moaney [[email protected]] لم نعش ذاك الزمان ولكن نقلتنا إليه البلابل عبر أغنيتهن "قطار الشوق" ومن قبلهن "زنقار " في خالدته "من بف نفسك يا القطار" والعديد من الأغنيات التي رسخت ذكرى الخط الحديدي -رغم هلاك أوصاله- في أذهان كثيرين ممن ارتبطت به حيواتهم ومعاشهم في زمان مضى. وبقيت ذكرى الخط في نفوس كثير من السودانيين على طول امتداده في أراضي السودان ،فقد كان يمثل أحد أطول الخطوط الحديدية بالقارة الأفريقية ، وبمروره خلال رحلاته لا بد أنه كان يداعب أرواحهم ،يفرحها أو يشجيها ، فمنهم المنتظر لهفة للقاء عزيز أو المتحسر أسى لفراق آخر (شاله القطار). المرة الأولى والوحيدة التي حظيت فيها بالسفر عبر القطار كانت في العام 2008م في رحلة من القاهرة إلى الإسكندرية ، ورغم أنه لا ذكريات سابقة لدي عن هذه الوسيلة الموحية إلا أنني استحضرت وجوده من كتابات تلوستوي وديستوفسكي . واستلهمت الروح الأخاذة التي ارتبطت بالقطار على مر العصور وفي مختلف الأمكنة ، فهو منجم حافل بالأفكار التي تولد القصص والروايات مثل الرواية الشهيرة التي أصدرتها الكاتبة الانجليزية أجاثا كريستي " جريمة في قطار الشرق السريع" .وهناك كثير من الأدباء جمعوا أدوات أعمالهم وأجوائها من ارتباطها بالزمان والمكان الذي يقطعه القطار. يبدو أننا سنسترجع ذاك الزمان، فولاية الخرطوم عزمت على استخدام خطوط السكة حديد داخل الولاية لتسيير قطارات تعمل على تسهيل حركة المواطنين .وفي مشروع آخر هناك خطة لربط مصر والسودان عبر خط حديد الخرطومأسوان ، وكذلك هناك نظر في إعادة تأهيل خط سكة حديد الخرطومبورتسودان. بالإضافة لخط السكة حديد الذي يربط بين مدينة جوبا وميناء مموباسا الكيني. أما على المستوى القاري فهناك مشروع السكة حديد القاري الضخم الذي يربط بين بورتسودان وداكار بالسنغال مروراً بتشاد، مالي، النيجر، ناميبيا، بوركينافاسو،ليبيا، الكاميرون وغينيا. هذا المشروع الذي تقدم به السودان لمنظمة المؤتمر الإسلامي وتمت إجازته في مؤتمر السنغال عام 2008 م تبلغ تكلفته حوالي ستة مليارات دولار، ويتوقع له إذا تحقق فسيكون نقلة نوعية في مجال تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والسياحية بين الدول الإفريقية التي يمر بها. لو تم تنفيذ هذه المشاريع واستعادت محطات القطارات شعبيتها فإن الاقتصاد السوداني سيختصر تكلفة وأعباء كبيرة تثقل كاهله بسبب ارتفاع تكلفة النقل الجوي والبري عبر السيارات والباصات . والسودان بمساحته الشاسعة مؤهل للاستفادة من كل محطة يمر بها أي من هذه القطارات سواء أكان داخل ولاية الخرطوم أو شرقاً بين بورتسودان ودول إفريقيا أو شمالاً بين الخرطوموأسوان أو جنوباً بين جوبا ومموباسا . انتقد كثيرون خطوة ولاية الخرطوم بتأهيل الخط القديم قائلين أن الخطوط الشبيهة في المنطقة العربية يتم تدشينها على أحدث المستويات وضربوا مثلاً بقطار دبي ، وبالرغم من أن هذا الحديث يوافق هوىً وتمني بضرورة انشاء قطارات أنيقة وسريعة إلا أنه لا بأس من الاستفادة من قطارات تاريخية تجدد العصر وتحافظ على البيئة. فقطار الشرق السريع الذي تمتد رحلته من باريس الى اسطنبول مروراً ببودابست وبوخارست وفارنا بقي على حاله منذ أول رحلة له والتي قام بها صانعه البلجيكي جورج ناغلماكرز في عام 1883 مع نحو 40 راكباً بدعوة منه ، وازدهر نشاطه عند الحرب العالمية الأولى والثانية وهو منذ عصور يجوب أوروبا دون أن يكل أو يمل . لو تم تأهيل هذه القطارات بشكل يحفظ قيمتها التاريخية وفي نفس الوقت تكون لائقة للاستخدام البشري ، فلن يكون هناك أجمل من أن نجوب بها السودان ونستعيد العصر القديم وزمانه العامر بالبهجة والبساطة والإلفة.وعند كل محطة من محطاته ستتفتق أجزاء من ذاكرة مرحلة تاريخية ،وعند كل رحلة من رحلاته سيتمثل أحد مشاوير العمر ، وعند مروره على الدروب القديمة سيشجو الحنين واللهفة ولوعة الانتظار . عن صحيفة "الأحداث"