Hassan Elhassan [[email protected]] الإفتاء سياسيا وفق القواعد الديموقراطية هو الإستفتاء من الناحية العملية أما الدلالة المعنوية للحدث فلا تختلف كثيرا عن المعنى فالمشهد الذي أجيز به قانون الاستفتاء تحت قبة البرلمان هو شبيه بتحويل المحكمة لأوراق المتهم في قضايا القتل العمد إلى المفتي للتصديق عليها لتنفيذ الحكم كما يصور في الدراما المصرية. فكل من يريد ان يرى السودان موحدا يرى أن اقرار قانون الاستفتاء الذي ينظم ممارسة حق تقرير المصير هو بمثابة تحويل اوراق مصير الجنوب إلى المستفتين من أهل الجنوب فيما يشبه تحويل الأوراق إلى المفتي ، فبيدهم التصديق على الحكم أما ببتر الجنوب عن جسد الوطن فيما يشيه القتل العمد " كأنما قتل الناس جميعا " أو الافتاء بالبراءة عبر التصويت للوحدة كأنما أحيا الناس جميعا . إذن الكرة الآن في ملعب الجنوبيين فعليهم وحدهم الموازنة بين الأضرار والمصالح في ممارسة هذا الحق في عالم يتجه بكلياته نحو التوحد ليس بين أجزاء الوطن الواحد بل حتى كدول بكامل سيادتها الوطنية نراها تندمح في بعضها ككيانات لتحمى نفسها سياسيا واقتصاديا حيث لامكان للدول الضعيفة والحبيسة المفعمة بالصراعات القبلية بسبب الجهل والتخلف التي تعتمد على المعونات الخارحية والحمايات الموسمية كما هو متوقع لدولة جنوب السودان القادمة التي لاتملك مقومات الدولة بحكم واقعها الجيوسياسي. عليهم أن يقرروا وان يوازنوا ماذا سيكسبون من الانفصال في مقابل ماذا سيخسرون منه سيما وأن اتفاق السلام بكل الجدل الذي صحبه قد لبى كل مطالبهم بصفة تفضيلية على حساب الأقاليم الأخرى تقديرا لظروف الحرب الأهلية وتداعياتها . وقد أعطى الإتفاق لأهل الجنوب حكم نفسهم بنفسهم فيما يشبه الاقليم المستقل بأكثر مما حظي به اقليم كردستان العراق على سبيل المثال فضلا عن المشاركة الكاملة في الحكم المركزي وبكل ماحمل الاتفاق من ميزات اقتصادية ونوعية في كل المجالات كما هو معلوم . ومابين اقرار قانون الاستفتاء على تقرير المصير وممارسته فعليا لم يتبقى غير عام واحد سيتحمل فيه أهل الجنوب عبئا ثقيلا في اتخاذ قرار مصيري ستترتب عليه الكثير من التداعيات وهو مايوجب على الجنوبيين في الجنوب والشمال من الوحدويين الذين لهم حق التصويت أن ينتصروا لقرار الانتماء إلى وطن عاشوا فيه من أقصاه إلى أقصاه دون من أو اذى وأن يدركوا ان دعاة الانفصال سيوردونهم موارد الهلاك بسجنهم في دولة حبيسة لامنافذ لها ولا خدمات تستشرى فيها الصراعات القبلية والسياسية ولا تعول إلا على وعود خارجية ليس المسئول عنها باعلم من السائل . أما الشماليين من أنصار الحركة الشعبية فقد أصبحوا في ماذق حقيقي حيث يتناقض ماتتجه إليه الحركة بخطوات حثيثة مع دوافع انتمائهم إليها وفق رؤية زعيمها الراحل د جون قرنق وبأكثر مما ذهب إليه الدكتور الواثق كمير في مقاله النقدي الذي يشبه خطبة الوداع ، بعد موت كل أحلام وشعارات السودان الجديد التي تراجعت إلى مفاهيم انفصالية متعثرة. ومنذ رحيل قرنق المأساوي أصبح حال كوادر الحركة الشعبية وأنصارها من الشماليين لايختلف كثيرا عن حال أتباع الأستاذ محمود محمد طه بعد حادثة موته التراجيدي وهي حلات تجسد موت النظرية باكثر من مجرد موت مادي . فالتداعيات هي ذاتها وتضارب المفاهيم هو ذاته حيث يمكننا أن ندرك من خلال نظرة موضوعية لواقع الجنوبيين من غير أتباع الحركة الشعبية في ظل حكمها عمق المأذق الذي ينتظر دعاة السودان الجديد وانصاره من الشماليين أنفسهم حيث يعنى الانفصال انتهاء صلاحية انتمائهم للحركة وهي الصور التي حققها الأخ الدكتور الواثق كمير في مقاله قبل اصدار الحكم النهائي على رؤية قرنق للسودان الجديد . وأخيرا بعد أن بلغت الحركة سدرة منتهاها بإقرار قانون الاستفتاء ةالقوانين المكملة وفتح الطريق ممهدا نحو الانفصال وفق ما نص عليه اتفاق السلام بقي أن ندرك ضرورة وأهمية الاتفاق على تنظيم تداعيات قرار الاختيار وهي في الواقع ملفات شائكة أسوا مايمكن ان تقود إليه هو أن تفتح الباب من جديد لحروب صغيرة بدون رصيد وهو مايستوجب حسما حقيقيا وجادا لجميع الملفات حتى يحافظ اتفاق السلام على جدواه في حال حسم الجنوبيين لخيارهم وتحمل أقدارهم واستشراف وجهة جديدة وقبلة يرضونها .