معارك ضارية ب (بابنوسة) والدعم السريع تقترب من تحرير الفرقة 22    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    مسؤول بهيئة النظافة يصدم مواطني الخرطوم    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: التقديم الالكتروني (الموحّد) للتشكيل الوزاري    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    حكومة أبو نوبة.. ولادة قاتلة ومسمار آخر في نعش "تأسيس"    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أ.. ب.. ت.. ث .. الحكومة؟ .. بقلم: الصادق عبدالله عبدالله
نشر في سودانيل يوم 07 - 04 - 2016

بدأت كتابة هذا الموضوع منذ وقت ليس بالقصير.. لكنه ظل طي تلافيف الحاسوب. وتستثار الفكرة لدي من وقت إلى آخر. الآن وجدت قصاصة نشرت في الاسفير لصحيفة سودانية.. أنه في مؤتمر صحفي أنه تم تسحيل حوالي عشرين مليون سوداني .. وأنه بنهاية ديسمبر من هذا العام الجاري (2015) أن اي من لم يتحصل على رقم وطني يعتبر أجنبياً.. وأن هناك نحو عشرة مليون لم يسجلوا بعد.. هذا التنبيه، إلا نه جدير أن يضرب به المثل... باعتبار أن المواطن هو صاحب الحق.. وهو مخدم للحكومة (المسؤولةوليست السائلة) التي تنظم له اعماله.
فمثل المواطن مثل من استأجر حارساً، يراقب ويرعى منزله وممتلكاته ضد اي نوع من التعدي.. وأن صاحب المنزل عبر عقد مع الحارس أنه وضع له شروطاً لخدمته.. بأن يفعل كذا وكذا.. وأن صاحب المنزل يمنحه نظير خداماته كذا .. ويحاسبه على جودة عمله.. وقد امتدت العلاقة.. وفي كل مرة يوجه صاحب المنزل الحارس الهمام إلى أهمية تجويد عمله.. أصبح الحارس صاحب سلطة وكلمة .. وتوجيه .. حتى قال يوماً لصاحب المنزل : النايم ليها شنو؟ أنت ما عندك أوراق رسمية.. هذا لتقريب علاقة المواطن مع الحكومة عامة.. فالمواطن هو صاحب الحق.. والحكومة هي الحارس الأمين ..
تتمثل الفكرة الأساسية عن مفهوم الحكومة هي أن مجموعة من الناس ، تعيش معاً في رقعة واحدة، وتعمل على ممارسة أنشطتها الحيوية، وترغب أن تحقق لأفرادها السعادة في الحياة، بالاستفادة من مواردها، ممتلكاتها والاستفادة من نتائج جهدها. إلا أن المجموعة تتعرض لاعتداءات خارجية من مجموعات أخرى من الناس بسبب الرغبة في أخذ ممتلكاتهم وعروضهم. وتسعى هذه الفئة للحفاظ على ممتلكاتها ومصالحها من التعدي (حفظ الأمن من الاعتداء الخارجي). وبدلاً من تهب هذه المجموعة كلها لتقوم بمهمة الحماية، تقوم بتكليف بعض أفرادها ليقوموا بمهمة حماية المصالح ورعايتها. وتتفرغ البقية لأعمالها والاستمتاع بحياتها. لكن في ذات الوقت يقومون بمتابعة الفئة المكلفة والتأكد من قيامهم بمهامهم وفي نهاية الأمر تعطيهم الأجر على حسن أدائهم لمهتهم.
لكن أيضاً بعض أفراد الفئة أنفسهم يعتدون على بعض آخر منهم. وبدلاً من المشاجرة والمقاتلة وتحقيق الغلبة وقلع الحقق (حُمرة عين)، يتم توسيع مهمة الفئة المكلفة لتمنع وقوع إعتداء أي فرد على آخر، وأنه من مهام الفئة المكلفة حق منع المعتدي، أو القبض عليه. وهذه المهمة تسمى حفظ الأمن الداخلي.
ولما كان المتهم بالاعتداء يرفض دعوى الطرف الأخر المعتدى عليه ، ويطلب الانصاف. تتوسع مهمة الفئة المكلفة للقيام بمهمة سماع دعاوى الطرفين والفصل فيها لسماع حجة الطرف المتهم بالاعتداء والطرف صاحب الدعوى حتى لا يحدث ظلم لأي من الطرفين. وفي حالة ثبوت التهمة يتم استرجاع الحق موضوع النزاع وردع المعتدي. وتسمى هذه المهمة بمهمة القضاء. ويتفق كل الناس على ذلك، حتى لا تكون الحقوق (قلع إيد) . وفي حالة أن المعتدي إذا لم يرعوي ويتسبب في فقدان حالة الآمن يمكن أن يصدر الحكم ضده باستخدام القوة لردعه، وقد تؤدي بحياته.. وهذا امتداد للمهمة الامنية التي تمنح القضاء قوته.
ثم تظهر احتياجات لمهام أخرى للتواصل مع مجموعات أخري من البشر، لتبادل المنافع وتعظيم المصالح ، لتتوسع أيضاً مهام الفئة المكلفة لتقوم بمهمة التواصل لتحقق ذات الغاية أن تسعد الشعب بخيراته. وهكذا تتوسع مهام الجهة المكلفة، على أن تأخذ أجرها على أداء أعمالها، وتحاسب على التقصير. وحتى لا تستبد الفئة المكلفة بأعمالها، من مهامها أيضاً أن ترجع الفئة المكلفة للناس أصحاب المصلحة تستشيرهم فيما يستجد من قضايا لتسترشد برأيهم. ولمّا لا يستطيع الناس كلهم القيام بتلك المشورة الراتبة يتم انتخاب بعضهم لغرض الاستشارة وإصدار التوجيهات والتشريعات والاستماع للجهة المكلفة وتوجيهها ومحاسبتها. وتسمى هذه المهمة بالمهمة البرلمانية (يعني مهمة الكلام Parliament أو المشورة ).
ولغرض الإحلال بسبب العجز أو الموت وفقدان الصلاحية أو حتى فقدان الثقة في آداء المهام يتم تحديد مدة أداء الفئة المكلفة لفترة زمنية ينظر في تجديدها . ثم ترسي التجارب في التكليف والتفويض أن يتم تكليف الجهة المكلفة تكليفها لأمد محدد، يمكن أن يتم التجديد لها مرة أخرى ما دامت قادرة على أداء مهمتها. لكن لكي تؤدي الجهة المكلفة، التي توسعت مهامها لشتى الاغراض، يتم تفويضها ومنحها صلاحيات المتابعة والمراقبة والمحاسبة، لضمان إسعاد الناس .
هكذا فكرة نشأة الحكومة (أداة الحكم) التي هي في الأصل هي جهة مكلفة لأداء مهام لرعاية وتنمية المصالح ودرء المفاسد . تبدأ بمهام أساسية ثم تتعدد مهام أخرى تنشأ بموجب الممارسة وقدرة الحكومة على تطوير مهامها الأساسية. وهذا ما يسمى بنظرية بناء الحكومة من القاعدة إلى القمة. أي أن ينشئ الشعب الحكومة ويوكل لها رعاية مصالحه.
بالطبع يقابل نظرية البناء والتفويض نظرية أو نظريات أخرى تتمثل في أن تنشأ الحكومة من أعلى إلى أسفل، بأن يكون هناك أحد يستطيع بقوته المادية والمعنوية أن يحمي أفراد مجموعته، وأن يحقق لهم سعادتهم وأن يقتص من ممن يعتدي منهم على مجموعته (فارس القبيلة، وحامي حماها). فتنشأ حوله السيادة. وبموجب هذه السيادة سيكون له اليد العليا في الأخذ والعطاء، وتنظيم شؤونهم ولهم عليهم السمع والطاعة. وتمثل نشأة الدولة التاريخية هذا النموذج. كما تمثله حكومات الاستعمار التي فرضت هيمنتها على الشعوب. وحتى الانقلابات التي تتم بمبررات الحماية والرعاية وتحقيق السعادة. كثير من نظم الحكم لها أوجه شبه بهذا. وبين هذا وذاك تتفاوت العلاقات المنظمة بين الحكّام والمحكومين. راجع د. عمر احمد قدور (شكل الدولة).
لماذا تنشأ الحكومة؟:
تظل الغاية من نشأة الحكومة هي أن يكون الناس سعداء. فالحكومة أنشئت لرعاية مصالح الناس. ولكي تؤدي الحكومة مهاما بصورة معيارية، ستقوم بصياغة وثيقة أساسية تحدد الحقوق والمباديء الأساسية والعلاقات الكبرى، تسمى الدستور. ثم تصاغ نصوص أكثر تفصيلاً تسمى قوانين. وتصاغ العلاقات الرأسية (داخل المؤسسات) والأفقية (بين المؤسسات) تسمى هياكل.. وتصاغ لوائح أخرى تسمى مذكرات تفسيرية، لغرض توضيح المقاصد الدقيقة. وتصاغ المهام والواجبات لكل وحدة ولكل مكلّف داخل الوحدة بصورة دقيقة من أدنى سلم العمل الحكومي حتى أعلى قمة الهرم. وكذلك تصاغ أخرى لدرجة توضيح الإجراءات تفصيلية تحدد كيف ينال الفرد الخدمة، وكيف يدفع الفرد للحكومة استحقاقها. يظل الغرض هو تحقيق مصالح الناس (أن يكون الناس سعداء) . ولكي تحقق الحكومة السعادة للناس ، يفترض أن تقوم بتطبيق كل الإجراءات لتحقيق المصلحة العامة وتحقيق سلامة المجتمع .
أن الحكومة في ذلك تؤدي دورها بتطبيق القوانين والإجراءات على كل الأفراد المحكومين بقوانيها وإجراءاتها، ذلك باعتبار أن الحكومة تحمي حرية الأفراد من التعدي على بعضهم، وتحمي أعراضهم وممتلكاتهم وتحفظ سلامتهم وأرواحهم.. وإن لم تطبق الحكومة القوانين والإجراءات ستكون مقصرة في دورها. وسيعمل الناس حينها بدون قانون. وعندها يمكن للقوي أن يأكل حق الضعيف، وسيبحث الضعيف عن آخر قوي للحماية. وأن تأخذ مجموعة حقوق مجموعة أخرى، ومن ثم لا ترد المظالم وينفلت الأمر.
ولتحقيق حاكمية القانون لا بد أن يحترم الناس القانون (العقد الاجتماعي) ويلتزم كل الناس بالعمل على استدامة الحكومة التي يعيشون في دائرة تفويضها، والتي هي بالضرورة تعمل على رعاية حقوقهم. ولكي تفرض الحكومة القانون لا بد أن يكون لها تفويض باستخدام القوة، فإذا انصاع الناس يكفي من القوة فقط أن تدعو الناس وتنفذ عليهم أحكام القانون. فكل الحكومات لها الحق في تطبيق القانون لمصلحة الناس، دون أن يكون ذلك لصالح أحد وعلى حساب أحد آخر. وأن كل من يتجاوز القانون ويتمرد عليه لا بد أن يحاكم ويرتدع بالقانون، بل أن يحول بينه وبين عمله غير القانوني بالقوة.
فالحكومة ماكينة ، قد تكون معقدة لكن كل جزء فيها يؤدي مهمة محددة ولا يمكن أن يتداخل الجزء لمهام أخرى غير مهمامه. فهي بذلك تتكون من نظم تتكامل أدوارها لأداء المهمة الكلية.
مبدأ حقوق الإنسان:
فلا بد أن تنشأ الحكومة على مبادئ واضحة يمكن أن يقاس عليها أداؤها، وتكون المحاسبة معيارية. فمهمة الحكومة في المقام الأول أن تحافظ على الحقوق، حقوق الإنسان. والمعلوم في قاعدة عقول الناس أن الحقوق منحة من الخالق العظيم. وأول ما تشمل الحقوق أن تشمل حق الإنسان في الحياة (لا يسلب الحياة) والحرية في ممارسة الحياة الكريمة دون قهر (حرية الاختيار) . وأن يكون حراً في الاستمتاع بمكتسباته. بالطبع حالة العبودية هي الحالة التي يسلب فيها الإنسان حقه.
ولتقريب مفهوم مبدأ الحق المقدس المحمي بالقانون، مثلاً: أن أحد الأشخاص يريد أداة لانجاز عمل ما في بيته (كوريق أو مجرفة). ولا يتيسر له امتلاك المجرفة. وأن لأحد جيرانه مجرفة متوفرة . بدءاً لا يحق للجار أن يأخذ المجرفة من جاره دون رضاه. كذلك ليس للحكومة أو غيرها أن تأخذ حق أحد دون رضا وتمنحه للآخر. فالحق بهذا المفهوم ليس منحة من أحد لأحد. وكذلك الحق ليس منحة من مجموعة من الناس إلى مجموعة أخرى. وبالتالي الحق ليس منحة من الحكومة لأحد رعايها ومنسوبيها.
والأصل في الحقوق هو الحقوق الحرة التي وجد عليها الإنسان الأول. ولا بد أن تكون هذه الحقوق متساوية لدى جميع الناس (الكل يحق له أن يعيش ويمتلك، وأن يستمتع بما يملك، وأن يسعى للإمتلاك، وأن يتكلم وأن ينام ، وأن يصحى، لا جبر. لكن ممارسته لحقوقه داخل مجموعة تحتم تنظيم الحقوق. فتقف حدود حقوقه عندما تعتدي ممارسته لحياته على حرية آخرين. فليس شخص حراً لأخذ حق غيره، أو إزعاج غيره.
ولتحديد مرجعية الحقوق هي أما أن تكون الحقوق منحة من الحكومة ضمن قاعدة السياسة أو سمها (حقوق تمنحها الحكومة). وفي حالة قبول أن الحقوق هي منحة من قبل الحكومة، إذاً يمكن القول أنها يمكنها أن تسحب منحتها كما تشاء. أو تكون هذه الحقوق منحة من الخالق ضمن قاعدة الدين. هنا مبدأ العلة والضرورة والتقاليد والمعتقدات يرجح كفة الأصل الديني للحقوق، التي هي موجودة أصلا قبل نشأة الحكومة. وأن الحكومة قد صنعت لحماية الحقوف. وصيغت القوانين لحماية تلك الحقوق.
وللحفاظ على الأصل الديني للحقوق فلا بد (أن لا تنفصل الدولة عن الخالق)، لأن فصل هذا المبدأ سينسف مبدأ الأصل الديني للحقوق، مما يفتح الباب لدكتوريات بقوانين مصنوعة. ولا بد من الاحتفاظ بالحقيقة بأن المبدأ ديني (مقدس) في المقام الأول وأن كل الناس خلقوا متساوين، وأن منحوا من قبل خالقهم الذي أمدهم بحقوق غير منكورة، والتي تشمل" الحياة والحرية وطلب السعادة. وما دام أن الله قد خلق الإنسان ومنحه الحقوق . ولا بد أن صياغة القوانين أن تراعي المبادئ النبيلة والتي يدعمها الدين. والإنسان بدوره صنع الحكومات لتساعده لحماية تلك الحقوق. فالإنسان هو السيد على هذا المصنوع الجديد الذي اسمه الحكومة وليس العكس أن تسود الحكومة على الإنسان. وفي هذا حتى أولئك الأشخاص غير المصدقين بالخالق أنهم سيوافقون على هذا المبدأ: مبدأ أن الصانع أعلى من المصنوع.
تبقى مخاطر من نوع جديد أن فهم وتفسير المرجعيات الدينية نفسه خاضع لمؤثرات بشرية وثقافات ومزاج بشري ، وتبرز أهمية من نوع خاص (من الذي) يستخرج من قوانين الدين نظماً تحقق السعادة لهؤلاء المّلاك (أفراد الشعب) ولو لم يكن الدين، من أين تأتي القوانين؟.
مصدر وحدود قوة الحكومة:
يبقى تعريف الحكومة أنها ليست إلا مجموعة من المواطنين الذين تم تكليفهم من قبل المجتمع، هذا لأداء مهمام محددة. وهذه المجموعة الصغيرة بدءاَ مفوضة لأداء مهامها التي أوكلت لها. وأن الحكومة ليست لها قوة أو ميزة ذاتية غير القوة التي منحت لها من قبل الناس (المجتمع). عليه فإن المجتمع وحده يمنح الحكومة قوتها. فالضرورة التي قامت بموجبها الحكومة هي حماية السلامه والممتلكات الشخصية، ضد التعدي دون وجه حق.
والمبدأ هنا على المستوى الفردي هو أنه للشخص الحق ليحمي حياته، حريته وممتلكاته. وانصراف كل شخص لحماية حريته وممتلكاته، سيكلف الناس كثير الوقت والجهد للقيام بدور حماية أنفسهم وممتلكاتهم. هذا بالطبع سيؤثر في قدرات الأفراد على إسعاد أنفسهم. وتعيين الحكومة، كما سبق هو أشبه بتعيين حارس لكي يتفرغ الفرد لإسعاد نفسه. بوجود الحارس سيتفرغ الفرد لتنمية ممتلكاته ورعايتها وأ، يلهو وأن ينام وهو قرير العين.
وقد نشأ مفهوم الحق العام من أن كل الناس مشتركون في استخدام هذا المكلف (الحارس) بمهمة الحراسة والرعاية (رعاية السلامة والسعادة). من هنا نشأ مفهوم الحق العام (أن كل المستأجرين لهم حق المحافظة على الأمن والرعاية. عليه أن هذا المستأجر أن يقوم بالمهمة كما حُددت له ويُحاسب على التقصير والتجاوز.
ما هي المهام الحقيقة للحكومة ؟:
مرة أخرى ، وحسب القواعد والمبادئ التي سردت أعلاه، والأمثلة التي ضُربت لتقريب المفهوم، يتضح أن دور الحكومة محدود فقط بمزاولة تلك المهام التي لا يمكن أن يؤديها الفرد. هي أن تكون الحكومة آلية للحماية ضد التعدي والأذى الشخصي، السرقة والغصب. وليس من حق الحكومة أن تجبر أحداً أن يمنح آخر ضد رغبته. فالحكومة صنعها الإنسان وليس لإنسان أن يمنح الحكومة قوة الأخذ بالقوة دون وجه حق. أيضاً كذلك أن الدور الأصيل للحكومة هو الدور الدفاعي الذي يخول لها حماية الأرواح والممتلكات وحماية الحرية الشخصية للناس.
وكذلك أن ترعى الحكومة العلاقة الايجابية بين الأفراد. فإذا استخدم أحد الأشخاص شخص آخر لاداء مهمة ما. وفشل ذلك المستخدم في أداء مهمته لدي المخدم. فللمخدم الحق بمطالبته بأدائها أو تعويضه مقابل ذلك التقصير. لكن ليس لديه الحق أن يأخذ حقه بالقوة وليس له أن يعاقبه بنفسه. هنا سيمنح المخدم تفويضه لتطبيق القانون للحكومة وكيله (الشرطة، القاضي ، الحكومة)، لإحتجاز، أو معاقبة، أو أخذ ممتلكات من تعدى على القانون. وبذلك تظهر مهمة إتخاذ القرار ودعوة المتظالمين للمثول أمام جهة تحكيمية ، تكون مهمة أصيلة للحكومة وليست مهمة الأشخاص. (قبل الوصول للقانون ربما يتفق الطرفان على الحل قبل الوصول لمرحلة تطبيق القانون، هذا في حقوقهما الشخصية وليس في حالة حقوق عامة) . هكذا يبرز دور الحكومة الذي يجعلها مفوضة لإقامة المحاكم لبحث وفض النزاع الذي ينشأ بين الأفراد. ذلك هو الدور القضائي.
هناك أدوار إضافية أخرى للحكومة في استكمال دور رعاية سعادة مؤسسها(المجتمع). فقد تطور دور الحكومة بالتجارب التراكمية . مثل التفويض في إصدار العملة لمعايرة وتيسير التعامل بين الناس عبر وسيط معياري هو النقود. ومثل هذا الدور في إعتماد نظام لمعايرة المبادلات (الموازين والمواصفات) .. وأدوار أخرى غير مباشرة في تنظيم التجارة وحركة الناس (المرور) وغير ذلك مما يذكر (تظهر تلك الأدوار من مسميات هياكل الحكم: الدفاع، الخارجية، الداخلية، الخدمة المدنية، المالية، القضاء، المالية... إلخ). وتمتد أدوار الحكومة في التخطيط والتنظيم وتوقيع الاتفاقيات وتنظيم المهن المختلفة.
ومع كل ذلك أن يبقى الدور الأولي والشرعي للحكومة أن تحمي المواطن ليسعد في حياته، يحافظ على مقتنياته. ثم بعد ذلك المهام إضافية للحكومة أن تؤدي بالضرورة لإسعاد الناس. ومزاولة أعمال أخرى غير مفوضة بها الحكومة يكون ضرب من التعدي .
ومما سبق يتضح أن المبدأ هو تفويض الحكومة من كل موكليها بحق تطبيق القانون وحق استخدام الوسائل الكفيلة لتطبيق القانون حتى ينصاع إلى القانون من يتجاوزه. وقد تصل معاقبة من يتجاوز القانون في سلٍّم عقوبات مصمم للأغراض إلى درجة حرمانه من الحياة. فالقانون إن لم يطبق ستسود بيئة ليس فيها قانون. وعندها سيأخذ كل واحد حقه بيده ويتجاوز لأخذ حقوق الغير .
من سيكون إذاً حراً عندما يتاح حرية التعدي وأخذ حقوق الغير أو حتى حقوقه المزعومة؟ عندما يأخذ كل واحد حقه أو حق غيره بيده، لن يكون للإنسان حينها حرية يسمتع بها. فالحرية أن تكون حراّ من تعدي الآخرين على الحرية الشخصية، والتي لا يمكن لها أن تحدث في غياب القانون. وكذلك حرية الفرد متاحة ما لم تتعدى على حريات الآخرين. فالحرية أن تفعل ما تريد بما لا يتعدى إلى حريات الآخرين. وهنا أن الحرية لا تعني للشخص أن يفعل كل ما يريد. إذا الحرية بهذا المفهوم هي يكون للشخص (الفرد) الحرية في التملك والتنظيم (دون تجاوز، غش أو خداع أو غلبه) ومن ثم حرية الاستمتاع بموارده وحياته في إطار ما يسمح به القانون السائد ، وهو محل اتفاق وغير مكان تنازع. يظل المبدأ أن مهمة القانون ليست لمصادرة الحرية، بل ليمنح حرية عريضة، يستمتع فيها بحقوقه. فالحكومة واجبها أن تحقق رعاية الحقوق وفض التنازع دون تحيز أو تحامل.
مهمة الحكومة المقدسة:
السؤال: من يحكم الناس؟ بمعنى أنه هل يتم تفويض فئة من الناس أو هل يمكن أن يأتي ملائكة (مثلاً) لتولي مهام الحكّام لكي يحكموا الناس؟ لو كان الناس ملائكة ستتلاشى الضرورة لإنشاء حكومة، هذا لطبيعة الملائكة المعلومة. ولو أن الملائكة بالمقابل منحوا أن يحكموا البشر ، فلا حاجة وقتها للضوابط الحكومية، لأنهم سيأتون بضوابط من عندهم.
بعد استبعاد حكم الملائكة للبشر، يبرز السؤال : هل يأتي أناس آخرون ليحكموا غيرهم؟ أم أن الناس يحكمون أنفسهم بأنفسهم دون أن يحكمهم أناس آخرين (مستعمرون مثلاً؟). تبقى هنا الفكرة الأساسية أن الناس يستطيعون حكم أنفسهم ذاتياً. وأن فكرة حكم الناس لأنفسهم يعارض فكرة عدم وجود ثقة بأن الناس يستطيعون حكم أنفسهم.
قيمة الحكومة الذاتية (المحلية):
ينطبق على الحكومة مبدأ تقسيم العمل وخط الانتاج. ولكي تمارس الحكومة مهمتها باقتدار، ستبتعد عن كل مهمة يمكن ان يؤديها الافراد مباشرة . فالزارع يزرع ولا تتدخل جهة تفرض عليه كذا أو كذا، وكذلك مربّي الحيوان، وكذلك صاحب الحانوت.. وهكذا . وفي أداء مهامهم ينشئ الناس علاقات يقيمونها بينهم ويحترمونها. ثم يكلفون من يقوم بخدمة لا يستطيعون فعلها مباشرة. مثل ان يقوم أحد بتنظيم الأسواق، ونظافة المنطقة السكانية، وهكذا تنشأ قوانين عمل محلية، تنفذها سلطات محلية. فعلى سبيل المثال غير مطلوب من الحكومة الفدرالية أن تبعث من يدير شئون النفايات في بلدة صغيرة، أو أن ترسل أحداً للبدو لإدارة قطعانهم. وإذا مات أحد لا ترسل الحكومة من يدفنه. أو إذا حانت وقت ولادة أحد لا تبعث الحكومة أحداً لاستيلاده.
ستفعل الحكومة فقط تلك المهام التي لا يستطيع الأفراد فعلها.المبدأ هو: (لا تكلف مجموعة أكبر من الناس أن تفعل شيئاً إن كانت مجموعة أصغر تستطيع أن تفعل). وعليه ستكون المجموعة الأصغر والأقرب هي الأسهل أن تقوم بالمهمة بطريقة أكفأ. بمعنى أن تحكم المدينة نفسها، وتدير شأن نفسها. والمهام التي لا تستطيع المدينة أن تفعلها ستوكل لسلطة أعلى (مقاطعة أو ولاية) . لا تستطيع أن تفعل بمعنى يتجاوز فعلها المنطقة وليست بسبب التقصير أو اللامبالة. ومن ثم فمهمة الحكومة المركزية مهمة رعاية وتأكد من سلامة أداء الحكومات المحلية. والحكومة المركزية تعمل لتأهيل الحكومات المحلية بالتأهيل والتدريب وبناء القدرات.
الطريقة المثلى هي أن تكون هناك حكومة جيدة وسليمة. وأساس الفكرة أن المستوى الأقرب للناس ينبغي أن يحكمهم، ولا يحكمون على البعد بمبدأ التحكم من بعد، أو أن يأتي أحد (الحكيم الغريب) أن يحكمهم.
كما إنه لا توكل تلك الحكومة الجيدة والسليمة إلى جهة واحدة. بل تتم قسمتها بينهم (مبدأ تقسيم العمل والتخصصية). لا يوكل لطبيب مثلاً إدارة مزرعة خضر وفاكهة، أو لمهندس فحص وعلاج المرضى. لتظهر هنا المهنية في إدارة الشأن. وفي تلك القسمة توكل لكل جهة بالتحديد المهمة التي تجيدها أكثر. ومن ثم ستوكل للحكومة الاتحادية مهام الدفاع والعلاقات الخارجية والعلاقات الاتحادية. لا حظ أنه في حالة القضاء سيكون لكل مجموعة من الناس حلقة قضائية يتم تحكيمها. بل أن الإنجليز قد طبقوا في السودان طريقة الحكم غير المباشر، بينما قاموا هم بتصميم العلاقات وتحديد المهام، وقاموا بالمشروعات الكبرى.
ومن مهمة التقسيم تكون النتيجة أن ينال كل مستوى حكومي مهامه نحو قاعدة المجتمع، حتى يدير الرجل حقله بنفسه ويدير صاحب الحانوت حانوته، وأن يدير الشخص بيته. وأن يحكم كل فرد ما يمكن لعينه أن تنظر. وعندما تنمو علاقات بينية تظهر الحاجة لطرف ثالث لإدارة العلاقة الجديدة، والتي تتطلب التخصصية،
ما لا ينبغي للحكومة أن تفعله:
تحتاج كل أعمال الحكومة لتحديد دقيق. تحديد ما ينبغي أن تفعله وتحديد ما لا ينبغي أن تفعله. لا تجدي المقولة أنه قد سكت هنا المشرع . لا بد أن يبحث المشرع ويضع المزيد من الحلول، كلما وجدت فجوة في التشريع. وبذلك تتطور التشريعات . بل إن بعض التشريعات تتقادم وتسقط بانتها غرضها، لكنه تصبح مرجعية، غذا استجد مستجد.
فقد نشأ علم وصف المهام والوصف الوظيفي لكل للمؤسسات الكبرى والأصغر ثم الوحدات والوظائف أصحاب الإختصاصات من الخفير إلى الوزيرا ولرئيس. بل ونشأ معه مبدأ التقييم والمراجعة . لدينا ماذا يفعل الوزير؟. هل قرأ أحد لائحة عمل الوزير. لقد ألف ملك الاردن السابق كتابه مهمتى كملك؟ لكن القليلين يكتبون ومنهم المرحوم عبدالوهاب عثمان ، وزير المالية السوداني الاسبق كتب عن تجربته الذاتية في الوزارة.
والحقيقة هي أن مما يهدد الحرية هي الأفعال التي تفعلها الحكومة ولا ينبغي لها أن تفعلها أصلاً. ومنها إعادة قسمة أو توجيه الثروة بطريقة تحظي بعضاً أكثر من بعض آخر. ومنها تلك البرامج التي تجبر الناس على التخطيط الاجتماعي (ليس للحكومة أن يجبر أحد أن يتزوج أو أن لا يتزوج، ولا تخطط له عدد الأبناء بحجة محدودية فرص التعليم مثلاً). ولا يمكن للحكومة تتبنى دوراً فيه تجبر الحكومة المواطن أن يدفع أكثر مما ينبغي. ولذلك أن الحكومة لو مُنحت أن تصيغ سلطاتها كما شاءت ، وتدعي لنفسها قوة ذاتية ، إن لم تكن أصلاً قد تم تفويضها ، حينها ستتحول الحكومة إلى سيد ، وأن المصنوع سيتجاوز الصانع.
كذلك أنه بمجرد أن تذهب الحكومة لإعادة توزيع الثروة وتقديم الدعم لبعض الفئات، أو توظيف بعضهم دون بعض فهي بذلك تصير أداة للفساد المقنن. وكذلك بالمقابل أن مما يهدد الحرية هي الافعال التي لا تفعلها الحكومة وينبغي لها أن تفعلها، والتقصير عن أفعالها هو الذي يهدد الحريات، فينفلت الأمر.
ولما تمنحه الحكومة من مخصصات وصلاحيات وحصانات لمنسوبيها وما يترتب على ذلك من مصالح ، تصبح الحكومة رافعة ذات قوة هائلة سيسعى الكل لإمتلاكها. وأول تلك المجموعات التي ستسعى لإمتلاك الحكومة هي مجموعات ذات أجندة تهدف لامتلاك هذه الرافعة، سمها أحزاب، أو مراكز قوى أو أي فئة ذات سطوة. ولذلك ابتدعت وسائل التداول السلمي للسلطة (لكي لا يكون دولة). و منها تقييد عمرها بفترة محددة. وتبرز أهمية وجود معارضة تعمل وفق القانون (هل يوجد قانون ينظم أعمال المعارضة ما يمكن أن تفعل وما لا يمكن أن تفعل. أم أن القانون لتنظيم الحكومة فقط؟ لا شك أنه عدم وجود قانون ينظم المعارضة ويعطيها الحق في أن تعترض على بعض ممارسات الحكومة أيضاً هو مما يهدد النظام مثل أن تحمل السلاح، وأن تشعل النار. وأن من أفعال المعارضة ما يؤدي للموت وتلف الممتلكات. وهذا أيضاً تهديد للحريات الأساسية للأفراد. ومن واجب الحكومة أن تردع من يتجاوز ويعرض حريات الناس للفقدان.
طبيعة الفساد المحمي بالقانون:
عندما ينتقل جزء من الثروة إلى شخص أو مجموعة لا تستحقه أصلا بطريقة غير مشروعة وبدون مقابل ، إذا كان ذلك بالقوة أو بالغش أو اي وسيلة أخرى غير قانونية وغير أخلاقية، هنا يكون فساداً قد حدث . واختبار ذلك يتم بالنظر إذا ما كان تطبيق القانون سيفيد جهة بعينها خصماً على جهة آخرى، بطريقة لا يمكن للجهة المستفيدة أن تتحصل على ما تحصلت عليه دون ارتكاب جريمة.
لقد اثبتت التجربة أن كل الجماعات تتنافس لكي تنال أن تكون تلك الرافعة (الحكومة)، لصالحها أو على الأقل أن تتجنب أثرها السالب عليها. فمن أجل تحقيق مصالح يطلب العاملون زيادة الأجور، ويطلب المزارعون الدعم، ويطلب المستهلكون تحديد الاسعار، ويطلب أهل الصناعة خفض الضرائب. إذا كان كل قطاع قد نال دعماً منطقيا مدروساً، سيكون الناتج للصالح العام دون أن يكون هناك تفاوت مخل.. إذا استطاعت أن تدير الحكومة هذه المتناقضات بنوع من الكفاءة والحكمة، سيكون الناتج رفاهية. لكن بغير وجود المعرفة الحقيقية والحكمة سيكون القانون هو الأداة الكبرى للفساد.
الحكومة لا تصنع الثروة، لكن:
إحدى نظريات إسعاد الناس هي توفير احتياجات الإنسان المادية (الأمن، الكساء، المأوى، الرعاية الصحية) التي هي ذات أهمية قصوى للإنسان. وبهذه الأولويات تظهر أن خصوصيته وحريته هي ذات معنى أقل من الإحتياجات المادية . بالطبع ذات الاحتياجات المادية يمكن أن ينالها الشخص وهو في السجن. والحقيقة أنه لا توجد حكومة في الدنيا تضمن للناس كفاية حقوقهم المادية. مهما صيغت الدساتير والقوانين والصكوك الحكومية أو غيرها، فالخبز لن ينتجه إلا من ينتج الخبز بنفسه . لكن تظل الفكرة أن الحكومة معنية بالكامل برفاهية المواطنين. فإن كان دور الحكومة هو (تحقيق الرفاهية) فالفرضية هي أنها تتحكم في أنشطتهم لكي توفر لهم احتياجاتهم تماماً. لكن دلّت التجربة أنه تحدث الوفرة عندما تبعد الحكومة أن تنافس المنتجين الحقيقيين أو تمارس عليهم الإكراه. فعندما تمارس الحكومة الانتاج، فإنها ستمارس وتنتج بجودة أقل وتعقيدات أكثر (لوائح، إجراءات،). إذاً يظل المبدأ أن مهمة الحكومة الأساسية تظل أن تعمل على حماية الناس لكي يؤدوا أعمالهم ومن أن يؤذي بعضهم بعضاً، وأن لا تأخذ من أحد مكتسباته. أما ما عدا ذلك يحق للناس أن ينظموا ويطوروا أنفسهم .
معادلة الرفاهية للأغنياء والرعاية الاجتماعية للضعفاء:
تعتمد نظرية ثروة الأمم على: إن القوة الحقيقية هي أن يبذل كل فرد جهده لتحسين وضعه في مناخ من الأمن والحرية. لا يمكن تحقيق الأمن الاقتصادي دون وفرة. ولا تتحقق الوفرة دون كفاءة الإنتاج. ولا يتحقق الإنتاج دون عامل راغب ومتحمس . والحماس لا يحدث دون حافز. وأن الحافز الحقيقي هو أن يكون العامل حراً ليعمل ويتحصل على حافزه وأن يستمتع بكسبه. وعندما تدخل الحكومة لكي تعيد توزيع المكتسبات بين الناس سيقل الحافز في النفوس، وسينتهي ذلك إلى تدمير قاعدة الانتاج. فعلى الدولة أن تعي أن الذين ينتجون سيستمتعون بما ينتاسب مع حجم انتاجهم فالأكثر إنتاجاً يحق له بهذا المفهوم أن يستمتع أكثر.
هنا يبرز السؤال عن المحتاجين، الذين هم أقل حظاً من غيرهم، أصحاب الاحتياجات الخاصة والمستضعفين ممن لا يستطيع أن يكسب. لقد أثبتت التجربة الإنسانية أن الحكومات ليست هي التي تستطيع أن تاخذ من هذا وتعطي ذاك. ستذهب الكثير من عطايا الحكومة إلى غير مكانها، هذا مع ما يصاحبه من فقدان حرية. فقدان الحرية هنا يعني حرمان من يريد أن يعطي المعطي عطاياه، لتأخذها منه الحكومة لإعادة توزيعها. وتقييد حرية من يأخذ (المستحق للدعم) بإجراءات حكومية كثيفة، قد تضطره اذ يذهب ويمارس السؤال (الشحدة) حراً، إن لم يكن هناك قيد على ذلك، أو أن يخطف إن استطاع.
ولقد قيل إن كثير من علل العالم سببها أصحاب النوايا الحسنة الذين تغاضوا عن الحرية الشخصية، عدا الحرية التي تعنيهم هم أنفسهم. ولقد أخذ الحماس أصحاب النوايا الحسنة الذي ارادوا تحسين أوضاع البشر عبر قوانين أستئنست من قبلهم، وعبر مؤسسات استحدثوها. تقول بعض النظريات أن كل الجرائم التي ارتكبها المجرمون، القتلة، العصابات والسارقون لهي أقل من تلك المتاعب التي تسبب فيها اصحاب النوايا الحسنة، الذين حاولوا أن يكونوا أوصياء على الآخرين بحكم النوايا الحسنة وفرضوا نظرياتهم على البشر. دينيون كانوا أو لا دينيون)!
الخلاصة:
أن ما أطاح بمفهوم الحقوق والحرية هو التعميم المخل لمفهوم الحكومة، واختصاصاتها وعدم معرفة مهام موظفي الحكومة (المسؤولين) ، وحدود اختصاصاتهم في حالات التجاوز أو التقصير في أداء واجباتهم. وأن تركيز السلطات لدى جهة واحدة هو الذي أطاح بالإختصاصات. كما إنّ مرجعية حقوق الانسان هي حقوق دينية (مقدّسة) وليست وضعية. وأن مبدأ نشأة الحكومة إنابة عن الناس هو لتحقيق رفاهيتهم. وأن الدور الاساسي والوحيد الذي هو خالص للحكومة هو حماية الأرواح والحريات والممتلكات. وأنّ الحكومة ليست مانحة حالة من الرفاه الذاتي لافرادها، يستمتع فيها الأفراد المكلّفون دون صاحب الحق الأصيل (الشعب) ، ولا هي وسيلة (رافعة) لتحقيق رغباتها هي دون ومصالح منسوبيها دون الوصول لرفاهية رعاياها، رغم أنّها قوة شاملة. هي مثل النار . هي خادم خطير، وسيد مخيف. الحكومة هي آلية للقوة. وحتى لأداء ذلك الدور لا بد أن تكون الحكومة في حدها الأدنى، الذي تستطيع أن تؤدي به مهامها بكفاءة. وأن تبتعد الحكومة عن منافسة الناس في أداء مهامهم. وأن ما يؤديه أي شخص بكفاءة هو الأساس الذي سيؤدي للوفرة. يقوم كل ذلك على أساس من الأمان والثقة. وأن التسرع للوصول للرفاه قبل التاسيس الجيد لن يصل إلى نتيجة مرضية. وأن يتوفر للحكومة الوعي والكفاءة لإدارة متناقضات كثيرة بطريقة تحقق أكبر قدر من الرفاه في جو من الأمان والثقة.
وإن لم تكن الحكومة لها القدرة على معاقبة من لا يستطيع الالتزام بالقانون، فهي ليست جديرة بالبقاء. وفكرة الحكومة تعتمد على فرضية أن كل فرد سيخضع لها. وأن أي موظف للدولة هو في مهمة مقدسة لا بد أن ينصاع له الناس. وأن الفكرة أن ينصاع الناس للحكومة. وبين هذا وذاك تكون الحكومة الاكثر رشداً هي التي تستطيع صنع توازن من المصالح وحالة الأمان الذي يجلب الرضا.
وإذا استطاعت أن تدير الحكومة المتناقضات بنوع من الكفاءة والحكمة، سيكون الناتج رفاهية. لكن بغير وجود المعرفة الحقيقية والحكمة ربما يصير القانون هو الأداة الكبرى للفساد. .. ولكي تحقق الحكومة مهمتها لا بد أن تحكمها مبادىء دقيقة ومعلومة دون تعميم.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.