السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النهضة والعلمانية بالإكراه .. بقلم: ابراهيم عثمان
نشر في سودانيل يوم 09 - 08 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عندما تم تكليف الباجي قائد السبسي بتشكيل الحكومة بعد سقوط بن علي علق زعيم حركة النهضة : ( السبسي جئ به من الإرشيف ) ، فكان رد السبسي الساخر : ( الغنوشي هو أيضا من الأرشيف ولكنه ليس من الصندوق نفسه ) ، إلى ذلك الحين كانت النهضة تمتلك رفاهية الإعتراض وإبداء الرأي ، لكن بمرور الوقت ومع ظهور الثورات المضادة اضطرت إلى تخفيض صوتها ليس فيما يخص شعاراتها الإسلامية فقط بل وحتى مطالبها وآراءها السياسية ، فسارت مع التيار وتنازلت حتى أصبح البعض يخشون أنها من شدة خوفها من الثورة المضادة والفاشية العلمانية أصبحت تشتري نجاتها ببعض المواقف التي قد تضعها تحت طائلة الإتهام بأنها تجاوزت ما يتطلبه التوقي والحذر إلى الإنخراط الفعلي في الثورة المضادة ، مما جعل حليفها السابق المنصف المرزوقي يقول في مقال نشره قبل أيام ( كنت إلى حد الآن احذر الإسلاميين في تونس حتى لا يصبحون من صف الثورة المضادة مهما كانوا ملزمين بالحذر وتجنب الصدام ، لكني الآن يئست فأقلعت ) .
الحركة التي اعترضت على السبسي باعتباره من الإرشيف ، عادت وتعايشت -تحت الإكراه العلماني- مع الإرشيف كل الإرشيف رموزاً وقوانين وتوجهات ، فالسبسي نفسه وبعد سنوات من الثورة ترشح للإنتخابات الرئاسية ، والنهضة لم تقدم مرشحاً للرئاسة ، وأيضاً لم تمتلك شجاعة الوقوف العلني مع حليفها المرزوقي العلماني الحداثي المعتدل الذي هاجمته قوى الثورة المضادة التونسية والإقليمية بسبب شخصيته وسياساته المستقلة ، وبسبب علمانيته المعتدلة التي تسمح له بالتعامل مع الإسلاميين دون حساسيات فيكلف رئيس وزراء من النهضة ولا يعرقله ولا يعمل على افشاله ، وأيضاً بسبب خلفيته الحقوقية ومبدأيته التي جعلته لا يتحمس لإنقلاب مصر لأنه ليس في حالة عداء للإسلاميين تجعله يعلى مصلحة العلمانية على احترام الديمقراطية ونتائجها ، مع الإدانة العلنية لسياسات القمع التي انتهجها النظام المصري والمطالبات المتكررة لإطلاق سراح الرئيس المنتخب ،وأيضاً لوقوفه العلني ضد انتهاكات إسرائيل وتعاطفه ودعمه لغزة المحاصرة دون تحفظ .. كانت النهضة تتصرف ببراغماتية مبررة مستفيدة من دروس مصر وما رأته هناك من شراسة وفاشية العلمانيين رغم أن العلمانية في مصر أقل صلابةً من نظيرتها في تونس بحيث ظلت وعلى مدى الأنظمة المتعاقبة تقبل على مضض بالنص في الدستور على أن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع ولم يتغير ذلك بعد الإنقلاب . ففوز المرزوقي كان سيستفز رعاة الثورة المضادة ويزيد من احتمالات تخطيطهم للإنقلاب ، والنهضة كانت تعلم أن وصول الباجي السبسي إلى السلطة عبر الإنتخابات سيجنبهم ويجنب تونس كثيراً من السيناريوهات الكارثية والنهضة تستطيع التعايش مع السبسي . بل وتستطيع تقديم التنازلات الكبيرة له بما أنه منتخب وبما أنها تنازلات من أجل ترسيخ الديمقراطية والحرية ، عكس الوضع لو أنها كانت قد دعمت المرزوقي ففاز ، فالعلمانيون ،ما كانوا سيدعمونه لإنجاح التجربة الديمقراطية ، ويمكن اسنتاج ذلك من المقارنة بين مواقف أغلبية العلمانيين من حكومة النهضة وشركاءها ، ومواقف النهضة من حكومات ما بعد فوز نداء تونس ، فالنهضة دائماً كانت مسؤولة وتقدم العام الوطني على الخاص الحزبي ، بينما كان العلمانيون خميرة عكننة دائمة على حكومة النهضة حتى تأزمت الأوضاع ولاح شبح الإنقلاب فتنازلت النهضة عن السلطة ، ودعمت بأغلبيتها البرلمانية حكومة التكنوقراط التي أعقبت حكومتها ، والتنازل كان مطلوباً في ظل الحوار حتى لو كان الحكم لا يمثل الإنعكاس الحرفي للصندوق ، أما لو حدث الإنقلاب فلا النهضة كانت ستقنع أحداً لو أنها استسلمت ولا رعاة الثورات المضادة كانوا سيقبلون منها بأقل من الإستسلام والإنسحاب الكامل وتجفيف المنابع بما يزيد عما كان يفعله بن علي، وقد ذكر صحفي مقرب من السبسي أن الرئيس حدثه بأن دولةً عربية وعدته بمنح واستثمارات ضخمة في تونس لو قام بحل حركة النهضة وسجن قادتها وأنه رفض ذلك إذ لا مبرر له ولا فائدة ولذلك حرموه من الدعم ولعل المقارنة واضحة بين ما قدم للسيسي وما قدم للسبسي ، فالداعمون لا يتخوفون فقط من الإسلاميين وحكمهم بل وأيضاً من صوت الشعوب الحرة إن استقرت الديمقراطية وأفرزت حكاماً منتخبين أحرار يعبرون فعلاً عن شعوبهم حتى لو كانت خلفيتهم علمانية .
إذن استفادت النهضة من الدرس المصري بينما لم يسعد الحظ اخوان مصر بدرس يعلمون من خلاله شراسة الثورة المضادة والعزيمة والإرادة القوية والإمكانات الضخمة الموظفة لها ، خاصةً في دولة مثل مصر وما تمثله من ثقل وأهمية جيوبوليتيكية بما لا يمكن لإسرائيل وحلفاءها الإقليميين والدوليين تركها لتُحكم وفق إرادة شعبها . لو علمت جماعة الإخوان في مصر حجم الصفعة التي وجهتها لغرفة الثورات المضادة بفوزها برئاسة مصر ، وحجم التآمر الذي كان ينتظرهم وينتظر ثورة مصر وديمقراطيتها وإرادة شعبها . ربما كانت فعلت مثل النهضة ولم تقدم مرشحاً رئاسياً ، وربما كانت ستقرر على مضض عدم دعم أي مرشح في تحية اضطرارية لأحمد شفيق المرشح الرسمي للثورة المضادة ، لو كان شفيق قد فاز وتصرف اخوان مصر مثل نهضة تونس وتعايشوا مع نظامه ، فالمؤكد أن وضعهم سيكون أفضل بكثير منه في عهد السيسي وأفضل نسبياً من وضعهم أيام مبارك ، لكن ربما أقل من وضع نهضة تونس بسبب حساسية وضع مصر وبسبب شخصية شفيق الأكثر انصياعاً لأوامر غرفة الثورات المضادة من الباجي قائد السبسي .
زيادة على الدرس المصري كان هناك عامل آخر جعل النهضة أكثر مرونة وتمشياً وذلك يتمثل في تجذر العلمانية البورقيبية لدى قطاع معتبر من المجتمع وفي القوانين والدستور ، لذلك لم تستطع النهضة ولم تحاول أصلاً أن تدخل أي تعديل على الدستور فيما يخص العلاقة بين الدين والدولة ، إذ اكتفت بالنص البورقيبي القديم الذي يقول بأن الإسلام هو دين الدولة ، رغم أن الأستاذ راشد الغنوشي كان في وقت سابق قبل الثورة قد بين كيف أن هذا النص يمكن توظيفه لأغراض العلمانية مدللاً على ذلك بوجهة نظر بورقيبة التي تقول ( أتاتورك أخطأ لانه وضع في الدستور التركي ان الدولة التركية هي دولة علمانية ، وكان عليه ان يقر ان تركيا دولة اسلامية ، ولكن يطبق مبادئ العلمانية فيها ، لأنه عندما تقول الدولة انها اسلامية تكون لها وصاية على الاسلام وعلى المؤسسات التابعة لها ، وتمنع اية جهة شعبية أن تؤسس مدارس او مؤسسات او جمعيات او قطاعات شعبية مستقلة عن الدولة... ) ، ولكن بعد الثورة اضطرت حركة النهضة للقبول بهذا النص ولم تطالب بأن يكون هناك نص إضافي في الدستور يقول بأن الشريعة هي المصدر ألأساسي للتشريع أو حتى أنها مصدر أساسي من مصادر التشريع ، وتصدى كثير من قيادات النهضة لمهمة تقديم المبررات لعدم المطالبة وقدموا 27 تبريراً بعضها سياسي وبعضها فقهي ، لكن كلها يمكن تلخيصها في بند واحد هو السبب الحقيقي والبقية مجرد حواشي حوله : ( 20/ بيننا وبين ناخبينا ميثاق وبرنامج.. وبرنامج حركة النهضة أعلنّاه قبل انتخابات 23 أكتوبر الفارط، ولم يشر لتضمين الشريعة في الدستور.. ولا يمكننا أن نتراجع عن تعهداتنا لناخبينا.. والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود") ، وهو ما يمكن ترجمته بالخوف - ربما المبالغ فيه - من ردة فعل العلمانيين مما جعل النهضة تخشى مجرد الوعد وإعلان النية مما أوقعها في أمثال هذا التبرير غير المقنع والمسنود بالقرآن الكريم ! والذي إذا عممناه ودخلنا في تفصيلاته ستكون الصورة بالغة الغرابة ، فالنهضة مثلاً لم تطالب أساساً بمنع الخمور ، لكنها وعدت بأنها ستفرض ضرائب أعلى عليها في مسعى للتخلص التدريجي منها ، لكن النهضة وفي ظل حكومة السبسي قامت بالتصويت على تخفيض ضرائب الخمور "الرفيعة" ! وبعد إجازة التخفيض تم رفع الجلسة لأداء الصلاة حسب الفيديو الشهير المتداول ! وقد بررت النائبة عن حركة النهضة ( يمنى الزغلامي ) تصويت نواب النهضة مع القرار بأن الفصل الذي صوت عليه أعضاء الحركة يتضمن سلعاً أساسية أخرى ومنتوجات تمس المواطن البسيط بشكل مباشر مثل عصير الفواكه وزيوت البترول ! و أن تجارة الخمور مقننة في إطار المنظومة القانونية التونسية ومواردها في إطار الموازنات العامة لميزانية الدولة المقدمة لنواب المجلس والمساس بها يخل بالميزانية مثلها مثل بقية المنتوجات ، رغم تأكيدها بأن النهضة تسعى في المقام الأول إلى تشجيع الناس على ترك الخمور ، وهذا لا شك فيه ، لكن المؤكد أيضاً أن النهضة ذهبت في المواءمة و مجاملة العلمانيين إلى مستوى أكبر من أن تبرره الضرورة وبالتأكيد لن تجد من آيات القرآن الكريم ما يدعم موقفها.
أيضاً لم تطالب النهضة بتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يجرِّم تعدد الزوجات ويبيح العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج إذا كانت بالتراضي ، مما يتسبب في مواقف بالغة الغرابة داخل سوح القضاء ، فكثيراً ما ينكر الأزواج أمام القضاة زواجهم الثاني ويقولون أن العلاقة التي تجمعهم مع غير زوجاتهم هي علاقة جنسية بالتراضي بين عشيق وعشيقته وليست زواجاً ثانياً ، وهناك واقعة شهيرة لمواطن سلفي لا يؤمن بتحريم القانون للزواج الثاني فتزوج الثانية سراً لكن عندما انكشف أمره اضطر إلى الرضوخ لنصيحة محاميه بأن خطة الدفاع تستلزم أن ينكر زواجه من المرأة الثانية وأن المحامي سيبني دفاعه على أنها علاقة جنسية شرعية حسب القانون ( زنا حسب عقيدة السلفي وحسب الإسلام ) واضطر المتهم لقبول خطة الدفاع بما فيها من تلويث لسمعته وسمعة زوجته الثانية أمام نفسه وأمام بيئته السلفية المحافظة . والنهضة في كثير من القضايا المتعلقة بمظاهر العلمانية كان خطابها مشغول بالتطمين أكثر من الدعوة والإرشاد ، فقد تحدث قادتها مراراً بأنهم لن يفعلوا أي شئ يؤثر على مظاهر الحياة الإجتماعية المتحررة أو يعرقل السياحة ويقلل عائداتها، في محاولة للرد على المخاوف المعلنة من قبل العلمانيين الخاصة تحديداً بالعرى وسياحة الشواطئ والبكيني والمراقص والخمور والدعارة المقننة وغيرها من وسائل الجذب السياحي ، نعم ما كانت النهضة تستطيع المساس بهذه الجوانب فهي محمية ومحروسة بقوة من قبل القوانين والقوى العلمانية ، لكنها على الأقل كانت تستطيع ، كما يقول بعض ناقديها ، أن تقول وجهة نظرها وتقدم النصيحة حتى لو لم تجد أذناً صاغية . ومع ذلك كانت النهضة متهمة بتعويق السياحة وتهميشها لأسباب أيديولوجية من قبل علمانيي تونس ومن قبل العلمانية الخليجية الركيكة ،
وقد أثبت انقلاب تركيا أن مجاراة العلمانية وعدم مواجهتها لن يجعل غرفة الثورة المضادة تغض الطرف أو توقف التآمر ما دام هناك إسلامي على رأس السلطة ، و نواياه الحقيقية لا تتماشى مع مصلحة العلمانية وتعاطفه مع بقية الإسلاميين مؤكد ، وسياساته الداخلية والخارجية لن تنسجم مع الخط الرسمي لقوى الثورة المضادة ، وربما يقدم انقلاب تركيا درساً آخر للنهضة يؤكد صحة موقفها بعدم السعي إلى رئاسة الوزارة أو معارضة حكومة نداء تونس رغم فقدان النداء لأغلبيته البرلمانية بعد انشقاق عدد من نوابه . إذن يمكن القول بأن إكراهات الواقع الموروث من عهد بورقيبة وشراسة رعاة الثورات المضادة ، و محاولة تقليد العدالة والتنمية التركي كحزب إسلامي الخلفية يعمل في بيئة علمانية شبيهة إلى حد كبير ببيئة تونس ، كل هذه العوامل أدت إلى أن تنهج حركة النهضة هذا النهج الإنسحابي وتخفض سقف مطالباتها والقبول بأن تظل على هامش الحياة السياسية تساير وتتوقى الضربات وتشتري سلامتها بعدم معاندة العلمانيين وأحياناً بالمزايدة عليهم وتقديم نسخة إسلامية لمقولات وحجج علمانية بحتة .
إلى ما قبل المراجعات الأخيرة كانت مواقف النهضة ومسايراتها للسائد من إرث بورقيبة وارشيفه دستوراً وقوانين تجد تفهماً من كل الإسلاميين ، على أساس أن تطبيق برنامجها يحتاج إلى سيرورة طويلة وأن التخلص من إرث بورقيبة مهمة ليست سهلة ، وأن مطلبها الأساسي في هذه اللحظة التاريخية هو الحرية والديمقراطية ، وهو مطلب تحقق إلى درجة كبيرة حتى الآن رغم أنها حرية مهددة بسيف العلمانية البتار إن مارسوها كما يشتهون، ولذلك تركوا الأمور في كافة المجالات على ماهي عليه عندما حكموا لأنهم لم يتمكنوا من الحكم منفردين بل بالتحالف مع حزبين علمانيين ومع رئيس علماني معتدل ، ولأنهم ما كانوا يستطيعون تغيير الكثير حتى لو انفردوا بالحكم ، ولكن مراجعات النهضة وتأطير مسايراتها في إطار فكري تتبناه وتهتدي به أدى إلى كثير من الإنتقادات لأنها قد أبطلت عملياً حجج التعلل بصعوبة المهمة وانها تحتاج إلى وقت طويل ، وأصبحت كل الحجج تشتغل في الإتجاه المعاكس تثبيتاً للسائد وشرعنة له ، وسيرورة نحو المزيد منه ، يمكن أيضاً تفسير استمرار تعاطف الإسلاميين من خارج تونس - رغم انتقادات بعضهم - مع حركة النهضة بالنظر إلى الظروف الخاصة التي تعيشها وبالنظر إلى ما جرى في مصر وما كان يخطط له في تركيا . فما يجعل هذا التعاطف مستمراً هو ذاته ما يجعل قلق العلمانيين من النهضة مستمراً رغم تنازلاتها ، فالبوصلة والاتجاه لدى النهضة بالتأكيد ستكون نحو الإسلام ، وعلى الأقل فهي ستشكل خميرة عكننة للعلمانيين الراديكاليين تمنع تغولهم على الحريات والمكاسب التي نالها المسلمون في تونس من حرية المداومة على الصلاة في المساجد دون مخافة الإشتباه ، ومن حرية ارتداء الحجاب في أماكن العمل والدراسة ، ومن الغاء كثير من مظاهر محاربة الإسلام مثل منع إذاعة الأذان في التلفزيون ... الخ ، رغم أنها قد قطعت أشواط في محاولات المواءمة والمسايرة عبر قرارها بفصل الدعوي عن السياسي ومناداتها بالديمقراطية المسلمة بدلاً من الإسلام السياسي والقصور الواضح في شرح أبعاد وكنه هذه الديمقراطية المسلمة ، فهل كانت النهضة قبل مؤتمرها الأخير غير ديمقراطية أم كانت غير مسلمة ؟! وقد برر د رفيق عبد السلام التخلي عن مصطلح الإسلام السياسي بأنه غامض وملتبس ، بينما الواقع أنه كان مفهوما تماماً لدى الإسلاميين وأيضاً لدى العلمانيين ، أما مصطلح الديمقراطية المسلمة فهو لدى كثير من الإسلاميين مصطلح غامض ومريب ، ولدى العلمانيين يعتبر خطوة في اتجاههم رغم اتفاقهم مع الإسلاميين في القلق منه وعدم معرفة كنهه ، الإسلاميون يخشون أن يكون محاولة علمنة محتشمة ، والعلمانيون رغم الترحيب الفاتر يخشون من أن يكون محاولة أسلمة أكثر دهاءً وتخفياً ، محاولات النهضة ارضاء العلمانيين والإسلاميين في ذات الوقت أدت إلى الإرتباك الذي أصاب خطابها بحيث جعلها تارة تقول بأن الدولة مسؤولة عن الدين وتارة أخرى تقول بأن الحزب يجب ألا ينغمس في الخطاب الديني وأن يقدم برنامجه الإقتصادي الإجتماعي ... الخ فماذا لو فاز الحزب وكان مسؤولاً عن إدارة الدولة التي تركت لها النهضة مسؤولية الدين ؟ هل سيستدرك الحزب ساعتها الأمور ويضيف لبرنامجه جانب ديني يوضح كيف ستدير الدولة أمر الدين ؟! الواضح أن الإجابة هي أن حركة النهضة منذ أن أصبحت حزباً رسمياً وبعد أن تولت السلطة لم تفلح في اضافة أي من لمساتها وأنها أصبحت تقبل بما يقبل به نداء تونس فيما يخص أمر الدين والدولة . وكثيرون من نقاد النهضة يرون أنه كان يجب ألا تتسرع في محاولات موضعة المسايرة داخل برنامج الحزب ورؤاه الفكرية إلا بالقدر الذي تقتضيه عملية اتقاء الضربات و جدلية التحدي والإستجابة ، فالإستجابة على صعيد المواقف السياسية كانت أكثر معقولية ( عدم الترشح للرئاسة ، عدم دعم المرشح الثوري علناً ، عدم السعي لتولي الوزارة .. الخ ) لكن على صعيد المراجعة الفكرية فقد بدت النهضة أكثر تهافتاً على ارضاء العلمانيين بما يفوق ما تفرضه الظروف ، و الأمر المهم أيضاً هو أن إعادة التأسيسي الفكري تحتاج إلى أن تكون أكثر ارتباطاً بالحاجة الفعلية لا بالمخاوف. أو ردود الفعل الظرفية . فتنازلات السياسة بطبيعتها متحركة وقابلة للتغير بين لحظة تاريخية معينة وأخرى ، أما التأسيس الفكري بالذات إذا كان نزوعاً إلى العلمنة فمن الصعب التراجع عنه وعكس اتجاهه . أكثر الفئات حماساً للتغييرات التي أحدثتها النهضة في بنية فكرها هم العلمانيون الجدد أو الإسلاعلمانيون إن جاز التعبير ، فهم يرون فيما فعلته النهضة اضطراراً أنه الواجب والضروري وكأنهم يحمدون الله أن قيض الله لتونس بورقيبة ليعلمنها هذه العلمانية شبه الشاملة فتضطر النهضة إلى القبول بما يزيد قليلاً أو كثيراً عن العلمانية الجزئية .
للاطلاع على ال 27 تعليلاً لعدم مطالبة حركة النهضة بالتنصيص في الدستور على أن تكون الشريعة هي مصدر التشريع ورد فؤاد أبو الغيث عليها :
http://awraq-79.blogspot.com/2012/04/blog-post_08.html
ابراهيم عثمان
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.