كتب معاوية نور مقالة استهجن فيها انعقاد حلف الإنجليز ورجالات الإدارة الأهلية في أعقاب ثورة 1924. فرأى الاستعمار في الثورة مثابة عض المتعلمين السودانيين يد محسن إليهم أوجدهم من عدم. وكلمة معاوية في لؤم الإنجليز وردتهم من الإدارة المركزية، التي أحسنت للمتعلمين، إلى الإدارة غير المباشرة، أي الإدارة الأهلية، مما سماه محمود محمداني، عالم السياسة اليوغندي، ب"خيانة الاستعمار" لمهمته الأولي وهي "تمدين الأفارقة". وإذا به يتنازل عن هذه المهمة عند أول مشقة ويتحول من التمدين إلى سياسات الضبط الإداري خوفاً على وجوده ذاته. فوجد الإنجليز في الإدارة الأهلية مناعة تقيه شر الحركة الوطنية الناشئة. ويخطئ من يظن أن الإدارة الأهلية، التي شرع لها الإنجليز بعد ثورة 1924، تنظيم تقليدي سوداني. لقد اشتغل الإنجليز على خامة هذا التنظيم وأخضعوها لأغراضهم الإدارية. فصار رجل الإدارة الأهلية مساءل للمفتش الإنجليزي عن إدارته لا لجماعته القبلية. وبلغ من سعي رجل الإدارة الأهلية لإرضاء الإنجليز في مضمار جمع الضرائب مثلاً أن سموه ب"كلب الحكومة". صار القول بوجوب سياسة تتخلص من الإدارة الأهلية عيباً يتحمل الحزب الشيوعي وزره. ولكن سبقت الحزب إلى هذا المطلب حركة الخريجين الحديثة كما سنرى في مقال معاوية نور المنشور بالجزء الثاني من كتبه "قصص وخواطر". وأبقى الشيوعيون نار المطلب حية بواقعية وبراغماتية تجسدت في مذكرة الشفيع أحمد الشيخ، وزير شؤون مجلس الوزراء، إلى مجلس وزراء ثورة أكتوبر 1964 وتعديلات المجلس عليها كما كتبت عن ذلك منذ سنوات. وهي ضريبة دفعها الحزب قرباناً للحداثة بينما تهافتت البرجوازية الصغيرة بين تصفيتها برعونة كما فعلت مايو في 1972 وبين الاعتذار عن حلها والتوبة عنه لمّا أخرج الريف أثقاله وقالت الصفوة ماله. وتمحنت. اشتكى معاوية نور في مقاله من عدم اعتراف الحكومة ب"الفئة المستنيرة" وحرمانها من نصيبها المستحق في حكم البلاد في حين منحت رجال الأهلية بعض سلطات في مناطقهم. ومن رأيه أن لو ظلت الإدارة بيد الإنجليز مباشرة لخير من أن تكلها للمشائخ من اشتهروا ب"سلطة مطلقة جاهلة عمياء في النهي والأمر" بين أهلهم. وتوقع معاوية أنه متى تسلم المشائخ مقاليد الأمر انتشرت الرشوة، وقامت المحسوبيات والحزازات، وتدهورت الحياة الخلقية للريف. ولم يكن قصد الإنجليز من حلفهم مع "أنصار الجهل والقديم"، براي معاوية، سوى تمديد أجلهم بالبلاد. ووصف هذه السياسة بقصر النظر تثير حفائظ "أنصار النور والعلم والعدل" وتخسرهم. ولمس معاوية عن كثب احتجاج المتعلمين على جنوح الإنجليز للتحالف مع رجال الإدارة الأهلية بعد ثورة 1924. فقال: "إنني ما تحدثت إلى سوداني له نصيب من المعرفة في زيارتي الأخيرة سواء من المتعلمين في المدارس الحديثة أو من المتعلمين تعليماً دينياً إسلامياً إلا وكان مر اللهجة شديد الاستياء من هذه الارستقراطية الجديدة، ارستقراطية الجهل والرجعية". واستنكر معاوية على مثل إنجلترا التي لها تاريخ حضاري أن ترتد إلى هذه الرجعية في السودان وأفريقيا عامة. فقد أرادت بممالاة المشائخ، في نظره، تحنيط السودان في حالته الأولى وتثبيط كل عوامل الرقي والحضارة. كانت دعوة الشيوعيين لتصفية الإدارة الأهلية (بتوضيحاتها) خلال ثورة أكتوبر ولاءً عند مقتضى الحداثة في حين تفرقت البرجوازية الصغيرة أيدي سبأ حول المسألة إلى يومنا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.