نائب وزير الخارجية الروسي من بورتسودان: مجلس السيادة يمثل الشعب السوداني وجمهورية السودان    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    جبريل يقود وفد السودان لاجتماعات مجموعة البنك الإسلامي بالرياض    بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرشيد نايل / شاعر كلية غردون ... بقلم: مأمون الرشيد نايل
نشر في سودانيل يوم 06 - 08 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
جائزة الشعر في كلية غردون هي جائزة سنوية ترصدها ادارة الكلية لاجمل شعرٍ تجود به قرائح الشعراء من طلابها, وتلزمهم الادارة بموضوع الشعر الذي ينظمون فيه قصائدهم, اما الذين يحكمون في هذا الأمر ,فهم اساتذة في الكلية, ولكنهم من اساطين الأدب والشعر في السودان , الشيخ احمد محمد صالح , الشيخ البنا والشيخ جلال الدين والد الشاعر محمد المهدي المجذوب . فانظر ماذا كتب اديب امتنا البروف عبد الله الطيب عن هذه الجائزة في كتابه " من حقيبة الذكريات " :
" فزت بجائزة الشعر وانا بالسنة الثالثة, ولم أفز بها إلا لأن الرشيد نايل كان غائباً, فقد كان لا يدعها لأحد, فاز بها في كلتا سنتينا الاولى والثانية. في السنة الأولى عن قصيدته في الهجرة النبوية ومطلعها :
قمرٌ بصحبة كوكبِ قد امعنا في السبسبِ
اما في السنة الثانية, فقد خيرنا بين رثاء الملك جورج الخامس أو الملك فؤاد . رثى الرشيد نايل الملك فؤاد وفاز بالجائزة, قال عمي واستاذنا جلال الدين لي ولابنه محمد المهدي المجذوب, اننا لم نحسن ان نقول كما قال الرشيد :
أو اما أحس الدافنوه قدره أو اما دروا أي المصاب به دُهوا
وبراعة القافية في بهي دهوا لا تخفى واذكر له قصيدته في رحلة نظمتها الكلية الى جبل مرة يقول فيها:
مطيتنا تسير بلا عنانِ وتقتحم الفلاة بلا تواني اخفّ من الظنون على الفيافي وأنفذ في حشاها من سنانِ
أما في السنة الرابعة فقد ضغمنا مع الجميع بابكر احمد موسى ببائية طويلة النفس مطلعها:
عدوة النيل اسعدي بعض ما بي ......"
تأمل أيها القارئ العزيز كيف تتجلى فضيلة التواضع من عالمٍ يتواضع الملوك في حضرته وهو يحاضر, من عالمٍ لو كان كل ما انتجه في حياته سفره الضخم "المرشد الى فهم أشعار العرب " لكفى . من عالمٍ تخرج على يديه أجيالٌ وأجيال , إنه يعلمنا ويعلم أولئك الذين يملأون الدنيا ضجيجاً وتكبراً وهم لا يملكون من المواهب والآداب شيئاً يُذكر. إنه يعلمنا ويعلمهم كيف نمشي على الأرض هوناً ... وينسى الكثيرون, لا بل يتجاهل الكثيرون دفاعه عن حرية الفكر , في زمنٍ ضمرت فيه أقلام الكثيرين , وصمتت أفواههم عن النطق بكلمة الحق, والذي تمثل في رثائه للشهيد محمود محمد طه , وهو لم يكن جمهورياً, ولم يكن من آل ساس يسوس.فهو رجل علمٍ وفكر. سقت قبره شآبيب الرحمة من لدن غفورٍ رحيم. إنه ليس معلماً للغة العربية وآدابها فحسب !! إنه معلم أمة......
ينتمي الرشيد نايل الى قبيلة الجموعية بريفي شمال امدرمان , وأهله الأقربون بالجزيرة اسلانج , النوبة والسروراب, ولد في عام 1920 بالكاملين لأن والده الشيخ نايل كان معلماً بمدرستها. وقد يعجب المرء للكاملين التي كان التعليم يسري في عروقها منذ اكثر من مائة عام, ولكنها لا تزال كمثيلاتها , لا تختلف كثيرا عن دامر المجذوب التي عناها شاعرنا توفيق صالح جبريل بقوله:
فيا دامر المجذوب لا انتِ قريةٌ بِداوتها تبدو ولا أنتِ ..بندرُ
فهل تنكر لها خريجوها؟؟ أم هي المركزية الصارمة التي جعلتنا كلنا كما قال شاعر العامية " مندفسين في ربع كيلو" .
ألتحق الرشيد نايل بكلية غردون التذكارية في عام 1934 بقسم القضاء الشرعي , حدثني أقرانه أنه كان متفوقاً , وانه كان يحصد الجوائز التي ترصدها الكلية في مجاليْ الأدب الانجليزي والشعر , كما كان رئيس الجمعية الدينية بالكلية. وقد اخبرني أن أغلب الأساتذة الأنجليز كانوا من الطبقات الارستقراطية , ومن خريجي اكسفورد وكيمبردج, كما أنهم كانوا يساريين ومن معتنقي الفكر الاشتراكي , تبرع أحد هؤلاء الأساتذة بتدريسهم نظرية دارون , واحضر لذلك بعض المتحجرات من انجلترا, تذمر بعض الشيوخ , وبعض اباء الطلاب أجبروا أبناءهم على الانسحاب. لكن الأغلبية كانت حضوراً وبينهم الرشيد نايل, وأظنه قد تبنى منذ ذلك الحين الفكر الاشتراكي.
عمل بعد التخرج قاضياً شرعياً , متنقلاً بين عدة مدن. من اهم المدن التي عمل بها وربطته بأبنائها علائق امتدت لزمن طويل, مدينتا النهود ومروي . عندما تم نقله من النهود الى الخرطوم كتب شاكياً:
تنكبتُ صحراء النهود جهالةً إلى النيل في إعشابه وانسيابهِ وكان الصدى في رملها وسرابها ابرّ بقلبي من زلال شرابهِ
في اواخر ثلاثينيات القرن الماضي تحولت كلية غردون الى كلية جامعية كفرع تابع لجامعة لندن بأسم كلية الخرطوم الجامعية, وكانت المدارس الثانوية قد أُنشئت (وادي سيدنا وخورطقت وحنتوب) والتي كان طلابها يجلسون لامتحان كيمبردج الذي يؤهلهم لدخول الكلية. سُمح لخريجي كلية غردون بالجلوس لامتحان كيمبردج والالتحاق بالكلية إذا رغبوا في ذلك. في عام 1948 جلس لأمتحان كمبردج 88 من خريجي كلية غردون السابقين . نجح منهم اثنان في دخول الكلية الجامعية لدراسة القانون المدني , هما الرشيد نايل ومولانا قسومة من أبناء بري.
تخرج الرشيد نايل في كلية القانون في عام 1952 مواصلاً عمله بالقضائية. ثم استقال من القضاء في عام 1954 مرشحا نفسه للانتخابات التي جرت آنذاك والتي لم يوفق فيها . بعدها عمل بالمحاماة لفترة تزيد على الخمسين عاما حتى وفاته.
في صبيحة 22 يوليو 1971, اقتحم رجال الأمن منزلنا بودنوباوي, وأودعوه سجن كوبر. أذكر انه قال لي انه وجد ثلاثة أتوا بهم قبله, من بينهم جوزيف قرنق ومحمد وردي على ما أظن. بعد عدة أشهر أقتحم السجن نميري وحوله المئات من الحرس المدججين بالسلاح, وخاطبهم قائلاً " الشيوعي فيكم يطلع بره " . فخرج اليه الرشيد نايل قائلاً " انا شيوعي وكمان في اللجنة المركزية " . وهو لم يكن ضمن أعضاء اللجنة المركزية , بل ربما لم يكن عضواً بالحزب الشيوعي حينها !!. وكانت النتيجة أن اودع زنزانات الحبس الانفرادي لأكثر من ستة أشهر. إنه آمن بما آمن به لا طلباً لجاه أو سلطان, والجاه والسلطان بين يديه إن أراد .
هناك من هم جيفاريو الهوى , انهم اولئك الذين يخلصون لما آمنوا به, انهم الذين يركلون متاع الدنيا بالرغم من ما حباهم به الله من تفوق اكاديمي وقدرات ومواهب, كان يمكن أن تجنبهم وعثاء الطريق الذي أرتضوه, لكنهم وهبوا حظهم في الحياة لعلها تصفو لآخرين. استقال في عام 1954 من منصبه كقاضي مدني وهي وظيفة كانت حكراً على الانجليز آنذاك, حتى ان رفاقه وصفوا ما قام به بالجنون, لكنه كان يريد أن يعبّر بحرية عن الفكر الذي آمن به, والقضاء لا يسمح بذلك كما هو معلوم. بعد وفاته وجدنا في خزانته بعض القصائد التي كتبها لكن ليس فيها ما يشير الى تأريخ كتابتها , وبما انني كنت بصدد طبع ديوان يحوي انتاجه الشعري , فقد بحثت جاهدا , وقابلت من أظنهم على علم ببعض أعماله , وزرت دار الوثائق , ومعهد عبد الله الطيب الذي قابلت به الأستاذ الجليل المرحوم محمد الواثق الذي نصحني بالبحث لدى رفاقه الشيوعيين , وللأسف هم لا يذكرون شيئاً, حتى أنني لم اجد القصائد التي أشار اليها البروف عبد الله الطيب في كتابه " من حقيبة الذكريات " ودار تساؤل بخاطري , لم لم يحتف به رفاقه الشيوعيون , وقد أشاد بشاعريته أساطين الأدب والشعر في السودان, هل لأنه يكتب الشعر على نهج الخليل بن أحمد ؟. وحين أرى كيف احتفى الشيوعيون والبعثيون في العراق بمحمد مهدي الجواهري وهو من أنصار الخليل بن أحمد , يظل التساؤل قائماً!! وفي خمسينيات القرن الماضي أصدر وترأس مجلة الفكر التي قيل انها أصدرت ثلاثة أعداد ثم توقفت !!
وأود في هذا المقام استعراض بعض قصائده وأولها قصيدة بعنوان " المؤتمر " ولا شك أنه أحد مؤتمرات الخريجين,
حتّام بعد يقيننا نتوهم ويغرنا شبح الضلال المظلمُ لبيك مؤتمر البلاد ولا كبا شعبٌ يهب على يديك ويقدمُ لا تخش في مسرى ركابك عصبةً عمهوا عن الحق المبين فرجموا
ويقول مخاطبا النيل:
يا أيها النهر العظيم أبِن لنا أمن الزلال أم الزلازل تفعمُ قالوا مسيلك رحمةٌ دفّاقةٌ تسري بأعراق البلاد وأنعمُ وأرى الشقاوة في ذراك منيعةً كالطود تسقي ما تشاء وتطعمُ وروى القدامى أن تربك جنةٌ واليوم أنت لساكنيك جهنمُ طوفوا بأرجاء البلاد لعلها تهب المُسائل علم ما لا يُعلمُ ودعوا النفوس فإنها مؤودةٌ وسلوا الصخور فإنها تتكلمُ انّى يضيق عن أبنائه وسواهم من فيضه يتنعمُ
إذا كان هذا حال ساكني النيل في ذلك الزمان فما حالهم اليوم !!! والأبيات التالية في نفس القصيدة تؤرخ لأولئك القادمين من شمال الوادي يحملون بذور الفكر الاشتراكي الثوري:
اخواننا من مصر نبه معشرٌ هم أمس في أعلى الكنانة نوّمُ وتقشعت سحب الجهالة وانطوت عنا وابلغنا الرشاد القيّم هبوا بني الوطن الكريم فقد دعا داعٍ يغوص الى القلوب فيُفهمُ وأهاب اني قد خطوت فسارعوا خلفي وأني قد بدأت فتمموا
وأظن أن المقصود بالرشاد القيّم عبد الخالق محجوب الذي كان اسمه الحركي راشد. لم يكن الرعيل الأول من خريجي كلية غردون يجهلون الاشتراكية بل أن جلهم كانوا من المؤمنين بالاشتراكية المعتدلة او الأخلاقية وبعضهم بالأشتراكية الفابية, لكنهم كانوا ينظرون الى الشيوعية كنظرية غوغائية أو سوقية لا يجب الاعتداد بها , مما دعا عبد الخالق الى نعتهم بالانجليز السود, كان الرشيد نايل هو الانجليزي الأسود الوحيد الذي احتضن أولئك الشباب , سار معهم, ودرب المئات منهم على المحاماة, ودافع عنهم أمام المحاكم المدنية والعسكرية. حدثني مرة أنه ذهب كمحامي دفاع لمقابلة عبد الخالق وبعض رفاقه بالسجن إبان عهد عبود وكان من المنتظر تقديمهم الى محاكمة عاجلا, أعرب عبد الخالق عن هواجسه من أن القاضي المكلف بمحاكمتهم وهو ( ابو رنات ) قد يتعرض لضغوط من النظام العسكري, لكن الرشيد نايل طمأنه وأجابه أن ابو رنات لا يبيع ضميره القانوني مهما كان الثمن !! وكما كان ابو رنات كان القاضي صلاح حسن, الذي أصدر الحكم الدستوري ببطلان طرد أعضاء الحزب الشيوعي من البرلمان (كان الرشيد نايل بينهم), وحزنت حينما استمعت الى الصادق المهدي بقناة الجزيرة, يقول بأن الحكم جاء على هذه الشاكلة لأن القاضي صلاح حسن كان شيوعياً. بالرغم من ان مستشاريه القانونيين لم يجدوا ثغرة قانونية واحدة في ذلك الحكم !!! ان الصادق المهدي لا يعرف قدر الرجال!!
ومن القصائد التي تلفت الانتباه , قصيدة بعنوان "الى جندي كوري " اشارة الى الحرب الكورية في اربعينيات القرن الماضي , يومها كان الانفعال بها حتى على المستوى الشعبي في أغاني البنات " الله لي كوريا يا شباب كوريا " . تقول بعض أبيات القصيدة :
يا راكب الظلماء يرب في غيابتها ويطفو قل لي وأنت بزمرةٍ من اخوةٍ وعدً تحفُ زمرٌ منضرة الشباب الى منيتها تخفُ ولقد غدوت وكل ما يعنيك مهلكةٌ وعسفُ ومسالكٌ للموت هوجٌ ما يقوم لهن صفُ ما كان ينصفك الردى لو كان في الأحياء نصفُ لكن بنيت من المصائب ركن حقٍ كاد يعفو ووهبت حظك في الحياة لعلها لسواك تصفو
حقاً ان التضحية والنضال من أجل الآخرين هو قمة الوعي الانساني النبيل. وهناك قصيدة أخرى نظمها حين رأى فتاةً يلفها البؤس بكردفان , فكانت قصيدة " فتاةٌ من كردفان " ومنها:
لم تحمها البأساء أن تختالا كالغصن داعبه النسيم فمالا درجت على بؤس الحياة وأشرقت تحت الشقاوة نضرةً وجمالا أكذا مشت فوق الزمان وأحرقت حقباً قضين مع الهوان طوالا وعلى قطار الأقدمين تقلبت ترعى الرعاع وتنبت الجُهّالا ما بالها ترتاع منك كأنما ألفت لديك معادياً مقتالا قري الى كلمي فلست بقانصٍ يصطاد منكِ بكردفان غزالا
بما أن انتاج الرشيد نايل الشعري قد قل بعد ولوجه باب العمل السياسي , الا ان ثورة 21 اكتوبر قد ألهمته لينشر على صفحات الرأي العام فصيدته الرائية , تحية للثورة بعد زوال الحكم العسكري,و الذي تعرض خلاله " مع رفاقه " الى الاعتقال والسجن بل والنفي الى ناقيشوط بجنوب السودان. ومطلع القصيدة:
يهنيك يا شعب ما لاقيت من ظفرِ أخذته بالضحايا أخذ مقتدرِ أعدت يا شعب هذا اليوم ما صنعت أجدادك الغرّ في أيامك الأُخَرِ بالأوجه السمر خضناها مؤججةً سقياً ورعياً لتلك الأوجه السمرِ دعتهم شيمة الأحرار فانهمروا على رصاصٍ من الطغيان منهمرِ فلو رأيت أمام القصر أذرعهم مع السماء وسمت القصر بالقِصَرِ
ويشير الى الذين شاركوا في الثورة:
من كادحٍ يتلقى الموت مبتسماً في كالحٍ من دخان الموت منتشرِ وعالمٍ زان منه العلم وقفته مغامرٍ بين ناب الليث والظُفُرِ ومن نساء بلادي كل غانيةٍ بعزة النفس لا بالدلّ والخفرِ وللرصاص على أردانها عَبَقٌ يفوح عطراً على جلبابها العطِرِ
وبين أوراقه وجدنا قصيدةً سطرها في رثاء صديقٍ له وعنوانها " رثاء " من هو المرثي ؟؟ لا ندري !! وفحوى القصيدة يدل على ان الرشيد نايل قد تلقى العلم على يد المرثي في مرحلة من مراحله الدراسية, ويقول فيها :
مودعي ومن التوديع مهلكةٌ لعارفيك وداعٌ بالرؤى يعِدُ أصد عن ذكرك المحمود فهو على قلبي الأسى والشجى والغبن والنكدُ أيام أنت معيد العلم لي رقمٌ به نطقتُ وزندٌ زاد لي رئدُ ضلّت نفوس رجالٍ أنت بغيتها وينشدونك جهلاً ضل ما نشدوا يستلفتونك والأفواه عاجزةٌ عما يصيح اليه القلب والكبدُ وأعظم الخطب حيث اللب منصرعٌ محطمٌ ولسان القول منعقدُ
وهنا يجيب على سؤال ما معنى حياتنا ؟ :
حياتنا صنع من مدوا رفاهتنا ومعشرٌ منهم الأفراح تُرتفدُ وأعينٌ من وفي الود ترمقنا بها السعادة لا روحٌ ولا جسدُ وما اصابك من خلٍّ تفارقه فإنه جانبٌ في العمر يُفتقدُ
حقاً. فحينما نفقد أصدقاءنا وأحبابنا , فكأننا نفقد جانباً من أعمارنا , لكن الحياة تمضي:
سيخلق الدهر اخواناً أُسر بهم عن ذاهبين ولكن جلّهم عددُ يضمهم حولنا لهوٌ وميسرةٌ وهم طرائف إن جربتهم قِددُ وما مضى بك من علمٍ ومن كرمٍ فذاك عنديَ جزرٌ ما له مددُ
ويصف أخلاق المرثي وحكمته:
أدرت خلفك عيناً كلما نظرت عادت بأدمعها الحمراء تبتردُ وخلف ذكرك قلبٌ أنت غايته من الفضيلة ذمّ الناس أم حمدوا خلائقٌ اخطأت سقراط يوم مشى يُعلّم الناس أين المسلك الجَدَدُ وحكمةٌ لم تدنس من حقيقتها خرافة القوم أو تُنفث لها العُقَدُ
هذا جزء يسير من انتاج الرشيد نايل الشعري, وما يزال الكثير غائباً, هناك قصيدة عن الجلاء سمعت بعض أبياتٍ منها , وأخبرني أحدهم انه استمع للرشيد نايل يلقي قصيدة بمناسبة التخرج في عام 1952 , هذا عدا القصائد التي أشار اليها البروف عبد الله الطيب ولم نجدها. الصحافة فن , والصحافة الحزبية كالميدان مثلاً , لا يجب ان تكون صحافة " تنظيمية" وكأنها تخاطب أعضاء الحزب فقط , انها تخاطب كل فئات الشعب , لذا يجب ان تعكس فكر وأدب وثقافة المنتمين للحزب , والمتعاطفين معه . ولو كان الأمر كذلك لما لاقيت عنتاً في البحث عن انتاج الرشيد نايل . ولحفلت صحيفة الميدان بالكثير مما انتجه الأدباء الشيوعيون من شعراء وكتاب. عثرت قبل عدة سنوات بمكتبة بالامارات على كتيب به قصص قصيرة من تأليف حسن الطاهر زروق أول نائب برلماني عن الجبهة المعادية للأستعمار , والكتاب صادر من وزارة الثقافة العراقية, وأعلم أن لديه مؤلفات أخرى ذات مستوى رفيع. أليس من العيب أن لا يكون مثل هذا الانتاج متاحاً لقراء الميدان. !!!.
كان الاسلام السياسي ممثلاً في حركة الأخوان المسلمين وتوابعها, ومدعوما من الامبريالية العالمية والدول الرجعية, مكلفاً بمحاربة المد الشيوعي في المنطقة. تصدى له الرشيد نايل وأعانه على ذلك خلفيته كقاضي شرعي ملم بالتراث الاسلامي, ومعرفة ثرة بما خطه منظروهم حسن البنا, سيد قطب وابو الاعلى المودودي. فكانت سلسلة مقالات بصحف الحزب الشيوعي توسطها كتاب أُخرج على عجل إبان فترة الديمقراطية الثانية بعنوان (الاخوان المسلمون أعداء الله وأعداء كتابه) .
ونحن هنا نناشد من في الحزب الشيوعي الذين يقدرون مساهمة الرشيد نايل , أن يضعوا بين أيدينا ما خطه قلمه على صفحات ومطبوعات الحزب , لأن هذا الأمر يتطلب جهد مؤسسة لا جهد فرد. والاستجابة لطلبنا سيعكس مدى التقدير والوفاء لقائد من قواد الحزب الشيوعى. كما أن أعماله في نقد حركة الاسلام السياسي , ما تزال طريةً ومعاصرة. وأختم هنا بما ختم به رائيته الأكتوبرية.
فخرت بالشعب في أيام محنته وهل أكون بشعبي غير مفتخرِ لا اصدق الشعب ودي حين أذكره لدى الصفاء وأنساه لدى الكدرِ ولا أكِل وهذا الشعب منتصرٌ ولا أُذَل وشعبي غير منتصرِ
مأمون الرشيد نايل
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.