المقاله الثالثه بقلم حسن الحسن / سيدنى استراليا نفاج:- (.... وقال لى ان لم تقف امام الوصف اخذك الوصف ..... ) .......وقال لى ان استخلفتك رآ ك كل احد عنده ولم ترى احدا عند ك .....)) النفرى (5) اعتزار: عزيزى القارىء اطلب عفوك فى الدهدهة التى اخرت هذه الوقفه لاكثر من سنتين حسوما وهى المسوده الثالثه حيث فقدت الاثنين فى رباعى البرعى – القبل الاربعه- الشتات والاستغراق والتامل والانعتاق من زمكان الناسوت. فان رضيت باعتزارى تعال نقيف قبل ان ياخذنا الوصف ... ويالحاق بعيد !!!!! اين الفراغ ؟ ثمة تساؤل لم يفارق ذهنى منذ ان بدات الاهتمام بكتاب طبقات ود ضيف الله (1) منذ اكثر من عشرين عاما , وهو غياب اى اضافات نوعيه او حتى كميه لتجربة التصوف السودانيه واكتفاء هذه التجربه بشكل التجمع الدينى البدائى وترديد ازكار محفوظه مع بناء سيكلوجيه زاهده فى الدنيا كمحتوى لنشاطها الصوفى, ... فهل هذه السمات كافيه لتعريف اى تجربه دينيه بانها تجربه صوفيه ؟ احاول فى هذه المطالعه تجديد النظر وربما التاويل لكتاب الطبقات بوصفه – رصدا وصفيا لتجارب التصوف السودانى وفى ذهنى ضرورة خلق مسافه ضروريه تؤمن من جانب حيوية هذا التراث (( الكتاب (1) )) وتعمل على فصله عن ذاته وفتح امكانيات عودته معاصرا من الجانب الآخر وتجديده, ولن يتم ذلك الا بتفعيل قانون الفرز والتمايز الخالد داخل تاريخ حركات التصوف السودانيه اى انقسام هذا التاريخ على نفسه حتى يمتنع عن داء الانغلاق و آفة التكرار ويتحول بذلك الى ظاهره ميته وان استمرت صرخات حيران الدائره طلبا للمزيد !!!!!!. للشيخ الاكبر محى الدين بن عربى (2) , تعريفه الرائع (.... ان الصوفى......( حق فى خلق ).....) واذا اضفنا الى هذا التعريف ان رحلة المتصوفه رحله بلا طريق يرشدها نحو المطلق او المستحيل وهى بذلك رحله فرديه قد تنجح فى الوصول والاقامه وقد لا تنجح , فان اقصى ما وصلت اليه تجربه التصوف السودانى هى الطريق فى شكله الزاهد والفقير شكلا ومضمونا , طريق القوم , او سالك طريق القوم , بحسب التعبير الثابت فى ادب التصوف السودانى , طريق مسدود ولن يصل سالكه الى المشاهده او الوقفه لان الرحله بلا طريق والراحل فيها يذهب وحده بلا قوم ولا علم نحو الاحتراق والمشاهده , ولان الطريق حجاب او حد , فان سالكه محكوم بهذا الحد وعاجز حكما عن الوصول واستحقاق الضيافه , فضلا عن ان الطريق لا يطلب لذاته . تلعب الكرامات التى يجترحها شيوخ التصوف السودانى دورا مركزيا فى اثبات الهويه الصوفيه لرجال ورموز الصوفيه , وبغض النظر عن خيالية هذه القصصص التى تملأ كتاب الطبقات , فأن ورودها بهذه الكثافه عكس اشواق اجتماعيه عميقه , الى التحرر من قسوة الطبيعه او الواقع الاجتماعى البدائى ( عوا لم الناسوت ) , المتناقض وحتى الظالم الذى عاش فيه الناس فى تلك الشروط . ما يلفت النظر هنا , هو , عدم وجود هذه الظاهره ( ظاهرة الكرامات ) فى اصل حركة التصوف الاسلامى وعند طلائعها ومجترحى منهجها وفلسفتها ووقفاتها , كالمعتزله (3) , وابن عربى (2) , والحلاج ( 4) و النفرى (5)... وغيرهم من الرواد والسلف السالك. لماذا احتاجت تجربه التصوف السودانيه الى الكرامات , لاثبات هويتها , فاذا كانت الكرامات دليلا قويا على صلة صاحب هذه الكرامات مع الغيب والشهاده , اى انه خاص ومن اهل الحضره, بحسب التعبير الشائع , فان هذه الكرامات نفسها , قد تهبط بتجربة التصوف وتمنعها من الاكتمال المستحيل كما انها منطقيا , ستؤدى الى عبادة التجربه الصوفيه لذاتها ... والانغلاق تاليا على عالم السوى فى شكله المادى. ان انفلات تجربة التصفوف من النصوص والحرف , يبقى جوهرا دائما لهذه التجربه, جوهرا لا تستوى التجربه وتنطلق بدونه,ذلك ان النصوص , بما فى ذلك النصوص الشرعيه, تشكل قيودا على رحلة المتصوفه نحو المطلق ومعانقة مصادر الروح والوعى. كما انها لا تسمح بحريه استماع الصوفيه الى ذبذبات الوجود الخالده , بعيدا عن النصوص الفقهيه والتى على كثرتها عاجزه عن الاحاطه بهذا الفضاء او .....الفراغ. الان اعود الى سؤال :- اين الفراغ ؟ الفراغ هو الا ترتبط بشىء , الا تبحث عن شىء , وان لا تنتظر شىء , هو منطقه حره لتأسيس تعال , ينطلق من توقيف الاحكام , وتعليق الكون ومن جعل ذات الواقف تكتشف ما يحجبها عن نفسها , لذلك شدد النفرى (5) على ان الفراغ قوه واتساع ونور – مقتطفات من كتاب الصوفيه والفراغ لخالد بلقاسم (6) – ما اود ان اشير اليه بهذا السؤال هو ان تجربة التصوف السودانيه قامت عاجزه عن تأمل هذا الفراغ واكتفت بحد ادنى من الكتب الفقهيه لبناء تجمعاتها , على الرغم من التضاد الذى لازم حركة التصوف العربى الاسلامى فى المشارق والمغارب -, هذا التضاد مع شيوخ الفقه الاسلامى , وسعى حركة التصوف الدائم للانفلات من هذه النصوص الفقهيه والتى تشكل قيودا على تحليق المتصوفه نحو الفضاء والفراغ العظيم , وقد دفع رموز التصوف الكبار – الطلائع – ثمنا غاليا لهذا الانفلات , ولكنه كان تكريما خالدا ومقدسا لمأساة التصوف الانسانى. ان وصف تنزلات الوعى الصوفى بانها شطحات او بدع او ضلالات تذهب باصحابها الى النار ,حسب بنية الفكر الفقهى السائد هى فى الواقع ,هذا التفلت المستمر للوصول الى عتبات هذا الفراغ بكل خصوصيته ووعده. لقد حاول اقطاب الصوفيه على مر العصور حل اشكال اللغه المحدوده فى توصيف تجربه لامتناهيه وصامته فى اغلب الاحيان ,دون جدوى , وذلك , ببساطه, لان التجربه فوق اللغه وانها تجربة الاسرار التى لم ياذن الحق بكشفها. وفى ظنى هنا أن التجربه الصوفيه ليست قاصره على المدى الاسلامى وحده .. وهذا الاستطراد سيكون موضوع الحلقات القادمه. ودمتم حتى الوقفه القادمه فى سرمديته وباذنه تعالى ... ويا ...... يا مدد:- الشكر من بعد الله ورسوله – اشرف خلقه اجمعين - , موصول لسادن القبه البلوح قنديلا فى – المهاجر – الاستاذ خالد عثمان وسودانايل – الاستاذ طارق الجزولى والسالكين فى الاستغراق والتأمل, فى تحملهم عنا – حمولة ومهابه الجبال فى الخشوع وكذا فى مشقه نشر الوعى وبذله لنا ولغيرنا... لقد احسنتم وحقكم علينا. وثبت الاجر. ثبت المراجع:- كتاب الطبقات فى خصوص الاولياء والصالحين والعلماء فى السودان : تأليف محمد النور بن ضيف الله , حققه وعلق عليه وقدم له البروفسور يوسف فضل حسن , الطبعه الثالثه . دار جامعة الخرطوم للنشر, .1985 مؤلفات واعمال محى الدين بن عربى فكر ومنهج المعتزله الحلاج النفرى خالد بلقاسم , مقتطفات من كتاب الصوفيه والفراغ حسن الحسن سيدنى استراليا 15 ديسمبر 2015 تحريرا 19 مارس 2016