استهان بعض المحبطين من قبل عندما كتبت في أكثر من مقال أنّ الثورة الحقيقية يصنعها الوعي بالظلم ومن ثمّ إزالته. وقلت إنّ الأكثرية في الهامش بجهات السودان الأربع وفي وسط البلاد هم من سيقلبون موازين اللعبة..وقريباً. إن كل الثورات في عالمنا المعاصر أخذت وتأخذ بلورتها ونضجها الحقيقي من الهامش ذي التعداد السكاني الضخم ، الهامش مسلوب الحقوقوالمشبع بالغبن! وهذا ما يجعل نظام القتلة في الخرطوم يرتعد حين يرى شباب وشيوخ المناصيرفي الشمال النيلي يرفضون ملهاة السدود التي شيدت لتبتلع أراضيهم دون وجه حق. وحين انتفضوا قابلهم نظام الإنقاذ الفاشي بوحشية أدت لاستشهاد البعض ومن بينهم صبي في الرابعة عشرة. لكن انتفاضة المناصير لم تنته، لأنّ شعبنا هناك تسلح بالوعي. وحيث يكون الوعي تكون الثورة على الظلم. عاش النظام الدموي الحالي وما يزال يعيش على سياسة استعمارية قديمة،سياسة (فرّق تسد)! وللعلم فهي أهم قاعدة لنظرية العزل العنصري. ولعل أكثر البيئات صلاحية لها في السودان تلك المناطق الرعوية حيث ينشأ النظام الاجتماعي على القبيلة بفروعها العديدة وحيث يكون انتماء المرء للقبيلة قبل انتمائه للوطن العريض! فطن الإسلامويون لتركيبة البنية الاجتماعية الرعوية الهشة، فكان سعيهم الدائب لعقدين من الزمان في تمزيق النسيج الاجتماعيلدارفور: التحريض المستمر بالوهم الذي يعرف بالزرقة والعرب ثم استخدامالنظام القمعي لآلته الحربية التي لا يجرؤ على استخدامها ضد أجنبي يحتل أطراف السودان نهاراً جهاراً ، بل يستخدمها في حرب الإبادة في دار فور وجبال النوبة والأنقسنا. يزداد الوعي كلما ازداد الظلم وزادت عنصرية النظام في إذكاء التفرقة وتمزيق النسيج الاجتماعي لعشائر تتماسك لحمتها وتقوى بنية مجتمعها بفعل نور العلم وثورة المعلومات التي قربت المسافات بين أركان عالمنا حتى صار كوكبنا قرية كونية.(global village) ولعلي أختم ما بدأت من حديث الوعي وصناعة الثورات بشيء من التحريض لشباب المنطقة التي أنجبتني! وأقول "التحريض" بملء الفم ، لأنّ الكتابة التي لا تحرّض على الحق والثورة هي مجرد إضاعة للوقت! تنادى عدد كبير من شباب جنوب وغرب كردفان- تضمهم مجموعة في الواتسابGroup تعرف باسم (السبندية) – وهي مِرْود يُحمَي في النار للكيْ- تنادواإلى تدارك خطر أضرار البيئة والتي لعبت شركات النفط العاملة هناك نصيباً وافراً فيها دون مراعاة لحياة الإنسان والحيوان! والحكومة عاملة (أضان الحامل طرشا). إنّ من نافلة القول أن نشير إلى أنّ "السبندية" موقع يجمع شباب تلك المنطقة على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم السياسية. هدفهم تمتين العلاقات بين أركان مجتمعهم والدفاع عن مصالح أهلهم. تتوزع عضوية هذا الموقع بين مقيمين داخل الوطن وآخرين ضمتهم المهاجر. الفكرة من حيث هي تقوم بها فئات اجتماعية كثيرة في أنحاء السودان المختلفة، وهي شكل من أشكال الوعي والتكافل الاجتماعي في الهامش العريض لشعبنا. أهمية المنطقة التي أشرت إليها أنها تضم حوالي 90% من نفط السودان، لكن مواطنيها آخر من يستفيد من هذه الثروة التي تسيل تحت أقدامهم. والخطورة تعدي شركات النفط على البيئة مما دفع هؤلاء الشباب للتصدّي لهذا الخطر الكبير والذي يتهدد المواطنين ومواشيهم والتربة التي يعيشون عليها. وقد كونوا لجنة ضمت مختلف الخبرات لرفع عريضة لرأس الدولة وتسليم نسخ منها بعد ترجمتها للغتين الإنجليزية والفرنسية للجهات المختصة ولمنظمات حماية البيئة التابعة للأمم المتحدة بعد إقامة مؤتمر صحفي لكل وسائط الإعلام وشرح أهمية مثل هذه الخطوة وما دعاهم إليها. تحوي العريضة التي قرأت ملخصاً لها شرحاً دقيقاً للجغراقيا البشرية ولطبيعة المنطقة الغنية بمواردها وحيوانها وكيف أنّ الشركات العاملة في النفط قامت بابتذال البيئة وإتلافها وإلحاق الضرر بالإنسان والحيوان. هنالك إحصاءات علمية دقيقة لكمية الضرر الجسيم الذي لحق بالإنسان والبيئة. وتطمع مجموعة شباب المنطقة لكسب تعاطف محلي وعالمي معهم لدرء الخطر عن المنطقة قبل دمار الإنسان والبيئة لحد الكارثة. بل يحذر بعضهم الدولة وشركات النفط من الالتفاف حول هذا النداء الوطني والإنساني الهام. فالمسألة يمكن أن تعبر حدود السودان بكل سهولة وتدخل ردهات القانون الدولي ودون خوف أو التفات لأحد أياً كان !! قلت في صدر هذا المقال أنّ لعبة (فرّقْ تسُدْ) العنصرية والتي يقوم بها النظام في تمزيق النسيج الاجتماعي في كثير من بقاع وطننا السودان ، وفي غرب البلاد بصفة خاصة ، في طريقها إلى الزوال جراء الوعي الذي نعمت بهالأجيال الجديدة والذي نراهن عليه لخلق الثورة الشعبية القادمة لا محالة..وبناء بلد يقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات. إنه وطن أراه بعين قلبي، حيث الاعتراف بالآخر والمساواة تحت مظلة دولة القانون .. والتي بدونها لن يكون هناك وطن ! فضيلي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.