عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. سبعة وعشرون عاما حسوما على المصيبة التى غشت السودان وجثمت علي ربوعه ونصبت خيامها و اقتلعت زرعه وهدمت صروحه وفرقت أبنائه ومزقت أوصاله. بين ليلة وضحاها تحول دور البطولة ، ليطرد الموت القادم من الشرق الخلصاء والنجباء، ولتحتل المقدمة كائنات خلت عروقها من الدماء ،وصدورها من القلوب، وجماجمها من العقول، ووجوها من الماء ،وأعينها من تلك لمعة دالة على فطنة وذكاء. غابت عن الساحة ابتسامات نضرة ،وحلت محلها ضحكات فجة ومقززة، تلاشى اللحن والكلم المموسق وانزوى لصالح الغث وعجيف الطرح والمنتوج ، وابتنى الجهل لنفسه صوالين وندوات وصحف وقنوات وجامعات ومدارس ، وانزوى العلم فى ركن قصى، ليستوطن أحشاء الحوارى العتيقة واضابير المكاتب القديمة. تحول الوطن بفعائلهم إلى سجن كبير، لا أبواب له ولا حراس، اللص فيه هو المأمور، والشريف فيه هو المخفور. حرائر البلاد تحولن إلى سبايا، يخطفنهم العسس تحت ضوء النهار، لتتم محاكمتهن بتهمة تسببهن فى الرغبة ، التى سكنت واستوطنت ضمائرهم الخربة فى صحوهم ومنامهم. كان الناس قبلهم يبحثون عن التنمية وكيفية العمل على استقرار الديمقراطية، وبعدهم صار الناس يتشبثون بورقة التوت الأخيرة خوفاً أن تسقط فتكشف عوراتهم. ذلك صار أبلغ الأمانى وغاية الآمال. هم ياسادة يحتفلون اليوم بعهد ( المجرور) الذى كان ( مرفوعا) و (الساكن) الذى كان ( مفتوحا )ً، أقاموا لأنفسهم دولةً لآلئها وجواهرها شيوخ وأئمة وحانوتية ، ليجهزوا الناس ويعدونهم للقبر والحساب ، بينما هيأوا ذاتهم وذرياتهم لخلود أبدى فى الدنيا. منهاجهم وشريعتهم التى اتخذوها فى سبيل ذلك هى أن يخادعوا الله ورسوله ، وتبنوا الفساد والظلم والتنكيل دليلهم ومرشدهم، والعدل عندهم صار ان البقاء للأفسد والأوفر عدة وعتادا وسلاحا ،تلك نتيجة حتمية لتربية جافت الأخلاق والقناعة وارتكزت على الكذب والنفاق ،وترسب فى احشائها الحرمان . ( لو صحيح غنينا بالدمعة الحميمة.. ولو دموع الفرحة ما لاقت غنانا.. بكره نرجع تاني للكلمة الرحيمة.. شان هنانا... شان منانا.. شان عيون أطفالنا ما تضوق الهزيمة ) . " القدال"