((الهلال في أختبار الجاموس الجنوبي))    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالفيديو.. الفنان طه سليمان يفاجئ جمهوره بإطلاق أغنية المهرجانات المصرية "السوع"    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    قرار مثير في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرشيد نايل / شاعر كلية غردون ... بقلم: مأمون الرشيد نايل
نشر في سودانيل يوم 06 - 08 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
جائزة الشعر في كلية غردون هي جائزة سنوية ترصدها ادارة الكلية لاجمل شعرٍ تجود به قرائح الشعراء من طلابها, وتلزمهم الادارة بموضوع الشعر الذي ينظمون فيه قصائدهم, اما الذين يحكمون في هذا الأمر ,فهم اساتذة في الكلية, ولكنهم من اساطين الأدب والشعر في السودان , الشيخ احمد محمد صالح , الشيخ البنا والشيخ جلال الدين والد الشاعر محمد المهدي المجذوب . فانظر ماذا كتب اديب امتنا البروف عبد الله الطيب عن هذه الجائزة في كتابه " من حقيبة الذكريات " :
" فزت بجائزة الشعر وانا بالسنة الثالثة, ولم أفز بها إلا لأن الرشيد نايل كان غائباً, فقد كان لا يدعها لأحد, فاز بها في كلتا سنتينا الاولى والثانية. في السنة الأولى عن قصيدته في الهجرة النبوية ومطلعها :
قمرٌ بصحبة كوكبِ قد امعنا في السبسبِ
اما في السنة الثانية, فقد خيرنا بين رثاء الملك جورج الخامس أو الملك فؤاد . رثى الرشيد نايل الملك فؤاد وفاز بالجائزة, قال عمي واستاذنا جلال الدين لي ولابنه محمد المهدي المجذوب, اننا لم نحسن ان نقول كما قال الرشيد :
أو اما أحس الدافنوه قدره أو اما دروا أي المصاب به دُهوا
وبراعة القافية في بهي دهوا لا تخفى واذكر له قصيدته في رحلة نظمتها الكلية الى جبل مرة يقول فيها:
مطيتنا تسير بلا عنانِ وتقتحم الفلاة بلا تواني اخفّ من الظنون على الفيافي وأنفذ في حشاها من سنانِ
أما في السنة الرابعة فقد ضغمنا مع الجميع بابكر احمد موسى ببائية طويلة النفس مطلعها:
عدوة النيل اسعدي بعض ما بي ......"
تأمل أيها القارئ العزيز كيف تتجلى فضيلة التواضع من عالمٍ يتواضع الملوك في حضرته وهو يحاضر, من عالمٍ لو كان كل ما انتجه في حياته سفره الضخم "المرشد الى فهم أشعار العرب " لكفى . من عالمٍ تخرج على يديه أجيالٌ وأجيال , إنه يعلمنا ويعلم أولئك الذين يملأون الدنيا ضجيجاً وتكبراً وهم لا يملكون من المواهب والآداب شيئاً يُذكر. إنه يعلمنا ويعلمهم كيف نمشي على الأرض هوناً ... وينسى الكثيرون, لا بل يتجاهل الكثيرون دفاعه عن حرية الفكر , في زمنٍ ضمرت فيه أقلام الكثيرين , وصمتت أفواههم عن النطق بكلمة الحق, والذي تمثل في رثائه للشهيد محمود محمد طه , وهو لم يكن جمهورياً, ولم يكن من آل ساس يسوس.فهو رجل علمٍ وفكر. سقت قبره شآبيب الرحمة من لدن غفورٍ رحيم. إنه ليس معلماً للغة العربية وآدابها فحسب !! إنه معلم أمة......
ينتمي الرشيد نايل الى قبيلة الجموعية بريفي شمال امدرمان , وأهله الأقربون بالجزيرة اسلانج , النوبة والسروراب, ولد في عام 1920 بالكاملين لأن والده الشيخ نايل كان معلماً بمدرستها. وقد يعجب المرء للكاملين التي كان التعليم يسري في عروقها منذ اكثر من مائة عام, ولكنها لا تزال كمثيلاتها , لا تختلف كثيرا عن دامر المجذوب التي عناها شاعرنا توفيق صالح جبريل بقوله:
فيا دامر المجذوب لا انتِ قريةٌ بِداوتها تبدو ولا أنتِ ..بندرُ
فهل تنكر لها خريجوها؟؟ أم هي المركزية الصارمة التي جعلتنا كلنا كما قال شاعر العامية " مندفسين في ربع كيلو" .
ألتحق الرشيد نايل بكلية غردون التذكارية في عام 1934 بقسم القضاء الشرعي , حدثني أقرانه أنه كان متفوقاً , وانه كان يحصد الجوائز التي ترصدها الكلية في مجاليْ الأدب الانجليزي والشعر , كما كان رئيس الجمعية الدينية بالكلية. وقد اخبرني أن أغلب الأساتذة الأنجليز كانوا من الطبقات الارستقراطية , ومن خريجي اكسفورد وكيمبردج, كما أنهم كانوا يساريين ومن معتنقي الفكر الاشتراكي , تبرع أحد هؤلاء الأساتذة بتدريسهم نظرية دارون , واحضر لذلك بعض المتحجرات من انجلترا, تذمر بعض الشيوخ , وبعض اباء الطلاب أجبروا أبناءهم على الانسحاب. لكن الأغلبية كانت حضوراً وبينهم الرشيد نايل, وأظنه قد تبنى منذ ذلك الحين الفكر الاشتراكي.
عمل بعد التخرج قاضياً شرعياً , متنقلاً بين عدة مدن. من اهم المدن التي عمل بها وربطته بأبنائها علائق امتدت لزمن طويل, مدينتا النهود ومروي . عندما تم نقله من النهود الى الخرطوم كتب شاكياً:
تنكبتُ صحراء النهود جهالةً إلى النيل في إعشابه وانسيابهِ وكان الصدى في رملها وسرابها ابرّ بقلبي من زلال شرابهِ
في اواخر ثلاثينيات القرن الماضي تحولت كلية غردون الى كلية جامعية كفرع تابع لجامعة لندن بأسم كلية الخرطوم الجامعية, وكانت المدارس الثانوية قد أُنشئت (وادي سيدنا وخورطقت وحنتوب) والتي كان طلابها يجلسون لامتحان كيمبردج الذي يؤهلهم لدخول الكلية. سُمح لخريجي كلية غردون بالجلوس لامتحان كيمبردج والالتحاق بالكلية إذا رغبوا في ذلك. في عام 1948 جلس لأمتحان كمبردج 88 من خريجي كلية غردون السابقين . نجح منهم اثنان في دخول الكلية الجامعية لدراسة القانون المدني , هما الرشيد نايل ومولانا قسومة من أبناء بري.
تخرج الرشيد نايل في كلية القانون في عام 1952 مواصلاً عمله بالقضائية. ثم استقال من القضاء في عام 1954 مرشحا نفسه للانتخابات التي جرت آنذاك والتي لم يوفق فيها . بعدها عمل بالمحاماة لفترة تزيد على الخمسين عاما حتى وفاته.
في صبيحة 22 يوليو 1971, اقتحم رجال الأمن منزلنا بودنوباوي, وأودعوه سجن كوبر. أذكر انه قال لي انه وجد ثلاثة أتوا بهم قبله, من بينهم جوزيف قرنق ومحمد وردي على ما أظن. بعد عدة أشهر أقتحم السجن نميري وحوله المئات من الحرس المدججين بالسلاح, وخاطبهم قائلاً " الشيوعي فيكم يطلع بره " . فخرج اليه الرشيد نايل قائلاً " انا شيوعي وكمان في اللجنة المركزية " . وهو لم يكن ضمن أعضاء اللجنة المركزية , بل ربما لم يكن عضواً بالحزب الشيوعي حينها !!. وكانت النتيجة أن اودع زنزانات الحبس الانفرادي لأكثر من ستة أشهر. إنه آمن بما آمن به لا طلباً لجاه أو سلطان, والجاه والسلطان بين يديه إن أراد .
هناك من هم جيفاريو الهوى , انهم اولئك الذين يخلصون لما آمنوا به, انهم الذين يركلون متاع الدنيا بالرغم من ما حباهم به الله من تفوق اكاديمي وقدرات ومواهب, كان يمكن أن تجنبهم وعثاء الطريق الذي أرتضوه, لكنهم وهبوا حظهم في الحياة لعلها تصفو لآخرين. استقال في عام 1954 من منصبه كقاضي مدني وهي وظيفة كانت حكراً على الانجليز آنذاك, حتى ان رفاقه وصفوا ما قام به بالجنون, لكنه كان يريد أن يعبّر بحرية عن الفكر الذي آمن به, والقضاء لا يسمح بذلك كما هو معلوم. بعد وفاته وجدنا في خزانته بعض القصائد التي كتبها لكن ليس فيها ما يشير الى تأريخ كتابتها , وبما انني كنت بصدد طبع ديوان يحوي انتاجه الشعري , فقد بحثت جاهدا , وقابلت من أظنهم على علم ببعض أعماله , وزرت دار الوثائق , ومعهد عبد الله الطيب الذي قابلت به الأستاذ الجليل المرحوم محمد الواثق الذي نصحني بالبحث لدى رفاقه الشيوعيين , وللأسف هم لا يذكرون شيئاً, حتى أنني لم اجد القصائد التي أشار اليها البروف عبد الله الطيب في كتابه " من حقيبة الذكريات " ودار تساؤل بخاطري , لم لم يحتف به رفاقه الشيوعيون , وقد أشاد بشاعريته أساطين الأدب والشعر في السودان, هل لأنه يكتب الشعر على نهج الخليل بن أحمد ؟. وحين أرى كيف احتفى الشيوعيون والبعثيون في العراق بمحمد مهدي الجواهري وهو من أنصار الخليل بن أحمد , يظل التساؤل قائماً!! وفي خمسينيات القرن الماضي أصدر وترأس مجلة الفكر التي قيل انها أصدرت ثلاثة أعداد ثم توقفت !!
وأود في هذا المقام استعراض بعض قصائده وأولها قصيدة بعنوان " المؤتمر " ولا شك أنه أحد مؤتمرات الخريجين,
حتّام بعد يقيننا نتوهم ويغرنا شبح الضلال المظلمُ لبيك مؤتمر البلاد ولا كبا شعبٌ يهب على يديك ويقدمُ لا تخش في مسرى ركابك عصبةً عمهوا عن الحق المبين فرجموا
ويقول مخاطبا النيل:
يا أيها النهر العظيم أبِن لنا أمن الزلال أم الزلازل تفعمُ قالوا مسيلك رحمةٌ دفّاقةٌ تسري بأعراق البلاد وأنعمُ وأرى الشقاوة في ذراك منيعةً كالطود تسقي ما تشاء وتطعمُ وروى القدامى أن تربك جنةٌ واليوم أنت لساكنيك جهنمُ طوفوا بأرجاء البلاد لعلها تهب المُسائل علم ما لا يُعلمُ ودعوا النفوس فإنها مؤودةٌ وسلوا الصخور فإنها تتكلمُ انّى يضيق عن أبنائه وسواهم من فيضه يتنعمُ
إذا كان هذا حال ساكني النيل في ذلك الزمان فما حالهم اليوم !!! والأبيات التالية في نفس القصيدة تؤرخ لأولئك القادمين من شمال الوادي يحملون بذور الفكر الاشتراكي الثوري:
اخواننا من مصر نبه معشرٌ هم أمس في أعلى الكنانة نوّمُ وتقشعت سحب الجهالة وانطوت عنا وابلغنا الرشاد القيّم هبوا بني الوطن الكريم فقد دعا داعٍ يغوص الى القلوب فيُفهمُ وأهاب اني قد خطوت فسارعوا خلفي وأني قد بدأت فتمموا
وأظن أن المقصود بالرشاد القيّم عبد الخالق محجوب الذي كان اسمه الحركي راشد. لم يكن الرعيل الأول من خريجي كلية غردون يجهلون الاشتراكية بل أن جلهم كانوا من المؤمنين بالاشتراكية المعتدلة او الأخلاقية وبعضهم بالأشتراكية الفابية, لكنهم كانوا ينظرون الى الشيوعية كنظرية غوغائية أو سوقية لا يجب الاعتداد بها , مما دعا عبد الخالق الى نعتهم بالانجليز السود, كان الرشيد نايل هو الانجليزي الأسود الوحيد الذي احتضن أولئك الشباب , سار معهم, ودرب المئات منهم على المحاماة, ودافع عنهم أمام المحاكم المدنية والعسكرية. حدثني مرة أنه ذهب كمحامي دفاع لمقابلة عبد الخالق وبعض رفاقه بالسجن إبان عهد عبود وكان من المنتظر تقديمهم الى محاكمة عاجلا, أعرب عبد الخالق عن هواجسه من أن القاضي المكلف بمحاكمتهم وهو ( ابو رنات ) قد يتعرض لضغوط من النظام العسكري, لكن الرشيد نايل طمأنه وأجابه أن ابو رنات لا يبيع ضميره القانوني مهما كان الثمن !! وكما كان ابو رنات كان القاضي صلاح حسن, الذي أصدر الحكم الدستوري ببطلان طرد أعضاء الحزب الشيوعي من البرلمان (كان الرشيد نايل بينهم), وحزنت حينما استمعت الى الصادق المهدي بقناة الجزيرة, يقول بأن الحكم جاء على هذه الشاكلة لأن القاضي صلاح حسن كان شيوعياً. بالرغم من ان مستشاريه القانونيين لم يجدوا ثغرة قانونية واحدة في ذلك الحكم !!! ان الصادق المهدي لا يعرف قدر الرجال!!
ومن القصائد التي تلفت الانتباه , قصيدة بعنوان "الى جندي كوري " اشارة الى الحرب الكورية في اربعينيات القرن الماضي , يومها كان الانفعال بها حتى على المستوى الشعبي في أغاني البنات " الله لي كوريا يا شباب كوريا " . تقول بعض أبيات القصيدة :
يا راكب الظلماء يرب في غيابتها ويطفو قل لي وأنت بزمرةٍ من اخوةٍ وعدً تحفُ زمرٌ منضرة الشباب الى منيتها تخفُ ولقد غدوت وكل ما يعنيك مهلكةٌ وعسفُ ومسالكٌ للموت هوجٌ ما يقوم لهن صفُ ما كان ينصفك الردى لو كان في الأحياء نصفُ لكن بنيت من المصائب ركن حقٍ كاد يعفو ووهبت حظك في الحياة لعلها لسواك تصفو
حقاً ان التضحية والنضال من أجل الآخرين هو قمة الوعي الانساني النبيل. وهناك قصيدة أخرى نظمها حين رأى فتاةً يلفها البؤس بكردفان , فكانت قصيدة " فتاةٌ من كردفان " ومنها:
لم تحمها البأساء أن تختالا كالغصن داعبه النسيم فمالا درجت على بؤس الحياة وأشرقت تحت الشقاوة نضرةً وجمالا أكذا مشت فوق الزمان وأحرقت حقباً قضين مع الهوان طوالا وعلى قطار الأقدمين تقلبت ترعى الرعاع وتنبت الجُهّالا ما بالها ترتاع منك كأنما ألفت لديك معادياً مقتالا قري الى كلمي فلست بقانصٍ يصطاد منكِ بكردفان غزالا
بما أن انتاج الرشيد نايل الشعري قد قل بعد ولوجه باب العمل السياسي , الا ان ثورة 21 اكتوبر قد ألهمته لينشر على صفحات الرأي العام فصيدته الرائية , تحية للثورة بعد زوال الحكم العسكري,و الذي تعرض خلاله " مع رفاقه " الى الاعتقال والسجن بل والنفي الى ناقيشوط بجنوب السودان. ومطلع القصيدة:
يهنيك يا شعب ما لاقيت من ظفرِ أخذته بالضحايا أخذ مقتدرِ أعدت يا شعب هذا اليوم ما صنعت أجدادك الغرّ في أيامك الأُخَرِ بالأوجه السمر خضناها مؤججةً سقياً ورعياً لتلك الأوجه السمرِ دعتهم شيمة الأحرار فانهمروا على رصاصٍ من الطغيان منهمرِ فلو رأيت أمام القصر أذرعهم مع السماء وسمت القصر بالقِصَرِ
ويشير الى الذين شاركوا في الثورة:
من كادحٍ يتلقى الموت مبتسماً في كالحٍ من دخان الموت منتشرِ وعالمٍ زان منه العلم وقفته مغامرٍ بين ناب الليث والظُفُرِ ومن نساء بلادي كل غانيةٍ بعزة النفس لا بالدلّ والخفرِ وللرصاص على أردانها عَبَقٌ يفوح عطراً على جلبابها العطِرِ
وبين أوراقه وجدنا قصيدةً سطرها في رثاء صديقٍ له وعنوانها " رثاء " من هو المرثي ؟؟ لا ندري !! وفحوى القصيدة يدل على ان الرشيد نايل قد تلقى العلم على يد المرثي في مرحلة من مراحله الدراسية, ويقول فيها :
مودعي ومن التوديع مهلكةٌ لعارفيك وداعٌ بالرؤى يعِدُ أصد عن ذكرك المحمود فهو على قلبي الأسى والشجى والغبن والنكدُ أيام أنت معيد العلم لي رقمٌ به نطقتُ وزندٌ زاد لي رئدُ ضلّت نفوس رجالٍ أنت بغيتها وينشدونك جهلاً ضل ما نشدوا يستلفتونك والأفواه عاجزةٌ عما يصيح اليه القلب والكبدُ وأعظم الخطب حيث اللب منصرعٌ محطمٌ ولسان القول منعقدُ
وهنا يجيب على سؤال ما معنى حياتنا ؟ :
حياتنا صنع من مدوا رفاهتنا ومعشرٌ منهم الأفراح تُرتفدُ وأعينٌ من وفي الود ترمقنا بها السعادة لا روحٌ ولا جسدُ وما اصابك من خلٍّ تفارقه فإنه جانبٌ في العمر يُفتقدُ
حقاً. فحينما نفقد أصدقاءنا وأحبابنا , فكأننا نفقد جانباً من أعمارنا , لكن الحياة تمضي:
سيخلق الدهر اخواناً أُسر بهم عن ذاهبين ولكن جلّهم عددُ يضمهم حولنا لهوٌ وميسرةٌ وهم طرائف إن جربتهم قِددُ وما مضى بك من علمٍ ومن كرمٍ فذاك عنديَ جزرٌ ما له مددُ
ويصف أخلاق المرثي وحكمته:
أدرت خلفك عيناً كلما نظرت عادت بأدمعها الحمراء تبتردُ وخلف ذكرك قلبٌ أنت غايته من الفضيلة ذمّ الناس أم حمدوا خلائقٌ اخطأت سقراط يوم مشى يُعلّم الناس أين المسلك الجَدَدُ وحكمةٌ لم تدنس من حقيقتها خرافة القوم أو تُنفث لها العُقَدُ
هذا جزء يسير من انتاج الرشيد نايل الشعري, وما يزال الكثير غائباً, هناك قصيدة عن الجلاء سمعت بعض أبياتٍ منها , وأخبرني أحدهم انه استمع للرشيد نايل يلقي قصيدة بمناسبة التخرج في عام 1952 , هذا عدا القصائد التي أشار اليها البروف عبد الله الطيب ولم نجدها. الصحافة فن , والصحافة الحزبية كالميدان مثلاً , لا يجب ان تكون صحافة " تنظيمية" وكأنها تخاطب أعضاء الحزب فقط , انها تخاطب كل فئات الشعب , لذا يجب ان تعكس فكر وأدب وثقافة المنتمين للحزب , والمتعاطفين معه . ولو كان الأمر كذلك لما لاقيت عنتاً في البحث عن انتاج الرشيد نايل . ولحفلت صحيفة الميدان بالكثير مما انتجه الأدباء الشيوعيون من شعراء وكتاب. عثرت قبل عدة سنوات بمكتبة بالامارات على كتيب به قصص قصيرة من تأليف حسن الطاهر زروق أول نائب برلماني عن الجبهة المعادية للأستعمار , والكتاب صادر من وزارة الثقافة العراقية, وأعلم أن لديه مؤلفات أخرى ذات مستوى رفيع. أليس من العيب أن لا يكون مثل هذا الانتاج متاحاً لقراء الميدان. !!!.
كان الاسلام السياسي ممثلاً في حركة الأخوان المسلمين وتوابعها, ومدعوما من الامبريالية العالمية والدول الرجعية, مكلفاً بمحاربة المد الشيوعي في المنطقة. تصدى له الرشيد نايل وأعانه على ذلك خلفيته كقاضي شرعي ملم بالتراث الاسلامي, ومعرفة ثرة بما خطه منظروهم حسن البنا, سيد قطب وابو الاعلى المودودي. فكانت سلسلة مقالات بصحف الحزب الشيوعي توسطها كتاب أُخرج على عجل إبان فترة الديمقراطية الثانية بعنوان (الاخوان المسلمون أعداء الله وأعداء كتابه) .
ونحن هنا نناشد من في الحزب الشيوعي الذين يقدرون مساهمة الرشيد نايل , أن يضعوا بين أيدينا ما خطه قلمه على صفحات ومطبوعات الحزب , لأن هذا الأمر يتطلب جهد مؤسسة لا جهد فرد. والاستجابة لطلبنا سيعكس مدى التقدير والوفاء لقائد من قواد الحزب الشيوعى. كما أن أعماله في نقد حركة الاسلام السياسي , ما تزال طريةً ومعاصرة. وأختم هنا بما ختم به رائيته الأكتوبرية.
فخرت بالشعب في أيام محنته وهل أكون بشعبي غير مفتخرِ لا اصدق الشعب ودي حين أذكره لدى الصفاء وأنساه لدى الكدرِ ولا أكِل وهذا الشعب منتصرٌ ولا أُذَل وشعبي غير منتصرِ
مأمون الرشيد نايل
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.