شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عذراً يا عُزاز .. بقلم: شوقى محى الدين أبوالريش
نشر في سودانيل يوم 22 - 02 - 2016

كانوا في الماضى يقولون "لكل زمانٍ مضى آية وآية هذا الزمان الصحف" وبعد الصحف ظهرت وسائل إعلام ووسائط اتصالات أخرى مثل الإذاعة و التلفاز والتلكس والفاكس وتلاهم الإنترنت والبريد الإلكتروني والفيسبوك وتغريدات تويتر ثم الواتساب..فما هي آية هذا الزمان؟ هل ما تزال الصحف سيدة الموقف أم أنها تراجعت لآيات أخرى حديثة ؟ لا أدرى الإجابة الصحيحة لهذا السؤال لكن هناك مستجدات وآيات كثيرة ظهرت الآن في الساحة ربما تكون قد طغت على الصحف الورقية إلى حدٍ ما كونها أكثر سهولة وأكثر إستعمالاً وأكثر مشاركة. وقد نجمل آية هذا الزمان في وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة لأنها غيرت نمط الحياة وحتى السلوك الإنسانى العام بقوة تأثيرها وإنتشارها وإستعمالها من كل قطاعات المجتمع بصرف النظرعن مستوى التعليم والثقافة والسن والجنس والمهنة. سوف أتناول هنا بإيجاز التطبيق المستخدم بالهواتف الذكية الواتساب حيث أصبح مشاعاً أكثر من غيره من الوسائط الاجتماعية وأصبح عندها "قروب" والقروب يتفرع إلى قروبات... شيء عائلى، وشىء دفعة، وشىء أحباء في الله. وفيها مديرون قروبات، ونواب مدير، وبروتوكولات للدخول والمغادرة إلخ.....وأكدت الأبحاث أنه يتم إرسال 19 مليار رسالة يومياً من خلال برنامج الواتساب. هذه الوسيلة البسيطة للتواصل، والتي أصبحت مملكة، بقدر ما تحل لك مشاكل و مواضيع كثيرة في غاية الأهمية وبسرعة البرق لكن وبنفس القدر يمكن أن تدخلك في قضايا شائكة وكثيرة يصعب الخروج منها بسهولة. فقد تأتيك بالمشاكل الداخلية والخارجية وأنت جالس في مكانك... كيف يكون ذلك ؟ قالوا : صاحب بالين كذاب...فعندما تكون منهمكاً في الإطلاع على رسائل الوتساب والرد عليها، في كثير من الأحيان، يرد بعض رسائلك عقلك الباطنى بالنيابة عنك فتقع في المحظور وأنت صامت صامد في مكانك. الأسبوع الماضى كنت في حوار وونسة مع قروب الأسرة ودخلت إبنة أخ، لم تلده أمى، "عُزاز" لتبلغنى أن عُرسها حُدد له تاريخ 4/3، ورأساً رجعت بى الذاكرة 44 عاماً إلى الوراء، فكانت ردة فعلى التلقائية "مارس شهر الكوارث"!... فإحتارت عُزاز أو قل إنزعجت ومن شدة إنزعاجها إرتبكت قليلاً وقلبت التاريخ خطاءً وقالت : لا 3/4، فقلت لها : " دى كمان كذبة أبريل"!.. فسكتت برهة من الزمن، ويبدو أنها رجعت لرزنامة الشهور، وقالت لى : " بالعربى هو يوم 24 جمادى الأول وبالأفرنجى هو يوم 4 مارس يا عمو". حينها أدركت بعقلى الظاهرى أننى أخطأت و صدمت مشاعر العروس الصغيرة التي كانت تود أن تسمع منى التعابير المعروفة في خبريات هذه المناسبات مثل عبارة "مبروك" أو "ربنا يتمم على خير"..لكن كما قلت لكم هي كوارث الواتساب.. فكان لابد أن أخرج من هذا المطب بسلام، فطيبت خاطرها أولاً ثم قلت لها : " لقد قصدت أن أعرفك بمعلومات تاريخية مهمة قد تفيدك فيما بعد وخاصة وانتى صغيرة وما تزال تدرسين في الجامعة.." ولذلك كانت المسكينة كلها آذان صاغية لى بعد أن فُكت حيرتها. وحكيت لها عن الموضوعين. الموضوع الأول " مارس شهر الكوارث" والموضوع الثانى "كذبة أبريل" لعلها تعذرنى عن خطأ غير مقصود أوقعنى فيه الواتساب. لكن ذلك ليس مدعاة لظلم الواتساب، فالكمال لله وحده، فكل المعلومات التي نقلتها لها عن الموضوعين، والتى أوردها لكم أدناه، كانت بواسطة هذا الوتساب.
أولاً مارس شهر الكوارث.. هذا المصطلح لا يعرفه إلا عجائز القوم، وبالتحديد الذين درسوا بجامعة الخرطوم في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضى، وسوف أسلط الضوء على هذا التعبير وأشرِّح أصله وفصله للذين لا يعلمون وللذين يعلمون أيضاً فقد تحيّي فيهم ذكريات من الماضى. كانت الإمتحانات النهائية في جامعة الخرطوم تبدأ في جميع الكليات بإنتظام في اليوم الأول من شهر مارس كل عام مهما كانت الأحوال. وربما تعلمون أن إمتحانات الجامعة أيامها كانت مجزرة كبيرة ما فيها " يا أُمى إرحمينى" كما يقولون، فقد يُفصل الطالب من السنة الأولى أو حتى من السنة النهائية لا يهم إذا لم يحقق المستوى المطلوب في الإمتحانات أو حتى الحضور.. فياما صارت مآسى وضاع مستقبل طلاب وطالبات بل هناك من ضاعت حياتهم لمجرد أن خانتهم الذاكرة في الإجابة على سؤالين أو ثلاثة ! لذلك كان شهر مارس هو "البعبع" للطلاب كلهم أياً كانت القدرات الإستيعابية لعقولهم.. هو الشهر الذى يكرهونه كراهية التحريم. وتعبيراٌ عن كراهيتهم لهذا الشهر المخيف كان كل طلاب وطالبات الجامعة يخرجون في مظاهرة سنوية صاخبة قوامها أكثر من 4 الآف شخص في يوم 28 أو 29 فبراير، حسب ما تكون السنة – بسيطة أو كبيسة، يجوبون فيها حرم الجامعة إبتداءاً من الداخلية الجديدة لطلاب الهندسة مقابل وزارة الثروة الحيوانية ثم سكن الطالبات إلى داخليات البركس مروراً بالميدان الشرقى للجامعة ثم قهوة النشاط حيث ينضم إليها طلاب وطالبات كليات الطب والزراعة والبيطرة القادمون بالباصات من الأقاليم، شمبات ومنطقة شارع الحرية بوسط الخرطوم، كلهم يرددون الهتافات " يا مارس يا شهر الكوارث" و "ارحل إرحل يا مارس" و"إرحم إرحم يا مارس" وتتعالى أصوات وعويل وصراخ الطلبة والطالبات بهستيرية وهم يلبسون ملابس ممزقة وأخرى تنكرية.. وكانت لها قياداتها وشعاراتها المحفوظة ومسارها المعروف وكان بعض أساتذة الجامعة يشاركون الطلبة في هذه التظاهرة يعنى "حاميها حراميها"، وكانت قوات من الشرطة تصاحبها فقط لتنظيم حركة السير والمرور في شارع الجامعة حيث أنها تظاهرة سلمية. وبعد أكثر من ساعتين من التظاهر في مختلف أرجاء الجامعة يقف التجمع في صمت أمام قاعة الإمتحانات الكبيرة عند مدخل الجامعة الساعة 12 فى منتصف الليل، وبدخول الدقائق الأولى من فجر يوم أول مارس تُحرق دمية كبير في شكل شيطان وهى تمثل الأمتحانات، وبإحتراق وإختفاء آخر جزء من الدمية يلوذ صمت كنائسى جميع أرجاء الجامعة، وكأنه صمت القبور، ثم يعود كل طالب وطالبة إلى المكتبة أو إلى المعمل أو إلى غرفته ليواصل المذاكرة والتحصيل وكأن شيئاً لم يكن. ويستمر هذا الحال طوال شهر مارس وحتى نهاية الإمتحانات فلا تسمع غير حفيف الأرجل في طرقات وممرات الجامعة و أصوات الملاعق والشوك والسكاكين في قاعات الطعام. هذا اليوم المشهود إستمر لعشرات السنين بنفس الصورة النمطية إلى أن جاء الوقت الذى أصبحت فيه الدراسة غير منتظمة في الجامعة بل توقفت كلياً لفترات طويلة لأسباب سياسية وتعدلت مواقيت الإمتحانات حسب الكليات وإختفى سكن الداخليات و بذا رُد الإعتبار لشهر مارس وأصبح بريئاً مثله مثل بقية الشهور.
هناك عشرات القصص والأحداث المؤلمة حصلت نتيجة لإمتحانات شهر مارس راح ضحيتها مئات من الطلاب والطالبات. وسوف أذكر لكم هنا قليل مما أعرف عن ماذا فعل ذلك المارد أو الغول في أولاد وبنات الناس. لكن مما يجدر ذكره ويؤكده التاريخ الطويل وما لا يستقيم عقلاً أن الطلبة الأذكياء والشطار كانوا أكثرعُرضة من غيرهم للفصل من الجامعة لسبب أو لآخر كما سوف ترون.
في السبعينات من القرن الماضى إلتقيت بشاب يكبرنى سناً عُرف بالذكاء الحاد في منطقتنا لكنه فُصل من جامعة الخرطوم حيث قال لى ناصحاً من دون مناسبة : "يا قريبى لا تصاحب إلا من هو أكثر منك تعليماً أو أكثر منك تديناً "، ولما كنت أعرف المقدرات الذهنية لهذا الشاب قلت في نفسى لابد أن يكون في الأمر شيئاً كبيراً يستحق معرفة خلفية حكمته هذه عن إختيار الصديق. فعّدل جلسته وحكى لى منفعلاً مأساته..كان قد نجح ووصل إلى السنة الرابعة بكلية الهندسة الكهربائية في جامعة الخرطوم إلا أن قلبه تعلق بفتاة حسناء من منطقة الجزيرة فكثرت أسفاره إلى مدنى وبالتالي كثر غيابه عن المدرجات والمكتبة ثم ضعف أداؤه العلمى وحضوره وكانت النتيجة الحتمية فصله من الجامعة في مارس بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من التخرج..لم تنته مأساته هنا فقد واصل الحديث بأنه لم يجد شخصاً يقف معه في هذه المحنة إلا بعض من أبناء قريته الذين يعملون في حِرف فنية بسيطة ويسكنون مع بعضهم، فضموه اليهم وإحتضنوه بل إجتهدوا وأوجدوا له فرصة عمل في وظيفة محاسب في إحدى المجالس البلدية حتى يتمكن من مساعدة أهله مادياً وكانوا فرحين بذلك الإنجاز..واصل مجبوراً في هذه الوظيفة ومرت الإيام والسنين.. وكانت الحسرة الكبرى حينما علم فيما بعد فوات الآوان أنه كان بإمكانه العودة للجامعة بنظام إعادة كل الإمتحانات (Resit) أو بنظام إعادة السنة (Repetition) بتقديم طلب معين في الكلية. لكنه لم يعلم ذلك في حينه، ولم يجد بجانبه من هو أكثر منه علماً ليدله على الطريقة..أقرانه الذين إحتضنوه، وبحسب فهمهم المحدود، فرحوا له بشغل الميرى..والنتيجة أن ضاع مستقبله الذى كان قد رسمه لنفسه. وحينها أدركت حكمته في إختيار الصديق.
المثال الثانى هو صديق ودفعة وكان من أذكى الطلاب خاصة في مادة الحساب وتوابعها من علوم وفيزياء، كان يتحصل على النمرة الكاملة في الحساب منذ أن زاملته في المرحلة المتوسطة والثانوى والجامعة إلا أنه كان لا ينجح في مادة الدين وأحياناً في مادة اللغة العربية. دخل جامعة الخرطوم في كلية الهندسة الميكانيكية ونجح إلى السنة الثانية إلا أن أجواء الخرطوم بما فيها من دور للسينما والرياضة والحفلات والندوات قد إستهوته كما يحصل للكثيرين وبدأ يتقاعس شيئاً فشيئاً عن الدراسة والتحصيل. ومن السهر المتواصل قلب نهاره ليلاً و أصبح ينوم طوال النهار وتفوته المحاضرات حتى قال لى يوماً ثالثنا في الغرفة : " عبد النوام دا ينوم ويقوم يرتاح شوية وينوم تانى.. " كان هذا أبلغ وصف لحالة صديقى الذى لم يستبين النصح إلا ضحى الغد فقد تم فصله في شهر مارس نتيجة للغياب المتكرر فضاعت آماله العراض.
طالبة حسناء وفى غاية الأناقة والجمال قيل فيها شعراً حلمنتيشيا جميلاً فاق الخيال..وصفها طالب هاجر إليها من كلية الطب، مثله مثل الطيور المهاجرة بحثاً عن الدفء والحنان، وبسببها أراد هذ الطالب المهاجر أن يعمل ثورة تصحيحية و يغير النظام العريق لإمتحانات الجامعة ونظام التصحيح وسياسة الرفد. وهذا الشعر الحلمنتيشى ليس بالضرورة أن يكون مقصوداً شخصاً بعينه إنما يمثل ما كان في مخيلة وقلوب كل المحبين والمحبات الذين تركوا المدرجات وعاشوا في قهوة النشاط..وأدعوكم للتأمل فى بعض من أبيات هذا الطير المهاجر ألا وهو الشاعر الكبير والنطاسى البارع الدكتور عمر محمود خالد حيث قال في الحسناء وفى مارس، الآتى :
فايتانا وين مستعجلة
شرط إمتحان ما إنتى كملتى الحلا
لازم علوم ما إنت بالسماحة مؤهلا
ما ساحرة نايرة ومذهله
دار النشاط الليلة صبحت خلا
حزنت لياليها وصباحتها تبكى أصائلة
ماكنت نوارها ونسيمها وبلبلها
وكنت الندى الحاضن زهورها مدللة
فايتانا وين مستعجلة
فوتك منو العاد بقبلها
كل القلوب تخضع تجيك متوسلة
السلة تبكى مولوله
الليلة صبحت أرمله
ما كان عشانك يا ملاك نحن بنجيها وندخلا
كنا بنصفق للجمال
وكنا بنصفق للحلا
لكن يمين واقفين وراك
لا نجيها يوم لا ندخلا
حادين عليك يا مذهله
فايتانا وين مستعجلة
ثم واصل الدكتورعمر فى القصيدة إلى أن قال فيها عن امتحانات مارس ما قال وشكك في التصحيح ونوايا المصححين والعميد والمعيد وحتى فى مقدرات الكمبيوتر الذى يخطىء ويظلم ست الناس حين تساءل :
غلطات كتيرة الكمبيوتر بعملا
يمكن نسى يمكن سها
وجاط النمر بأكملا
ما قالوا بعرف كل شى
ليه ما عرف ست الحلا
ولو كان عرف كل النمر كان بدلا
مالو العميد مالو العنيد
مالو لو رفد المصحح والمعيد
لو خلا ست الناس تعيد..
وشال من نمرنا وكملا
الجامعة بعدك كوم تراب
لا تنفع آداب لا إقتصاد
لا فيها طب لا صيدله
فايتانا وين مستعجلة
هذا ما كان من أمر مارس سيد الإسم "شهر الكوارث" والذى بدله الزمن إلى شهر للفرح لأجيال تلت ونواصل.
ثانيا كذبة أبريل لا ندرى بالضبط ما هي أصول كذبة إبريل لكن الغالبية يقولون أنها تعود إلى دولة فرنسا فقد كان الإحتفال بعيد رأس السنة يقع في الأول من شهر إبريل، لكن في عام 1582 وضع الملك شارل ملك فرنسا تقويماً جديداً هو الأول من شهر يناير لكن ظل بعض الفرنسيين متمسكين بإبريل كالعادة ومن ثم أطلق عليهم ضحايا إبريل، وبذلك أصبحت عادة للمزاح في فرنسا ومنها إنتقلت إلى بلدان العالم الأخرى خاصة دول أوربا، ثم أصبح أول يوم من إبريل اليوم المباح فيه الكذب القائم على المزاح من أجل إضفاء نوع من المرح والضحك عند كل الشعوب في دول العالم ما عدا دولتى إسبانيا وألمانيا لإرتباطه باليوم المقدس في إسبانيا ولتعارضه مع يوم ميلاد الزعيم الألماني المعروف بسمارك..هو يوم إعتاد فيه الناس على إطلاق النكات وخداع بعضهم البعض وتحصل فيه مواقف معظمها لطيفة لكن بعضها محزن. كذبة أبريل ليس بالأمر المشاع في المجتمع السودانى لكنه أيضاً لا يخلو من الوجود لأجل المزاح والفرفشة خاصة مع المزاج السودانى المتقلب والذى يطغى عليه الهم والغم والجدية في كل الأوقات. في زمن مضى كانت التلغرافات أو البرقيات التى ترسل بواسطة مصلحة البريد والبرق هي أهم وأسرع وسيلة للإتصالات وتوصيل الخبر. وكان يحملها بدراجة نوع رالى حمراء شخص معين من مصلحة البريد والبرق ويسلمك البرقية باليد وتوقع على وصل إستلام.. وكان الناس لا يتفاءلون خيراً عندما يرون ساعى البريد يقترب منهم ممتطياً دراجته الرالى الحمراء حيث لا ترسل البرقية إلا لأمرعاجل وهام. سقت هذه المقدمة لجيل الواتساب والبريد الإلكترونى الذين لم يعاصروا زمن البرقيات التي تطورت شيئاً فشيئاً وتمخضت عن الواتساب والبريد الإلكترونى مثلها مثل نظرية داروين التي تدعّى بأن الإنسان كان في الأصل قرداً ثم تطوّر شيئاً فشيئاً. الشاهد قبل سنين طويلة مضت أرسل المرحوم والدى، طيب الله ثراه، برقية إلى إبن عمه الذى كان يعمل في مصر، وبينهما علاقة صداقة قوية أكثر من صلة الدم، يخبره فيها بأن نسيبه قد توفى إلى رحمة مولاه. ولما صادف ذلك الخبر شهر أبريل أو ربما لهول المفاجأة رد عليه إبن عمه على التو ببرقية فيها ثلاث كلمات : "هذه كذبة أبريل..". وكان ذلك سبباً في قطيعة بين إخوان وأصدقاء إستمرت لسنين حتى عودته من مصر في الإجازة وتقديم الإعتذارات. ثقافة الهزل هذه وخلط الجد بالضحك كانت غير متوفرة عند كل الناس آنذاك خاصة عند كبار القوم ولذلك كانت تحصل مثل هذه المشاكل بيد أنه في كثير من الأحيان يكون فيها طرفة وضحك وهى أشبه بمواضيع الكاميرا الخفية في هذا العصر. وإليكم هذا الطرفة الواقعية التى حصلت قبل سنوات حيث كان يسكن معى في بلاد الأغتراب صديق جاء يبحث عن عمل.. ولما ضاق ذرعاً بالبحث المتواصل وقرر العودة من حيث أتى، إتفقت مع زميل عمل لبنانى الجنسية أن يتصل به ويخبره بأنه مطلوب فوراً لمعاينة لوظيفة كبيرة قدم لها. وفى أول أبريل إتصل به الزميل على هاتف منزلى بلهجة لبنانية إنجليزية يدعوه للمعاينة فما كان من صديقى إلا أن قفز من سريره وإستعد... من دش وحلاقة وخلافه في أقل من عشرة دقائق إلا أنه إكتشف عندما أراد أن يلبس أن بدلة عُرسه "عبد الواحد" في المغسلة الأوتوماتيكية الحديثة من كثرة المعاينات التي حضرتها..فجاءنى في الغرفة يستأذننى في إستلاف بدلة للمعاينة، فألبسته بدلة هى أكبر مقاس عندى وكانت ضيقة عليه إلا أنه كان لا مفر من أن يلبسها، فصار شكله مضحكاً كالبالون المنفوخ على الآخر. وكعادته لم ينتظرنى لأعطه فضل ظهر، وبسرعة خرج وإستغل سيارة أجرة ووصل المكان المتفق عليه وكان هو نفس المكان الذى أعمل فيه.. وصعد إلى الطابق الخامس وأجرى له الزميل معاينة صورية. وفى نهاية المعاينة تأسف له الزميل أشد الأسف بأن هندامه لا يناسب تلك الوظيفة المعنية التي تتطلب قدراً من الأناقة العصرية..وضاعت عليه الوظيفة. فجاءنى إلى الطابق الثالث متحسراً ومستغرباً يلعن المغسلة الحديثة وأبو صاحبها ورمى في وجهى "الجاكيت" وما درى أو لعله درى أن مشكلته الكبرى كانت في "البنطلون" الذى لم يتجرأ في أن يرميه لى كالجاكيت..فضحكت يومها وكأننى لم أضحك من قبل..فعرف المقلب وأدرك أنه كان ضحية كذبة أبريل، وبقدر ما أصابه إحباط إلا أنه إنفجر ضحكا على نفسه وكانت سبباً في فرفشته وتغيير مزاجه. وبعدها لم يطل إنتظاره وإلتحق بعمل يناسبه والآن من كبار الإداريين إلا أنه ما يزال يتوعد ذلك الزميل اللبنانى بمقلب مماثل رغم مرور خمسة عشرعام على تلك الواقعة المضحكة التي صبّرته و مهدت له الطريق.
في ختام سردى لهذا الخليط من الأحداث التى ترفع ترموميتر الضغط وتنزله، لا أعتذر للعروس "عُزاز" فقط بل أقدم لها باقات من شكرى الخالص على إتاحتها لى الفرصة لألتقيكم عبر آيات الأزمنة كلها، من صحف ووسائط التواصل الاجتماعي الحديثة.. وربنا يتمم لهما على خير والأهم أن يستمر تدفق الخيرعليهما... ربى إنك سميع مجيب.
شوقى محى الدين أبوالريش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.