توطدت العلاقه بين يوسف و شيخ الامين ،وشهد متجر يوسف بطابت والذي اصبح مركزا فيما بعد لميلاد فكرة تكوين حركة المزارعين الثورية والتي كان من مؤسسيها مع كل من,شيخ الامين محمد الامين والذي كان عضو بمجلس ريفي الحصاحيصا وعبدالرحمن الماحي والطيب الدابي وآخرين . قامت مجموعتهم هذه بصياغة البيان التأسيسي(المنفستو) لوحدة المزارعين و كان ممهورا بتوقيع شيخ الامين في حين تولي الطيب محمد شقيق شيخ الامين الاتصال بالاستاذ الصحفي عبدالله رجب من جريدة الصراحة. والذي قام بطباعة اربعة الف نسخة من البيان وتم توزيعه علي المزارعين وبعد ذلك بدأت حركة الطواف علي القري والاقسام والمكاتب للقاء المزارعين وشرح ما جاء في البيان من ضرورة وحدة المزارعين عبر لجان اعدت خصيصا لهذا الغرض الي ان تم تتويج هذا العمل الجبار بعقد مؤتمر جامع عام 1953 في قرية ام عضام لتكوين اول اتحاد للمزارعين و حضر هذا المؤتمر ولاول مرة مزارعين من القسم الشمالي والجنوبي وبدات بعد ذلك عمليات الطواف علي المزارعين من اجل تجميع وتوحيد اكبر عدد من المزارعين حول فكرة الاتحاد وبدا الترويج لذلك عبر البيانات والصحف والاجتماعات الي ان تم عقد مؤتمر وادمدني والذي حضره اكثر من 700عضوا في عام 1953 حيث تم تكوين اول لجنة تنفيذية من 25 عضوا برئاسة شيخ الامين وسكرتارية يوسف احمد المصطفي وعباس دفع الله من مكتب درويش امينا للخزينة. ونشطت مجموعة متخاذلة بتنفيذ مؤامرات عديدة ضد حركة المزارعيين وقامت بالاتصال بالحاكم العام للفت نظره بان ما يتم من حراك وسط المزارعين ما هو إلا محاولات تخريبية يقوم بها الشيوعيون واستطاعت هذه المجموعة التأثير علي الحاكم العام الذي اصدر بيانا تحذيريا للمزارعين منعهم فيه من مجرد التفكير في الحضور الي الخرطوم . تم اصدار الاوامر باستعمال القوة و الضرب في (المليان) في بيان يذاع علي الاثير بصورة متكررة اثناء ساعات البث الإذاعي.وفي صبيحة يوم 29 ديسمبر 1953 تحرك المزارعون بنحو مائة عربة لوري دفعة واحدة غير اولئك الذين سافروا من جميع أنحاء المشروع تجاه الخرطوم ليقدر عددهم الكلي ب 25 الف رغم تحذيرات الراديو كانت جموع المزارعين تحتل الميدان في انتظار المواجهة وفي غاية الحذر لدرجة أنهم رفضوا تناول الطعام الذي حمله لهم المواطنون تحسبا أن تكون أجهزة الامن التابعة للحاكم العام قد دست لهم السم في الطعام.ويضيف يوسف انهم في القيادة ولتمويه السلطات الامنية قاموا باستغلال القطار الي الخرطوم حتي محطة سوبا وهنالك كانت عربة في انتظارهم اقلتهم الي أم درمان بتوجيه من قيادة الحزب الشيوعي بينما عسكر المزارعون في ميدان عبدالمنعم والذي كان يعرف بموقف 3، وقال انهم امضوا طيلة ذاك اليوم في ام درمان في نقاش لوضع الخطط والتدابير لمجابهة كافة الاحتمالات تحت اشراف مباشر من قبل (الشهيد) الشفيع أحمد الشيخ ومحمد سلام والذان كانا في حالة استنفار دائم حتي صبيحة اليوم التالي بينما كانت جموع المزارعين تحتل الميدان في انتظار المواجهة وفي غاية الحذر لدرجة أنهم رفضوا تناول الطعام الذي حمله لهم المواطنون تحسبا أن تكون أجهزة الامن التابعة للحاكم العام قد دست لهم السم في الطعام.وأضاف أصدر مدير مديرية الخرطوم توجيهاته بضرب المزارعين فتصدي له أحد الضباط من أبناء القطينة ويدعي مهدي مصطفي وأبطل قرار مدير المديرية. قامت السلطات بإرسال السيد سليمان أكرت لمقابلة المزارعين بأن ينتدبوا 5 اشخاص لمقابلة السكرتير الاداري ، رفضت القيادة هذا العرض ورضخت السلطات لطلب اللجنة وهو مقابلة جميع اعضاء . واشار الي حدوث مشادة بين شيخ الامين والسكرتير الاداري الذي أعاب علي شيخ الامين الخروج علي الديمقراطية وعدم اشراك بقية قيادات المزارعين الموالين للاستعمار لكن رد شيخ الامين كان قوياً وقال الامين للسكرتير الاداري: اين كانت هذه الديمقراطية التي تتحدثون عنها الآن وأنتم تستعمرون بلداً كاملا كالسودان إننا كسودانيين لم نختار الاستعمار ولم نختاركم مستعمرينا، وقتها لم يجد لم يجد السكرتير الاداري غير الاعتراف بوحدة المزارعين و قياداتهم العملاقة. وعند إنفضاض الاجتماع تم تبليغ المزارعين بالانتصار الذي تحقق علي أيدي قيادتهم بإنتزاع الحق في التنظيم وحل هيئة شئون المزارعين ليشتعل الميدان بالهتافات والتهليل والتكبير وكان مشهداً فوق التصور خاصة عندما تحركت اللواري التي كانت تحمل جموع المزارعيين في مشهد ملحمي يجسد النصر في أبهي صوره ولا يزال بعض أهل الخرطوم 3 يذكرون سحابة الغبار العالقة التي خلفتها حركة اللواري.وفي العام 1955 قامت اول إنتخابات للمزارعين فاز فيها كل مرشحي حركة المزارعين الثورية واصبح بذلك شيخ الامين رئيسا ويوسف احمد المصطفي سكرتيرا و عباس دفع الله أمينا للخزينة (المال) . لم تستمر هذه اللجنة عاما واحدا حتي تآمرت عليها الاحزاب وحكومة ( يحي الفضلي) واسقطتها ، هذا التآمر ارتبط بأحداث عنبر جودة والذي قامت فيه الحكومة الوطنية والتي لم تمض اسابيع علي تكوينها في فبرائر 1956 لتتصدي للمزارعين في كوستي وهم يطالبون بحقوقهم لتقوم السلطات بإطلاق النار عليهم وتردي 25 منهم قتيل ويزج بالباقين في أحد العنابر بجودة ليموت عددا منهم وهم حوالي 219 بالاختناق لينفجر الموقف وتحدث معارضة قوية ضد الحكومة والتي بدأت في حملة إعتقالات واسعة شملت بعض قيادات اللجنة التنفيذية ، شيخ الامين محمد الامين ويوسف احمد المصطفي،حيث اجتمعت اللجنة التنفيذية اثناء وجودهم بالمعتقل وأوكلت مهمة قيادة الاتحاد في 17/5/1956 الي السيد جابر عثمان رئيسا مناوبا مكلفا بمهام شيخ الامين والسيد أحمد علي الحاج سكرتيرا مناوبا لشخصي بالاضافة الي بابكر دكين لأمانة المال.وأضاف يوسف انهم طوال فترة الحكم العسكري الاول ( حكم عبود ) كانوا يقودوا عمل سري علي الصعيدين السياسي والنقابي الذي يقودحركة المزارعين بالجزيرة .مشيرا الي انهم في العام 1963 قاموا بتحريض المزارعين بالاضراب عن لقيط القطن وطالبوا بتمثيل المزارعين في مجلس الادارة وضم عملية قليع القطن للحساب المشترك ورفع نسبة نصيب المزارعين في الشراكة من 46% الي 48% لتقوم حكومة عبود بإعتقال شيخ الامين وبقية القيادات وعندما أصبح الاضراب عن لقيط القطن واقعا لا محالة منه أذعنت الحكومة مؤخرا لمطالبهم وتم إطلاق سراح المعتقلين و أصر المزارعون علي أن يخاطبهم شيخ الامين شخصيا وبالفعل وافقت الحكومة تحت الضغط والاصرار لنقوم بتوفير عربة عليها مكبرات الصوت لشيخ الامين والذي طاف علي المزارعين واعلن لهم موافقة الحكومة علي تحقيق مطالبهم ليتم رفع الاضراب . في العام 1964 أجريت إنتخابات عامة للمزارعين فاز فيها بجدارة شيخ الامين بالرئاسة وشخصي في السكرتارية وحمدالنيل دفع الله أمينا للمال ونظرا لدور هذا الاتحاد في ثورة أكتوبر تم إختيار شيخ الامين وزيرا للصحة في حكومة أكتوبر ،وحول الانجازات التي حققتها حركة المزارعين في القيادة التاريخية للمزارعيين يقول يوسف المصطفي انهم إنتزعوا الحق الديمقراطي بتكوين إتحاد المزارعين وتمثيل اتحادهم في مجلس إدارة المشروع وتكثيف وتنويع التركيبة المحصولية والتوسع في زراعة القمح والتي كانت محدودة وتعديل الحساب المشترك بإدخال بعض العمليات التي كانت تقع علي عاتق المزارع مثل (قليع ) القطن ورفع نصيب المزارع في الحساب المشترك وإدخال محصول الفول والبستنة ووضع العديد من دراسات الجدوي لجعل المشروع وحدة انتاجية متكاملة بإدخال التصنيع الزراعي والانتاج الحيواني الميكنة لرفع الانتاجية وتنشيط الحركة التعاونية وسط المزارعين بداية وإدخال ولاول مرة الحاصدات الزراعية وقشارات الفول وقيام مطحن دقيق قوز كبرو ومصانع الزيوت وبناء قاعدة متينة لصناعة الغزل والنسيج . (عمي يوسف) ونحن اذا نودعه نقول له كما قال شاعر الشعب محجوب الشريف: يا والداً أحبنا--يا من وهبت قلبنا--ثباتك الأصيلا--إليك رغم أنف كل بندقية--إليك الحب والسلام والتحية. يابا مع السلامة يا سكة سلامة---في الحزن المطير--يا كالنخلة هامة--قامة واستقامة--هيبة مع البساطة--اصدق ما يكون-- ابواب المدينة بتسلم عليك--والشارع يتاوق يتنفس هواك--يا حليلك حليلك يا حليل الحكاوي--تتونس كانك يوم ما كنت ناوي -والروح السماوي والحب الكبير. (عمي يوسف) أرقد بسلام ومطمئناً فنحن نقول لك وبالصوت العالي (ماشين في السكة نمد من سيرتك للجايين) عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.