تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الهُوية عند مالكوم إكس .. بقلم: بشير بحر/ إسلام آباد
نشر في سودانيل يوم 04 - 02 - 2016

في هذا الشهر (فبراير) وما سيوافقه من الحادي والعشرين تمر علينا ذكرى القائد الفذ وداعية الحقوق المدنية وبالأحرى الإنسانية – كما كان يحب - Human Rights المصلح الأمريكي الثوري المسلم/ مالكوم إكس، والذي يعتبر أحد الأركان الثابتة التي لا يمكن تجاوزها في عِداد النضال من أجل نيل السود الأمريكيين حقوقهم الإنسانية.
كل هذه الأوصاف القيمة التي قد يطول ذكرها يستحقها مالكوم بل وأكثر! من ذلك، وهو ما قد يلحظه القارئ لسيرته أو المستمع لمحاضراته وبتأمل أنه كان مصدر إلهام فريد حتى عن دعاة الحقوق المدنية السود، وليس إلا في مقدمة طلعتهم رفيق نضاله القائد مارتن لوثر كنج.
لكلا القائدان طريقة مغايرة وخاصة في المناداة بحقوق السود، أسّها أنّ مالكوم كان يرى ضرورة الأخذ بأي طريقة ووسيلة ممكنة BY ANY MEANS NECESSARY وجعل ذلك شعاره فقال: OUR MODEL وكانت دعوته تمثّل قمة النّدية والتحدى الذي كان لا يمكن أن يتصوره مراقب في تلك اللحظات الحالكة من تاريخ أمريكا الضارب في التيه والعنصرية المقيتة.
وبالمقابل فإن مارتن لوثر كنج كان سياقه المطالبي يكمن في الدعوة السلمية واتساعها لكل الأمريكيين الأحرار، بيضاً كانوا أو سوداً، وهنا قد يتلمس القارئ بحق مدى الفرق والفهم الواسع للقائدين الثوريين.
عندي أنّ مراحل تاريخ نضال السود قد يكون القائد مارتن فيه متقدماً – ابتداءً – على مالكوم في أنه لم يختبئ في لونه جلده والتي تتطلب حصر مساحة المطالبة بعرقية معينة، وإنما كانت رؤيته متقدمة في هذا الجانب تحديداً، بيد أن مالكوم كان يحصر نداء المطالبي في السود وليس إلا السود.
المبهر فيما يتصل بهذه النقطة أن مالكوم مسلم فكان حري به أن لا يتقوقع في المعيار اللوني للإنسان، فمبادئ الإسلام لا تقر له ذلك! والسؤال لما لم يتحرر من هذا المفهوم المنحرف؟
الجواب هو، أن مالكوم دخل الإسلام على أساس فهم القائد أليجا محمد الذي كان يرى أن البيض شياطين! وهكذا أخذت هذا المفهوم المغلوط والذي لا أساس لها من فكر ووقت مالكوم الكثير الكثير حتى اهتدي في نهاية أمره إلى تخطئة أليجا في فكره وبالتالي الانعتاق إلى رحاب الحياة.
والمدهش أيضاً أن مارتن قد كان مسيحياً، ومَن كانوا يضطهدون السود يشاركونه الديانة، منهم على سبيل المثالث لا الحصر، جماعة كو كلوكس كلان التي تؤمن بتفوق البيض وتتخذ من صورة الصليب المحروق شعاراً لها لنشر الرعب.
ورغم ذلك كله نجد أن مارتن قد رفس هذا الضغط البيئي المتخندق في دباغة الجلود بالأبيض أو الأسود ونأ بحراكه عن نتنها وكم كان عظيماً في ذلك. بيد أنّ من كان يتصور منه (مالكوم) أن يكون ممن يأخذ بزمام المبادرة في دفن حفرة الدباغة إلى الأبد، إذا به ينال من وبرها ووسخها ونتنها الكثير مما صاحبه طيلة عمره إلا قليلاً.
نعم! فلسفة مالكوم كان تشي أن المضطهدِين الظالمين Oppressors لا يفهمون لغة السِّلم ولا السَّلام وعليه دعا السود إلى تعلم اللُّغة التي يفهموها البيض حتى يخاطبوهم بها.
مارتن كان يحلم بالتغيير I HAVE A DREAM ، ومالكوم كان ينشده أيضاً There has to be a change ، إذاً كلا التغيران كانا حاضران أمام طاولة السُّلطان! وكأنّ لسان حالهما كان يقرر: إما مالكوم To be armed أو مارتن NONVIOLENT فأي الفريقان أحق بالتفاوض! وتبقى الطاولة هي [الحكم] وحمّالة أوجه منها: الجلوس أو الطوفان! مما كان يخشاه الأمريكان.
في الكتابة أو القراءة أو حتى الاستماع إلى مالكوم، يستمتع المرء [لمن له إلمام بالإنجليزية] بحق ما كان يدور في فترة الخمسينيات إلى السبعينيات في المجتمع الأمريكي من غليان اجتماعي صارت ذكراه مؤرقة وبقت تحفها المتحاف القومية لتستفيد منها الأجيال.
أمريكا طوت في الكثير من الجوانب الاجتماعية الإحن والمحن التي كانت تمثّل ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ولكن وللأسف الشديد مازالت إفريقيا هي إفريقيا الستينيات فإلى متى الساقية تدور.
تنبيهان:
الأول: كنت قد كتبت الرسالة وخططّها لأهل النوبة بصفة خاصة! ثم بدر لي أن الموضوع ليس موضوع نوبة أو غيرهم! وعليه استللت كل كلمة هنالك تخص شبابهم أو قادتهم وعممتها بما يوافق ومنهج الرسالة التي رأيتها في مسيرة القائد مالكوم إكس أو حتى لوثر كنج.
الثاني: عنوان الموضوع: هو عنوان لرسالة كتبتها على عجلٍ! وعلى غرار قصة على القارئ أن يقرأ مضامينها في باب [دراسات وبحوث] من هذا الموقع المميز بحق (سودانايل) ولن يجدها القارئ إلا هنا، وأطلب من الجميع أن يقوموا بتحميل الرسالة وبعثها إلى مَن هم أحوج إليها خاصة فئة الشباب ومريدي التعايش السلمي أينما كانوا وحلوا.
....
تنبيهان:
الأول: ما قد يجده القراء من ملاحظات أرجو موافاتي بها في بريدي الإلكتروني وأكن شاكراً لهم على ما يسدونه لي بكل ترحاب
الثاني: استسمح القارئ لتسطير خاطرة هنا خطرت فكتبتها وهي:
بنُو إسرائيل تاهو ستين سنةً ... ومازال قومنا في التيه سائرين
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

صراع الهُوية عند مالكوم إكس .. إعداد: بشير بحر
الإِهداء
إلى مَن أحبهم
أخي العزير:
محمد بلّه
وفلذة كبدي:
نسيبة بشير
بين يدي الرسالة
كثيراً ما كنت ألتقى أخي محمد بله في عمارة الحرية بأمدرمان، مرة نتحدث عن مدينة الدويم وما فيها من جمال ونفر كريم، ومرات نتناقش عن ما أصاب قادتنا من حال بئيس لا يترآى فيه إلا فقدان روح المسؤولية والسماحة التي كانت تميز إنساننا.
وفي ذات مرّة أصرّ عليّ أنْ أقرأ كتاب مالكوم إكس Malcolm X (1) فلم أعاره أُذناً صاغية وذلك لسببين هما: أولاً، أني منشغل بكتابة بحث آخر، وثانياً، كنت لا أرغب في قراءة الكتاب، وذلك لأنّ تصوري عن جماعة أمة الإسلام الأمريكية(2) كان يشوبه فكرة سالبة تجاه الجماعة نفسها.
ظل أخي محمد يكرِّر رجاءه عليّ بضرورة قراءة الكتاب، وأكد أنه سيكون سبباً في تغيير مسلّمات لديَّ، ليس عن جماعة أمة الإسلام فحسب، بل عن مبادئ واقعية مما أسير عليها، هكذا أذكر عباراته جيداً، وذات يوم وأنا أتردد عليه أخذت منه الكتاب وذهبت به إلى البيت ولم أقرأه أبداً!
والحالة هذه فقد أخذته يدٌ أخرى لم تتركه إلا على مضض، كانت تلك اليد هي إرادة بنتي التي عكفت على قرأته بنهمٍ شديد، وعند قرب سفري صار صعب عليّ قطع استغراقها المعرفي، فاضطرت إلى أخذ الكتاب في غيابها وأرجعته لأخي محمد، فعلت ذلك وكأن لم يكنْ شئ قد كان! وعندما رجعت وكعادتها هرعت إلى الكتاب ولم تجدْه، فصارت حزينة وكأن لسان حالها يقول: لم أخذت الكتاب؟ لِمَ لمْ أعلمْها؟
......
(1)اسم الكتاب: الزعيم الشهيد لمسلمي أمريكا السود، سيرة ذاتية كما رواها كاتب الجزور، إليكس هيلي، ترجمة د.أحمد عبدالرحمن.
(2) تعتبر أمة الإسلام (بالإنجليزية: Nation of Islam) في الولايات المتحدة الأمريكية إحدى المنظمات أو المؤسسات أو القوى الفاعلة في صفوف السود الأمريكيين، وتكاد تكون أكثرهم نفوذا بما تملكه من تنظيم وإدارة فاعلة بين المسلمين السود. منظمة أمة الإسلام تعتبر القوة الأكبر في صفوف المسلمين السود وإن لم تتوافر معلومات شاملة عن عددهم، تبنت هذه المنظمة الإسلام بمفاهيم خاطئة،=
غلبت عليها الروح العنصرية، وأطلق عليها اسم أمة الإسلام، أسست سنة 1930 على يد رجل أسود غامض الأصل اسمه والاس فرد محمد ظهر في ديترويت سنة 1929 ثم اختفى كما ظهر فجأة، وحمل لواء الحركة بعده رجل اسمه إليجا محمد وعلى يديه تأصلت البدع والانحرافات في عقيدة هذه المنظمة. للزيادة انظر: /https://ar.wikipedia.org/wiki
رجعتُ إلى إسلام آباد وشرعت أستمع إلى المحاضرات العديدة لمالكوم -غير المترجمة- والتي قد وضعت على محرك البحث على اليوتيوب، التي ألقيت في مناسبات عديدة ودول مختلفة، وكنت أستمع إلى الشريط الواحد أكثر من مرة.
وهكذا وجدت نفسي أسيراً لسماع سيرته، واستمررت على ذلك مرات وكرات أحسّ فيها نفسي طفلاً محروماً ومرة سجيناً! وأحياناً أخرى عضواً نشطاً في تنظيم محاضراته خاصةً تلك التي ألقاها في حي هارلم Muhammad Speech.
ولا أخفي القارئ سراً أنّي استمتعتُ بذلك التجوال المعرفي، وهو مما حفزني لاختيار بعض الرؤى التي جهر بها، والتعليق عليها بطريقة تشي بمقصدي من التعريف به من خلال ما قال –هو- لا ما قد قِيل عنه، وكان قصدي المساهمة في جعل سيرته مجتمعة في مكان واحد، وفي صفحات مختصرة، تيسّر التعريف بأهم أفكاره الإصلاحية، وحصر ذلك في الجوانب النَّيرة من سيرته، فإبقاء ذكره حسناً واجب الأحياء منا.
كنت أكرر السماع، وذلك للضبط وتزيين كل ذلك بما أراه أنا لا غيري! وفعلت كل ذلك من غير الرجوع إلى أيّ مرجع إلا تلك الأشرطة المسجلة التي ذيلتها كمصادر في آخر هذه الوريقات.
وخلال السماع تكوّنت لدي ملاحظات كانت تقفز إلى ذهني أحسبها مفيدة، وهي التي أودعتُها هنا، مما قد تعين بعض الشباب بصفة خاصة على التخلص من حالة الاستلاب الثقافي أو ضياع الهوية وتمييع دورها، جرياً وراء نزوات النفس.
ما في هذه الوريقات من سرد المواقف المشرقة التي استمعت إليها، ووقفت عندها مليّاً أراها تمثّل عبرة لقارئيها أو مستمعيها، وقد تعمل على مساعدتهم للتصالح مع الذات والخروج بها من التيه الأخلاقي إلى حلاوة الإيمان.
كل ذلك الفضل من التعرف على شخصية مالكوم وكاريزميته كان سببه العزيزان (صديقي وبنتي)، وذلك أنْ لفتَا نظري إلى التعرّف على سيرة ذلك القائد الفذّ مما لم يسعفنا الحظ في السَّبق إلى اكتشاف مبادئه التي ما عرفت اللين أو الانكسار.
وفي زحمة الكتابة خطر ببالي أحاديث لأصدقاءٍ أعزاء، منهم الأخ العزيز عبدالجبار التنزاني، وكم كنا نجلس كثيراً نتحدث عن مجتمعاتنا الإفريقية ونقارنها بما لدى الشعوب الهندية من التقدم التكنولوجي، وعلوم الطب والهندسة، ونظرتهم السوية لإستشراف المستقبل رغم ما تعانيه هذه المجتمعات من مشكلات عويصة تفوق في أحيانها ما يعتمل في بلداننا.
ولكنهم رغم تلك الصعاب يتقدمون بخطى ثابتة نحو الأفضل وينشدون دوماً الحياة المثلى، بيد أنّ قومنا مازال طريقهم وعر وطويل، حتى يبلغوا منازل المجتمعات التي لا تعرف التثآئب.
أيضاً تذكرت صديقي إبراهيم الصومالي الذي زرته على التوِّ في إثيوبيا حيث جلسنا في مقهى بالعاصمة الإقليمية "جكجكا" بدلاً عن مقاهي إسلام آباد، ومرة أخرى دارت الأحاديث بيننا تقارن حتى شكل المقاهي ما بين البلدين.
وبذات الصدد تذكرت صديقي الدكتور طه اليوغندي وما كان يحكي لي من تسونامي يوغندا، ومدى تردي الأوضاع الاجتماعية هنالك وبوتيرة مخيفة.
وهكذا توصلت إلى فكرة جامعة مفادها أنّ بؤسنا واحد، كالإعصار الجارف يدحرج أمل الشعوب الإفريقية إلى اليأس بدلاً عما كان ينادي به قادتها الأوائل الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن يروا شعوبهم في تقدم وإزدهار.
وحيال هذا السيل من الذكرى المؤرقة طرأت لي فكرة تمثّلت في كتابة مختارات مختصرة من سيرة مالكوم إكس، خاصة تلك التي تتصل بتلمس معاني الهُوية الشخصية (1) التي امتازت بها أحاديثه، وسار عليها طيلة حياته، وهي مما قد تحتاجها بعض المجتمعات الآن! التي فقدت هويتها وباتت تتدحرج، كما تتدحرج الصخور من عَلٍ.
إنّ الوحدة بين الدول الإفريقية كما كانت ينشدها مالكوم مازالت بعيدة المنال، وأن ما نهي عنه السود من التردي الأخلاقي أَماراته بائنة وتتلبب مجتمعاتنا بشدة، فأني لها بخُطى التغيير والتطور.
إنّ أغلب ما يبدو من حال شعوبنا الإفريقية بئيس، كما وصفها مراسل السي ان ان (جف كانانجي) إنها تعاني من 3D's الأمراض DESEASE والمخدرات DRUG ثم الموت DEATH والسؤال الكبير هو: إلى متى ستعتصر الشعوب الإفريقية ألم الحرمان، وعدم رؤية ما راود قادتها العظام من الحلم الكبير الذي لم يتحقق بعد.
....
⦁ الهوية الشخصية: هي التي تشير الى إدراك الفرد لذاته، ولقد عرف هذا المفهوم شيوعا واتساعا في الدراسات السيكولوجية، حيث عرفها Pierre Tape 1976 بانها المسافة التي يقطعها الفرد بين محاولة التميز عن الآخرين واضطراره للتطابق معهم، إنها جهد دائم لتوحيد آليات الذات، وانسجامها الداخلي، تبطل ضرورات القوالب الثقافية التي يعيشها الفرد والمجتمع الذي نشأ فيه، ذلك الإبطال نفسه هو الذي يدفعه لتحديد تميزه ورسم حدود هويته الشخصية، وتتواصل عملية الإبطال والإثبات والعودة إلى الإثبات مدى الحياة حيث أصبح مفهوم الهوية الشخصية يستخدم للتعبير عن الهوية الاجتماعية والهوية الثقافية والعرقية، كلها مصطلحات تشير إلى توحد الذات مع وضع اجتماعي معين " ( Pierre Tape, 1976,p34). انظر للزيادة: http://educapsy.com/etudes/soi-identite-personnalite
وأيضاً بدَا لي واضحاً أنّ الموضوعات التي طرقها مالكوم رغم ما مرّ عليها من زمن طويل، إلا أنّها مازالت تشغل بال كثيرٍ من الشعوب والمجتمعات حول العالم، وتحتاج رؤى سلمية من مبادئ العدالة والمساواة.
والعجيب في واقعنا هو أن أمريكا قد تعافت في كثير ممن جوانبها الحالكة، وتصالحت مع نفسها وشعبها، ولا غَرو أن صارت ذكرى الستينيات والسبعينيات في متاحف قومية تتفرج عليها الأجيال وتستقى منها الدورس والعبير.
ولكن! وللأسف الشديد مازالت إفريقيا هي إفريقية الستينيات بل وما قبلها، ولم تتهدي بعد إلى النظر بعين الواقع لا الخيال. (1).
.......
⦁ استمع إلى كلمة الرئيس باراك أوباما يثني فيها على جهود مالكوم الإصلاحية، شريط الفيديو بعنوان:Barack Obama Praises Malcolmx(1995)
هذا، ويعتبر إلقاء الضوء على بعض المحطات المضيئة لسيرة القائد الفذ (مالكوم) قد يمثّل للكثيرين معلماً يرشد الغافلين إلى التفكير السليم، والطريق الصحيح لطيّ صفحات الفشل بالنجاح والآلام بالسعادة.
هذا ومن خلاصة سماعي للمحاضرات العديدة على أشرطة الفيديو المختلفة حسب ما ذكرتُ أستطيع أن ألخص سيرته في خمسة أسفارٍ متناغمة كلٌ منها يكمل الآخر، تتمثل في المراحل الآتية:
- مرحلة الطفولة والشباب
- مرحلة السجن
- مرحلة جماعة أمة الإسلام
- مرحلة تأسيس منظمة الأفرو- أمركن
- مرحلة رحلاته الخارجية، ومنها حجّه
النشأة الأُولى
ولد مالكوم إكس في 19 مايو 1925 في مدينة أوهاما بولاية نبراسكا وفي أسرة تضم ثمانية إخوة (1)، كان أبوه قسيساً وناشطاً سياسياً في حركة الحقوق المدنية للأمريكيين السود، والذي قُتِل عام 1931على يد حركة كو كلو كلان العنصرية (2)، ومن بعد فَقد رب الأسرة أُدخلت أمه مستشفى الأمراض العقلية إثر ضغوط نفسية عانت منها كثيراً، ولم يستقر من بعدها أمر الأسرة موحداً حيث تفرقت إلى دور رعاية الأيتام، وقد التحق مالكوم بالمدرسة الإعدادية في سنّ خمس سنوات، وكان متفوقاً في الدراسة على أقرانه، ومما ذكره في أيام طفولته أن أستاذه المفضل سأله ذات مرة عن أمنيته المستقبلية فأجابه بأنه يريد أن يصبح محامياً فردّ عليه الأستاذ بأنّ ذلك المطلب محال على السود وأن عليه أن يفكر في نطاق واقعه! ولضغوط اجتماعية كثيرة قادته إلى ترك الدراسة.
نشأ مالكوم في وضع صعب وليس أدل على ذلك من فَقد الأسرة، فهو لم يهنأْ بحنان الأمومة أو عطف الأبوة فنشأ يتيماً مشرداً، لم ينقطع عنه سيل المعاناة وقد وجد نفسه وحيداً بين زملائه البيض الذين كانوا يعيرونه بلونه، ووضعه الاجتماعي، وهو ما ذكره فيما بعد في لقاءاته الصحفية العديدة بقوله: "ما من أحدٍ من السود عاش بين البيض مثلي وأنني أعرفهم عن قرب" (3).
.....
(1)استمع إلى شريط الفيديو بعنوان: http://www.biography.com/people/malcolm-x-
(2) كو كلوكس كلان بالإنجليزية: (Ku Klux Klan) واختصارا تدعى أيضا KKK, هو اسم يطلق على عدد من المنظمات الأخوية في الولايات المتحدة الأمريكية منها القديم ومنها من لا يزال يعمل حتى اليوم. تؤمن هذه المنظمات بالتفوق الأبيض ومعاداة السامية والعنصرية ومعاداة الكاثوليكية، كراهية المثلية وأخيرا بالأهلانية. تعمد هذه المنظمات عموما لاستخدام العنف=
والإرهاب وممارسات تعذيبية كالحرق على الصليب لاضطهاد من يكرهونهم مثل الأمريكيين الأفارقة وغيرهم. للزيادة انظر: كو كلو كس كلان https://ar.wikipedia.org/wiki/
(3)استمع إلى شريط الفيديو بعنوان: Malcolmx-Interviewed with the City Desk
مصاعب جمة عايشها، فأبوه قد اغتيل، وأمه أصابها الجنون، وإخوته قد تفرقوا شذراً، هكذا نشأ مالكوم في هذه الأمواج المتلاطمة من الحرمان، والفقد الأسري، في مجتمع قائم على التفرقة العنصرية تجاه أقلية السود.
وعلى القارئ الحصيف أن يتصوّر النشأة الأولى لمالكوم كم كانت تحفها المخاطر والمشكلات العويصة، التي قد لا تسعف طفلاً عايشها ليكون له شأوٌ بين الناس وسيرة نيرة مازالت تتناقلها الأقلام الحرة بالإعجاب والتبجيل.
غُلْوَاء الشباب
في هذه المرحلة العمرية من حياة مالكوم نجدها كانت تمثّل الضياع والتيه في دروب المجهول وتعتبر صفحة سوداء من تاريخه، فقد انخرط فيما كان متاحاً اجتماعياً فعمل نادلاً في مطعم، وعاملاً في قطارٍ يسافر من مدينة إلى أخرى، وراقص محترف في ملهى ليلي ولعب القمار وتاجر بالمخدرات، مما قادته هذه الأعمال المشينة إلى الوقوع في أيدي الشرطة فتمّ القبض عليه عام 1946 وحكم بالسجن مدة عشر سنوات.
مالكوم سجيناً
أودع مالكوم السجن لجرمٍ ارتكبه، مما ذكرنا بعضاً منه، وكأن سيرته وهو في السجن تحكي حال المغلوب على أمرهم، وتنعي الدنيا إن لم يكن فيها من يَرحم أو يُرحم؛ ومهما يكنْ من أمرٍ فإنّه قد وجد نفسه خلف القضبان في السجن المركزي Mass States Prison وله رقم ثقيل سطّره التاريخ في صفحة حياته كان 22843 وهكذا لم يكن له بدٌ من التأقلم مع ألم الفراق وما في الحبس من الوحشة والانفراد، ولكن نِعم ما قام به.
كان سجنه سجن الهدى، أبدله الله تعالى بصيرة، أبصر بها عواره، فأضاءت له الطريق، وبدَا مستقيماً فسار فيه من التيه إلى الرشاد، ومن الضلال إلى الهدى.
قصة إسلام مالكوم في السجن جاءت نتيجة تأثره بأحد السجناء يدعى "بمبي"، وكما أنّ لأخيه الأكبر "فيلبيرت" الأثر في استقامته على الأخلاق الإسلامية بعد أن أخبره هو الآخر عام 1947 بأنه صار مسلماً.
نعم! كان سجنه هداية، حيث تعرّف على نفسه فأصلحها من جديد، وعمل على تعليمها وتثقيفها بالعلوم النافعة، وهكذا قاد بنفسِه نفسَه إلى المعالي فأحب العلم، ووجد فيه أُنساً أَنساه الوحشة، واستِنارَة أضاءت له ظلمات الجهل وأبانت له الحق من الباطل.
انكب يطلب المعرفة بنَهم من أوسع أبوابها، فصارت له قضيةٌ وحلمٌ كبيرٌ في أنْ يقود ليس نفسَه فحسب بل قومه نحو الرقي والعزة والعفاف، حَسُن خُلُقه مما أعانه على الخروج من السجن عام 1952 وقبل أن يكمل فترة سنواته المقررة عليه، وذلك بعد قضى ست سنوات ونصف بدلاً عن عشرة.
وهكذا في السجن لزم مسيرة الإصلاح التي بدأها بتعليم نفسه، فكان يقرأ أطراف النهار وآناء الليل، حتى عندما كانت الأنوار تطفأ –حسب نظام السجن- كان يقرأ بالأنوار التي على الردهات، صَاحَب المعرفة، وكان أهم صديق له كتاباً أخذه بقناعة وشغف، قرأ فيه دستور حاضره وسفر مستقبله الذي بدأه بالتعرف على هويته وواقعه، في تلك اللحظة الحرجة التي كانت تحاصر السود.
خلاصة ما قام به من بحث عميق كان مفاده التعرف على نفسه من جديد فهذبها، ولا غرو أن كان هذا الميلاد الجديد هو مضمون هذا الوريقات المختارة في الحديث عنها وما قام به قائد التغيير والإصلاح (مالكوم).
ففي هذا العهد الجديد جال فكره في البحث عن معالم هويته الشخصية التي ضاعت في زحمة الهيجان وعُنْفُوان الشباب، فتوصّل بعد نظرات ثاقبة إلى أنْ يبصر طريق الجادة فسار فيه سيراً حثيثاً، غيّر نفسه من مَسجون محصورٌ في زنزانته إلى قائد أمة لا يُشق له غبار.
أخذ نفسه إلى قضية أكبر مما به سُجن، فقادها إلى عالم الانطلاقة بدلاً من الإنكفاء وإلى الإنابة بدلاً من السير في بُنيات الطريق، فانهمك ونعم المشغلة في القراءة الممنهجة والتأصيل الجاد للمستقبل، فقرأ المعاجم الإنجليزية كلمة كلمة، وغاص في في قراءة كتب التاريخ، والفسلسفة، وكما قرأ لشكسبير وغيره.
كانت ثمرة القراءة الفاحصة والبحث الدقيق أكسبه معرفة واسعة، وتجربة قوية أهم عناوينها: المناداة بالتغيير، والدعوة إلى النهوض من القاع إلى قمة السؤود. ورغم ذلك كله إلا أن بعض السياسين كانوا يعيرونه أنّ له سجل إجرامي، وأنه سجن على أساسه، مالكوم من جانبه لم يستكن للتهمة رغم قساوتها، بل ردها رداً جميلاً في أكثر من محاضرة ولقاءٍ صحفي، فقال: نحن قوم ولدنا في السجون فما من أسرة زنجية إلا وقد سُجن أحد أفرادها، فليس العيب أن تكون قد أجرمت وإنما العيب أن تظل مجرماً.
"To have one been a criminal there is not desperate but to remain a criminal is the desperate ,I'm formally was a criminal I'm a formally was in prison I'm not shame of that you never can use that on my head"(1)
وفي موضع آخر قال: If you black you born in jail
......
(1)استمع إلى شريط الفيديو بعنوان: Malcolmx- Make it plain
بلا شك إنً كل ما يهمنا من استعراض هذه اللمحات التاريخية من حياة مالكوم أنه لم ينسَ نفسه في أنْ يهذبها بالمعرفة وأجمل الأخلاق، والأحرى في أن يحدثها بحلم التغيير والإصلاح ودعوة قومه والعالم بأسره إلى العدالة الاجتماعية والعيش في إِطار الأخوة الإنسانية.
مالكوم والقائد أليجا محمد
بعد خروج مالكوم من السجن انضمّ إلى جماعة أمة الإسلامة الأمريكية، وفي هذه الفترة عمل بكل جدٍ ونشاط في إِنزال مبادئها إلى أرض الواقع، ودعوة السود على حسب التعاليم التي كانت مرسومة من قبل رئيسها أليجا محمد.
ولم يمض وقت طويل حتى ازداد مناصرو الجماعة من أربعمائة إلى أربعين ألفاً (على اضطراب في ضبط العدد)، وكان ذلك بفضل نشاط مالكوم وجهوده الإصلاحية، ولا غرو أن أصبح المتحدث الرسمي والرجل الثاني بعد القائد أليجا، وهذه السرعة في شهرته وتوجه أجهزة الإعلام إليه، قد جلبت عليه الحسد والغيرة حتى بين أنصار أمة الإسلام.
إنّ أهم ما قام به مالكوم في هذه الفترة التي تمثل الانطلاقة إلى رحاب الحياة حيث قرأ سيوكلوجية السود فدعاهم إلى الإصلاح في جوانب شتى منها ضرورة التديّن والتعليم وإصلاح معاشهم ثم التحرر من العادات الضارة التي كانت تقعد مجتمع السود، مثل: الانغماس في شرب الخمور وتعاطي المخدرات وممارسة الإجرام ولعب القمار .
وقد صرّح أن الرجل الأبيض وراء تدمير مجتمع السود بتوفير حانات الويسكي، والملذات والخمور حتى يقعدوهم عن مسيرة التعليم ونيل حقوقهم الاجتماعية والسياسية، علاوةً على أنه سعى إلى إستنهاض الهمم واستبدال هذه العاهات النفسية التي كانت تتلببهم إلى الافتخار بالنفس والرضا بها Selfsteem ، علاوةً على نصحهم بالكف عن الأحاديث السالبة التي تقعدهم عن ركب التقدم والرقي، فخاطبهم بطريقة فريدة لم يعهدوها من ذي قبل – وهو ما أجمع عليه المراقبون- وكما خاطبهم بما دسّوه في أنفسهم، وأوضح أحاسيس ومشاعر السود تجاه الأبيض بصورة فريدة.
وكان مجمل المحاضرات التي ألقاها ما بين 1952 إلى 1965 فيها الإشارة الواضحة بدعوة السود إلى النهوض بأنفسهم أولاً ليحرروها من ربقة الجهل والفقر قبل أن يطلبوا من البيض حقوقهم التي تصوروها؛ وفي ذلك قال إنّ عليهم أن يتوحدوا في أُطرٍ تجعلهم يتحركون في سياق الجماعة مما سمّاه ب Black thinking وأوضح أن ذلك مما يخيف أعداءَهم من أن ينالوهم بسوء، ووصف الذين يستسلمون لضرب البيض أو إهانة الكلاب البوليسية بأنهم أغبياء وكررها مرتين They are foolish.
ومن جانب آخر طالب الساسة الأمريكيين إلى العمل بمقتضى الدستور، وإلقاء نظام التفوق العرقي، وإحترام حقوق الأقليات، وذلك بسن التشريعات التي تساوي ما بين المواطنين، ونادى بإقرار القوانين التي تُجرّم أي نوع من أنواع التفرقة على أساس الشكل أو اللون.
وفي هذا خاطب السود فقال: لما يكره بعضهم ما جبلوا عليه من خِلقة؟ ولما لا يرضون بألوانهم أو شكل أنوفهم أو شفاههم، ونهاهم عن شرب الخمور، ولعب القمار، وكل ما يدعوهم إلى إهانة أنفسهم؛ وتحدّث عن كثير من الأسئلة الحرجة التي كان مسكوتاً عنها فأخرجها في شكل النقد الذاتي، والنصح من أجل التصالح مع النفس، ولإصلاح ما كان يعتمل في صدورهم من أحاديث الكراهية والعنصرية ومقت الذات؛ وفي المقابل دعاهم إلى الاعتزاز بأنفسهم وسَحَناتهم.
وما قد يلاحظ في فترة نشاط مالكوم ضمن جماعة أمة الإسلام أنه كان يكثر الحديث عن ضرورة الاعتزاز بالنفس، في أن يعتز السود بأنفسهم مقابل ما يشعرون به من حرج، وفي ذلك استخدم مقارنة الرجل الأبيض بالأسود، وأحياناً يضرب الأمثال التي كانت محصلتها ضرورة الرضا بخلق الله وقضاءه، وهكذا كان مجمل خطاباته الهدف منها إستنهاض الهمم، وعدم الركون إلى دعاوى التمييز ضد السود، ومما قاله مبكراً بهذا الصدد:
Who taught you to hate the texture of your hair? Who taught you to hate the color of your skin to such extent that you bleach to get like the white man? Who taught you to hate the shape of your nose and the shape of your lips? Who taught you to hate yourself from the top of your head to the soles of your feet? Who taught you to hate your own kind? Who taught you to hate the race that you belong to, so much so that you don't want to be around each other? No, before you come asking Mr. Muhammad does he teach hate, you should ask yourself who taught you to hate being what God gave you. We teach you to love the hair that God gave you. (1)
.......
Malcolmx- Who taught to hate you (1)استمع إلى شريط الفيديو بعنوان
مما ينبغي التنويه إليه أن هنالك أحاديث كثيرة فيها من الوضوح الخطابي ما قد لا يستطيع قائد سياسي الآن أن يبوح بها في مخاطبة الجماهير بالصورة التي خاطبهم بها مالكوم، ورغم ذلك فقد كان التعاطف مع خطابه قوياً، ولعل ذلك يرجع إلى أنّه كان يخاطبهم على أساس إرادة الخير وإستنهاض هممهم بتبديل نمط حياتهم إلى أفضل الأخلاق.
أيضاً يلاحظ أن هذه الخطابات الملهبة لمشاعر الجماهير كان تغذيها عنصرية البيض ضد السود (معيارها اللون)، إضافة إلى أن تعاليم جماعة أمة الإسلام كانت تكرّس التفسير الخاطئ ضد البيض.
كل ما قد يستمع إليه القارئ في هذه الفترة الزمنية من الخطابات الصارخة بالعنصرية منها ما كانت في أنشطة جماعة أمة الإسلام وبعضهاكان قبل ذهابه إلى الحج، رفضها مالكوم فيما بعد – كما سنعرف- وأوضح أن الجماعة لم تكن لها علاقة بفهم الإسلام الصحيح، وأن القائد أليجا كان يدرسهم أن البيض شياطين لا يمكن لهم أن يدخلوا مكة (1)
......
⦁ استمع إلى شريط الفيديو بعنوان: Malcolmx- The last speech
منظمة الأمم الإفريقية
نشاط مالكوم الإصلاحي عقب فصله من جماعة أمة الإسلام كان يشمل نشاطين يمكن للمستمع إلى مجمل محاضراته أن يضعها ضمن إطارين هما:
أ. نشاطه الاجتماعي السياسي
ب. نشاطه في الدعوة إلى أحسن الأخلاق
أما نشاطه السياسي الاجتماعي فتمثّل في الدعوة إلى تأسيس منظمة تعنى بوحدة السود على نطاق أمريكا Afro-American Unity ، وأوضح أن المراد منها أن تكون منصة جامعة لأنشطة المطالبة بحقوق السود، ومن ثَم ربطهم بأنشطة حركات التحرر الإفريقية.
واتباعاً لمنهج الوحدة والنضال فقد ذكر أنّ الدول الإفريقية وخلال فترة قليلة نالت من الحرية والاستقلال ما لم يزلْ بعيد المنال عليهم، وأرجع ذلك النجاح لتوحدها تحت لواء منظمة الوحدة الإفريقيةThe Organization of African Unity وأضاف أنّ على السود في أمريكيا أن يعملوا على تأسيس منظمة للسود –كما ذكرنا- لكي تكون أهدافها كأهداف ما قام به القادة الأفارقة من النضال وأن يتعلموا من تجاربهم:
"Recently when I was blessed to make a religious pilgrimage to the holy city of Mecca where I met many people from all over the world, plus spent many weeks in Africa trying to broaden my own scope and get more of an open mind to look at the problem as it actually is, one of the things that I realized, and I realized this even before going over there, was that our African brothers have gained their independence faster than you and I here in America have. They've also gained recognition and respect as human beings much faster than you and I. Just ten years ago on the African continent, our people were colonized. They were suffering all forms of colonization, oppression, exploitation, degradation, humiliation, discrimination, and every other kind of -ation. And in a short time, they have gained more independence, more recognition, more respect as human beings than you and I have. And you and I live in a country which is supposed to be the citadel of education, freedom, justice, democracy, and all of those other pretty-sounding words. So it was our intention to try and find out what it was our African brothers were doing to get results, so that you and I could study what they had done and perhaps gain from that study or benefit from their experiences." (Malcolmx-By any means necessary).
مالكوم ومارتن لوثر
إنّ مجمل ما استمعتُ إليه من المحاضرات التي ألقاها مالكوم، إضافة إلى تلك التي تحدّث عنها نشطاء حركة الحقوق المدنية الذين يعتبرون شهداء على حركة النضال والإصلاحات التشريعية، ممن عاصروا القائدين مارتن لوثر كنج ومالكوم وغيرهما من القادة السود، أنهم دوماً ما يذهبون إلى المقارنة بين رؤى مالكوم ومارتن لوثر، في أنّ نظرة الأخير تكمن في النضال السلمي Nonviolent للمطالبة بالحقوق المدنية، بيد أنّ مالكوم كان يرى الأخذ بأي طريقة ممكنة By any means necessary وجعل هذا الشعار نموذجاً له فقال Our model وفي موضع آخر قال This is our model.
ولطالما كان حديثنا – هنا – حصراً على مالكوم دعونا نتعرف على فلسفته المطالبية من خلال ما كان يدعو إليه من الإعداد (أ) المعنوي (ب) والمادي، ومما كان يرى من النضال الذي يمكن أن يحسب على رفع الروح المعنوية لمجتمع السود، يتمثل في: الاعتزاز بالنفس، والدعوة إلى التعليم، وعدم الرضا بالمَهانة، والترفع عن تعاطي المسكرات والمخدرات، واقتراف الجرائم.
وفي ذلك ما قاله عن المرأة الزنجية Black women إنّها أكثر عرضة للمخاطر وعدم الأمن على نفسها وطالب السود أن يقفوا كما يقف البيض في وجه من يحاولون أن ينالوا من نساءهم؛ وفي موضع آخر طالبهن بضرورة التعلم والهمة العالية بدلاً من سفاسف وصَغَار الأمور.
أما الدعوة إلى الأخذ بالأسباب المادية فكان يدعو إلى إحكام دائرة الاقتصاد الاجتماعي ما بين السود فينفعون بعضهم بعضاً بدلاً من الإعتماد على رجال الأعمال البيض، وجعل طريقته في الدعوة المطالبية مغايرة لتيار السود من دعاة الحقوق المدنية، حيث ركّز على الخطاب الملهب والصارخ في وجه البيض، وهو ما قد يفهم منه – خطأً - وابتداءً أنه دعوة لحمل السلاح! وقد سئل في أكثر من لقاءٍ صحفي عن هذا المعنى، ولكنّ الحقيقة تسطّر أنّ دعوته لم يكن فيها قتال وإنما الشدة في المطالبة علاوةً على العنف اللفظي Extreme Message في مقارعة خصومه السياسين (البيض) ومن أمثلة ذلك ما كان يصفهم به من ألفاظ ينبغي أن لا تكون ضمن خطاب السياسية! منها: المُضطَهدِون Oppressors والذئاب Wolfs والعنصريون، Racislissts، والمجرمون Criminals، ووصفهم بقتلة الأبرياء Lynch، والمستعبِدين Slavery وفوق ذلك كله بالأعداء Enemies هذه الألفاظ الشديدة كانت محور خطاباته ومنوالها الثابت ضد البيض.
وما يجدر الإشارة إليه أنّ نقده الصارخ وجهه أيضاً للسود، حيث وصف بعضهم ممن يُخدعون ويجرون خلف وعود الحزب الديقمراطي أو الجُمهوري بأنهم مُغفّلون Dumb وخونة Traitors وحمقى Chump، وفي مواضع أخرى قال إنهم لا يحبون أن يكونوا مع بعضهم البعض not want to be each others، وجعلهم صنفين، عبيدٌ يحبون أسيادهم ويعملون في بيوتهم House Negro وعبيد يكرهون أسيادهم ويعملون في الحقول Field Negro، والأعجب من ذلك كله أنه جعل نفسه من الصنف الثاني I'm a field negro ، ووصف الذين يستسلمون إلى إهانة البيض أنهم أغبياء They are foolish وكررها.
كل ما سبق سرده من أوصاف البيض أو السود يمكن أن يحسب على سبيل التطرف اللفظي، ولكن للحديث عن مفهوم الأخذ بالقوة الذي دعا إليه، قد فسّره بأنّ الظالمين لا يفهمون لغة السلم! وطالب بتعلم اللّغة التي يفهمونها حتى يُخاطَبون بها، ونادى بإيقاف مخاطبتهم بالقول اللّين Stop sweet talking إلى ضرورة تبني الندية حيال صلف البيض.
وعليه عزّز مطالبته الفريدة التي جعلته يفترق بها عن دعاة الحقوق المدنية السود بما كان يكرره في مناسبات مختلفة بقوله By any means necessary ، وهو ما يعني إِقرار مبدأ الأخذ بالقوة، وأوضح أنه ما من ثورة قامت للتغيير إلا وكانت بإراقة الدماء! وعدّد في ذلك أمثلة منها: الثورة الفرنسية والروسية والصينية والكوبية، علاوةً على ذكره بعض حركات التحرر الإفريقية في كلٍ من: الكنغو والسنغال والسودان، حيث أكد أنها لم تنلْ مطالبها إلا عندما حاربت من أجل طرد المستعمر وتبديل أنظمة الاستبداد.
الدعوة إلى خيار الأخذ بالقوة مما كانت تخشاه الحكومة الأمريكية، نجد إطارها أنها كانت قيد التنظير، وليس أدلَّ على ذلك ما دعا إليه من تأسيس جناح قوة ضاربة لحماية ضعف السود ضد عنف البيض وللدفاع عن النفس Self defence لا غير.
ومما أعلنه لمناصريه ضمن الدعوة إلى تكوين وحدة الأمم الإفريقية، في النقطة الثانية من شرحه لميثاق التأسيس، أشار إلى ضرورة تكوين حزب للسود Black National Party ، وبالأحرى شجّعهم على إعداد النفس لمرحلة النضال، وأوضح أنّ الدستور الأمريكي يسمح بحمل السلاح To be armedدفاعاً عن النفس وليس ابتداء العداوة كما أوضحها في كثير من أحاديثه، ويتضح ذلك المعنى السلمي في إجابته على سؤال الصحفي، ما إذا كان يعتبر نفسه مناضلاً! بما ويتفق مع مفهوم القوة المطلقة التي كان ينادي بها، فرد بقوله: إنه مالكوم! في إشارة إلى أنه لا يرى ذاك المعنى الذي قد يتبادر إلى الذهن ابتداءً...
Do you consider yourself militant, no, I'm consider myself Malcolm!..(1)
........
⦁ استمع إلى شريط الفيديو بعنوان: Malcolmx-By any means necessary
مالكوم في بريطانيا
إنَّ ما قد يتجلى من مفهوم الدعوة السلمية عند مالكوم هو ما أوضحه في محاضرته القيمة التي ألقاها بتاريخ 1964.12.3، في مجلس إتّحاد إكسفوردDebate Oxford Union حيث حصر معنى المطالبة بالحقوق المدنية بما نقله عن هنرى باترك: Liberty or Death ، وعليه قال إنّ مطالبته بالحرية لو كانت تطرفاً فإنه يؤمن بهذا النوع من التطرف ولو كان بأشد العبارات Extreme message وأنّ ما يدعو إليه من مطالب مشروعة قد يحسبها الآخرون تطرفاً! وأعقب بسؤاله، ماذا لو أن المتهمِين كانوا يعانون بمثل ما يقاسيه السود من حالة مزرية، فلطالبوا بإستخدام مثل هذه الطريقة التي يعتبرونها متطرفة، وأكد أنه مستعد للعمل مع أي شخص أياً كان جنسه أو لونه من أجل المناداة بالحرية والعدالة والمساواة
وأضاف أنه يعيش تحت ظل أسوأ الأنظمة العنصرية حول العالم، في بلده أمريكا، وأنه لا يرى فرقاً بين النظام العنصري في جنوب إفريقيا التي تطبق نظام الفصل العنصري قولاً وفعلاً، بيد أنّ بلاده تتحدث عن الوحدة في العلن وتمارس التمييز العنصري حقيقةً! وأكد أنه يحترم مَن يُظهر موقفه ولو كان مخطئاً أفضل – له- من أن يتظاهر أنّه مَلك وفي حقيقة أمره ليس إلا شيطان.
" So my contention is, that we are faced with a racialistic society, a society in which they are deceitful, deceptive, and the only way we can bring about a change is speak the language that they understand. The racialists never understands a peaceful language, the racialists never understands the nonviolent language, the racialist has spoken his language to us for over four hundred years. We have been the victim of his brutality, we are the ones who face his dogs, that tear the flesh from our limbs,= only because we want to enforce the Supreme Court decision. We are the ones who have our skulls crushed, not by the Ku Klux Klan, but by policeman, all because we want to enforce what they call the Supreme Court decision. We are the ones upon whom water-hoses are turned on, practically so hard that it rips the clothes from our back, not men, but the clothes from the backs of women and children, you've seen it yourself, only because we want to enforce what they call the law. Well any time you live in a society supposedly and it doesn't enforce it's own laws, because the color of a man's skin happens to = be wrong, then I say those people are justified to resort to any means necessary to bring about justice where the government can't give them justice.
I don't believe in any form of unjustified extremism. But I believe that when a man is exercising extremism, a human being is exercising extremism, in defense of liberty for human beings, it's no vice. And when one is moderate in the pursuit of justice for human beings, I say he's a sinner. And I might add in my conclusion, in fact, America's one of the best examples, when you read its history, about extremism, old Patrick Henry said "liberty or death"—that's extreme.(1)
.......
⦁ Malcolm X. Oxford Union Debate
بلا شك أنّ أصل مطالبة مالكوم أساسها الدعوة السلمية، ولكن عند عدم الإستجابة لها فقد ترك الباب موارباً لما قد يبدو من تبني خيار القوة، هذا التعليل نرجو أن يكون هو ما كان يطابق الواقع في تلك الفترة الثورية، خاصةً إذا ما علمنا أنه لم يسجلْ ضده دعوة قانونية لاقتراف جرماً يتعلق بأي نشاط دموي أو عنفي.
كانت دعاوى العنصرية قضية مركزية في فكر مالكوم قبل ذهابه إلى الحج، وتشمل هذه الفترة حتى بعد أن تمّ فصله عن جماعة أمة الإسلام؛ ولكن بعد رجوعه من الحج وهي الفترة الفارقة التي يمكن أن يقال فيها إنها فترة تصحيحية لمفاهيم مغلوطة كان قد تبناها تأسيساً على التعاليم المنحرفة للقائد أليجا محمد.
وبدَا له الأمر جلياً عندما شاهد المسلمين من جميع أنحاء العالم يقفون في صعيد واحد، لا فضل لأبيضهم على أسودهم، بل تلمس عن قربٍ حقيقة الأخوة الإسلامية، والمعاملة الحسنة التي وجدها حتى من المسلمين البيض، فتغير فكره وتبدلت نظرته، التي كانت مبنية على الفوارق العرقية أو اللونية.
وقد صرّح بتلك الأحاسيس والمشاهد بعد رجوعه إلى أمريكا، بأنّه لم يعد يؤمن بأي شكل من أشكال العنصرية، أو ما كان يعتقده في الماضي من أفكار مغلوطة عن الإسلام، وأنه أصبح يؤمن بالإخوة الإنسانية، وأن البيض والسود يمكن أن يعيشوا تحت سقف القانون ومبادئ العدالة الاجتماعية.
ومما ارتأى إليه من فكر إسلامي سديد تعلمه مبادئ الإسلام الصحيحة في مكة، وواصل طلب المعرفة فسافر إلى جمهورية مصر والتقى مفتيها فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف، وكما كان لفضيلة الشيخ أحمد حسونة، الرئيس الأسبق لجماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان الدور المحوري في تعليمه مبادئ العقيدة الصحيحة، ولازمه في ذلك بنيوريوك حتى لحظة اغتياله ومن ثَم صلى عليه بنفسه صلاة الجنازة التي كانت مشهودة بحق.
لا شك أن القارئ أو المستمع إلى محاضراته يَلْحَظ أنّ حجّه قد مثّل له فرصة عظيمة، حقق فيها أكبر حلم يصبو إليه كل مسلم وهو تأديته لفرضية الحج، إضافة إلى التوبة والإِهتداء إلى تصحيح مسار حياته وفكره.
رجوعاً إلى المرحلة الأولى الخاصة بتأسيس جسم سياسي لضم حركات التحرر العالمية خاصة التي كانت ناشطة في القارة الإفريقية والساحل الكاريبي، نجد أن مالكوم واصل نشاطه للإصلاح السياسي على أساس أفكاره الشخصية لا تلك التي كان يصرح بها تَبعاً لأفكار القائد أليجا محمد أو غيره من القادة السود.
وعليه يستطيع المستمع إلى محاضراته أن يدرك أنّ أُفقه السياسي قد اتسع، وأصبح يحلم بأفكار إصلاحية تتعدى صلاحيتها أمريكا إلى المجتمع الدولي لملاقحة ما كانت تقوم به حركات التحرر العالمية تجاه طرد المستعمر، ونبذ العنصرية في جميع أشكالها، بما أراد أن يراه في المجتمع الأمريكي.
هذه الهوية الشخصية التي كانت مستقلة نراها كانت من الأسباب الرئيسة لاختلافه مع القائد أليجا(1) حتى أنه قد هُدد بالقتل، وعندما سأله أحد الصحفين في أحد اللقاءات ما إذا كان يخاف على حياته بعد فصله عن جماعة أمة الإسلام، أجابه بأنه يعتبر نفسه في عداد القتلى I'm already a dead man ، وقد حصل له قمة التهديد بعد أن قام بالكشف عن أسرار الخلاف بينه والقائد أليجا، وقال إنّ أساسه ما لاحظه على سلوك أليجا مع بعض النساء ممن كنْ أعضاء في جماعته (2).
......
⦁ اعتراض مالكوم على جاء على أساس أن أليجا له أبناء غير شرعيين كانوا ناتج ممارسات خارج إطار الزوجية، وهو مما يشير إلى أن مبتدأ الخلاف بين القائدين يكمن في عدم التزام أليجا بالمبادئ التي وضعها لأتباعه.
⦁ استمع إلى شريط الفيديو بعنوان: Malcolmx-Denounces EliJah Muhammad(June8,1964)
أيضاً من الأفكار الشديدة التي جهر بها في تلك الفترة ضد النظام الأمريكي قوله إنه قائم على التفوق العرقي Seniorty System وفي موضع آخر وصفه ديمقراقيتها بالنفاق In America Democracy is Hypocrisy ، وتحدى من يتشكك في قوله إنْ لم يكن صحيحاً فليوضع السجن.(1) علاوةً على ذلك عَاب على الرؤوساء الأمريكين ادعاءها الريادة في تطبيق مبادئ المساواة والقانون بيد أنهم فشلوا في أن ينصفوا مواطنيهم السود.
وفي محاضرة أخرى أشار إلى أن من ضمن خططه أن يأخذ مطالبه الحقوقية -إن لم يُستجب لها- إلى منظمة الأمم المتحدة، وتعجب كيف لأمريكا أن تجلس في المقعد الأممي تشجب ما تقوم به الحكومات الأخرى حول العالم من مظالم وفي نفس الوقت هي تمارس الاضطهاد ضد مواطنيها السود.
نعم! قد يصح القول إنّ ما كان ينادي إليه مالكوم من أفكار إصلاحية وسياسية، في تلك الفترة الزمنية تتمثّل في مبادئ الحرية Freedom والعدالة Justice والمساواة Equality ، ومواصلته للنضال من أجل نيل المساواة ، ومما صرّح به أيضاً تفضيله لمصطلح Human Rights بدلاً عن Civil Rights، حيث رأي أنّ التمتع بالحقوق الأساسية بين البشر حق لا مكرمة قوانين.
وعلى ما ذكر تبدو الهوية الثقافية الخاصة لمالكوم ممثلة في أنّه لم يتبنى آراء غيره مما كان منتشراً في تلك الفترة من دعاوى النضال والتحرر، وآثر إلتزام مبادئه الحقة التي لم يتملق بها للبيض أو القادة السود.
......
⦁ استمع إلى شريط الفيديو بعنوان:Malcolm Speech "Democracy is Hypocrisy"
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ مالكوم لم يكن غوغائياً في دعوته إلى الإصلاح الاجتماعي، بل كان صاحب رؤى فريدة وهوية فكرية واقعية، لا تؤمن بالتبعية الثقافية، وكما يبدو عليها شخصية القائد المؤمن بمبادئه من أجل أن يرى مجتمعاً هويته مشتركة وجامعة للأعراق المتعددة تعيش في كنف السِّلم الاجتماعي لا الاستبداد أو الطغيان.
كان مالكوم يسعى دوماً إلى البحث عن الأفضل، فلم يكن جامداً على مواقفه، بل كان ساعياً إلى التغيير، ومحاولة اكتشاف تجارب الآخرين للأخذ بأحسنها، وفي ذلك قام بالرحلات إلى الدول الأوربية والإفريقية؛ وبالأحرى سفره إلى الحج عام 1964، حيث رأى هنالك من تجانس المسلمين وكأنهم من أسرة واحدة، رغم إختلاف أجناسهم وألوانهم، فوصف هذه الأخوة الجامعة بأحسن العبارات التي تثني على حسن صنيع المسلمين أن قال:
They look upon themselves as human being as far they are human family and therefore, they look upon all others segments of human family as part of the same family(1)
وأضاف أنه إلتقى بالعديد من قادة حركات التحرر العالمية ورؤوساء الدول، أمثال: الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، وجمال عبدالناصر، وأحمد بن بلة، وفيدريل كاسترو، وشيخ الأزهر فضيلة الشيخ حسنين مخلوف؛ وواصل زيارته إلى السودان، والجزائر، ونيجيريا، وغانا.
ومما يجدر الإشارة إليه أنّ حجّه قد غيّر في نظرته لكثير من الأفكار التي لازمته لثلاثين سنة، وأكد أنّه لم يعدْ يؤمن بأي شكل من أشكال العنصرية أو تمييز الناس على أساس أجناسهم أو ألوانهم، وأن الأمريكان البيض يحتاجون إلى التعرف على الإسلام حتى يعلمهم مبادئ الإخاء فقال:
So I said if Islam had done that with them perhaps the white man in America study Islam perhaps could do same things with them.
هكذا مثّل الحج نقطة تحول فكري في حياة مالكوم وفرصة عظيمة عمِلت على تعريفه بما لدى شعوب العالم من ثقافات متعددة وعادات مختلفة، فتلاقحت أفكارُه، والتي كان ناتجها تحوله الكبير من معسكر العنصرية العرقية وأحاديث الكراهية والإيمان بالتفوق العرقي إلى الدعوة إلى الإخاء والوحدة بين الشعوب.
........
(1)و(2)استمع إلى شريطَى الفيديو بعنوان: Malcolmx-Finds true Islam Amizing, Malcolmx-Aletter From Mecca
حادثة الاغتيال
كل المؤشرات كانت واضحة أمام مالكوم في آخر أيامه أنّ هنالك من هو وراءه يريد اغتياله، وقد صرّح في لقاءات صحفية إنه يعد نفسه ميتاً! نسبة للجو العدائي الذي كان يحيط باختلافه مع القائد أليجا محمد، ومن جانبٍ آخر كان لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI دوراً في تعقبه ومحاولة وضع العقبات في طريق مطالبه الإصلاحية، وقد اثبت أشرطة الفيديو التي نشرت مؤخراً أن هنالك إشارة قوية تفيد بذلك؛ وأن خصومه السياسين ما كانوا يريدون أن يروه فاعلاً في المسرح السياسي، علاوةً على ما كانت أجهزة الشرطة تتخوفه من لقاءاته الجماهيرية ونقده العلني للحكومة الأمريكية.
أيضاً كانت هنالك قوى أخرى تريد أن توقع مالكوم في المصيدة، وكانت أهدافها تتمثل في أنّه بات يشكل خطراً على الحكومة، وقد تبدو مسألة ما كان يصرح به في أنه سيقوم بنقل قضية اضطهاد السود إلى منظمة الأمم المتحدة، هي إحدى الدواعي الرئيسة للاهتمام البالغ الذي أولته الأجهزة الأمنية لمتابعته داخلياً وخارجياً.(1)
وهكذا ظلت الأحداث تتالى وتزداد حجم المخاطر على حياته حتى قُتل واقفاً! من قبل أفراد في جماعة أمة الإسلام، وذلك بتاريخ 21 فبراير 1965م.(2)
......
(1)استمع إلى أشرطة الفيديو بعنوان: The covert war against Malcolmx وشريط: Who killed Malcolmx? وشريط: FBI Secret Recording of Malcolmx Refusing to Sell out.
(2) أرجو – وبقوة!- الاستماع إلى محاضرة القائد لويس فرقان، قائد جماعة أمة الإسلام، فإنها مهمة للتعرف على التطور في قضية اغتيال مالكوم إكس، خاصة في تصالح زوجة مالكوم، (الدكتورة بتي شهباز Dr.Betty Shabazz مع القائد فرقان)= التي= كانت تتهمه أنه وراء اغتياله، وذلك في شريط الفيديو بعنوان: https://www.youtube.com/watch?v=tnf1b00uqG
ومما ذكره عن حجم المخاطر التي كان يحسّ بها قوله:
"I probably am a dead man already. When you understand the makeup of the Muslim movement and the psychology of the Muslim movement, as long as any—I myself, by having confidence in the leader of the Muslim movement, if someone came to me and I had no knowledge whatsoever of what had taken place, and they told me what I'm saying, I would kill them, myself. The only thing that would prevent me from killing someone who made a statement like this, they would have to be able to let me know that it's true. Now if anyone had come to me other than Mr. Muhammad's son, I never would have believed it even enough to look into it. But I had been around him so closely, I had seen indications of it—of its—of the reality of it, but my religious sincerity made me block it
مآثر مالكوم
بلا شك أنّ الخلاصة التي قد نخرج بها مما سطّر في هذه الوريقات التي بين يديك، أنّ قصة مالكوم تشبه مسيرة طفل يتيم وفقير معدم تربى في أسرة تفتقد إلى أبسط مقومات الاستقرار، حيث تتعثر خطاها في كل شئ، تعليمياً واقتصادياً واجتماعياً، وبين هذه التكاليف المتراكمة من اليأس نجد أن مالكوم قد بنى بيتاً كبيراً من الأمل مشعاً بنور الإباء والعزة وهو لم يزل في زنزانته سجيناً.
وبجلاءٍ يبدو هذا الأمل في سماع محاصراته وما كان يحلم به من الحياة الكريمة لأمته ومجتمعه كله، ولا يحس القارئ وبالأحرى المستمع إلى نداءاته التي أودعها أمانة إلا صوت القائد المخلص ودعوة الرائد الأمين المحب لقومه ما كان يحبه لنفسه من أن يراهم يعيشون في أمن وسلام.
مالكوم كان ذكياً، ومواقفه ملهمة، وحجته قوية ومؤثرة، بهر مستمعيه بفيضانه العلمي، وإيمانه بما يعتقد من مبادئ وأفكار، استنار وعيه واكتشف ذاته وقدراته وهو سجين، فقرأ الكتب القيمة والسلاسل العلمية فغاص فيها غوصاً ثم خرج من السجن خطيباً مفوهاً ملهماً للجماهير.
هكذا يمكن أن يستلهم القائد الأمين، والمرأة العفيفة الكادحة، والشاب الطموح، وقادة العمل الطوعي، ومريدو الإصلاح أينما كانوا، المواقف الأبية والعبرات المفيدة من خلال قراءتهم لسيرة مالكوم، وذلك كله من أجل أن يحاولوا جاهدين في الأخذ بزمام المبادرة للتغيير إلى الأفضل، والخروج من الانكفائية إلى رحاب الحياة.
أيضاً ما قد يستفاد من المواقف التي اختارنا ترجمتها لعكس ما نشأ عليه مالكوم، من الطفولة وحتى الممات، هي مقدرته على التغلب على الصعاب، إصراره بلا كلل على الاستمرار في طلب العلم، والتطلع إلى الحياة الأفضل القائمة على مبدأ العدل والمساواة.
ورغم أنّ مالكوم قد سعى أن يرى السود ينالون حقوقهم ويعيشون كما يعيش إخوانهم الأفارقة أحراراً، فماذا نتصور لو كان هو حياً يشاهد مآسينا اليوم في جمهورية مصر، والسودان، وجمهورية جنوب السودان، وليبيا، والصومال، إرتريا، ومالي، ونيجيريا، وما جرى من هولوكوست راوندا وبروندي، وشلالات الدماء في ليبيريا، وسيراليون، وما جمهورية إفريقيا الوسطى منا ببعيدة!
أيضاً ما قد نستفيده من سيرته أنه كان صاحب مبادئ وعزيمة قوية، مصممة على الإصرار والإستمرار، فلم يلتفت إلى الاغراءات التي حاولت أن تثنيه عما اختطه لنفسه من منهج حياة، فهو رجل عاش لمبادئه وقد اغتيل من أجلها واقفاً وشامخاً كالجبال.
المصادر
للإستزادة الرجاء الرجوع إلى أشرطة الفيديو والمواقع التالية:
-http://www.biography.com/people/malcolm-x-
-http://educapsy.com/etudes/soi-identite-personnalite
-https://ar.wikipedia.org/wiki-
-Malcolmx- Make it plain
-MalcolmX-who taught you
-Malcolmx- The last speech
-Malcolmx-By any means necessary
-Malcolmx-Denounces EliJah Muhammad(June8,1964)
-Malcolm X Speech "Democracy is Hypocrisy" - YouTube
-Malcolm X Speech in Los Angeles (May 5, 1962)
-https://www.youtube.com/channel/UC1
-Barack Obama Praises Malcolmx(1995)
-https://www.youtube.com/watch?v=WUFz0-U618U
-http://www.telegraph.co.uk/history/11422926/Malcolm-Xs-http://educapsy.com/etudes/soi-identite-personnalite
الخاتمة
لا شك أنّ سيرة مالكوم تشي بالمواقف الأبية الساعية إلى الإصلاح وطلب التغيير إلى الأحسن، وهي مما تعين الجيل الحاضر إلى استشراف المستقبل من كل جوانبه خاصة فيما يتصل بمنظومة السلم الاجتماعي ومبادئ العدالة والمساواة.
ومما يجدر الإشارة إليه في ختام كلمتنا هذه أنّ هنالك مَن يحاولون من القوميين الأمريكيين السود – الآن- في بذل قصارى جهدهم لإبراز الجانب القومي في أحاديث مالكوم وصبغها بلون العنصرية الذي رفضه في آخر أيامه، حيث لم يعد يفرق ما بين أسودٍ أو أبيض بل خطّأ أفكار جماعة أمة الإسلامة المبنية على أساس العنصرية.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن ندعو الله مخلصين أن يتقبل مالكوم ويتجاوز عن سيآته ويجعل قبره روضة من رياض الجنان إنه غفور رحيم وجواد كريم.
كتب/
بشير بحر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.